اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• نظرة الحكم تجاه الطبقة المتوسطة في المدينة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

تعريب عادل حبه

نظرة الحكم تجاه الطبقة المتوسطة في المدينة

بقلم الكاتب الإيراني همايون كتيرائي*

 

في أحد الأيام وجّه أمير عباس هويدا رئيس وزراء الشاه خطاباً إلى معارضي الحكم قال فيه بأنه سيوفر 400 ألف سيارة من طراز "پيكان" إلى الشعب الإيراني، في إشارة من هويدا إلى الطبقة المتوسطة التي تزايد عددها مع اتساع حجم المدن، وتزايد الدخول جراء زيادة الموارد الناتجة عن اقتصاد يستند إلى إيرادات النفط. لقد وقفت الطبقة المتوسطة الإيرانية على مسافة من  البناء العشائري والطائفي وأصبح أفراد هذه الطبقة ينظرون إلى مصالحهم وحقوقهم الفردية بعيداً عن معايير العشيرة والطائفة. على أي حال يبدو أن نظام الشاه كان يتبجح بحمايته للطبقة المتوسطة، ونسى إن كل ما بناه من نظام استبدادي الذي يتغازل مع الطبقة المتوسطة، يتناقض كلياً مع مصالح هذه الطبقة، وإن الممارسات شبه الاقطاعية والوصاية على سكان المدن من الطبقات الوسطى كانت ستؤدي عاجلاً أم آجلاً إلى ردود فعل من هذه الطبقة ضد الحكم. ولقد تفجرت ردود الفعل هذه في ثورة عام 1978، وأدت إلى انهيار النظام الشاهنشاهي.

موقف غير صحيح للطبقة المتوسطة في المدينة من الدين السياسي

على الرغم من كون الطبقة المتوسطة في المدينة قد شكلت القوة الأساسية والطليعية في ثورة 1979، ولكن الذي استلم زمام الأمور من النظام الشاهنشاهي هو الدين السياسي وذلك يعود إلى أن الطبقة المتوسطة كان تتبنى موقفاً ومهوماً خاطئاً عن الدور التاريخي للمؤسسة الدينية الشيعية. وتوهمت أنه في الإمكان الوقوف والعيش إلى جانب المؤسسة الدينية والتمتع بالحرية دون أن يؤدي ذلك إرساء نظام استبدادي. وأغفلت حقيقة أنه ما إن يستلم رجال الدين السلطة فسيضطرون إلى الوقوف على مسافة من حياتهم التقليدية، ويظهروا بمظهر جديد. وبعبارة أخرى فإن تلك الفئة من رجال الدين التي تميل إلى استلام السلطة كانت في نفس الوقت تنتقد أسلوب حياة رجال الدين التقليديين، ولذا فقد كان من المتوقع أنه في حالة استلام رجال الدين السلطة فسيفرضون  وجهة نظرهم على المجتمع.

ومن هنا فإن وجهة نظر الطبقة المتوسطة في التحرر من الأنظمة  المركزية السياسية قد فشلت. فمع استقالة حكومة بازركان، وإعفاء بني صدر وتهميش قوى سياسية مثل الجبهة الوطنية، خرج من دائرة الحكم المثقفون الذين كانوا يمثلون تطلعات هذه الطبقة. ومن الطبيعي أن يؤدي تهميش هذه الفئة من المثقفين إلى توفير الأرضية لنمو الفئات المثقفة الراديكالية التي تؤمن بالعنف أزاء حكم رجال الدين، هذه الظاهرة التي دفعت بسرعة الحكام من رجال الدين إلى  تغيير موقفها في الاعتماد على الطبقة المتوسطة في المدينة واختارت طريق الاعتماد على سكان الريف والفئات الهامشية المحرومة في المجتمع، التي أطلقوا عليها صفة المستضعفين. أي تلك الطبقات التي لا تسعى إلى الحكم بسبب عدم وجود قيادة حزبية ومهنية لها، وكانت مشبّعة بثقافة التقليد والطاعة التي تؤكد عليها المؤسسة الدينية وتنسجم معها.

الاعتماد الوهمي للمثقفين على الطبقات المحرومة

أدى التغير في تركيبة قوى الحرس الثوري والمتطوعين في "التعبئة – بسيج" خلال سنوات الحرب إلى تراجع حضور الطبقة المتوسطة المدينية في ستراتيجية رجال الدين لصالح حضور سكان الريف والفئات الهامشية والفئات الفقيرة في المجتمع. وأدى هذا التغيير في المعادلة الطبقية إلى التخفيف من المشاكل التي واجهت المؤسسة الدينية باعتمادها على الفئات المتوسطة من ناحية، ومن ناحية أخرى فقد سحبت البساط من تحت الطليعة اليسارية المثقفة التي كانت تسعى إلى تعبئة الطبقة المحرومة، وبالتحديد العمال والفلاحين، ضد الحكام الجدد. وفي الحقيقة أن الخطأ التاريخي الذي ارتكبه المثقفون ( سواء أكانوا ماركسيين أو مذهبيين) هو الاستناد الوهمي إلى الطبقات المحرومة من المجتمع ومن ضمنهم العمال والفلاحين الذين في الواقع ليس لهم دوراً اجتماعياً مؤثراً، كما أن قدرتهم الطبقية في التاريخ المعاصر لإيران لم تتبلور في التحولات الإجتماعية. ومقابل ذلك تم تجاهل احتياجات الطبقة المتوسطة في المدينة التي لعبت الدور الأساسي في التحولات الاجتماعية والسياسية منذ ثورة المشروطة. ولذا فمن غير المبالغة القول أن المثقفين المنحدرين من الطبقة المتوسطة لم يهتموا بالحاجات الطبقية لطبقتهم منذ العقد السادس وحتى العقد الثامن من القرن الماضي، وهي ظاهرة أدت إلى حرمان الطبقة المتوسطة من العلاقة المنتظمة بالمثقفين والتنويريين، وحرموا بذلك من دعم الطبقة المتوسطة. واستغلت هذه الثغرة بسرعة من قبل أنظمة الحكم القمعية دون أن تصدر أية ردود فعلية من قبل الطبقة المتوسطة في المدن.

إن نقطة القوة التي تتميز بها ما يطلق عليها طبقة المستضعفين من وجهة نظر الحكام من رجال الدين، هي تميزها بالطاعة التي وفرت للحكم إمكانية عدم تقديم أي امتياز جدي لهذه الطبقة، وبما فيها السماح لها بتشكيل الجمعيات والاتحادات المهنية التي تدافع عن مصالحها. وفي الواقع كانت الطبقات المحرومة في إيران مجرد جنود لا يحلمون أبداً بتولي منصب الجنرالات، في حين كانوا على الدوام مستعدين للتضحية من أجل ضمان الحكم للآخرين في حالة تعرضه للمخاطر. وقاد القصور العام لدى هذه الطبقات في تلقي التعليم، وهو جزء من المحرومية التاريخية لهذه الفئات، إلى تراجع تدريحي لدورها في الحرب العراقية الإيرانية. وكان ذلك أحد عوامل قبول حكام إيران بوقف إطلاق النار مع النظام العراقي.  

 

مرحلة البناء وتوجه الحكم من جديد نحو الطبقة المتوسطة

 

مع انتهاء الحرب والشروع بمرحلة ما أصطلح عليها " مرحلة البناء" أدرك الحكام المتدينين بشكل جيد أنهم لايستطيعون الاستناد إلى الطبقات المحرومة من أجل إدارة نظام اجتماعي واقتصادي، وتجاهل قدرات الطبقة المتوسطة في المدينة. ولهذا لم ير هؤلاء الحكام من بُد سوى العودة إلى هذه الطبقة. والسبب هو أن القسم الأعظم من التكنوقراط والبيروقراطيين ينتمون  إلى هذه الطبقة، أي تلك العناصر التي يحتاج إليها لإدارة النظام. ومن الطبيعي أن يلجأ الحكم إلى تقديم امتيازات لهذه الطبقة المتوسطة في المدينة مقابل خدماتها ومن أجل جلب ثقتها. وعلى هذا الأساس بادرت حكومة البناء إلى التخفيف من الضغوط على الطبقة المتوسطة، وأعطتها قدراً من التمتع بالحرية الفردية على الأقل في مجال حياتها الخاصة، وهو ما اعتبر من قبل المتطرفين في النظام على أنه ضرب من انتهاك النظام القيمي والمذهبي.

لقد وفرت الأجواء نصف المنفتحة في مرحلة البناء المجال للطبقة المتوسطة في المدينة أن تعبر عن مطاليبها السياسية والاجتماعية في قوالب جديدة. كما أن التصفيات الواسعة للمثقفين اليساريين في العقد الثامن من القرن الماضي أزاح الشعور بالقلق لدى رجال الدين أملاً بأن يتبلور تيار جديد للمثقفين ينسجم أكثر مع مصالح النظام. فالنسبة الغالبة من المثقفين أصبحت تتمتع بالثقة من قبل الحكام من رجال الدين، ولم يعد لهم علاقة بالمعارضة الساعية للإطاحة بالنظام.

وتبعاً لذلك تمتعت الطبقة المتوسطة في المدينة بحضور جدي في الميادين السياسية والاجتماعية رغم كونه تحت السيطرة. وكانت تتمتع بدعم من أطراف في النظام السياسي وأبرزهم هاشمي رفسنجاني. وقد سعى رفسنجاني بذكاء إلى التفاهم مع الطبقة المتوسطة في المدينة وبلورة نهج ينطوي على قدر من الليبرالية الثقافية والاقتصادية إلى جانب الرقابة على مشاركة للطبقة المتوسطة في الحياة السياسية. وفي الواقع أن هاشمي رفسنجاني كان أكثر من وقف على قمة الهرم السياسي إداركاً منه بعدم قدرة النظام على تصفية الطبقة المتوسطة على النمط الستاليني، وأدرك أنه ليس من سبيل أمامه أمامه سوى استخدامها السياسي والاجتماعي. ولكن فاتت على هاشمي رفسنجاني نقطتان رئيسيتان. النقطة الأولى مكانة ولاية الفقيه في الحكم الذي لا يتحمل تنامي قدرة الطبقة المتوسطة في المدينة. أما النقطة الثانية فهي تغلغل طبقة جديدة  من العسكريين في كل ميادين المجتمع وخاصة في الميدان الاقتصادي. وليس من قبيل الصدفة إطلاق صفة "الطبقة" على هؤلاء لكونهم يتمتعون بمصالح مشتركة ونمط خاص من المعيشة مما يسمح بإطلاق صفة الطبقة عليهم.

إن ما يثير الانتباه أن غالبية أعضاء طبقة العسكريين ينحدرون من الريف والمناطق الهامشية في المدن. وقد تبوأوا المناصب العسكرية تدريجياً خلال الحرب بحيث أصبحوا المكون الغالب في القوات المسلحة. واستفادت هذه الطبقة من وجودها في القوات المسلحة لتلقي التعليم الحديث، وتجاوزت إلى حد بعيد ذلك الحرمان التاريخي، وتستطيع الآن أن تدعي أنها من فئة التكنوقراط والبيروقراطيين، وأن بإمكانها إدارة المجتمع لأتها تتمتع بنفس قدرات الطبقة المتوسطة في المدينة.

 

حكومة الإصلاحات ورؤية الحكام تجاه الطبقة المتوسطة

 

إستعدت طبقة العسكريين بجدية في نهاية رئاسة هاشمي رفسنجاني للخوض في النشاط السياسي، ولكنها واجهت مناورات هاشمي وحماته في النظام التي سدت الطرق أمام طموحات العسكريين. وفي مقابل ذلك توفرت الظروف لمثقفي الطبقة المتوسطة في المدينة بزعامة خاتمي أن تشق طريقها نحو قمة السلطة. وكان رد فعل هاشمي رفسنجاني أزاء هذه النتيجة في دورة الانتخابات الجديدة هو طموحه للاحتفاظ بدور  سياسي كأب روحي للطبقة المتوسطة في المدينة. ولكن لم تجر السفن كما كان يشتهي رفسنجاني، حيث بادر فصيل هام من المثقفين في مرحلة الإصلاحات إلى الانسلاخ عن رفسنجاني وتيار رسل الإصلاح "كارگزاران سازندگى". هذا الفعل السياسي الذي اتخذ دون النظر إلى المصالح العامة للطبقة المتوسطة في المدينة، مما وضع هذه الطبقة على مسافة من أهم مدافع عنها في النظام السياسي لرجال الدين، وعلى الأقل عند قسم من الطبقة المتوسطة في المدينة التي بقيت موالية لهاشمي من فلول حكم العقد الثامن من القرن الماضي، والتي ساهمت في التصفية السياسية لمثقفي الطبقة المتوسطة وفي نهب المصادر المالية والاقتصادية للنظام. وأدى هذا التجاذب الداخلي بين قادة الطبقة المتوسطة إلى إضعاف الموقع العام لحكومة  الاصلاحات، كما أدى ذلك إلى مضاعفة جهود أنصار ولاية الفقيه وطبقة العسكريين من أجل نزع السلطة عن يد الطبقة المتوسطة. وأدى لجم يد حكومة الاصلاحات في تحقيق الاصلاحات السياسية والاقتصادية الواسعة إلى زعزعة ثقة الرأي العام بقدرة تيار الطبقة المتوسطة في المدينة على قيادة دفة الأمور في البلاد.

 

تكرار الخطأ التاريخي للطبقة المتوسطة

 

في انتخابات رئاسة الجمهورية التي جرت في العقد الأول من القرن الواحد والعشرين، وزعت الطبقة المتوسطة آرائها بين عدد من مرشحي الرئاسة، مما وفر الفرصة لأحمدي نجاد، ممثل طبقة العسكريين والشخصية التي تتمتع بثقة نظام ولاية الفقيه، للجلوس على كرسي رئاسة الجمهورية.

ومن أعاجيب هذا التحول السياسي هو أن جزءاً هاماً من الطبقة المتوسطة في المدينة صوت لصالح أحمدي نجاد وسمح له بالحصول على نتيجة حاسمة في انتخابات عام 2002، وألحق الهزيمة بهاشمي رفسنجاني، أحد أنصار أحياء دور الطبقة المتوسطة بعد الثورة. وعلى الرغم من ادعاء رفسنجاني وأنصاره بتزوير نتائج الانتخابات، إلاَ أنه نظراً لكون وزارة الداخلية كانت بيد الإصلاحيين، فلا يمكن لمثل هذا الإدعاء أن يقوم على سند مؤثر. إلاّ إذا افترضنا أن الإصلاحيين كانوا يسعون إلى تصفية حساباتهم التاريخية مع هاشمي. ولكن بالرجوع إلى سمات العديد من أقطاب الإصلاحات ومن ضمنهم محمد خاتمي، فلا يمكن تطبيق هذه الفرضية على أرض الواقع. ولذا لا يمكن العثور على سبب آخر لهذه النتائج سوى القبول بأن جزءاً من الطبقة المتوسطة في المدينة قد صوتت لصالح فوز أحمدي نجاد. لقد لجأ هذا الجزء من الطبقة المتوسطة إلى هذا الخيار متوهماً بأن أحمدي نجاد قادر على مكافحة الفساد ونشر العدالة الاجتماعية وتحسين أوضاعها العامة.

وفي الحقيقة أنها المرة الثانية التي تلجأ فيها الطبقة المتوسطة في المدينة إلى اتباع نهج يتعارض مع علاقاتها الثقافية والفكرية بأمل أن تتحقق آمالها. المرة الأولى كانت في عام 1979، والمرة الثانية في انتخابات عام 2002، مما يدل على أن هذه الطبقة فقدت في مراحل مهمة من التاريخ السياسي المعاصر التحليل الواقعي والإدراك لمصالحها الطبقية.

وفي الواقع تحلت الطبقة المتوسطة في المدينة وممثليها طواعية في انتخابات رئاسة الجمهورية عام 2002 عن السلطة السياسية دون أن تتهم بشكل جدي الآخرين عن إزاحتها. إن الخطأ في  تعدد المرشحين في المرحلة الأولى من الانتخابات أدى إلى الهزيمة وتشتت الأصوات، وإن عدم دعم هاشمي في المرحلة الثانية قد أدى إلى فشلها النهائي.

 

المساعي لاستعادة السلطة

إن أربعة سنوات كانت كافية كي تتلمس الطبقة المتوسطة في المدينة أخطائها القاتلة في انتخابات عام 2002، والتوجه نحو دعم موسوي في انتخابات الرئاسة اللاحقة. هناك تحليل حول نتائج الانتخابات يشير إلى أن المشاركة الواسعة في الانتخابات مع وجود الاختلافات الكبيرة في صفوف الطبقة المتوسطة لا يسمح بحدوث تزوير منظم فيها.  إلاّ أن هذا التحليل كان خاطئاً لأن النظام السياسي لولاية الفقيه وكذلك طبقة العسكريين لم يعد بإمكانهم القبول بالتراجع وفقدان زمام السلطة التنفيذية. ومن هنا جاء ذلك التأييد السريع لنتائج انتخابات عام 2010 وبعد ساعات من انتهاء فرز الاصوات دون انتظار التأييد من قبل مجلس حراسة الدستور، وراقها دفاع علني عن المرشح الفائز في خطب صلاة الجمعة في 19 من حزيران عام 2010. في حين لم يحدد فيه مجلس حراسة الدستور موقفه من اتهامات التزوير في الانتخابات. وهنا لم يبق أمام الطبقة المتوسطة من طريق سوى النزول إلى الشارع أملاً بأن تؤدي المظاهرات السلمية إلى إجبار الحكام على التراجع. هذه الخطوة التي لم تؤد إلى الحصول على أمتياز، بل أدت إلى قمع قاس كان متوقعاً من الهيئة الحاكمة. فهذا القمع قد مورس بعد التحول التاريخي بعد ثورة  عام 1979 والهدف هو إبعاد الطبقة المتوسطة في المدينة عن موازين القوى، وهو إجراء متوقع ضمن طبيعة النزاعات الطبقية التي جرت في تلك الفترة.

والآن لم يعد بمقدور طبقة العسكريين التراجع بعد تحقيق حلمها في تشديد قبضتها على الحكم. لأن مجرد عودة الطبقة المتوسطة في المدينة إلى سدة الحكم ستؤدي إلى عواقب كتلك التي حدثت في تركية حيث تمت الإزاحة التدريجية للعسكريين من دائرة الحكم، وكما حدث في الباكستان حيث تم شل احتكار السلطة المطلقة للعسكريين في الحكم. والآن أضحى حضور طبقة العسكريين في الميدان السياسي علنياً ، فلم يعد بالإمكان التحرك بمصباح مطفأ حسب تعبير حسين شريعتمداري المدير المسؤول لجريد كيهان.

 

طمع الزعامة وجذب الطبقة المتوسطة في المدينة

 

في مقدمة أهداف أحمدي نجاد رئيس الجمهورية المتعصب الذي يعد طبقياً ممثل الطبقة المحرومة، هو تلقي الدعم من قبل جزء من المجتمع الإيراني ومن ضمنهم الفلاحين والفئات الهامشية في المدينة وكذلك الفئات التي أنتابها اليأس من الطبقة المتوسطة لكي يضفي شرعية على حكم العسكريين في المجتمع. فلم يعد من الممكن بالنسبة للساسة الإيرانيين، ومن ضمنهم أحمدي نجاد،  تجاهل الحضور الفعال والتاريخي للطبقة المتوسطة في المدينة في المرحلة المعاصرة.

فالنظام السياسي لولاية الفقيه وطبقة العسكريين يدرك جيداً أن الطبقة المتوسطة لا يمكن إزاحتها ولا يمكن تجاهلها على الرغم من المساعي لفرض الحكم المطلق على العلاقات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والثقافية. وورد هذا التحليل على لسان الأجنحة المختلفة الفائزة في انتخابات عام 2010، بما يعني أنه من غير الممكن تجاهل الحركة الاحتجاجية المعروفة بالخضر، مما يستدعي البحث عن السبل لجذبها. وهذا ما أشير إليه في مطبوعات بعض المحللين من طبقة العسكريين والتي عرفت بالآراء الرمادية.

إن محمود أحمدي نجاد وفريقه من خلال قراءتهم لنتائج انتخابات عام 2010 أدركوا بشكل جيد الوزن الاجتماعي للطبقة المتوسطة في المدينة، وعرفوا أن أكثر من 70% من سكان إيران يتمركزون في المدن، وإن سكان الريف هم في عزلة تاريخية عن وسائل الاتصال ويقفون على بعد من سكان المدن في هذا الميدان. فلا يمكن القبول بخديعة عزل الطبقة المتوسطة، بل يجب اتباع نهج عقلاني قائم على استخدام هذه الطبقة ضمن إطار ستراتيجية الحكم. أي تقديم قدر من الامتيازات لهذه الطبقة مقابل الاستفادة من قدراتها. إذن أن نجاد الذي وصل إلى الحكم عن طريق ما عرف بتيار القيم، وخاصة في الدورة الثانية من رئاسته قد غير نهجه وراح يسعى ، على غرار هاشمي وخاتمي ، إلى تكرار جذب الطبقة المتوسطة في المدينة. لابد إن أحمدي نجاد يدرك أنه في الظرف الراهن وفي ظل القيم المتعلقة بنظام ولاية الفقيه فلا يمكن له أن يجد قاعدة جدية بين الطبقة المتوسطة في المدينة. فلولا واردات النفط والمنح الحكومية فمن الصعب العثور على شخص مستعد للنشاط تحت لواء هذه المجموعة. بالطبع ليس من الصعب على شخص يمسك بزمام الشؤون التنفيذية في المجتمع أن يفهم هذا الواقع، خاصة في ظروف نشهد في كل يوم ظواهر وواقع يحكي عن الدور الحاسم للطبقة المتوسطة في العلاقات الاجتماعية والثقافية. إن تيار أحمدي نجاد لاحظ التغيير في شعارات الطبقة المتوسطة من "أين رأيي" إلى "الموت للديكتاتور". وكان المستهدف هنا بشكل واضح الشخص الأول في السلطة أي ولي الفقيه. ولكن أحمدي نجاد تحايل وأبعد نفسه عن هذا النزاع والتزم الصمت أزاء الشعار العنفي الموجه ضد حاميه الأصلي علي خامنئي. وحاول نجاد مقابل ذلك طرح شعار الاسلام الإيراني وشعارات أخرى يعتقد أنها ذات جاذبية بالنسبة للطبقة المتوسطة في المدينة، لكي يميز نفسه عن المؤمنين بولاية الفقيه. ووصلت الأمور إلى حد تعالت فيه أصوات حلفاء الأمس الذين راحوا يرددون مقولة "عدم التضحية بحزب الله وتيار القيم من أجل جذب الآراء الرمادية". وعلى أي حال فإن الطبقة المتوسطة سوف لا تنخدع بهذه الإدعاءات. فلا يمكن أن تقبل بشخص يتحمل مسؤولية كل ذلك القمع للطبقة المتوسطة في انتخابات عام 2010 ويدّعي الآن انه ناجيهم.

 

انعطافة في استعراض القوى لدى الطبقة المتوسطة

 

لقد كان من الممكن التصور قبل 14 شباط عام 2011 أن القمع المنفلت للطبقة المتوسطة في المدينة قد أدى ثماره. وهذا ما انعكس في خطب أقطاب واتباع ولاية الفقيه الذين لم يبخلوا بتصريحاتهم حول قمع الفتنة. ولكن ما جرى من استعراض للقوة من قبل الطبقة المتوسطة في العاصمة طهران أحدث صدمة كبيرة لأنصار ولاية الفقيه بحيث انهم حاولوا بسرعة تفسير هذا الحدث. وكما برز بعدئذ في ردود فعل المسؤولين الرسميين وغير الرسميين، فإن مظاهرات 14 شباط عام 2011 قد أكدت أن الطبقة المتوسطة وعلى الرغم من تراجع حضورها في الشارع، إلاّ أنها لم تتخل عن مطاليبها.

ويبدو أن حركة الطبقة المتوسطة في 14 شباط عام 2011 قد عززت من قناعة تيار أحمدي نجاد بأن هذه الطبقة قد إحتفظت بطاقتها الاحتجاجية. ولذا فإنهم، أي تيار أحمدي نجاد، يستطيعون انطلاقاً من الشعور بالخطر الذي أحاط بولاية الفقيه ابتزازه والحصول على امتيازات أكثر من نظام ولاية الفقيه، وتعزيز مواقعهم بين منافسيهم في المؤسسة الحاكمة. لقد ظن تيار أحمدي نجاد أن المشكلة الأساسية التي تواجه نظام ولاية الفقيه وطبقة العسكريين هي كيفية السيطرة على الطبقة المتوسطة في المدينة  وشل حركة الإصلاحيين. ومن أجل عرقلة نهوض هذه الطبقة فقد كان النظام على استعداد لتقديم أية امتيازات لتيارأحمدي نجاد. ويبدو أن هذا التيار انتابه الأمل بأن حماته يتمتعون بقدر من الرؤية الستراتيجية ويتفهموا هدف تيار أحمدي نجاد القاضي بجذب الطبقة المتوسطة في المدينة لصالح تحقيق أهداف ولاية الفقيه، مما يعني الصبر والدعم للمتعصبين تجاه تكتيكاتهم.

 

التغييرات اللاحقة

 

أدى التحليل الخاطيء لتيار أحمدي نجاد حول التغييرات اللاحقة إلى تغيير في مسيرتهم السياسية، ودفعه إلى المواجهة مع نظام ولاية الفقيه وطبقة العسكريين. وفي الواقع فإن هذا التيار أغفل حقيقة أن مساعي كل التيارات والقوى السياسية خلال العقود الأخيرة نحو تنظيم الطبقة المتوسطة في المدينة دون المواجهة مع ولاية الفقيه وطبقة العسكريين كان مآلها الفشل. هكذا الحال مع المحاولات الفاشلة لبني صدر وهاشمي رفسنجاني وخاتمي وموسوي وآخرهم أحمدي نجاد مما يؤكد هذا الخطأ في التحليل.

وبعبارة أخرى فإن تيار أحمدي نجاد قد راح ضحية الطمع بقيادة الطبقة المتوسطة في المدينة دون أن يتمتع بالمؤهلات لذلك. إن توقعات هذا التيار بتكرار تجربة انتخابات عام 2002 عندما ركب موجة تذمر                            الطبقة المتوسطة من الحكام السابقين، هو توقع ليس في محله. فالظروف مختلفة، لأن مكانة زعامة النظام في الوقت الحاضر تختلف عن مكانة هاشمي الضعيف في مرحلة انتخابات رئاسة الجمهورية في عام 2002، على الرغم من أن الطبقة المتوسطة لم تتردد آنذاك في التعبير عن موقفها بشأن ولاية الفقيه. ولكن القدرة العسكرية لولاية الفقيه لم تستطع آنذاك إزاحة هاشمي رفسنجاني بسهولة من الميدان، وخاصة إن الاتجاه الغالب في الطبقة المتوسطة لا يسير تحت قيادة أحمدي نجاد في صراعه مع النظام ولا يثقون به. إذن من المتوقع، على افتراض أن مسلسل الأحداث سيجري بطرق سلمية، أن يتم عزل تيار أحمدي نجاد عن النظام الموجود. أما إذا لم تجر الأحداث على هذا المنوال و حصل العكس فلربما سيؤدي ذلك إلى احتمال أن يلجأ تيار أحمدي نجاد نحو الالمواجهة العنفية، وعندها سنشهد أعمالاً إرهابية أو حالات وفاة مشكوك فيها للمخالفين والمنافسين، وترافقها موجة من الفضائح من أجل إزالة أية مشروعية للمنافسين.

ومهما كانت نتائج هذه المواجهات، فإن الطبقة المتوسطة في المدينة ستبقى مشكلة غير محلولة للحكم. لأن البناء المركزي لنظام ولاية الفقيه لا يمكنه أن يتعايش مع اتجاهات الزيادة في حجم الطبقة المتوسطة في المدينة والقائم على الاعتماد المتبادل، وليس أمام الحكم أي مفر من اللجوء إلى الحكم البوليسي والأمني الذي يرهق كاهل النظام مالياً ويعرضه للتفسخ. وهناك نقطة ترتدي أهمية خاصة وهي أنه خلال العقود الثلاثة الماضية كانت الطبقة المتوسطة في المدينة وبشكل دائم مصدر المتاعب للنظام. وحتى أحمدي نجاد، الذي يعد رمز المتشددين الجدد الذي يلوح بمواقفه الحادة، حداه الأمل بأن يشكل تياراً جديداً يجدد تيار ثورة عام 1979، ويتغازل مع الطبقة المتوسطة. إلاّ أن أقطاب ولاية الفقية لا يهضمون مثل هذه الاتجاهات. ولذا سيكون من المستحيل فرض نهج آخر من داخل المؤسسة الحاكمة.

وفي هذه الظروف فإن المانع الأساسي الذي يقف أمام تولي الطبقة المتوسطة في المدينة للحكم هو ليس النظام السياسي لولاية الفقيه، بل طبقة العسكريين التي مدّت جذورها في البناء الاقتصادي والمعيشي للمجتمع، وسطت على كل شرايين الحياة في البلاد. إن هذا التيار لا يقبل بتقسيم السلطة مع الطبقة المتوسطة، ولكن بما أن الطبقة المتوسطة تمسك بأهم أسواق الاستهلاك في إيران، ولذا فإن الحفاظ على السوق لا بد أن يقترن بحضور الطبقة المتوسطة كي تستفيد من الدورة النقدية. فلو ألقينا نظرة سريعة على شبكة التهريب الواسعة لوجدنا أن العسكريين يلعبون دوراً بارزاً في تداول البضائع المهربة التي تحتاجها الطبقة المتوسطة في المدينة والتي تدر عليهم أرباحاً هائلة. ولذا لا مناص من إقامة فضاء تستطيع من خلاله الطبقة المتوسطة التنفس بشكل معين مما سيؤدي إلى استحالتهم التدريجية مع مطاليب وحاجات الطبقة المتوسطة. وفي خلال أحداث انتخابات عام 2010  والمواجهات التي صاحبتها، فقد لوحظ مشاركة العديد من عناصر هذه المؤسسات العسكرية في المظاهرات الاحتجاجية وإلقاء القبض عليهم.

ومن ناحية أخرى فإن تراجع مداخيل النفط مع مرور الوقت سيفرض على طبقة العسكريين التوجه نحو نظام اقتصادي قائم على الضرائب من أجل إدارة المجتمع.  أي الرجوع إلى الاتفاق النصفي الذي تم في الدورة الثانية من ولاية أحمدي نجاد، والذي يعني أن تصبح الطبقة المتوسطة في المدينة المصدر الرئيس للمداخيل  التي تؤمن القدرة والثبات للنظام.

ــــــــــــــ

* مقالة نشرت على موقع    iran-emrooz.net  يوم  الأحد 19/6/2011

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.