اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الإبادة الجماعية كمصطلح في الذاكرة الآشورية// وليم أشعيا عوديشو

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الإبادة الجماعية كمصطلح في الذاكرة الآشورية

وليم أشعيا عوديشو

 

ان الشهداء هم الذين يصنعون التاريخ ، وحركة الشعوب هي قاطرة التاريخ ، وناكري الذات من القادة والزعماء والشهداء هم رموز الامة وشغاف قلبها وشعلتها التي تنير لها دروب البقاء ، وشهداء القضية الآشورية عندما استشهدوا بقيت جذورهم عميقاً في باطن ارض النهرين في هكاري ، طور عابدين ، ماردين ، سلامس ، أورمية ، سميل ، صوريا ، لتشكل الثابت لهم ليس على الارض فقط وانما في وجدان الشعوب والامم المحبة للحرية  ، وبعيداً عن النظريات وعن كل تنظير كلامي ، سأحاول هنا أن أتحدَّث باختصار عن الابادة الجماعية كمصطلح في الاستخدام الدولي لكون الابادة محفورة في الذاكرة الآشورية ، وبمناسبة قرب حلول ذكرى مرور (91) عاماً على الابادة الجماعية التي تعرض لها شعبنا في نيسان عام 1915 ، أثناء الحرب الكونية الاولى من قبل الدولة العثمانية ، وقرب حلول مرور (73) عاماً على مذابح سميل والتي تعتبر أول ارهاب منظم مارسته الدولة العراقية عام 1933 .

 

 فمنذ أن تبنت الأمم المتحدة في 9 كانون الأول/ديسمبر من العام 1948 معاهدة حول تدارك الإبادة الجماعية ومعاقبتها ، دخلت هذه العبارة في الاستخدام الشائع للدلالة على الشر المطلق وأقصى أشكال التدمير في حق المدنيين العزل ، وقد أحرز هذا المفهوم رواجا متزايدا في الاستخدام الدولي بعدما وضعه قيد التداول الحقوقي البولوني رافايل ليمكين عام 1944 ، ويمكن بواسطته الاشارة إلى بعض النزاعات التي وقعت في النصف الثاني من القرن العشرين التي أوقعت عددا كبيرا من الضحايا المدنيين من كمبوديا إلى الشيشان مرورا ببوروندي ورواندا وغواتيمالا وكولومبيا والعراق والبوسنة والسودان وفلسطين وغيرها... وعليه يمكن اطلاق الابادة الجماعية كممارسة ومفهوم على المذابح التي طالت الهنود الحمر في أميركا الشمالية والسكان الاصليين في استراليا من الأبورجينيز والآشوريين والأرمن في العام 1915 والفلسطينيين ، إضافة إلى المجاعة التي ضربت أوكرانيا والى تهجير عدد من القوميات في الاتحاد السوفياتي السابق إبان العهد الستاليني وإبادة اليهود الأوروبيين والغجر وأيضا قصف هيروشيما وناغازاكي بالقنابل الذرية الاميركية ، وقصف حلبجة بالاسلحة الكيمياوية 1988 ، وإن كان تطبيق مفهوم "الابادة" على حالات تاريخية متنافرة يثير الكثير من الاعتراضات والنقاشات الحامية ، فالاستخدام المتعدد يعكس الحاجة إلى تعبير عام يشير إلى ظاهرة منتشرة في القرن العشرين ألا وهي القضاء على المدنيين ، وكانت عبارات أخرى قد أدخلت في التداول مثل "الابادة السياسية" عام 1988 أو "ابادة الديموقراطية"  عام 1994 ، لكن "الابادة الجماعية" أو "ابادة الجنس" (GENOCIDE) لا تزال هي الرائجة بحيث ظهر اختصاص في دراسات "أبحاث الابادة" ، وهكذا فان أولى المسائل التي تثيرها عبارة "الابادة الجماعية" تتعلق باستخدامها في خضم نقاشات الهوية والسياسة والعمل الإنساني ، فالمفهوم المعني يواجه تحديات مرتبطة أولا بالذاكرة ، أي بالإقرار العام بتعرض شعب ما في الماضي للابادة الجماعية ، ولعل المثل  الآشوري والكوردي والارمني هو الأكثر دلالة في هذا السياق ، رغم ان إبادة الأرمن والكورد قد حظيت باعتراف دولي في حين لا تزال الإبادة التي تعرض لها الاشوريون لم يتم تداولها بشكل رسمي وموسع ،  أما التحدي الثاني فهو إنساني ويطرح عندما تتنبه المنظمات غير الحكومية إلى خطر الابادة الجاثم فوق شعب من الشعوب وما يترتب على ذلك من إحداث صدمة في الرأي العام وفتح الطريق أمام التدخل الدولي ويبقى التحدي القانوني يتمثل في تقديم المسؤولين عن جرائم الابادة الجماعية أمام المحاكم الدولية ، وتختلف الآراء أيضا حول التعريف الذي تقدمه الأمم المتحدة إذ يوافق البعض على معاهدة 1948 كقاعدة للبحث والنقاش ويمكن أن تنتج منها "ترجمة سوسيولوجية" للابادة (Frank Chalk et Kurt Jonassohn, The History and Sociology of Genocide, New Haven, ) ، ويعترض البعض الآخر في المقابل على كون الأبحاث الاجتماعية والتاريخية لم ترتكز سلفا على نص قانوني أو معياري لذا يعمدون إلى مقاربة "دراسات الابادة" بمنهجية العلوم الاجتماعية فينطلق بحثهم من تحليل المذبحة (كشكل جماعي في الغالب للقضاء على غير المحاربين) والتساؤل حول ظروفها وإمكان تحول مذبحة واحدة أو سلسلة من المذابح إلى عملية "إبادة جماعية" ، ومن المشكلات التي تثيرها معاهدة 1948 أنها تولي أهمية مركزية لـ "النية في القضاء على الجماعة" ضمن تعريفها للابادة مما يجعل الترجمة التاريخية لهذه الفكرة صعبة الحصول ، فلا يبدو أن بعض الإحداث الكارثية نتجت من تخطيط مسبق كالمجاعة في الصين الشيوعية بين 1958 و1962 والتي راح ضحيتها من 20 إلى 43 مليون نسمة ، ولم يتمكن احد من تقديم البرهان على أن ماو تسي تونغ كان ينوي القضاء على شعبه ، فالمأساة ربما كانت تعود اسبابها إلى ضيق المساحة التي يمكن فيها الحزب المناورة وعدم كفايته الاقتصادية ، وفي المقابل فانه يمكن إبراز تأكيدات أكثر وضوحا لإرادة ستالين الإجرامية في التسبب بمجاعة أوكرانيا بين 1932 و1933 والتي ذهب ضحيتها ما بين 6 و 7 ملايين نسمة ، وكان غرض موسكو القضاء النهائي على المقاومة هناك ، فهل يمكن التحدث عن عملية "ابادة جماعية" ؟ المعترضون يحتجون بان نية ستالين لم تكن القضاء على الاوكرانيين بصفتهم القومية ، في ما يتجاوز التباينات هذه ، فان الباحثين متفقون على اقتناع مشترك وهو أن تقدم "دراسات الابادة" بطريقة أشمل وأكثر وضوحاً وتطوير الأبحاث المقارنة في هذا المجال . المصدر : Ben Kiernan and Robert Gellately, Spectre of genocide : Mass murder in a historical perspective, Cambridge University Press, Cambridge, 2003

 

إن "أبحاث الابادة" يجب أن تلتفت بالضرورة إلى مختلف الامور كالعامل الآيدولوجي في رفض الآخر رغم عدم كفايته للانتقال الى فعل الابادة بوحشيتها ، وهنا يجب الأخذ في الاعتبار "الحسابات" التي تقف وراء المجازر أو القرار الذي يتخذه المسؤولين ، فالمجزرة تنبع في الغالب من سياسة متعمدة لـ "تنظيف المنطقة" أو الوصول إلى السلطة أو تطهير العرق ، ويجب عدم استبعاد البعد اللاعقلاني في المجازر وأعمال الابادة بكونها مشروع لا انساني يسعى إلى إقامة نظام يرتكز على الوحدة والنقاوة ، وهناك أبحاث أثبتت أن الابادة تنفذها الدول القوية فقط التي تملك ما يتطلب ارتكاب إبادة من إمكانات تدميرية وتنظيمية ودعائية ، ولكن نظرية الدولة القوية هذه  تتعرض لإعادة النظر عند بعض الباحثين من الذين يفسرون ان تلك الدول القوية تقوم بالابادة كفعل عندما تكون في وضعاً معيناً والذي يفسر استعدادها لارتكاب المجازر بالرغم مما تتمتع به من قوة ، ومثال الحرب يمثل عنصراً أساسيا في ذلك السلوك اللاانساني ، لذا فان بعض الباحثين اعتبروا أن قرار الحل النهائي الذي اتخذه النازيون في القضاء على يهود أوروبا على الأرجح ابتداء من كانون الأول/ديسمبر 1941 لا يمكن عزله عن إدراكهم بأنهم عاجزون عن الانتصار في الحرب التي شنوها على الاتحاد السوفياتي وخصوصا مع دخول الولايات المتحدة الاميركية الحرب اثر القصف الذي تعرض له أسطولها في مرفأ بيرل هاربور يوم 6 كانون الأول/ديسمبر 1941 ، ويمكن قول الشيء نفسه في مسألة الآشوريين الأرمن إذ اتخذ القرار بتصفيتهم بعد هزيمة قاسية مني بها الأتراك أمام الروس في إطار من النزاع كانت حكومة "تركيا الفتاة" تنظر فيه إلى كافة مسيحيي الاناضول كقوميات متواطئة ومتحالفة مع الروس ، وهذه الحالة تؤكد أن الابادة يمكن أن تنفذها دول ضعيفة تعتبر نفسها قابلة للعطب أو عاجزة عن الانتصار في الحرب طالما لا تعمد إلى القضاء على جماعات مدنية بأكملها. وبمجرد التأمل في مستقبل البلدان التي عانت هذا النوع من الأحداث  والدعوة الى المصالحة رغم كونها صعبة المنال على الأرض لكثرة ما أحدثت المجازر من صدمات عميقة في أوساط السكان  وبدلاً من الغوص في المصالحة ثبت أن اعتراف تلك الدول التي مارست الأبادة واعتذارها سيزيل بلا شك جزء من المعاناة للشعوب الضحية وجزء من الميراث الثقيل والذنب الذي تشعر به تلك الدول بدلاً من محاولة التهرب في تحمل المسؤولية  ، ولذلك فانه يجب إبقاء شعار "لا مجازر بعد اليوم" مرفوعا ولو أن شبح الإبادة لم يختف من عالمنا ويطل بين حين وآخر ولكن بصيغ مختلفة عن الأمس القريب .

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.