كـتـاب ألموقع

لماذا تعتبر الحركة الامازيغية القوة السياسية القادمة في شمال افريقيا؟// انغير بوبكر

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

لماذا تعتبر الحركة الامازيغية القوة السياسية القادمة في شمال افريقيا؟

انغير بوبكر

المغرب

المنسق الوطني للعصبة الامازيغية لحقوق الانسان

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

 

اصبحت القضية الامازيغية بفعل نضالات شعوب شمال افريقيا وتضحياتها الكبيرة، قضية محورية في الفكر السياسي الشمال افريقي المعاصر، فانتقلت القضية الامازيغية من طابو يخشى من ذكره وبالاحرى النضال من اجله الى مطلب سياسي ديموقراطي شعبي ينتقل تبنيه من نخب مدينية محدودة التأثير الى ان اصبح تدريجيا مطلبا شعبيا يتزايد انصاره بين الاحزاب والتنظيمات المدنية  يوما بعد يوم، حيث ان  تحقيق  الانتقال الديموقراطي في بلدان شمال افريقيا اصبح رهينا الى حد كبير بمدى استجابة كل نظام سياسي على حدة للمطالب الشعبية الرئيسية ومنها الاعتراف بالمكون الامازيغي كمكون اساسي من مكونات الثقافة والحضارة  الشمال افريقية وبات الاعتراف السياسي والثقافي بامازيغية شمال افريقيا وشيكا. بعد الاستقلال السياسي لدول شمال افريقيا كانت القضية الامازيغية من القضايا الممنوعة الحديث عنها في ليبيا وتونس والجزائر والمغرب وموريتانيا وبمالي...، وكان النضال من اجل الامازيغية في ظل سيطرة الفكر العروبي الاقصائي مغامرة غير محسوبة العواقب وغالبا ما يؤدي الى السجون والمعتقلات وتأثرت الانظمة "الاستقلالية" الموروثة عن الاستعمار بمنهجيته وفكره  في قيام الدولة المركزية اليعقوبية التي تؤمن بالحزب الواحد والراي الواحد واللغة الواحدة والديانة الواحدة ، كما ان الانظمة التي خلفها الاستعمار ببلدان شمال افريقيا كانت عبارة عن دول تسلطية كما اسماها المفكر الكبير خلدون حسن النقيب في كتابه "الدولة التسلطية في المشرق العربي: دراسة بنائية مقارنة" عندما عرف الدولة التسلطية بالدولة التي تحتكر مصادر القوة والسلطة في المجتمع و تقيم شرعية نظام الحكم على القهر .كما ان هذه الدولة  لا تسعى وراء ضرورات التنمية وانما غايتها هي ضرورة ادامة نظام الحكم.... ولضمان بقاء هذا الاخير بلورت هذه الدولة ادوات للحكم التسلطي متمثلة اساسا في النخبة المتسلطة والتركيبة البيروقراطية العسكرية  والبنى الموازية  لنظام الحكم .."  

 في ليبيا قام نظام القذافي  وهو نظام  عسكري ديكتاتوري انقلابي   بتبنى المذهب الناصري القومي فقمع الشعب الليبي ونهب ثرواته ومسخ هويته الاصلية  وجعل الامازيغية والاستعمار في كفة واحدة، فأذاق المناضلين الليبين الامازيغ كل اصناف القتل والتدمير والتقتيل ليس اولهم ولا اخرهم الشهيد سعيد سيفاو، ولكن بفعل تضحيات الشعب الليبي الكبيرة والمعمدة بالدماء استطاعت القضية الامازيغية ان تظهر من جديد في ليبيا وان تصبح لغة وهوية اكثرية الشعب الليبي و اصبح العلم الامازيغي يرفرف في كل ارجاء ليبيا معلنا نهاية فترة الاستبداد الغاشم وبداية تلمس احرار ليبيا رغم الصعوبات والعراقيل والمؤامرات الطريق نحو اعادة الاعتبار لتاريخ وحضارة ليبيا العريقة التي زودت الانسانية برجال عظماء ماتزال اثارهم الفكرية والعلمية و التراثية تلهم الدارسين للعلوم في ارقى الجامعات الدولية ، واصبح النضال الامازيغي عنصر مفخرة لدى عدد كبير من احزاب وتجمعات ليبيا.

 

 اما دولة الجزائر عاصمة نوميديا التاريخية فقد اورث الاستعمار الفرنسي البلاد، نخبة سياسية وعسكرية بدون مستوى ثقافي ولا حس هوياتي، نخبة كان هدفها ولا يزال نهب ثروات الجزائر و ادخال الجزائر في دوامة التسلح والقلاقل السياسية المستمرة، النخبة التسلطية الجزائرية تبنت التوجه العروبي الاقصائي متيمنة بنظرائها العسكريين الانقلابيين في بلدان سوريا و العراق و مصر .. الامازيغية كانت الضحية الاولى لاستقلال الجزائر واصبح النضال من اجل الامازيغية في الجزائر الى غاية التسعينات ممنوعا ومقموعا، فمنع التظاهرات الثقافية الامازيغية بالجزائر كان امرا رائجا كما ان قتل المناضلين الامازيغ في الجزائر لم يكن استثناءا، استشهاد المغني الكبير معتوب لونيس في يونيو 1998 كان دليل على ان القضية الامازيغية مبرمج تصفيتها على ايدي جنرالات فرنسا بالجزائر، لكن مع انهيار الانظمة القومية بالمشرق وهبوب رياح العولمة الغربية وازدياد نسبة المتعلمين من ابناء الفقراء والامازيغ خصوصا، نهض الوعي الامازيغي الجزائري من سباته واصبحت القضية الامازيغية عنوان النضال الديموقراطي بالجزائر، فاحزاب كبرى كجبهة القوى الاشتراكية وحزب التجمع من اجل الثقافة والديموقراطية ...وتنظيمات مدنية مؤثرة في الداخل وفي المهجر  اصبحت متبنية للنضال الامازيغي ولمطالب الامازيغ المشروعة وقد توج هذا النضال التاريخي المديد باعتراف جزئي من قبل اعلى سلطات الجزائر باللغة الامازيغية لغة رسمية في الدستور الجزائري وباعلان فاتح السنة الامازيغية عطلة رسمية مؤدى عنها سنة 2018 ، مطالب جزئية نعم ولكن لعلها تكون بداية تحقيق مطالب اخرى تهم تعميم تعليم الامازيغية وتنمية المناطق الامازيغية  وغيرها من مطالب امازيغ الجزائر.

ان الدور السياسي لامازيغ الجزائر واعد خصوصا وان احزاب سياسية كبرى تتبنى القضية الامازيغية كما ان النخبة المتسلطة الموروثة عن الاستعمار بدأت تضمحل تدريجيا فاسحة المجال امام نخب سياسية ومدنية واعلامية متشبعة بروح التعددية الثقافية واللغوية ولعل الهجمة الكبيرة التي شنت على البرلمانية الجزائرية نعيمة صالحي عندما تهجمت على الامازيغية دليل على ان التيار الاستئصالي والاقصائي في الجزائر يتوارى الى الخلف وان الامازيغية باتت تحظى باجماع اطياف المجتمع الجزائري.

 

  في المغرب كانت الحركة الوطنية المغربية اسوة بمثيلاتها في بلدان الشمال افريقي متأثرة بالنهج العروبي الاقصائي ونهجت بتنسيق مع المخزن المغربي نهجا اقصائيا تعريبيا للحياة العامة وللمناهج التعليمية، فتم العمل على تجفيف منابع الامازيغية في البوادي المغربية وتوالت حكومات اقصائية على الشان العام همشت لغة وثقافة الامازيغ رغم دورهم الاقتصادي والسياسي الكبير في موازين القوى السياسية داخل البلاد وخارجها على مدى التاريخ الحديث والمعاصر، فالامازيغ هم المقاومين الحقيقيين الذين قاوموا الاستعمارين الفرنسي والاسباني و الامازيغ هم من ساند اقتصاد المغرب في مراحل صعبة و الامازيغ هم من يساهم بشكل كبير في  الاتيان بالعملة الصعبة الاجنبية، لكن دورهم كان دائما مطلوبا  ولكن في تغييب ذواتهم وفي اقصاء ثقافتهم، لكن مع وصول الملك محمد السادس الى الحكم سنة 1999 تغيرت الامور تدريجيا نحو الاحسن  واصبح الامازيغ المغاربة يعولون على الملكية لتغيير اوضاعهم اكثر من النخب السياسية التي لم تكن لها الجرأة الكافية لتغيير مواقفها الاقصائية المتوارثة من قاموس الحرب الباردة وصراع الثقافات والحضارات، فكان العداء للامازيغية يجمع اليميني واليساري والعلماني والاسلامي بالمغرب في مرحلة من المراحل التاريخية العصيبة التي مرت منها القضية الامازيغية، لكن نضال الحركة الامازيغية بالمغرب بامكانياتها التنظيمية واللوجيستيكية المحدودة ولكن بايمانها العميق بعدالة قضيتها استطاعت ان تحافظ على المطلب الامازيغي وان تجعله راهنا في كل النقاشات السياسية والثقافية بالبلاد ، الامازيغ اليوم بالمغرب  صمام امان امام التطرف والانغلاق في المجتمع المغربي بفعل ثقافتهم المبنية على التسامح والانفتاح تاريخيا وكذا ممارستهم الدينية السمحة التي لا تقبل الغلو ولا التطرف، الامازيغ بالمغرب لم يعترف بدورهم السياسي بعد وماتزال بعض جيوب الممانعة والمقاومة المؤثرة تدب في جسد الدولة المغربية ولكن تطورات الامور محليا بفعل سيطرة القوى الاسلامية على مجرى الامور ببلادنا وازدياد الوعي الدولي والاقليمي والمحلي بمشروعية النضال الامازيغي جعلت المطلب الامازيغي في اجندة كل الفاعليين السياسيين بالمغرب ويلزم فقط تكتل الامازيغ وتوحيد خطابهم المطلبي وتشبتهم بالقراءة التاريخية العلمية  ليستمر الوعي الامازيغي في الازدهار والنمو حتى تصبح اللغة والثقافة الامازيغية بالفعل في المكانة اللائقة بها.

 

 في تونس حركة امازيغية وليدة و منبعثة من جديد في ظل تطورات سياسية واجتماعية تعتمل داخل الجسم التونسي، يلزم هذه الحركة شئ من الوقت والاستفادة من تجارب المغرب والجزائر من اجل ان تفرض نفسها على اجندة السياسيين التوانسة  ولكن الاكيد ان الوعي الامازيغي المتنامي والمتسارع في شمال افريقيا سيحرر الوعي التونسي من هواجسه وتخوفاته وستعلن منطقة الشمال الافريقي منطقة امازيغية بامتياز لتصحيح وضع تاريخي وسياسي قائم واعادة الامور الى نصابها فقد صدق من قال الشعوب تمرض وتتدهور صحتها ووعيها لكنها لا تموت. فرحمة الله على شهداء ومناضلي الامازيغية في الشمال الافريقي الذين عبدوا الطريق بتضحياتهم والالامهم وفكرهم من اجل ان نرى اليوم وعي امازيغي تقدمي حداثي صاعد في شمال افريقيا في ظل ظلام ودمار وفرقة كبيرة في المشرق العربي.