اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• مجلس السياسات العليا انتهاك آخر في الدستور العراقي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

مقالات اخرى للكاتب

مجلس السياسات العليا

 انتهاك آخر في الدستور العراقي

 

إن الانتقال من نظام شمولي مفرط في استبداده إلى نظام ديمقراطي ، هو عملية بالغة الصعوبة، وتواجهها عقبات جدية وتشويهات جمة، أولها ضعف الثقافة الديمقراطية لدى الأحزاب المتنفذة الآن وخرقها لمواد الدستور العراقي المثير للجدل، وثانيها ضعف الوعي الديمقراطي لدى الناخب العراقي. إن هذه العقبات الجدية قد تؤدي إلى مآزق متلاحقة، كما يحدث هذه الأيام في التجرية العراقية، وربما قد يستغلها البعض من "عشاق" السلطة للنكوص في العملية الديمقراطية الوليدة أيضاً، وهذا احتمال خطير ينبغي أن يأخذه المواطن العراقي بنظر الاعتبار.

إن التجربة العراقية حققت خطوات متواضعة على طريق إرساء النظام الديمقراطي المنشود كالإقرار بمبدأ الانتخاب والتداول السلمي للسلطة والفصل التام بين السلطات والفدرالية وخضوع المؤسسات الأمنية والعسكرية للقيادة المدنية والاعتراف بالمساواة بين المواطنين وحرية الاعلام وقواعد من الأسس الديمقراطية أدرجت في الدستور العراقي الذي استفتى عليه الشعب.

إن هذا الاقرار مازال بحاجة لتثبيته بقوانين ملموسة وممارسة حقيقية وعملية من قبل المتصدين للأمور الآن. فالمواد  والأسس التي نص عليها الدستور العراقي يجري عرقلة تحويلها بغالبيتها إلى قوانين وتشريعات كي تعرف النخب السياسية العراقية والمواطن العراقي كيف يتصرف، وتشريع قوانين تسهم في رفع الوعي الدستوري والقانوني لمن له علاقة بالعملية الديمقراطية الجارية في العراق. وسن قوانين ترفع من وعي  ومعرفة المسؤول وصاحب القرار بحدود مسؤوليته وواجباته وطبيعة الدولة التي نبنيها. علماً أن هناك ثغرات وتناقضات جدية في الدستور في انتظار معالجتها. فهناك نصوص في الدستور توحي بطابع ديني مذهبي للدولة العراقية. ونجد ما يناقضها أيضاً في نفس الدستور، مما يسمح بالتجاوز على الدستور وتأويل النصوص الدستورية. وإلى الآن وبسبب الصراعات العبثية بين الكتل وقصورها وجهلها لم تجر معالجة ذلك من قبل أعلى هيئة تشريعية أي مجلس النواب بسبب ميل البعض إلى بقاء هذا التعارض والتناقض قائماً لكي يجري تفسير مواد الدستور تبعاً لرأي ومصالح وأجندات البعض من ناحية، ومن ناحية أخرى هناك بعض آخر ممن يسعى إلى شل عمل الدولة وبكل سلطاتها لمآرب خطيرة، ولكي يثبت أن التغيير الذي حصل في العراق وانهيار الديكتاتورية هو فعل باطل وغير عملي ينبغي الرجوع عنه.

ومما يزيد الوضع التباساً هو أن وسطاً غير قليل من الفئة المثقفة في بلادنا قد انخرطت، عن وعي أو انتهازية، في عملية المزايدات الطائفية والمذهبية والمتاجرة بالدين والتدين مما أوقع الناخب العراقي في خيار مدمر لم يحل مشاكل البلاد طوال العقود الماضية التي سبقت الاستبداد، ولم يحل المشاكل الناجمة عن انهيار الطغيان بعد عام 2003، وسوف لا يحلها اذا ما استمر هذا النهج.

ومما زاد الطين بلة أن النخب السياسية التي تصدرت المشهد السياسي والتي يفترض في أن تلعب دورها في استتباب الاستقرار وحل المشاكل، هي نفسها لديها مشاكلها المستعصية الداخلية أو تطاحنها مع الكتل المتنفذة الأخرى. ولذا لم توجه هذه النخب المتنفذة جهودها إلى تعزيز المواطنة العراقية وانسجام وتحرك العراقيين نحو البناء والخروج من هذا التشتت والتناحر الذي ورثناه من الوضع السابق، بل تبنت هذه النخب نفس الثقافة المدمرة، وراحت تعزف على كل ما يؤجج التباعد والنفرة بين العراقيين وليس إلى ما هو مشترك، لتعمق من هذا المشهد السلبي في البلاد. فالحساسية بين أبناء البلد الواحد وبين أبناء المحافظات باد للعيان بشكل أكثر من السابق. فلا نرى على سبيل المثال أية مسحة من روح المواطنة العراقية في إقليم كردستان وكأن الإقليم دولة خارج النظام الفدرالي العراقي، في حين يوجد قرابة ستين نائباً من محافظاته في مجلس النواب يناقشون كل صغيرة وكبيرة في العراق دون السماح لمناقشة مجلس النواب الإتحادي للوضع في الإقليم. ويكاد ينطبق الأمر على كل محافظات البلاد، ولنا في التجاذب الأخير بين محافظتي الأنبار وكربلاء على خلفية جريمة النخيب شاهد من شواهد كثيرة على ذلك. إن هذه الثقافة البائسة ونتائجها لا تقود إلى دولة ديمقراطية اتحادية مستقرة قادرة على فرض هيبتها واحترامها إقليمياً ودولياً، دولة قادرة على جذب الأطراف الدولية للمساعدة في عملية البناء، بقدر ما توفر الظروف للتطاول عليها من دول صغيرة أو كبيرة، كما نشهده الآن من أشكال من التجاوز على الموارد النفطية الحدودية والقصف الذي لا ينقطع للأراضي العراقية من قبل إيران وتركيا والدعم الإقليمي لقوى الإرهاب والعنف في العراق دون أن تستطيع الدولة العراقية على مواجهة هذه التحديات، بل وحتى على الشكوى لدى الهيئات الدولية المعنية.

إن النخب عندنا لا تهتم بما هو مشترك، أي العراق وازدهاره وسلامة شعبه، بقدر ما تهتم بمصير أحزابها وعشائرها ومصير مناصب قادتها في العملية السياسية، التي تعمق خلافاتها بدلاً من أن تنفذ وعودها كحركات سياسية وضع الشعب ثقته فيها من أجل حل هذه المشاكل. وللأسف هذا ما يجري الآن في نهج إدارة الدولة من قبل حكومة "الشراكة الوطنية" ، قل "المخاصمة الوطنية"، التي ما هي إلاّ حكومة تنافر وهتك ونزاع مستمر منذ سقوط النظام وحتى الآن. ونتمنى أن يتوقف هذا النهج، إذ لو استمر فستقع دولتنا العراقية إلى الأبد في دائرة الفوضى. إن أإبرز مثال هو ما يجري من صراع لا نهاية له حول ما يدعى بـ "مجلس السياسات العليا" المخالف لكل ما جاء في الدستور. ولا نعلم كيف قبل ممثلو هذه النخب المتصارعة التي اجتمعت في أربيل قبل أشهر على هذا الحل غير الدستوري، هذا الاتفاق الذي يعبر عن جهل المتفقين بالقوانين والدستور العراقي والذي يعرض تشكيل سلطة رابعة في البلاد !!! تقضم صلاحيات السلطات الثلاثة التي نص عليها الدستور وتكون فوقها، استناداً إلى ما جاء في المسودة التي اقترحتها القائمة العراقية. إن السياسيين الذين اجتمعوا في أربيل لم يكلفوا أنفسهم بالاستئناس برأي الحقوقيين ومستشارين قانونيين كي يبصّروهم بتعارض هذا المقترح مع مواد الدستور.

كل هذا الهدر في الجهد والوقت والمال وتعطيل العملية السياسية وتعثر عمل الدولة وما يؤدي إلى تفاقم مشاكل المواطن العراقي وتشجيع الإرهابيين ومنتهكي القانون، يجري من أجل إرضاء أحد أقطاب الكتل المتنفذة بمنصب "يليق" به دون النظر إلى مصلحة البلد وحاجات هذا الشعب الذي حُرم من أبسط الخدمات. إن من اتفق على هذه التسوية غير الدستورية وغير المجدية لم يكلف نفسه البحث في مواد الدستور عن موقع يشغله أقطاب الكتل المتصارعة  دون اللجوء إلى الانتهاكات المستمرة للدستور.

لدينا في نص الدستور العراقي مادة حول انشاء مجلس الاتحاد، الذي يشابه لحد ما مجلس الشيوخ في دول ديمقراطية عريقة، والذي لا يحتاج الآن سوى إلى تشريع قانوني من قبل مجلس النواب لتحديد مهامه وواجباته وصلاحياته. فقد نص الدستور العراقي الذي استفتي عليه الشعب على ما يلي: "الفرع الثاني: مجلس الاتحاد   المادة (65)، يتم انشاء مجلسٍ تشريعي يُدعى بـ (مجلس الاتحاد ) يضم ممثلين عن الاقاليم والمحافظات غير المنتظمة في أقليم، وينظم تكوينه، وشروط العضوية فيه، واختصاصاته، وكل ما يتعلق به، بقانونٍ يسن بأغلبية ثلثي أعضاء مجلس النواب". أي قيام فرع ثان من فرعي السلطة التشريعية التي نص عليها الدستور العراقي. وهنا فسوف نتفادى هذا النزاع غير المجدي علىما يدعى بمجلس السياسات العليا، ولا نحتاج إلى خرق الدستور لتشكيل هيئة غير دستورية ومثار جدل، ولا نحتاج إلى القيام باستفتاء للشعب يكلف الملايين حول إضافة مادة جديدة للدستور، ولا نضيف للدستور فقرة تزيد من الاشكاليات الموجودة حالياً في الدستور والتي تتطلب معالجتها.

إن الإصرار من قبل بعض الكتل على التمسك بهذا الخرق الدستوري المتمثل بتشكيل مجلس السياسات لا يُفهم منه إلاّ كمحاولة لشل العملية السياسية وتخريبها واثارة النزاعات العبثية بين المشاركين في تعطيل الدولة بهدف العودة إلى نقطة الصفر. وليس أمام هذه الكتل سوى ممارسة الحوار الديمقراطي والتخلي عن أية اتفاقات غير دستورية التي تزرع الألغام بين العراقيين وتثير العداوات والخصومات غير المجدية وتبدد كل آمال العراقيين في الثقة التي وضعوها في الكتل والشخصيات التي انتخبوها.

21/9/2011

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.