اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

مقطع من رواية قنابل الثقوب السوداء// ابراهيم امين مؤمن

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

ابراهيم امين مؤمن

 

عرض صفحة الكاتب 

مقطع من رواية قنابل الثقوب السوداء

ابراهيم امين مؤمن

 

بعد شهر من المظاهرات، تأمّل مهديّ الموقف جيدًا، ووجد أنّ الثورة في الخارج وصلتْ إلى مرحلة خطيرة تنذر بدمار الدولة كلّها، وكي يتحاشى ذلك وجد أن الانقلاب على رئيسه وتغيير النظام بات أمرًا لابد منه. ووجد أنه من الضروري وجود الثوار في الشوارع ليكتسب شرعية الانقلاب من جهة، ومن جهة أخرى ليشدوا عضده، ويأخذوا بيديه حتى يتمكن من السيطرة لوأد النظام.

ولقد تبادل المجلس العسكري الحديث معه بهذا الشأن.

قالوا: «سيادة الرئيس، هل تظنُّ أنّه سيرسل إلى رؤساء الدول الحليفة لإرسال قوات تدخل مصر؟»

ردَّ مهديّ: «أولاً، أنا لم أكن رئيسًا، ثانيًا، نعم يرسل، وإن لم نُحكم قبضتنا على مداخل ومخارج القاهرة بسرعة خاطفة وبتوقيت لحظيّ فسوف تضيع مصر.»

- «وماذا نفعل حيال ذلك؟»

- «ممكن نعالج هذه النقطة بالمراوغة، يعني ممكن التستر على هويّة الانقلاب، ومراسلة الدول الحليفة للرئيس بأنّ غايتنا امتصاص غضب الشارع فقط بعزل الرئيس، وأن كل الاتفاقيات المبرمة معه (يقصد الرئيس الحالي) لن تتغير.»

- «وهل من الممكن يصدقوننا؟»

- «ليس لديهم بديلاً إلا أن يصدقونا إذا نجحت خطتنا وأغلقنا منافذ القاهرة جيدًا.»

- «هذا خارجيًا، فما شأن الداخل؟»

- «هناك نقاط في صالحنا أحدثها ذاك العار مثل انهيار الاقتصاد، وإمضاء الاتّفاقيّة الرباعيّة، وبيع الفندق المصريّ هيلتون طابا، كلّ هذه النقاط سوف تجعل الانقلاب أمرًا يسيرًا.»

قالوا بصوت واحد وبقلب رجل واحد: «إذن، توكلنا على الله.»

قال: «ولنبدأ الخطة إذن، أرسلوا إلى قوّاتكم العسكريين ذوي الخبرة التقنية كملاحي الطائرات، وقائدي الدبابات، ومهندسي الاتصال وغيرهم لتكون على أهبة الاستعداد لانتظار العمل الذي سنكلّفهم به، نحتاج الآن إلى قوة مرنة الحركة سريعة الضربة، ومِن خلفهم أو أمامهم تساعدهم أيديولوجية الشعوب الثائرة، ومن المدنيين الأحزاب الراديكالية والحركات الأيديولوجية، تلك هي النواة التي سنضرب بها ضربتنا.» سكت هنيهة وهو ينظر إليهم واحدًا واحدًا ثم قال: «فهل هم على أهبة الاستعداد؟»

قالوا: «لا تخشَ سيادة الوزير، هم على أهبة الاستعداد، لقد خططنا لذلك سلفًا، لقد اخترناهم مِن خلال خلفياتهم الاجتماعيّة ورؤاهم الأيديولوجيّة وتاريخهم المهنيّ، وهذه الأمور الثلاثة تتناسب والمشاركة في الانقلاب.»

- «نريد أن نتحرك ضد الرئيس وتضامنًا مع ثورة الشعب بالحيلة والحذر، أريد أن يظنَّ الرئيس أنّنا معه وليس ضده حتى نستطيع أن نضرب ضربتنا، ولذلك، عليكم بإجراء جميع الاتصالات شفاهة، ولا تكتبوا شيئًا على الإطلاق، ثمّ توفير المعلومات لأنصارنا بقدر حاجتهم فقط، دون زيادة.»

- «تمام يا سيادة الرئيس.»

وافتتح مهدي انقلابه بالانقلاب السياسي، وبدأ بوزارة الدفاع -الذي هو وزيرها- ولمْ تواجه مهديّ أي متاعب من أجل السيطرة على وزارة الدفاع؛ فكلّ كتائبه وجيوشه تحت سيطرته من الأساس، إذْ كانوا يدينون بالولاء له حتى في وجود الرئيس الحالي، ولقد بدأت الخطة بتحرك قوة مِن وزارة الدفاع يقودها أحد زملائه المخلصين مِن المجلس العسكريّ فسيّطروا تمامًا على وزارة الداخلية وقبضوا على وزيرها وأجبروه على صدور أوامر تصبُّ في مصلحة الانقلاب. وهناك بعض الأقسام التي أدركت خطة الانقلاب فخرجوا بقوّاتهم لمناصرة الرئيس، ولكن قد أفشل خطتهم بعضٌ مِن وحدات الجيش وأجبروهم على الاستسلام. ثُمّ هجموا على رموز النظام سواءٍ مِن الوزراء أو أقرباء الرئيس وأصهار. كذلك شنّوا حملات في توقيت واحد على رجال الأعمال الكبار الذين كانوا على علاقة قويّة بالرئيس، وكانوا يعملون بدور الوسطاء أحيانًا بين الرئيس والإدارة الأمريكيّة. اقتحموا قصورهم -التي تمتلئ بمئات الحرّاس- وأمروهم برفع الأيدي والاستسلام مقابل منحهم الأمان. وعلى صعيد آخر، كانت هناك شخصيات قديمة عزلهم هذا الرئيس بسبب مناهضتهم لسياسته، هؤلاء تواصل معهم؛ فخرجوا إلى الميادين ليحرّكوا الشارع أكثر وأكثر ضد الرئيس ويثبتوهم لمصلحة البلد. أما المؤسسات الخدمية –كالصحة والتعليم- فتركها مهديّ إذ أنها لم تكن من خطة الانقلاب لأنها لا تمثل شيئًا في موازين القوى.

 

                     ***

وما زالت أخبار الانقلاب تتردد في أذني فهمان وهو يتابع عبر مختلف القنوات، ولقد تباينت في مضمون أخبار الانقلاب إلى حدٍ كبير، بيد أن فهمان يرجو أن ينجح الانقلاب دون إهدار قطرة دماء واحدة. وجاك بجانبه لا يتركه لحاله ولو لحظة واحدة، حتى عند الانصراف لقضاء بعض شئونه يتواصل معه عبر الهاتف.

 

                     ***

خرج المتحدث الإعلاميّ باسم المجلس العسكريّ على القنوات بجانبه بعضٍ مِن أعضاء المجلس العسكريّ ليخبروهم أنّ الجيش لن يعمل إلّا في مصلحة الشعب، وأنّ المجلس العسكريّ والجيش كلّه فداءً لهم، ولن يقوموا بعمل إلّا إذا كان في مصلحتهم.

تواصلتْ قوات الانقلاب فيما بينها بوساطة أجهزة الترانزستور الثنائية، وذلك مِن أجل تنفيذ الخطة بدقة، فعامل الوقت والسرعة مهمان جدًا، فقد يفشل الانقلاب بسبب تأخر تنفيذ العمليات دقيقة واحدة فقط. وعليهم حرمان القوى الموالية للنظام من التواصل معًا؛ ولذلك قام مهندسو الاتصالات لقوى الانقلاب بالتشويش على اتصالات رجال الشرطة وقوى الجيش المعارضة له، وبعض المهندسين استطاعوا تعطيلها تمامًا. أمّا الهواتف النقّالة والثابتة وكذلك شبكاتهم فقد استطاع المهندسون إسقاطها عن طريق اختراق خوادمها.

وعلى منافذ القاهرة تحركتْ مجموعة مِن قوات الانقلاب لغلقها خشية تدفق أيّ قوات سواء أجنبيّة أو عربيّة توالي الرئيس ونظامه، كما تمَّ اعتقال الدبلوماسيين والسفراء الذين يمتلكون الصلاحيّة والمصداقيّة لاستدعاء قوات مِن خارج القاهرة، وللأسف أفلح بعض مِن رجال النظام مِن التواصل مع قوات أجنبيّة تتمركز على الحدود المصريّة وتوالي النظام، توجّهتْ بعض قوات الانقلاب إليها وتقدمهم وزير الدفاع مهديّ، أسرع إلي الموقع بطائرته وقال لهم: «إنّ كلَّ الاتفاقيّات والمعاهدات المبرمة مع الرئيس الحالي لن تُمس ( بالطبع يخادعهم).»

 أمّا هناك على حدود الشمال الشرقيّ مِن سيناء تحرك الطيران الإسرائيليِّ وبعض القوات البريّة لمساندة الرئيس، ولكنّ أنفاق سيناء خرجتْ وقتها مِن الجحور كالنّمل بأسلحتهم وسلّطوا عليهم الصواريخ فتراجعوا. وتحركتْ قوات الانقلاب نحو المطارات وأُوقفت كلُّ الرحلات لحين الانتهاء مِن الانقلاب.

فأوقفوا بضع سيارات على المدرج، ووضعوا قوّة خفيفة على مواقع استراتيجية مِن المطار، وأطلقوا بضع طلقات تحذيريّة فتوقف المطار تمامًا. وتحركتْ فرقة رباعيّة قامتْ بقطع بضعة أمتار مِن شريط السكك الحديديّة التي تربط بين القاهرة وباقي المحافظات.

وكان لزامًا على مهدي إغلاق العاصمة من أجل تدفق أي قوات موالية للرئيس، كما أن دخول شخصيّة قياديّة مؤثّرة في الجمهور إلى القاهرة أمر خطير للغاية لأنه من الممكن أن ينسق جهدًا عسكريًا أو سياسيًا معارضًا للانقلاب.

وعند مبنى مديريّة الأمن والقصور الملكيّة ومباني الإذاعة والتلفزيون ومقار قيادات الجيش والشرطة تمركزتْ مجموعات عدة من قوات الانقلاب هناك ولو بشكل ظاهريّ بعد استخدامها طبعًا في مصلحة الانقلاب والسيطرة على قوات النظام، وتم البثَّ وشاهده ملايين المصريين فتأكدوا أنّ الانقلاب نجح نتيجة ثورتهم المجيدة، ففتّت في عضد كلّ مَن تسوّل له نفسه القيام بأيّ عمل يناهض الانقلاب.

وأخيرًا انفرجت أسارير فهمان وهلل رغم الحزن الساري الذي يعتصر أوصاله نتيجة الأرواح التي أزهقت من بداية الثورة وحتى نجاح الانقلاب. أما جاك، فنظر إليه وقد انشرح صدره واطمئن على صديقه، وقال في نفسه:«لقد آن الأوان يا جاك لتزيل هم نفس مكدودة، لقد آن الأوان يا جاك لتنظر في مستقبل هذا العالم الأسود.»

                      بقلمي: ابراهيم امين مؤمن

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.