كـتـاب ألموقع

صناديقنا الفارغة// حسين السنيد

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

صناديقنا الفارغة

حسين السنيد

 

حين شهقت الشهقة الاخيرة  وسرى برد الموت في شراييني, شعرت ان اناملي تفقد شيئا فشيئا دفئها. بدء البرد يسري من منطقة القلب بالضبط,احسست بسريان البرد من هناك ثم انسال الى باقي الجسد, هل شاهدتم غروب الشمس من قبل؟ حين تبدأ الشمس بالافول, لاتستسلم السماء للظلام فورا بل تقاوم.. فتحمر وتحمر قبل ان يعلن الليل انتصاره وحينها ترضخ وترتدي السواد. والموت, يستهدف شموسنا اللافحة.. قلوبنا, وحين يبدأ القلب يضخ الموت البارد, ستعرف انه غلبك, فتستسلم وتغمض عيونك منتظرا الانطفاء النهائي لجذوتك .

تغمض عيونك .. لكن تستمر ترى عبر غربال ,وجوها تحتشد امامك وتسمع طنينها, لن تعرفها في بادئ الامر ولكن ستعرف بعد حين انها وجوه اطفالك واخوانك واصدقاءك. سترى وجه ابيك في شبابه وامك في مشيبها, وطفلك في يوم ميلاده وزوجتك في يوم العرس. تبدأ الوجوه تذوب في الظلام وينمحي الطنين في السكوت.. تاركا خلفه دويا مكتوما, وانت تبقى وحيدا .

انا ميت الان ..سمعت في آخر لحظاتي ضوضاء وكلاما مشوشا وكان الزبد يسيل من فمي. اختفى كل شيئ بعد لحظات, الان لا اسمع شيئا والمشهد امامي اسود تماما بعد ان الموت طوح بي في بئر عميقة, لا افق ولاضوء ولا صوت .. والبرد ايضا غادرني, صرت لاباردا ولا حارا, لا حركة ولاسكون, اشعر اني اطفو في فضاء لا اراه .

لا اعرف كم بقيت في هذا الفراغ الواجم. قبل ان يتلاشى الظلام تدريجيا و يبزغ ضوئا ما. وكأن الشمس اشرقت من جديد, ولكني لم اشعر اني فتحت عيوني. صار الضوء شمسا, حاولت ان انطق فلم استطع, حاولت ان اتحرك فلم اقدر. وتذكرت اني ميت !!

وبعد مدة .. ظهر صندوق معلق من نقطة مضيئة , وكأنه كان ملفوفا بالضباب وظهر فجأة  فوقي تماما , كان الصندوق كبيرا  يتهزهز ويصدر صريرا بحركته هذه .

انا ارى لاول مرة ..منذ موتي .

قال صوت بعيد ولكنه مسموع, مقتحما اذني من كل الاتجهات .

 

-    انت ميت الان ...

لم احاول ان اجبه  لاني كنت حاولت تحريك شفتاي من قبل ولم انجح. كرر الصوت قوله:

-    انت ميت الان ...

حاولت ان انطق .. فانسالت الكلمات من فمي بسهولة هذه المرة.

 

-    اين انا ؟؟ اين هنا ؟؟

-    انتهت ايامك .. انه وقت الرحيل.

-    هل يمكن تاجيل الامر؟؟ لي اسرة واطفال واعمال واماني وامال واصدقاء ..

-    لا للاسف .. لايمكن التاجيل.

تأففت يائسا ..وقلت:

-    ماهذا الصندوق المعلق ؟؟

-    هذا صندوقك .. فيه كل ما يتعلق بك .

-    كل ما يتعلق بي ؟؟ كل ما املك ؟

-    كلا .. كل ماتملك صار ملكا للارض من بعدك ..

-    و الذكريات؟ ماذا عن ذكرياتي وايامي؟ اصدقائي؟ طفولتي وشبابي؟

-    ذكرياتك اصبحن للزمن.

-    واطفالي ..اسرتي ؟ زوجتي؟ ابي وامي واخواني؟

-    كل اسرتك كانت شيئا مؤقتا ... انها كانت ملك لقلبك. وقلبك متوقف الان.

قلت ساخرا :

-    ماذا في الصندوق ؟؟ هل هو جسمي؟

فرد الصوت :

-    جسمك اصبح للغبار الان .

-    على ماذا يحتوي الصندوق .. افتحه لي.

نزل الصندوق ببطئ ومع لحظات نزوله البطيئة والثقيلة احسست باني استطيع ان احرك يدي, فتحت الصندوق بلهفة وكان الصندوق فارغا!! انتابتني موجة من العصبية وصرخت بجنون

-    لا املك شيئا ؟؟؟؟؟

-    نعم ..لا تملك شيئا.

-    كل حياتي ؟؟ ماذا املك ؟ لماذا صندوقي فارغ

قال الصوت :

-    لحظات الحياة كانت ملك لك .. كل لحظة وكل ثانية كانت لك انت .. وصندوق حياتك فارغ وخال من اللحظات. اسف لك ..انك لم تقدر هذه اللحظات.

صرخت :

-    وعملي ..دراستي ..حبي ..شبابي ..اطفالي ..اسرتي ..بيتي ..

مراهقتي في الدروب الضيقة؟ قبلتي الاولى على شفاه الحبيبة؟ الضحكة الاولى لطفلي؟ انا رجل يملك كل شيئ ..كل شيئ

قال الصوت و كان اصبح قريبا لي جدا ..و كأنه ينطق من صدري:

-    كل ما ذكرت .. كانت لحظات حياتك ودقائقها وثوانيها ,كانت لك حياة جميلة؟ فهل كنت تعرف قيمة ما تملك من جمال اللحظات؟ لو كنت لما كان صندوقك فارغا .

 

قال هذا .. ورفع الصندوق و ضاع في مدى غير واضح. ورجعت انا رجل ميت , من غير لحظات .