كـتـاب ألموقع

• بساتين النخيل تستباح في البصرة *

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عبد الرضا المادح

بساتين النخيل تستباح في البصرة *

 

  2010 03 29

 

                        ســلام على هــضبات العـــــراق

                                                        وشـــطيه والجــرف والمنحنـــى

                       على النخـل ذي السـعفات الطـوال

                                                       علـــى ســـيد الشـــجر المقتنــــى

                       علـى الرطــب الغــض اذ يجتلــى

                                                        كـــــوشى العروس اذ يجتنــــــى  *

 

عُـرفت مدينة البصرة منذ مئات السنين بأنها جنة البستان ، حيث تنتشر غابات النخيل على اراضي واسعة منها ، من بداية شط العرب عند ملتقى النهرين حتى جنوب منطقة السيبة قرب مصبه في الخليج ، وكانت الغابات تمتد بعيدا ًعن ضفتي الشط ، بفضل شبكة واسعة من الانهر والقنوات التي حفرت بسواعد الاف البصريين والزنج ، فاصبحت البصرة بحق جنة تجري من تحتها الانهار ، وكانت الشبكة تشكل مبزلا ًعظيما ًلتخليص التربة من الملوحة ، وبيئة صالحة لعيش الاسماك ، وجهاز طبيعي لتلطيف الجو الساخن ، ولم تقتصر الغابات على اشجار النخيل ، بل كانت تثمر فيها اشجار الرمان ، العنب ، التين ، السدر .... ، الطماطة ، الخيار ، الباذنجان ... واصناف عديدة من الخضروات .... وكانت كذلك موطنا ً صالحا ً للبلابل ، الببغاء ، الهدهد ، البط ، البجع ، النوارس ، الفخاتي ، زرازير البراري ، الخنازير ، القنافذ ، الثعالب وغيرها ، هذا بالاضافة للحيوانات المدجنة التي كان الفلاحون يربونها في بساتينهم من البقر ، الغنم ، الماعز ، الدجاج ، البط ، الخيل ، الحمير ، كما كانوا يربون النحل ليحصلوا على عسل ممزوج بحلاوة التمر .

هذه الصورة الجميلة بدأت تتشوه منذ بداية سبعينات القرن العشرين ، فكان قرار بناء معمل الاسمدة الكيمياوية على ضفة شط العرب وسط غابات النخيل ، طعنة في خاصرة النخيل تركت اثار سيئة على البيئة ، رغم تحذيرات المختصين حينها من كلية الزراعة في جامعة البصرة ، ثم توالت الكوارث نتيجة السياسات الغبية وكانت الطامة الكبرى ، هي الحرب العراقية الايرانية فأجتث النظام اعناق ملايين النخيل لتوفير ساحات لصولاته البدوية ، كما اجتث اعناق البشر وزج بالاف الفلاحين وقودا ًللحرب الهمجية ، بعدها خاض حرب رعناء اخرى لتستكمل بحصار لا انساني اسهم بتدمير البشر والارض .

استبشر العراقيون بالخلاص من النظام الهمجي ، ولكن الفرحة اغتصبت مرة اخرى ، فالتغيير لايجري برمشة عين ، خاصة اذا كان اصحاب القرار تربوا في ثقافة الحصار والفساد وقيم البعث التسلطية التي نخرت الروح الوطنية عميقا ًواصبحت قيم الانانية ، الجشع ، الاستحواذ ، استغلال السلطة للاثراء هي لغة القوم للاسف .

واليوم تستمر تراجيديا النخيل ، فانخفاض منسوب المياه في شط العرب نتيجة للسياسة المائية لجيران السوء ، ادى الى ارتفاع مياه البحر ونسبة الملوحة في التربة ، وطمرت عشرات الانهر والقنوات بسبب سياسة البناء الافقي الساذجة ، ونتيجة لذلك هجر الفلاحون الزراعة ، وهاجرت الطيور بلا عودة واختفت الاسماك من الانهر ، كما تنتشر في المدينة لافتات تعرض اراضي للبيع فتكتشف انها اراضي زراعية ( يستثمرها ) تجار العقارات ليحققوا ارباحا ًبالملايين ؟! حيث يشترون عشرات الدونمات الزراعية و يفرزوها لتباع كأراضي بطابو مشترك ، ثم يجري البناء فيها تحت عين الشمس بعد أن ازيل عنها ظلال النخيل ؟ ولا ادري كيف تسمح بذلك دائرة التسجيل العقاري في البصرة وكذلك البلدية وماهو موقف مجلس المحافظة من ذلك ؟  وهناك حديث في الشارع بأن بعض المسؤولين يمارسون نفس اللعبة ؟ بالتأكيد أن وزارة الزراعة تتحمل مسؤولية كبيرة في التصدي لذلك لانقاذ ماتبقى من ثروتنا المهدورة ؟

الصورة القديمة المرفقة تظهر غابات النخيل على ضفة شط العرب من جهة التنومة ، وياللكارثة فقد اختفى هذا المشهد الرائع واختفت معه انواع عديدة من التمور الحلوة المذاق ؟!

.........................

 

البصرة

 

* نشر المقال في جريدة طريق الشعب العدد 148 / السنة 75 .

** اضفت لاحقا ً الابيات الشعرية للشاعر الكبير محمد مهدي الجواهري .