اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الأقليات القومية والدينية في الواقع العربي والاسلامي (الآشوريين نموذجاً) ج3// وليم أشعيا عوديشو

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الأقليات القومية والدينية في الواقع العربي والاسلامي

(الآشوريين نموذجاً) – ( الجزء الثالث )

وليم أشعياعوديشو

 

الفصل الثالث

المبحث الأول / مشكلة الاقليات في الغرب:

كانت مشكلة الأقليات موجودة أيضاً في أوروبا وامريكا ، فقد تعرضت الاقليات المسلمة واليهودية قبل ثلاثة قرون الى مظالم في بعض دول أوروبا التي تواجدوا فيها وكان الهنود الحمر سكان أمريكا الشمالية الأصليون قد تعرضوا الى عمليات ارهاب منظمة من قبل المهاجرين البيض وتم اعتبارها ضمن عمليات الابادة الجماعية ، وكذلك تعرض سكان استراليا الاصليين ( الأبورجينيز) الى عمليات إبادة جماعية من قبل المستوطنيين الجدد ولا زالت تداعيات مذابح الهنود الحمر والأبوروجينيز تبرز بين حين وآخر ، وكذلك يعاني الغجر في أوروبا من تهميش مستمر، وفي هذا المجال وليصبح الموضوع أكثر شمولية فأن الدول الغربية ورغم قوة أنظمتها الديمقراطية فهي الاخرى تعيش صراعات قومية ودينية ، ولا تزال في ذاكرة العالم كله حروب هتلر التي إنطلقت وفق نظرية تفوق الجنس الآري ودفعت ثمنها البشرية بأكثر من عشرين مليون قتيل ومتواليات من سباق التسلح وتداعيات الحرب على الارهاب العالمي التي اعقبت هجمات الحادي عشر من أيلول/2001 ، وتطورت الخلافات لتصل الى حد الاقتتال بين الكاثوليك والبروتستانت في آيرلندا الشمالية وتفاقمت مشاكل المهاجرين والأقليات في بريطانيا والمانيا وهولندا ، وشهدت فرنسا مؤخراً أعمال عنف بسبب البطالة وقوانين العمل التي يعترض عليها الفرنسيون وغالبيتهم من المهاجرين ابناء الأقليات ، ووصل الأمر الى حد استخدام السلاح للدفاع عن مطالبها القومية والثقافية والمذهبية كما هو الحال مع منظمة الباسك في اسبانيا التي تطالب بالاستقلال والتي تخلت أخيراً عن استخدام القوة ، وبسبب تعذر العيش بسلام بين المكونات القومية والدينية في كافة بلدان العالم من دون قوانين تضمن حمايتها وحرياتها الدينية والثقافية ومساواتها مع الأكثرية في التمتع بجميع الحقوق المدنية والسياسية ، فقد وجدت هذه الضمانات طريقها الى الدساتير في أوروبا وامريكا منذ وقت مبكر، وقبل نشوء فكرة حقوق الإنسان والمواثيق الدولية ، وكان البريطانيون قد أصدروا وثيقة (العهد العظيم) عام 1215، التي اشتملت على ثلاث وستين مادة ، تضمن حقوق وحريات الاقطاعيين والكنيسة والتجار وحتى الأجانب منهم ، وبالتزام النزاهة والعدالة في القضاء ، وعلى ضمان الحرية الشخصية لكل فرد من افراد الشعب، مهما اختلفت طبقته وتباينت درجته في المجتمع ، وقد أكدت المادة (_39) على ما يلي ((لايجوز القبض على اي شخص حر أو اعتقاله ، أو نزع ممتلكاته أو حرمانه أو ابعاده أوإنزال الضرر به بأي طريقة كانت ، كما لايجوز أتخاذ أي إجراءات ضد المواطن إلا بواسطة أحكام قانونية تصدر عمن هم من طبقة مماثلة لطبقته، وبمقتضى قوانين البلاد)) ، وفي عام 1689 تم وضع سند الحقوق الذي قلص من حرية الملك ومنعه من التصرف دون العودة الى البرلمان ، اذ منعت الوثيقة الملك من تعليق مفعول القوانين أو فرض أية ضريبة كانت ، أو إنشاء محاكم دون موافقة البرلمان ، كما تم ضمان الحريات الشخصية وحق المواطنين في تقديم العرائض ، وكان الشعب الأمريكي قد أنهى صياغة دستوره عام 1787 والذي يعتبرونه الأساس لحقوق الإنسان حيث نصت المادة (6) منه على ان يكون هذا الدستور وقوانين الولايات المتحدة التي تصدر بموجبه وجميع المعاهدات المبرمة او التي ستبرم بموجب سلطة الولايات المتحدة ، القانون الاعلى للبلاد ، ويلزم بذلك القضاة في كافة الولايات الأمريكية ، وأصدر الفرنسيون وثيقة (حقوق الإنسان والمواطن) بعد الثورة الفرنسية عام 1789 ويعتبرونها الأنطلاقة الاولى لمبادئ حقوق الإنسان.

 

وتم تطبيق تلك المفاهيم الحقوقية والضمانات الدستورية على جميع المواطنين بما فيهم الأقليات الدينية والمذهبية والقومية في الغرب عموماً فصارت الأقليات تتمتع بجميع الحقوق والحريات والامتيازات التي تتمتع بها الأكثرية بلا أستثناء ، وساهم في ترسيخ تطبيق المبادئ الديمقراطية والحقوق العامة صدور إعلانات ومواثيق واتفاقيات دولية تؤكد على احترام حقوق الأنسان وحقوق الأقليات ، ولا تكاد دولة اوربية إلا وتوجد فيها أقلية دينية أو قومية ولكنها استطاعت صياغة دساتيرها بشكل يضمن حقوق كافة مكوناتها القومية والدينية.

 

المبحث الثاني / حقوق الأقليات بين الأمم المتحدة والقانون الدولي:

في الفترة التي أعقبت الحرب العالمية الأولى نشأت عدة دول جديدة تضم أقليات دينية وقومية عديدة ، الامر الذي انعكس على المعاهدات الدولية التي تضمنت بنوداً واضحة تنص على حماية الأقليات ، وفيما يتعلق بالشعب الآشوري(الأقلية النموذج للدراسة) نشير هنا الى ان المسألة الآشورية طرحت للتداول في مؤتمر الصلح الحكيم في باريس 1918 ولكن لم يبدي المشاركون فيه أي اهتمام بمسألة إضطهاد الاقليات في الامبراطورية العثمانية ، وكذلك الاتفاقيات والمعاهدات المبرمة بين الدولة العثمانية التي خسرت الحرب وبين الدول المنتصرة المتمثلة بروسيا وبريطانيا وفرنسا حيث تم اقرار معاهدة سيفر واتفاقية لوزان (1921-1923) والتي أدت الى ضياع حقوق الشعوب في الدولة العثمانية من الآشوريون والكورد والأرمن لعدم التزام الجانب التركي بها وتقاطعات المصالح السياسية الدولية المستجدة ، وتكرر السيناريو في مؤتمر القسطنطينية عام 1924 ومروراً بكافة جلسات عصبة الأمم التي تشكلت عام 1919 بين الدول الموقعة على معاهدة فرساي ، وكانت منظمة عصبة الأمم تتمتع بحق التحقيق في أية شكاوي ترفع اليها حول المخالفات والانتهاكات التي تتعرض لها الأقليات عبر مجلس الوصاية التابع لها ، وأصدرت الجمعية العامة لعصبة الأمم عام 1933 قراراً تأمل فيه من الدول غير الموقعة على نظام حماية الأقليات مراعاة قواعد العدل في معاملتها للأقليات الخاضعة لسيادتها.

 

وبالرغم من فشل عصبة الأمم ومنظمة الأمم المتحدة والخبرة الدولية في إيجاد حلآً للصراعات القومية وأقتصار دورها على القيام بعمليات إغاثة اللاجئين والهاربين من جحيم تلك النزاعات ، إلا أنه بعد الحرب العالمية الثانية زاد الاهتمام بحقوق الانسان عامة وحقوق الاقليات خاصة واثمرت جهود المجتمع الدولي بميلاد ميثاق الامم المتحدة الذي صدر بمدينة (سان فرانسيسكو) في 26 /6/ 1945 ، وقد جاء الميثاق معبراً عن رغبة الدول في اقامة عالم جديد على اسس حضارية هادفة لاحترام ارادة الشعوب وحقها في التعايش السلمي والاستقرار ، ومن ثم اعتمدت الجمعية العامة للامم المتحدة العديد من الاعلانات واتفاقيات حقوق الانسان ومن اهمها في 10/12/1948 اعتمدت الجمعية العامة للامم المتحدة ( الاعلان العالمي لحقوق الانسان ) بموجب القرار 217 الف (د-3) وجاء في ديباجته ( ان الجمعية العامة تنادي بهذا الاعلان العالمي لحقوق الانسان على انه المستوى المشترك الذي ينبغي ان تستهدفه كافة الشعوب والامم حتى يسعى كل فرد وهيئة في المجتمع ،واضعين على الدوام هذا الاعلان نصب اعينهم ،الى توطيد احترام هذه الحقوق والحريات عن طريق التعليم والتربية واتخاذ اجراءات مطردة ،قومية وعالمية ،لضمان الاعتراف بها ومراعاتها بصورة عالمية فعالة بين الدول الاعضاء ذاتها وشعوب البقاع الخاضعة لسلطاتها ) ، لم ينص ميثاق الأمم المتحدة عند إنشائها بشكل واضح على مواد خاصة بحماية الأقليات بل اكتفت بما ورد من مفاهيم في الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، والذي اعلن ان جميع الناس ولدوا احراراً ومتساوين بقدرهم وبحقوقهم، ويتوجب عدم التمييز بينهم ، واعلن كذلك عن حق الحياة، الحرية والامن الشخصي ، ومنعت العبودية والاستعباد، التعذيب، المعاملة او العقاب القاسي والمهين او غير الانساني والاعتقال التعسفي، وطبقاً له يحق للجميع ان يكونوا معرفين كاشخاص امام القانون، متساوين امام القانون، ان يحصلوا على محاكمة عادلة في جلسة عامة وبمحكمة غير منحازة ،ان يقيموا عائلة بدون فرض قيود بسبب العرق،الجنس او الديانة، وحرية الضمير والفكر والدين ، كما واعلن عن حق كل انسان بالامن الاجتماعي، ظروف عمل عادلة ومستوى معيشة كاف له ولعائلته ، إذ تنص المادة (55) على أن الأمم المتحدة تعمل على (أن يشيع في العالم احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية للجميع بلا تمييز بسبب الجنس أو اللغة أو الدين)). ويفسر البعض تحاشي ميثاق الأمم المتحدة ذكر الأقليات صراحة الى بروز مفاهيم سيادة الدولة بقوة واسعة بحيث يمكن أن يعتبر ذكر الأقليات أو حمايتها تدخلاً في الشؤون الداخلية ومدعاة لزعزعة استقرار الدولة إذا ما قامت دولة أجنبية بأستخدام الارتباطات القومية والدينية والمذهبية مع أقلية تقيم في بلد آخر ، ومن هذا المنطلق رأت الأمم المتحدة قضية حماية الأقليات من أختصاص الدولة نفسها التي تعتبر تلك الأقلية من رعاياها ، يضاف الى ذلك أن قيام أنظمة ديمقراطية حقيقية في بلدان العالم هو أفضل ضمان لحماية الأقليات في تلك البلدان، وللأسف هذا لم يتحقق في الشرق الأوسط

ولم يمض أقل من عقدين من الزمان حتى أضطرت الأمم المتحدة إلى التاكيد صراحة على حماية الحقوق الأساسية للإنسان ومنها حقوق الأقليات ، خاصة بعد أفتضاح الممارسات الفظيعة لنظام الفصل العنصري في جنوب أفريقيا، والرفض العالمي للممارسات الوحشية ضد مجموعات عرقية أو دينية أو قومية ، ففي 20 /11 /1963 صدر إعلان الأمم المتحدة للقضاء على جميع أشكال التمييز العنصري ، أذ أكد الإعلان على ((أن الجميع متساويين أمام القانون ، لهم دون تمييز حق متساو في حمايته وحق متساو في الحماية من أي تمييز ومن أي تحريض على مثل هذا التمييز)) ، ورفض الإعلان ((أن أي مذهب يقوم على التفرقة العنصرية أو التفوق العنصري مذهب خاطئ علميا ً ومشجوب أدبيا ً وظالم وخطر أجتماعيا ً، وأنه لايوجد مبرر نظري أو عملي للتمييز العنصري)). كما أبدى الإعلان القلق الشديد من ((التمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل الإثني في بعض مناطق العالم)). ووضع الإعلان ضوابط لمنع التمييز بين البشر على أساس العرق أو اللون أو الأصل الذي يمثل إهانة للكرامة الإنسانية (المادة 1) ، وحظر على أية دولة تقوم عن طريق التدابير الضبطية أو غيرها، بتشجيع أو تحبيذ أو تأييد أي تمييز بسبب العرق أو اللون أو الأصل الأثني يصدر عن أي جماعة أو مؤسسة أو فرد (المادة 2) ، وأعتبر جريمة ضد المجتمع ، ويعاقب عليه القانون كل تحريض على العنف وكل عمل من أعمال العنف يأتيه أي من الأفراد والجماعات ضد أي عرق أو أي جماعة من لون او أصل إثني آخر (المادة9). في 18 / 12 / 1992 أصدرت الأمم المتحدة (إعلان بشأن حقوق الأشخاص المنتمين الى أقليات قومية أو أثنية أو دينية أو لغوية) ، إذ أكد الإعلان على جميع المواثيق الدولية المتعلقة بحقوق الإنسان والحقوق المدنية والسياسية ومنع جرائم الإبادة البشرية ومنع جميع اشكال التمييز ضد المرأة والطفل ، ورأت الأمم المتحدة أن ((تعزيز وحماية حقوق الأشخاص المنتمين الى اقليات قومية أو أثنية أو دينية أو لغوية يسهمان في الأستقرار السياسي والأجتماعي للدول التي يعيشون فيها)) ، ونصت المادةالأولى من الإعلان على أن ((تقوم الدول، كل في أقليمها، بحماية وجود الأقليات وهويتها الثقافية والدينية واللغوية، وبتهيئة الظروف الكفيلة بتعزيز هذه الهوية. وأن تعتمد الدول التدابيرالتشريعية الملائمة لتحقيق تلك الغايات)). كما أكد الإعلان على حق الأقليات في التمتـــع بثقافتـــها الخاصة، وممارسة دينها وعقائدها وطقوسها، واستخدام لغتها بحرية، والمشاركة في الحياة الثقافية والدينية والاجتماعية والاقتصاديـــة العامة مشاركة فعلية. ومن بين الوثائق الدولية الرئيسية لحقوق الانسان التي تم تبنيها في الامم المتحدة والتي نالت موقعاً هاماً في القانون الدولي الاعلان العالمي لحقوق الانسان في عام 1948 ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية في عام 1966 ، والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاجتماعية والثقافية والاقتصادية في عام 1966 ، وشكلت الوثائق الثلاثة معاً ما يسمى "لائحة الحقوق الدولية" ، هذا وعاود مصيغي المعاهدات الدولية من عام 1966 التاكيد على واجب والتزام الدول بترقية حقوق الانسان، واضافوا حقين جماعيين هما حق الشعوب في تقرير المصير وحقهم في استخدام مواردهم الطبيعية بحرية ، بالاضافة الى انه موضح في كل معاهدة ما هي الحقوق التي في مجالها ، ومن بين معاهدات حقوق الانسان الاخرى نجد المعاهدة الدولية للتخلص من كافة اشكال التفرقة العنصرية في سنة 1965، ومعاهدة الغاء جميع اشكال التمييز ضد النساء من سنة 1979، واتفاقية مناهضة التعذيب في 1984 ، واتفاقية حقوق الطفل في عام 1989 .

 

المبحث الثالث / حق تقرير المصير:

وبالحديث عن حقوق الاقليات فلا بد من الاشارة الى حق تقرير المصير والذي برز كأحد المبادئ الأساسية في السياسة الدولية في القرن العشرين ، باعتباره حق طبيعي لكل شعب أو أمة بتشكيل دولة خاصة بها على ترابها الوطني ، ويعتبر حق تقرير المصير حقاً شرعياً في القانون الدولي يمنح الشعب جميع النتائج والإمتيازات المترتبة عليه ، وقد أعلن عن هذا المبدأ أثناء الحرب العالمية الأولى من قبل الرئيس الأميركي ولسن (1856 ـ 1921) ، حيث ورد كواحد من النقاط الأربعة عشر التي أعلنها والتي أطلق عليها مباديء الرئيس ولسن ، وحظيت تلك المبادىء بإهتمام العالم المتحضر ، فتم إدراجها في ميثاق عصبة الأمم ، وتم الاعتراف بها ضمنياً في الفصل المخصص لنظام الإنتداب ، وقد اعتبر حق تقرير المصير كحق قانوني تستطيع الدول والشعوب المستَعمرة التمتع به ، كما أن الشعوب التي عانت من الدول المستعمرة تعاملت معه على أنه يعني الإستقلال التام ، وفي هذا الصدد وبعد خروج الدستور العراقي الجديد الى النور بعد مخاض ديمقراطي طويل ، استطاع أن يعكس حالة متطورة في الطرح الفدرالي ، وباعتبار أن الفدرالية هي الأسلوب الأنسب لوضع أو صياغة النظام السياسي في العراق بسبب تعدد الأطياف والأعراق والأثنيات في تشكيلة المجتمع العراقي.

 

المبحث الرابع / نظرة تأريخية في مبدأ حماية الأقليات الدينية:

بقي العالم منقسماً الى وحدات دولية على اساس ديني ، أوربا المسيحية، والشرق الأوسط الإسلامي، والهند والصين وما جاورها هندوسية وبوذية وكونفوشيوسية ، ورغم وجود عدة وحدات سياسية داخل الكيان الديني لكن العامل الديني بقي مسيطراً على فكرة التقسيم الدولي ، ولعل أهم التغييرات التي تناولت العلاقات بين المسلمين وغير المسلمين هو اقرار العلاقات السلمية بين الشعوب المختلفة في الأنتماء الديني والعرقي ، فقد عقد السلطان سليمان القانوني عام1535 معاهدة مع ملك فرنسا فرنسيس الأول، منحت رعاياهما المقيمين في بلديهما حقوقاً متبادلة ، وقد أعفي الرعايا الفرنسيون من دفع الجزية ، كما انهم منحوا حرية ممارسة معتقداتهم الدينية ، وحق المقاضاة في محاكمهم القنصلية بحسب قوانين بلادهم ، وهو أمر يحدث لأول مرة حيث يطبق قانون غير إسلامي في محاكم على أراض إسلامية ، كما جرى اعفاء غير المسلمين المقيمين في الأراضي الإسلامية من دفع الجزية ، ولم يجر تحديد مدة إقامتهم كما في السابق حيث لايتجاوز عهد الأمان سنة واحدة ، وكما هو معروف ان التقسيم الشرعي والقانوني للمواطنين في العصور القديمة كان يعتمد على الهوية الدينية اساساً في ذلك ، فالدول والامبراطوريات كانت تتبنى ديانة معينة تمثل هوية الدولة وطبيعة المواطنة فيها ، فالإسلام هو هوية المواطن في الدولة الإسلامية والمسيحية هي هوية المواطن في الامبراطورية البيزنطية ، ونفس الأمر ينطبق على دولة النجاشي في الحبشة ودولة الأقباط في مصر قبل دخول الاسلام اليها ، ويعود دخول مبدأ حماية الأقليات إلى القرن الثامن عشر عندما بدأت الدول الأوربية بفرض حمايتها على الأقليات المسيحية في اراضي الدولة العثمانية مع بداية ضعف الدولة العثمانية وبحلول القرن التاسع عشر اصبح المواطنون غير المسلمين يتمتعون بحقوق وامتيازات اكبر عما كان سائداً من قبل ، وبرغم السلبيات التي رافقت ممارسة حماية الاقليات في الدولة العثمانية ، لكن تلك الحماية ادت الى تغيير كبير في وضعية الاقليات الدينية في الدولة العثمانية ، ونتيجة لتلك الضغوط اضطر السلطان العثماني باصدار مرسوماً سلطانيا عام 1839 ، تضمن اعلان المساواة بين المسلمين وغير المسلمين ، مما يعني الغاء الوضع الشرعي التقليدي لغير المسلمين على اعتبار انهم ((اهل ذمة)) ، وتم التاكيد على ما ورد في المرسوم السابق بقرار سلطاني آخر عام 1856 حين اصدر السلطان مرسوما ً آخر والذي منح المساواة التامة والحرية الدينية الكاملة للأقليات الدينية في الامبراطورية العثمانية. المصدر : د. صلاح عبد الرزاق ( مجلة الاسلام والديموقرطية – العدد 13 - 2006 )

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.