كـتـاب ألموقع

• خطوة مهمة على طريق الاستقرار والسلام

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

خطوة مهمة على طريق الاستقرار والسلام

 

أفرزت نتائج الانتخابات النيابية الأخيرة في العراق جملة من الحقائق التي تستحق التناول الجاد كي يتم الاستفادة منها في الخطوات التالية للعراق على طريق إنضاج العملية الديمقراطية وتعميقها وتشذيب شوائبها، والارتفاع بالوعي الديمقراطي لدى العراقيين. إن من بين النتائج التي تهمنا في أطار هذه المقالة تتحدد في فشل أية من الكتل في الحصول على أغلبية تؤهلها لتشكيل الحكومة القادمة. وهذه إشكالية فرضتها ذات الكتل المتصدرة لنتائج الانتخابات من خلال تشريعها لدستور يتضمن، فضلاً عن مسحته الطائفية، الكثير من التعقيدات والعراقيل، ناهيك عن عرقلتها لتشريع قانون عادل للانتخابات، وتمنّعها من تشريع قانون للأحزاب يضفي قدراً كافياً من الشفافية والنزاهة على الانتخابات النيابية.

كل هذه التدابير السلبية للكتل المتصدرة كانت تهدف إلى تأمين سيطرتها على أكبر عدد من المقاعد. ولكن النتائج أوقعت هذه الكتل في الفخ الذي صنعته بيدها بحيث أصبح من الصعوبة بمكان الحصول على أغلبية قادرة على تشكيل الحكومة الموعودة دون التعاون بين هذه الكتل.

إن نتائج الانتخابات تضع الكتل والمراقبين أمام عدد من الخيارات الصعبة لتشكيل هذه الحكومة. وكل الكتل الآن في حيرة من تشكيل الحكومة خاصة وأن جميعها كالت الاتهامات ضد بعضها البعض وانغمرت في الدسائس واللجوء إلى العامل الخارجي، ومارست المناوشات العبثية والإسهاب وعدم الاقتصاد بالتصريحات الاستفزازية التي لا يكل أصحابها عن إطلاقها دون أن تفكر بأنه سيأتي يوم يضطر فيه هؤلاء إلى الجلوس وحهاً لوجه والتعاون لتنفيذ الاستحقاق الدستوري في تشكيل الحكومة الجديدة.

وبغض النظر عن جملة الخيارات المطروحة والحراك السياسي نحو تحقيق هذا الهدف، إلاّ أنني  أعتقد أن أفضل الخيارات المطروحة أخيراً هو تحالف الكتلتين الكبيرتين، أي دولة  القانون والعراقية، ليصبح الأساس في تشكيل أية حكومة قادمة. إن التحالف بين هاتين الكتلتين، رغم الصعوبات  المعروفة، من شأنه أن يؤسس لخيار يقلص من الشوائب التي تحيط بالعملية الديمقراطية من ناحية، ومن الناحية الأخرى سيساعد على معالجة الملف الأمني وتوفير قدر كبير من الأمن والسلام في المجتمع العراقي. فهذا التحالف من شأنه أن يطوق الرؤوس الحارة في كلتا الكتلتين وتعزل الرموز التي تميل إلى التشدد والعنف والطائفية أو تلك التي تمد الخيوط مع دعاة الإرهاب والعنف وفلول النظام السابق.

كما أن تحالف هاتين الكتلتين من شأنه أن يشكل خطوة مهمة على طريق تطويق أكثر فاعلية للظاهرة الطائفية التي تحكمت في المشهد السياسي العراقي في السنوات الماضية. إن الفشل في التحالف بين هاتين الكتلتين سوف لا يؤدي في النهاية إلاّ إلى إحياء التحالف بين دولة القانون والائتلاف الوطني العراقي. وهذا يعني الرجوع إلى المربع الأول في المشهد السياسي الطائفي في العراق المشبع باحتقان خطير في البلاد. فالتحالف بين دولة القانون والعراقية من شأنه أن يرسي قدراً من تقاليد عمل سياسي بعيد عن الطائفية وإقحام الدين أو المذهب في التنافس السياسي، وخطورة ذلك على الاستقرار وعلى الهوية الوطنية والمواطنة العراقية.

ولابد أن يوفر هذا التحالف بين القائمتين الكبيرتين أجواء مناسبة لتطويق السلوك الفوضوي والعبثي لبعض التيارات المشاركة في العملية السياسية. إن جميع المراقبين السياسيين تابعوا السلوك الفوضوي لهذه التيارات سواء داخل أوخارج مجلس النواب منذ الإطاحة بالطغيان عام 2003 وحتى الآن. فقد كرست هذه التيارات كل همها على تشكيل ميليشيات مسلحة والانغمار في الصراع الدموي الطائفي والحزبي وزعزعة الوضع الأمني، و معارضة ورفض كل خطوة باتجاه الاستقرار وتعميق العملية الديمقراطية. كما سعت إلى عرقلة عمل مجلس النواب والسعي لشل السلطة التشريعية ومواجهة تدابير الحكومة في التصدي للزمر المنفلتة والتخريبية، مما وضعها في كفة القوى التي لا تريد الاستقرار وتطور العملية الديمقراطية في البلاد. ولذا يصبح من  الضروري تدجين هذه القوى الفوضوية والحد من قدرتها باللعب على موازين القوى  وعلى التأثير السلبي على الجهود لتشكيل حكومة على رأس مهماتها الاستقرار وفرض القانون.

كما أن مثل هذا التحالف الذي يضم أكثر من نصف مقاعد مجلس النواب، سيترك أثراً إيجابياً على تطويق النزعات الانعزالية والتقوقع القومي  وسيل المطاليب التي يطرحها متطرفون قوميون في التحالف الكردستاني، مما يؤجج التوتر بين إقليم كردستان والحكومة الاتحادية. فهؤلاء يستغلون الظروف الصعبة التي تعيشها بغداد، وراحوا يتعاملون مع الحكومة المركزية وكأنهم دولة أخرى خارج إطار الكيان الاتحادي العراقي سواء داخلياً وحتى خارجياً. وهذا ما يضعف الكيان الاتحادي ويمزقه ويهدد مكتسبات المواطنين الكرد والعرب وباقي المكونات على حد سواء. إن تحالف دولة القانون والعراقية، وبانضمام التحالف الكردستاني إليهما وانفتاح هذا التحالف على القوى الأخرى الملتزمة بالعملية الديمقراطية، وبما في ذلك القوى التي لم تحصل على مقعد لها رغم نيلها القاسم الوطني الانتخابي، من شأنه أن يعزز الأجواء الديمقراطية لحل الكثير من المشاكل وبضمنها العلاج التدريجي للمشاكل العالقة بين الحكومة الاتحادية والإقليم على أساس تأمين الحقوق القومية للمواطنين في الإقليم.

ولا بد أن يؤدي مثل هذا التحالف إلى الحد من هذا التوجه المحموم والمعيب نحو العامل الاقليمي والخارجي لحل المشاكل بين العراقيين، هذا السلوك الذي لا يجلب التفاهم بين العراقيين بل إلى إقحام قوى خارجية أثبتت الأحداث خلال السنوات الماضية أن العديد منها وإلى الآن تشكل حاضنة للعنف والإرهاب الموجه ضد العراقيين. إن لدى الكثير من العراقيين الحكمة والخبرة والعلم والشجاعة ما يؤهلهم لعلاج المشاكل التي تواجه البلاد. وهؤلاء ليسوا بحاجة إلى هذا العامل الخارجي السلبي والمتخلف.

بالطبع ومن أجل أن يحالف النجاح مثل هذا التحالف وكي يقدم خدمة للعراقيين، فإنه من الضروري أن يستند إلى أطار ملموس وواضح ورؤية موحدة تجاه المؤشرات الأساسية في الوضع السياسي العراقي البالغ التعقيد كالموقف من الإرهاب والعنف والفساد ومن يدعمه داخلياً وخارجياً، إطار واضح في الموقف من العملية الديمقراطية والمؤسسات الدستورية، إطار واضح في تولي المسؤولية على أساس الكفاءة والنزاهة بالدرجة الأولى وليس على الانتماء إلى هذه الكتلة أو تلك، إطار يلتزم بفصل الدين والمذهب عن الدولة والالتزام بمبدأ " لا إكراه في الدين" مع ضمان الاحترام الكامل للإيمان الديني والمذهبي وعدم المساس به كجزء من الحريات الشخصية، إطار يلتزم بالحريات الديمقراطية والفردية للمواطن العراقي التي نص عليها الدستور، وكبح جماح البعض ممن يسعى في مجالس المحافظات إلى تحويل مؤسستهم الخدمية والمؤسسات الأمنية إلى "فصائل الأمر والمعروف " على شاكلة ما يجري في السعودية. نعم إن التزام هاتين الكتلتين بضوابط سياسة تنمية عقلانية وفعالة وسياسة خارجية قائمة على التعايش السلمي وحسن الجوار وعدم اللجوء إلى الحرب والعدوان، من شأنه أن يؤمن دعم شعبي لهذا التحالف في مواجهة المخاطر، ويؤسس لدولة مدنية عصرية بعيدة عن نزعات العنف والإرهاب والتجاذبات الطائفية والعرقية، دولة تحترم فيها حقوق المواطنة والمشاركة في بناء هذا الوطن العزيز، وبذلك تتوفر الفرصة لعودة كل الخيرين من أبناء هذا الوطن للمساهمة في ترميم جراحه وإعادة بنائه.

23 نيسان 2010