كـتـاب ألموقع

عاش العيد الـ(53) لانطلاقة الجبهة الديمقراطية// وسام زغبر

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

وسام زغبر

 

عرض صفحة الكاتب 

عاش العيد الـ(53) لانطلاقة الجبهة الديمقراطية

وسام زغبر

عضو اللجنة المركزية للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين

 

تعبر الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين في الثاني والعشرين من شباط بزخم نحو عامها الرابع والخمسين، في ظل استحقاقات سياسية جمة في معارك الدفاع عن سياسة السلاح وسلاح السياسة، لمواجهة الاستعصاءات الكبرى التي تستهدف القضية والحقوق الفلسطينية، ووحدانية التمثيل الفلسطيني، وتسييد إسرائيل في حلف إقليمي وتدمير مستقبل الشعوب العربية ومصالحها الوطنية والقومية ونهب ثرواتها.

حيث شكلت الجبهة الديمقراطية بانطلاقتها في الثاني والعشرين من شباط عام 1969 منعطفاً تاريخياً بأبعاده المختلفة ولا سيما أنها الفصيل اليساري الديمقراطي الذي جاهر بيساريته، ورفع راية المقاومة متسلحاً بالبرنامج الوطني المرحلي حتى دحر الاحتلال الإسرائيلي ومستوطنيه عن أرضنا الفلسطينية بعاصمتها القدس وإنجاز العودة وتقرير المصير.

وقدمت الجبهة الديمقراطية في خضم هذا النضال الطويل الذي استمر لأكثر من نصف قرن تضحيات غالية بآلاف المناضلين والمناضلات، كوكبة وراء كوكبة إلى قافلة الشهداء الأبطال في عمليات نوعية داخل فلسطين وعلى تخومها خاضها أبطال القوات المسلحة الثورية والنجم الأحمر وكتائب المقاومة الوطنية «قوات الشهيد عمر القاسم»، وإلى الأسرى في سجون الاحتلال صانعين مأثرة نضالية مشرفة حولوا المعتقلات لمدارس نضالية تخرّج منها آلاف المناضلين والمقاومين الذين يواصلون درب الحرية والنضال نحو النصر الأكيد لفلسطين وشعبها.

 

حقاً إنها الجبهة الديمقراطية التي تخوض مسيرة النضال الوطني منذ أكثر من خمسة عقود صانت فيها بندقية المقاومة وتسلحت بالنضال الوطني الفلسطيني إلى جانب البرنامج السياسي، وكان شعارها على الدوام «البندقية بيد.. والبرنامج السياسي باليد الأخرى» أمام كافة الاستحقاقات الفلسطينية، فهي التي طرحت البرنامج الوطني المرحلي بنقاطه العشر، ودافعت عن شعبنا وحقوقه الوطنية في خوضه معارك النضال الوطني في عمليات نوعية أوجعت العدو وأربكت حساباته أبرزها، عملية معالوت ترشيحا، وصقور الدولة الفلسطينية المستقلة، وعين زيف، ولينا النابلسي وبيسان والقدس... الخ، لتوجه رسالة مفادها أن البرنامج المرحلي هو برنامج الكفاح والنضال التحرري.

وكرست القوات المسلحة الثورية التابعة للجبهة الديمقراطية دعمها للانتفاضة الوطنية الكبرى عام 1987 من الخارج عبر عملياتها البطولية أبرزها عملية الشهيد عمر القاسم، وأبو عدنان، وشهداء جباليا وجنين وعيون الدولة، مع عمليات النجم الأحمر داخل الأرض المحتلة، والتي توحدت مع كتائب المقاومة الوطنية في ضرب أهداف العدو خلال انتفاضة الأقصى عام 2000 داخل الأرض المحتلة عام 1967 وأبرزها عملية حصن مرغنيت، ومستوطنة يتسهار، وايتامار، وحاجز أبو هولي، وصوفا والطريق إلى فلسطين وسواها.

وتناضل الجبهة دوماً في توطيد وحدة طبقات الشعب وقواه الوطنية في مختلف أماكن تواجده داخل فلسطين وفي أماكن اللجوء والشتات والمهاجر في إطار منظمة التحرير الفلسطينية الائتلافية على أساس الشراكة والتمثيل الفلسطيني وبما يرسخ مكانتها كممثل شرعي ووحيد لشعبنا الفلسطيني بعيداً عن كل التشكيك والتشهير والتخوين أو الطعن في شرعية م.ت.ف أو المساس بوحدانية التمثيل الفلسطيني وكيانيته السياسية، لأن هذا لا وظيفة له سوى تبرير فبركة البدائل التي نلمس جميعاً انتعاشها في السنوات الأخيرة.

 

لقد ذهبت الجبهة الديمقراطية إلى دورة المجلس المركزي الـ(31) وهي متسلحة بمبادرتها السياسية لإنهاء الانقسام، وإنهاء الهيمنة والتفرد، والعودة إلى الحل الديمقراطي عبر الانتخابات الشاملة وبما يعيد بناء النظام السياسي على أسس ديمقراطية وائتلافية ووفق استراتيجية كفاحية مرجعيتها السياسية وثيقة الوفاق الوطني وقرارات المجلس الوطني الـ(23)، والقرار القيادي في 19/5/2020 ومخرجات اجتماع الأمناء العامين، والتي شكلت وثيقة من وثائق المجلس المركزي وما زالت مناسبة لبدء الحوار الوطني الشامل مع مختلف مكونات الحركة الوطنية وستواصل نضالها في صفوف الحركة الجماهيرية للضغط من أجل اعتماد المبادرة مدخلاً للخروج بالحركة الوطنية من المأزق الذي هي فيه إلى رحاب الوحدة والشراكة الوطنية، ونحن نعتز بهذه المبادرة الأكثر توازناً وقرباً من روح الشراكة من الدعوات إلى مجلس وطني جديد يجري تقاسمه بالمحاصصة بين طرفي الصراع الداخلي.

 

تأتي انطلاقة الجبهة الديمقراطية هذا العام، والحالة الفلسطينية تمر في ظروف بالغة التعقيد، في ظل حالة الضعف والوهن العربي أمام قطار التطبيع الإسرائيلي الذي لم يتوقف ولا سيما في عدد من دول الخليج العربي، وأمام حالة الصمت الدولي التي شرعنت للاحتلال توسيع ونهب الأرض الفلسطينية لصالح الاستيطان والتهويد ومشاريع التهجير والأسرلة، ورفع حدة القمع اليومي والعقوبات الجماعية من اعدامات واعتقالات يومية لأبناء شعبنا واقتحامات للمدن والقرى الفلسطينية، وهدم المنازل في الضفة الفلسطينية والقدس المحتلة ولا سيما في حيي سلوان والشيخ جراح، لتحكم سيطرتها على مدينة القدس وعزلها عن محيطها الفلسطيني في الضفة، فيما تفصل الضفة شمالها عن جنوبها بمستوطنات كبرى وحواجز لتحولها لكانتونات ومعازل، وحصار محكم على قطاع غزة، فيما تشتد الهجمة الإسرائيلية على الأسرى في سجون الاحتلال الإسرائيلي، وعلى أهلنا في النقب واللد، فيما تعج مخيمات اللجوء والشتات بأزمات شتى تستهدف الفلسطيني أينما حل وأينما جال وحق العودة، بينما قرارات الشرعية الدولية التي تضمن لشعبنا الفلسطيني حقوقه، غائبة عن المشهد.

 

أمام هذا المشهد المظلم، يظهر المشهد المضيء حيث تواصل حركة المقاطعة الدولية (BDS) أنشطتها وفعالياتها بزخم في مقاطعة دولة الاحتلال ومستوطناتها اللا شرعية المقامة في الضفة الفلسطينية والقدس المحتلة بكل الأشكال وعلى كافة الصعد ولا سيما الاقتصادية والتجارية والأكاديمية والثقافية والفنية وسواها، فيما أدان تقرير منظمة العفو الدولية «امنستي» الاحتلال ووصفها بدولة أبرتهايد وتمارس جرائم الفصل العنصري والذي دعا لمحاسبة مجرمي الحرب الإسرائيليين في محكمة الجنايات الدولية.

 

ولكن ما يشوش على الجبهة الديمقراطية احتفالاتها المجيدة في ذكرى انطلاقتها داخل فلسطين وفي مخيمات اللجوء والشتات والمهاجر، هو الانقسام العبثي الذي ألقى بظلاله على كافة المستويات والصعد ودفع بعض القوى الفلسطينية للانجرار نحو مربع التخوين والتشهير والتشكيك بوحدانية التمثيل الفلسطيني وشرعية المؤسسة الفلسطينية الجامعة، إلى جانب الارتباط ببنود اتفاق أوسلو الذي شكل انقلاباً على برنامج الاجماع الوطني، الذي أقرته مؤسساتنا الشرعية في العودة وتقرير المصير والدولة الفلسطينية المستقلة كاملة السيادة بعاصمتها القدس، والانقلاب على قيم ومعايير حركات التحرر الوطني في التوافق والإجماع الوطني والتشاركية وتعزيز الائتلاف الوطني، تلبية لسياسة فئوية أثبتت على مدى أكثر من ربع قرن فشلها في قيادة المسيرة الوطنية الى بر الأمان،

بالمقابل، شكل اتفاق أوسلو كوارث ونكبات وأضرار لا تحصى، شوهت القضية وحولتها من قضية تحرر وطني لشعب تحت الاحتلال، إلى سلطة بلا سلطة، وتحت إحتلال بلا كلفة، جعل من مناطقنا المحتلة مستعمرات سياسية واقتصادية، ونهب ثرواتها الوطنية ويستغل عمالها بأبخس الأثمان، ويعتقل أبناءها في سياسة تنكيل وقمع يومي، ويُعدم شبابها في وضح النهار بدم بارد، بذرائع تؤكد فاشية العدو، وافتقار القيادة السياسية الى الإرادة السياسية للمواجهة وتوفير الحماية السياسية والمعنوية والميدانية، والانتقال من سياسة الرهان على الحلول البائسة والهابطة تحت سقف الرباعية الدولية وحل الدولتين المشبوه والتي وصلت إلى حد تصفية القضية الوطنية وطرح مشاريع «الحل الاقتصادي» و«تقليص الصراع» و«التهدئة مقابل الغذاء» و«إجراءات بناء الثقة»، والمساومة على الحقوق الوطنية للاجئين وفي القلب منها حق العودة إلى الديار والممتلكات التي هجروا منها منذ العام 1948 بديلاً للحل الوطني الذي أجمع عليه شعبنا وقواه الوطنية.

 

إن المقاومة بكل أشكالها أثبتت قدرتها على صنع الحقائق والانتصارات والمعادلات الجديدة بما في ذلك توحيد شعبنا في جناحي الوطن (48+67) وفي مناطق الشتات واللجوء رغم الانقسام وتخلف قيادة السلطة الفلسطينية على تحمل مسؤولياتها، إلا أننا مقبلون لا محالة على انتفاضة شعبية تستعيد تراث وتقاليد الانتفاضتين الأولى والثانية وتجارب معركة القدس بكل فصولها على كامل التراب الفلسطيني، كما الشتات يحتم عليه التحضير لهذه الانتفاضة وإعلان استراتيجية كفاحية بديلة للمشاريع الأميركية – الإسرائيلية الفاسدة، عنوانها المقاومة الشعبية الشاملة بكافة الأساليب والأدوات المتاحة لشعبنا.

 

ورغم هذا كله لا تزال الجبهة الديمقراطية تلعب دوراً طليعياً في مواجهة الاستعصاءات الكبرى وصوغ المبادرات الوطنية لإنهاء الانقسام واستعادة الوحدة، وتناضل لكسر حلقات الحصار عن قطاع غزة، وتحمل حكومتي السلطة الفلسطينية، والأمر الواقع في غزة مسؤولياتهما الوطنية اتجاه شعبنا الغارق في أزماته الاقتصادية والاجتماعية، بتوفير شروط التنمية المستدامة وإيجاد حلول لمعضلات الكهرباء والمياه والبنى التحتية، ومكافحة الفقر والبطالة وهجرة الشباب عبر مراكب الموت، والعمل على توفير بدائل كريمة في القطاع والدول العربية الشقيقة بديلاً للعمل في مشاريع دولة الاحتلال، للتحرر من قيود بروتوكول باريس وتحرير شعبنا من نظام العبودية الرأسمالية الإسرائيلية.

 

وعلى هذا الطريق تواصل الجبهة الديمقراطية مسيرتها النضالية وتوفير الشروط لاستقبال استحقاقات المقاومة الشعبية الشاملة دفاعاً عن الثورة والشعب والوطن، دفاعاً عن قرارات الإجماع الوطني في مواجهة الاحتلال والاستيطان ومشاريع التهجير والتطهير العرقي ومشاريع تصفية القضية، واتفاق أوسلو والانقسام.

المجد كل المجد لشهداء شعبنا وجبهتنا وثورتنا، والحرية لأسرى الحرية من سجون الاحتلال وزنازينه، والشفاء العاجل للجرحى، والتحية لكل مناضلي ومناضلات شعبنا في الوطن والشتات والمهاجر تحت راية م.ت.ف الممثل الشرعي والوحيد لشعبنا وبرنامجها الوطني... عاش العيد الثالث والخمسين للانطلاقة المجيدة للجبهة الديمقراطية، عاشت الذكرى ودامت ثورة شعبنا