كـتـاب ألموقع

دور استرجاع مدينة طرفاية في تعزيز الوحدة الوطنية// انغير بوبكر

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

انغير بوبكر

 

عرض صفحة الكاتب 

دور استرجاع مدينة طرفاية في تعزيز الوحدة الوطنية

انغير بوبكر

 

مقدمة :

تاريخ المغرب المعاصر، مليء بالملاحم والبطولات والانجازات التي ستتناقلها الاجيال وتفتخر بها بين الامم، لما تشكله من التحام قوي بين الشعب المغربي الذي كافح وناضل من اجل دحر الاستعمار بكل قوة وشجاعة وبسالة  وقدم من اجل ذلك دمائه وارواحه من اجل نصرة وعزة المغرب، وبين ملك مجاهد صامد وهو  المغفور له  محمد الخامس، الذي لم يذخر جهدا ولا استكان لحظة واحدة، بل ناضل بكل الوسائل لضمان الوحدة الترابية وحصول المغرب على استقلال شامل وانسحاب اخر مستعمر من الاراضي المغربية التاريخية.  من هذه الملاحم البطولية والتواريخ المغربية الزاهية، نستحضر اليوم ذكرى استرجاع اقليم طرفاية، حيث يحتفل الشعب المغربي هذه السنة بالذكرى 64 في ظرف دولي واقليمي يتسم اساسا بالانتصارات الدبلوماسية المتتالية والمبهرة التي حققتها الدبلوماسية المغربية وفي صلبها وقطب الرحى فيها الدبلوماسية الملكية الفعالة والمقنعة ،التي استطاعت ان تحصن وترسخ المواقف والمواقع الديبلوماسية المغربية خارجيا   وان تحقق انتصارات كبرى في سبيل بناء المغرب القوي الموحد تحت قيادة جلالة الملك محمد السادس حفظه الله.

 

1-نظرة تاريخية موجزة عن استرجاع اقليم طرفاية سنة 1958

 كانت  العودة الميمونة والمظفرة  لجلالة المغفور له محمد الخامس من المنفى  إلى أرض الوطن في 16 نونبر1955، بداية النهاية لأحلام المستعمر سواء الاسباني او الفرنسي في الاستمرار في الاحتلال العسكري المباشر للمغرب ، حيث ان التلاحم الكبير بين العرش والشعب ورد الفعل الشعبي الكبير  اتجاه نفي محمد الخامس وما تلا ذلك من ارتفاع منسوب المقاومة المسلحة وانهزام المنظومة العسكرية الاستعمارية التي تكبدت خسائر فادحة امام مقاومة مغربية مصممة على تحقيق الاستقلال وعودة رمز الشرعية ، أي السلطان محمد الخامس،  رغم التفوق العسكري الاستعماري ورغم الموقف الدولي الذي تغاضى عن جرائم الاستعمارين الفرنسي والاسباني بالمغرب، الا ان المقاومة وجيش التحرير المغربيين كان لهما اليد الطولى في توجيه الاحداث وكسب الرهانات ومالت اليهما كفة موازين القوى ، لذلك كان الاستعمار مجبرا على الرضوخ لشروط المقاومة واعادة المغفور له محمد الخامس الى وطنه وبين احضان شعبه الوفي ، وكانت هذه العودة التاريخية لملك البلاد بداية متجددة وميثاق جديد بين المقاومة الوطنية المغربية والعرش العلوي من اجل البدء  في خوض معركة استكمال الوحدة ألترابية وقد كانت الاستجابة الفورية لسكان الأقاليم الجنوبية الذين اقتنصوا اللحظة التاريخية السانحة وقدموا إلى الرباط العاصمة  لتجديد بيعة الرضا والرضوان وبيعة استمرار النضال المشترك من اجل استكمال وحدة البلاد وإعلان تجندهم المستمر لاستكمال ملحمة الكفاح وتحقيق الوحدة الترابية، معربين عن تعلقهم بأهداب العرش العلوي المجيد، وانخراطهم بقوة وفاعلية وتلقائية وبكل تضحية ونكران ذات في الألوية الأولى لطلائع جيش التحرير بالجنوب المغربي.

 

جسد تشكيل جيش التحرير في الجنوب المغربي اللحظة التاريخية المفصلية التي جعلت من فاتورة بقاء الاستعمار مكلفة  للغاية للقوى الاستعمارية ماديا وبشريا ، لذلك سعت القوتان الاستعماريتان بكل ما اوتيا من قوة في سبيل اخماد ثورة جيش التحرير المغربي ومارستا كل اشكال القمع والتنكيل بالمقاومين واسرهم، بل تحالفتا من اجل القضاء عليه كما وقع في عملية ايكوفيون الشهيرة، لكن اصرار وعزيمة وايمان المقاومين بمشروعية نضالهم وبأحقية مطالبهم، كان شوكة في حلق الاستعمار، الذي رضخ تدريجيا لمطالب المقاومين، المسنودين من جميع شرائح الشعب المغربي وبمباركة واضحة من السلطان المغربي المغفور له محمد الخامس.

 

لقد كان خطاب جلالة الملك محمد الخامس طيب الله ثراه بمحاميد الغزلان في 25 فبراير 1958، بحضور وفود وممثلي قبائل الصحراء المغربية، لحظة تاريخية حمل من خلاله الخطاب رسائل للشعب المغربي كافة وللقبائل الجنوبية خصوصا على ان استكمال الوحدة الترابية مشروع وطني يستحق كل التضحيات التي ستبذل من اجله، كما شكل رسالة للمستعمر على ان زمن الخضوع والتردد بخصوص مناهضة الاستعمار قد ولى وان المغاربة ملكا وشعبا مصممين وقادرين على رفع التحدي ودحر المستعمر الغاشم. وقد توج الخطاب باسترجاع اقليم طرفاية سنة 1958، استرجاع جاء ليبرز بجلاء حكمة وحنكة وعمق نظر السلطان محمد الخامس، الذي استطاع ان يحقق هذا المكسب التاريخي وهذا الاختراق الكبير في جدار الالة الاستعمارية التي بدأت بمسلسل التراجعات والتنازلات التي لن تنتهي باقليم طرفاية بل سيواصل المغرب نضاله المستميت ومكابدته من اجل استكمال ربوع الوطن تحت قيادة المغفور له الحسن الثاني الذي سار على نهج سلفه في ترسيخ و توطيد دعائم الدولة المغربية القوية المهابة ولم يفرط قيد انملة في الحقوق التاريخية المشروعة في أي شبر من الوطن المغربي العزيز، فتم استرجاع مدينة سيدي افني سنة 1969 وتم تنظيم حدث المسيرة الخضراء المظفرة التي جسد ملحمة العرش والشعب من اجل استكمال الوحدة الترابية وزعزع اركان الاستعمار الاسباني الذي اجبر على قبول شروط المغرب على مضض ، وكانت المسيرة الخضراء عام 1975م ثم بعدها استرجاع اقليم واد الذهب 1979 م بحق  عناوين للحنكة السياسية والديبلوماسية المغربية وتأسيسا لثقافة الانتصار السياسي المغربي دوليا وقاريا في الحصول على المكاسب السياسية بأقصر الطرق واخفها ضررا وأثمنها قيمة، وهي نفسها الثقافة الانتصارية الابداعية التي ينهجها جلالة الملك محمد السادس في العلاقات الدولية راهنا  واثمرت نتائج ديبلوماسية وسياسية باهرة، اعطت للمغرب موقعا متميزا على الساحة الدولية وتعد بمغرب قوي مسموع الصوت  في كل المحافل الدولية .

 

2-دلالات وعبر استرجاع المغرب لاقليم طرفاية سنة 1958 :

الانتصارات التاريخية التي قام بها المغاربة شعبا وملكا في مختلف المسارات والمحطات التاريخية، يجب ان تبقى خالدة في اذهان الاجيال وواضحة في المقررات والمناهج الدراسية في كل المستويات، اذ ان تدريس تاريخ المغرب  وملاحم وبطولات عظمائه لأبنائنا من شانه ان يعزز لديهم قيم المواطنة والاعتزاز بالامجاد الوطنية، فمن لا تاريخ له لا مستقبل له،  كما ان من واجب مؤسساتنا بمختلف تخصصاتها ان تنقل للاجيال المقبلة رسالة مفادها ان استقلال المغرب لم يكن منة ولا تكرما من طرف المستعمر ، بل ان الاستقلال ما كان ليكون لو لا تضحيات رجال عظام ضحوا بالغالي والنفيس من اجل ان ينعم المغاربة اليوم بالاستقلال والحرية والكرامة، لذلك من الضروري ان يتم تعليم ناشئتنا تاريخ المغرب بكل تمفصلاته واحداثه وابراز تضحيات المقاومين والمقاومات الذين اهدوا حيواتهم من اجل نصرة ووحدة الوطن. من دلالات ودروس استرجاع المغرب لاقليم طرفاية سنة 1958م نذكر ثلاثة دلالات مفصلية وهامة لابد ان نستخلصها  من الذكرى:

الدلالة الاولى: تلاحم المقاومة الشعبية وجيش التحرير بالجنوب المغربي بالعرش العلوي كانت نقطة قوة استطاعت ان تجمع بين شرعيتين متلازمتين للكفاح ضد الاستعمار واسترجاع المناطق المحتلة، الشرعية الثورية لجيش التحرير كان لها امتداد شعبي ومباركة سلطانية من ملك ذو شرعية سياسية وشعبية جارفة، لم يجد المستعمر شرخا يقوض من خلاله العلاقة بين الجانبين فانتصرت الشرعيتين في صمودهما وتلاحمهما واصرارهما على استكمال الوحدة الترابية المغربية.

 

الدلالة الثانية : تداعيات تخندق اسبانيا مع المنهزمين في الحرب العالمية الثانية، والشعبية الجارفة التي يتمتع بها المغفور له محمد الخامس والتي ازدادت توهجا بعد نفيه الى الخارج ومكانته الدولية كملك محاور مفاوض وطني وغيور على وطنه، هذه الصفات اهلته لكسب ود كبار قادة العالم روزفلت وتشرشل... والضربات المتتالية التي تلقاها المستعمر الاسباني في مختلف مناطق المغرب والترهل الاقتصادي والعسكري الذي دب في شرايين اسبانيا بفعل الازمات السياسية الداخلية التي مرت بها اسبانيا في خمسينيات القرن العشرين، كلها عوامل تضافرت لتحكم على السياسة الاستعمارية الاسبانية  بالتراجع والتقهقر والرضوخ للمطالب المغربية.

 

الدلالة الثالثة: البيعة التاريخية الكبرى التي قامت بها القبائل الصحراوية للسلطان محمد الخامس اثناء لقائها به بمحاميد الغزلان في فبراير 1958، هي دليل تاريخي لمن يهمهم الامر على ان المغرب كان دائما موحدا شماله بجنوبه وان الجنوب المغربي كان على الدوام ارضا مغربية وتربط بين قبائله والسلطة المركزية اواصر البيعة السياسية والامامة الشرعية، وان النزاع المفتعل حول مغربية الصحراء ماهو الا لغم اسباني زرع لمعاقبة المغرب ومحاولة تمزيق وحدته الترابية  لكبح تقدمه السياسي والاقتصادي والاجتماعي وقد كانت هذه الخطة الفرانكوية في سبعينيات القرن الماضي، تعبيرا عن التخوف الاسباني انذاك من قوة المغرب خاصة العسكرية، خصوصا وان الجيش الاسباني رجع من الحرب العالمية الثانية مترهلا ومدحورا.

 

3 – خاتمة :

لقد كان المغفور له محمد الخامس على حق عندما قال بأننا رجعنا من "الجهاد الاصغر الى الجهاد الاكبر" ، لان جهود بناء الدولة الوطنية بعد الاستقلال كانت اصعب واعقد من الحصول على الاستقلال السياسي، فعملية مغربة الادارة وتذويب مخلفات الاستعمار على الاصعدة الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، ونزع فتيل الالغام التي زرعت في مسار ومصير بناء الدولة المغربية هي من صميم الاعمال الجليلة التي واصل فعلها باناة وصبر واصرار المغفور له الحسن الثاني الذي استطاع ان يحافظ على الوحدة الترابية للمغرب في ظرف اقليمي ودولي صعب سمته الرئيسية غلبة التقاطبات الدولية بين معسكرين دوليين في اطار حرب باردة، اثرت على استقرار عدد كبير من الدول الحديثة العهد بالاستقلال، فيحسب للملك الحسن الثاني الصمود في اعصار التحولات والتقاطبات الدولية ليحافظ على وحدة البلاد ويحاول وضع سكة بناء مؤسسات الدولة المغربية في الطريق الصحيح، وسيقتفي جلالة الملك محمد السادس اثر جده ووالده رحمهم الله تعالى جميعا، ليواصل مشوار بناء الدولة المغربية بطابع اجتماعي وبنفس تصالحي وبروح استشرافية، لذلك ربح المغرب الرهان المؤسساتي والموقع الدولي المتميز في انتظار استكمال اوراش الدولة الاجتماعية العادلة .

 

    انغير بوبكر

باحث في التاريخ بجامعة ابن زهر

حاصل على دبلوم السلك العالي من المدرسة الوطنية بالرباط

حاصل على دبلوم المدرسة المواطنة للدراسات السياسية –ECEP

حاصل على دبلوم المعهد الدولي لحقوق الانسان بستراسبورغ

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

0661093037