اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

المغرب للجزائريين حبيب (5)// مصطفى منيغ

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

مصطفى منيغ

 

عرض صفحة الكاتب 

المغرب للجزائريين حبيب (5)

مصطفى منيغ

الرباط : المغرب

 

قد تلعب بعض الصدف ، دور المنبّه وإن كان عابراً يظل رنينه دون توقُّف ، أو من تأثيرات الإزعاج محذوف ،  يمتحن تصرّف المتعرِّض لإحداها في مستوى اليقظة من ضربات  سيف ، أو الانحناء مضيِّعاً من حيث الكم والكيف ، ما زرعه مخالفاً للعُرف ، تحت ضغط الخوف ، من مجهولٍ حاضرٍ غائبٍ غير معروف ، مجرّد لحظة من قياس ثانية تجمِّد الحركة لدى مُعَطَّل الحدس السادس المُكتسب عن نعمة الفطنة الملتصقة بذهن السابح وسط بحور مهنٍ لا تليق بمحدودي التكوين الفكري السياسي التقني الثقيل وليس الخفيف ، لحظة صادمة قادرة على تفكيك مخطَّط انصرف صاحبه لبالغ اهتمام صباح مساء كي يتماسك في تنفيذه مع توقعات النجاح الكامل وما قارنه من النصر الشامل يضيف ، أو الفشل الخازن لما أقلّ القليل فيه مُخيف ، ولكلٍ من الخاصيتين موقف ، المفروض معه عدم فقدان السيطرة ، للخروج مِن كلتا النتيجتين بأضعف خسارة ، طبعاً في مثل المواضيع حتى النجاح تتخلله خسارة ، وإن تباينت بين البسيطة والمُركَّبة  تبقى حاجزاً قدَّام تحقيق الغاية المثالية ، أقربها أن ينصفك المسؤول عن جعل هذه الصفة المبدئية سائدة في محيط تدبيره للشأن العام الوطني ، بالتأكيد التضحية لا تتطلَّب المقابل إن تعلَّق الأمر بخدمة مصلحة الوطن العليا ، لكنها فرصة تكون (فيما بعد) لتُسَمَّى الأشياء والوقائع والأحداث بأسمائها الحقيقية ، ويتوصَّل في شأنها كل ذي حقٍّ بحقِّه ، مع كلِّ إضافة أضمُّها لنفس العنوان يفهم مَن يريد الفهم أن الزرع لمن قضي أغلبية عمره يتعب، وليس الحصاد لمن قضاها يلعب .

 

... سمعتُها توشوش في أذني : "أنا هنا اسمي جليلة حافظ" ، بعدها بدّلت حافظ بعابد ، لتكون "جليلة عابد" ، لا هي الأولى ولا الثانية بل الثالثة التي أعرفها باسمها الحقيقي ، وجذورها الأسرية الأصلية ، قَطَبَت حاجبيها مبدية الحيرة والتعجب في آن ، كنتُ مُلِّماً بما يبدو على محياها من تغيير يساير حالات ، لذا لم تكن من الصنف الذي يُظهر شيئاً ويخفيه في ذات الوقت ، ممَّا يؤخِّر تعاملها مع المطلوب ، ساعة الخضوع للكشف المعمَّق عن الشخصية الأصل والتفريق بينها وأخرى تقمَّصَتها ، لسبب من الأسباب ، سهل بعد ذلك اكتشافه . لم تكن تدري أن الحقيقة للفهم السريع شقيقة ، لَدَى المتيقِّن أن الظروف ، بعضها عن التأثير البالغ مداه موقوف ، حيال القادر على التكيّف المباشر دون إبراز أي تكليف ، ومهما برع الرقيب البشري يضيع مع جزئيات يعتمدها لبلوغ الناتج المعروف . الاطلاع على النظرية لا يساوي إتقان تطبيق ما ترمي إليه لتغيير ولو الجزء البسيط الواضح في كلمة واقع (الجزائر الرسمية في تلك المرحلة من حكم الهواري بومدين المُطلق) ذي الأربعة حروف ، واو الوقيعة  وألف العلّة وقاف القسوة  و عين العذاب بأشد الصُّنوف .

 

... تعلّمتُ من مدة الإصغاء الجيّد ومتى فهمتُ الجوهر لا استفسرُ عن الباقي ، سمحت الفرصة بذلك أم حضرت وراحت لسبيلها تاركة الرنين المزعج يطارد الهدوء ولو لدقيقة ، حالما التحقَ بنا الأستاذ والموسيقار تيسير عقلة السوري الجنسية ، رئيس جوق الإذاعة والتلفزة الجزائرية ، الذي عانقني بحرارة الصداقة المتينة التي تجمع كلانا على الودّ والاحترام ، فتأتي المفاجأة الثانية حينما قدمت لي جليلة عابد الرجل بأنه زوجها ، فلم أجد غير التهنئة أقدمها لهما معا معبرا عن سعادتي بالحدث . حاولتُ الانصراف فأقسم تيسير أن يوصلني حيث أريد ، فلما أخبرته بإقامتي الجديدة في "لامدراغ" مدني بخبر ما كنتُ أتوقَّع الولوج بفحواه للبند الثاني من مُخطَّطي المُبيَّن سابقاً ، إذ سمعته وهو يقول بالحرف : "اشتغلُ في "لامدراغ" عازفاً لآلة الكمان في ملهى ليلي ، وبالمناسبة ادعوك لتسهر معنا هناك ما دُمتَ تقطن نفس المنتجع".

 

... وكر الشيطان ذاك الجامع لمريدي المُجون ، داخله بكل التهم مطعون ، والخارج منه مترنحاً شبه فاقداً للوعي ملعون ، مُرغماً وجدتً نفسي ممثِّلٍّاً الانسجامَ رفقة أناس نهارهم بوجه متجهّم عبوس ، يحرسون نظاماً لا فرق عنده إلا لحظة مباركة المخلصين له بترك أيديهم تطال أعناق المشكوك في أمرهم ، تخنق أصحابها في زنزانات التعذيب الجهنمي ،  وليلاً يتراقصون كقش يتطايره ريح المسخرة ، في قاعة لكل أنواع التفاهات مُسخرة . بعد وصلة دامت نصف ساعة أبدع خلالها الفنان تيسير عقلة ما سحر به ألباب الحاضرين بمعزوفات تخلَّلتها فقرات العزف المنفرد الذي أظهر به أنه وريث أنغام أبي الحسن علي بن نافع الموصيلي المُلقَّب بزرياب ، غادر المنصة المخصصة للأركسترا متوجهاً صوب الطاولة المُعدَّة لي بتوصية منه لنتناقش في أمور تتعلق بما كلفته إدارة الإذاعة والتلفزة بإعداد ألحان تصاحب برامج هامة يدشّن بها رئيس الجمهورية إخبار الشعب بسلسلة إصلاحات جوهرية ، لحد اللحظة لا يعرف عنها شيئا ، ملمّحاً لي  ، وهو يلتفت شمالاً ويميناً ، أنني كُلِّفتُ بتأليف نصوص تلك البرامج والإشراف على تسجيلها ، عَلِمَ بذلك والمدير يتحدث هاتفيا بحضوره مع وزير الاعلام ناطقا باسم مصطفى منيع المنكب على إعداد مثل العمل الضخم ، ظناً أنه لا يعرفني ، أو تجاهل وجوده ، أو شيئا من هذا القبيل ، تعمَدتُ تغيير الموضوع بالحديث عن "الحاج محمد العنقةّ" المشتغل في نفس الملهى ، المنهمك في تلك الآونة على أداء أغاني من الفن الشعبي الجزائري الأصيل العتيق ، الذي صراحة لا يليق ترديد قطعه الشهيرة في مثل المكان المتصاعد منه ضوضاء المتجرعين كؤوس صَهْباء الحسن بن هانئ.

 

... بغتة أقترب مني شخص أعرفه موظفاً بالإذاعة المذكورة ليخبرني أن الأديب العالمي "كاتب ياسين" يرغب في مقابلتي لأمر هام غداً مساء إن أمكن، سينتظرني قرب مدخل المؤسسة في منتصف النهار تماماً ، طمأنته عن حضوري في الموعد المُحدَّد . هنا تيقنتُ أن جهاز المخابرات ورائي تتقصَّى أخباري وتحركاتي أولا بأول ، وأن حلقة أخرى مُضافة لسلسلة تجرني لآخذ الحيطة أزيد فأكثر، وعليّ بتحديد ساعة الصفر للحدث المشهود من ذاك الفجر ، وخيوطه بدت تتسرَّب من علياء ميناء "لامدراغ" الذي توجهنا إليه نحن الثلاثة (العبد لله والحاج العنقة وتيسير عقلة) للتمتُّع بأكل السمك المشوي في وسط خاص ببحارة ، اغتنمتُ الفرصة لأسمع لتوضيحات أحدهم ، اتخذتُها أثمن معلومات حصلتُ عليها بسهولة ما كنت أتصورها أبداً.

 

ينتظرني وجدته بمدخل المؤسسة ، فطلب مني مرافقته إلى البيت ، لأستمع إليه بإمعانٍ يقول : "حدثوني بما يملكون عنكَ من معلومات ، ومع ذلك لم أقرِّر مقابلتكَ حتى استمع (على انفراد) التسجيلات الكاملة لمسلسلكَ "الشيطان" وأخيراً اقتنعتُ أنَّني وجدتُ المدخل الرئيسي لإنجاز ما كُلِّفتُ به على الوجه الأكمل المُتَّجه صوب ضمان عالمية انتشاره وإن اعتمد اللغة العربية كنص . حتى أضعكَ أستاذ مصطفى منيغ في الصورة بكامل التفاصيل أبدأ من البداية ، لقد اتصل بي صديقي العزيز وزير العمل "المعزوزي" وطلب مني الإشراف الفعلي على عملٍ مسرحي ضخم أطلقَ عليه الرئيس "هواري بومدين" شخصياً عنوان "المسيرة الحمراء" لمواجهة مسيرة الملك الحسن الثاني الخضراء إعلامياً ، بوسائل تعبيرية تجزم أن الجزائر في رفضها محاولة المغرب الهجوم واحتلال الصحراء الغربية على حق والمغرب على باطل ، طبعاً في سياق حكاية خارجة عن المعتاد ، تُؤرِّخ بحرية مزج الإحداث بالمناسب من المواقف المعارضة المقصودة سياسيا لنصرة الطَّرح الجزائري ، المبني على رؤية السيد الرئيس في جعل تلك المنطقة الخاضعة للنفوذ الاسباني ، بين يدي أصدقاء الجزائر الصحراويين ، الراغبين في تأسيس دولة خاصة بهم ، تكون على وفاقٍ تامٍ مع الجزائر مهما كانت المجالات ، في إطارٍ من التَّدبير المشترك ، المُنتهي أجلاً أو عاجلا ً بوحدة الطرفين (الجزائري / الصحراوي) لصالح المنطقة . تعلم صديقي منيغ أنني لا أتقن العربية  ، حتى كلامي معكَ في مجمله يتمّ بالفرنسية ، لذا المطلوب منكَ كتابة النص باللغة العربية ، بتقنية الحوار المسرحي الذي لك فيه ما تُبدع بشهادة الكثير من الإخوة المهتمين بفن التمثيل والإخراج المسرحي ، طبعاً سأزوّدكَ ببعض الأفكار ، خاصة ما يجسِّم منها الرَّغبة الجزائرية الرسمية بإبراز أحقية الجزائر في إبطال طموح الملك المغربي المندفع لوضع يده على بقعة أرضية إستراتيجية الموقع ، بهدف قطع الطريق على طموحات الدولة الجزائرية مستقبلاً ، وما تسعى إليه من توحيد أجزاء محورها الجزائر العظيمة القوية الغنية ، فما رأيك؟ . أجبته بكلمات أربعة وحرفين:"سأفكِّر في الموضوع وأردُّ عليك . حاول إبقائي لسماع أي تعليق عمَّا ذكره ، لكنني اعتذرتُ عن تلبية ما يريد ، بل طلبتُ منه السماح بالانصراف لموعدٍ المفروض أن احترمه مع مدير الإذاعة والتلفزة الجزائرية بعد نصف ساعة من تلك اللحظة .

 

... كنتُ قاسياً جداً مع "كاتب ياسين" بذاك التصرُّف الجاف ، حتى لا يظن أنني سهل المنال ، متسامح مع أي محاولة تعكِّر لي البال ، حينما أُخَاطَبُ من بُرجٍ ممَّن بصوته المتعجرف عليَّ أطَلّ ، داخل بيت شممتُ فيه رائحة التسجيل عن بُعد وسمعتُ  وَقْعَ أصواتِ أزرارٍ حالما تُضْغَطُ بأنامل أصحابها غابت عليهم ، أنّ وضعية المسافة الضيّقة المدى ، تقرب إحساس المَعْنِي داخلها ، بما يُبْذَل في الخفاء لغير صالحه ، لهذا أراد "كاتب ياسين" ان يتمَّ اللّقاء بيننا في بيته وليس في أيّ قاعة من قاعات المؤسسة المتاحة لنا نحن الاثنين . ما طَرَحَهُ عليَّ يُبْقِي إقامتي في الجزائر محفوفة بمخاطر لا حصر لها ، من جوانب لا تغيب عن الساكن في كيانه عشق المغرب / الوطن ، حقيقة كنتُ قي مستوى مواجهة جهاز المخابرات الجزائرية الراغب بأكثر من طريقة الالتفاف حول أهمّ رغباتي قبل اختياراتي ليستعدَّ مُسبقاً ، متى وقعتُ في الفَخَّ استفاد من إقناع الرئاسة بصدقية شكوكه في أمري ، منذ الآونة التي حقَّقتُ فيها ، وبسرعة فائقة ، أن أكون رقماً في معادلة النشاط الفكري الجزائري بمجمله ، خاصة في الوسط الإعلامي ومركزه الرسمي ، هذا من جهة أما الثانية تتلخص في أمرين إحداهما الامتثال المُقارن بالدليل لما يُطلبُ مني مباشرة أو بوسائل غير مباشرة ، يصبّ في الانحياز التام للطرح الجزائري ضمن  إطار تخصصي المهني ، وثانيهما بيع مبادئي ، والتزاماتي مع ضميري ، فلانسجام المادي ما دامت السياسة المتَّبعة في ذاك المقام / الدولة  بغير روح تُحَرِّكُ وتتحرَّكُ بمُفَاعِلٍ طاقته الوحيدة عبيد نظام منتظم على كلمة صادرة من رئيس وكفى ، ومع الوضعيتين الاثنتين أكونُ خاسراً نفسي أولاً، وجنسيتي ثانياً، ومقامي المتدحرج سيكون لمستنقع يبلع مَنْ وسطه يَقَع، بالنسبة للجزائريين المتيقنين أن الخائن وطنه خائن لأوطان غَيره، فالأحسن اتِّقاء شرِّه. (يتبع)

 

مصطفى منيغ

سفير السلام العالمي

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.