اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• العراق بحاجة إلى نهج علمي وكفاءات وخبرات استثنائية للخروج من معضلته

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

مقالات اخرى للكاتب

العراق بحاجة إلى نهج علمي وكفاءات وخبرات استثنائية للخروج من معضلته

حوار مع السيد علي الأديب وزير التعليم العالي والبحث العلمي

 

نشر السيد علي الأديب وزير التعليم العالي العراقي يوم الاثنين المصادف 5/12/2011 مقالة تحت عنوان "خارطة طريق لمعضلة العراق" تضمنت رؤيته للأوضاع الراهنة في العراق وسبل الخروج من دوامة الوضع الحالي. إن باستطاعة السيد الوزير أن يقدم مخططاً متكاملاً للوضع الحالي في البلاد وسبل الخروج منه لكونه يتقلد منصباً مهماً في الدولة العراقية وهو منصب وزير التعليم العالي والبحث العلمي. فهذه الوزارة من الناحية النظرية والعملية تضم النخب العراقية المتخصصة في مختلف المجالات، مما يؤهلها لوضع اليد على معضلات البلد وطرح الحلول السريعة  لتجاوزها. كما أن السيد الوزير يحتل، كما ورد في موقعه الألكتروني، موقع المنظر لحزب الدعوة الإسلامية الذي يقف على رأس السلطة التنفيذية في العراق، وهو ما يؤهله لتقديم نظرة حزب الدعوة للخروج من الأزمة إن كانت للحزب دراسة حول ذلك.

ولكن مع شديد الأسف وبعد قراءة المقال أصابتنا الخيبة حيث وجدنا أنه مرتبك وغير مفهوم أحياناً، ولايضع اليد على العقد الأساسية التي تعرقل انتقال العراق وسيره على سكة دولة ديمقراطية تحترم فيها القوانين والمؤسسات المنتخبة  ويحتل الشخص المناسب الموقع المناسب بعيداً عن خلفياته الدينية والمذهبية والأثنية. ويبدو أن السيد الوزير لم يستفد عند تدوين مقالته من خزين وزارته من الأخصائيين والخبراء وأهل المعرفة من الذين يمكن أن يساهموا في وضع اليد على مصائب البلد وتقديم مخطط عملي وناجح لإخراج المجتمع العراقي من هذا المأزق.

ومما يلفت نظر القارىء في محتوى المقال هي الأمور التالية:

1-   فهو يتسم بالضبابية واستخدام عبارات وجمل وكلمات غامضة بعضها غير موجود في معاجم اللغة العربية. وهذا الأسلوب يذكرنا بأسلوب ميشيل عفلق، مع الفارق بينه وبين السيد الوزير بالطبع، الذي كان يسرد ويخترع كلمات وعبارات غامضة وغيرها للتلويح بخلفية غامضة وغير قادرة على التعبير وطرح الحلول بهدف تعقيد الأمر على ذهن المتلقي. ولنا في مقال السيد الوزير مثلاً كلمات مثل "تعشيق" و "مخرجات" و "محددات" لم نعثر على مكان لها في معاجم العرب. وللأسف يتكرر في مقالة السيد الوزير هذا الأسلوب حيث أنه يتجنب تسمية المشاكل وأسبابها ويتيه في جمل وعبارات عصية على الفهم. فقد أشير في المقالة إلى " وضع فلسفة سياسية واقتصادية واضحة للدولة منسجمة مع بعضها بشكل تام بحيث تكون هي محور الجوانب الأخرى..."!!! فماذا يعني ذلك؟ وما علاقة الفلسفة بنهج الدولة السياسي والاقتصادي، وما هي هذه الفلسفة الواضحة؟ وما هي عناصرها؟. ويكرر نفس الأمر عندما يطلق السيد الوزير بشكل غير علمي صفة "الاشتراكية" على النظام السابق عندما يقول :" إننا غادرنا ( النظام الاشتراكي) الذي كان يحكم البلد سياسيا واقتصاديا واجتماعيا ولكننا غير قادرين على مغادرة (العقلية) أو (الثقافة) الاشتراكية التي من محدداتها الطاعة العمياء للسلطة والاتكالية والتكاسل وموت الابداع الخاص والمبادرة الشخصية". وهنا لا يستعين السيد الوزير باساتذة جامعة بغداد ومؤسسة التعليم العالي والبحث العلمي الضخمة وأساتذة أقسام الاقتصاد الذين يجمعون بغالبيتهم على أن النظام السابق هو نظام رأسمالية الدولة الأكثر تشويهاً بسبب اعتماده على الاقتصاد الريعي، ولا علاقة له لا من قريب ولا من بعيد بأي عنصر اشتراكي. فالاشتراكية تعني فيما تعني تحقيق الوفرة في الانتاج والعدالة في التوزيع في الأساس في جانبها الاقتصادي، والتي جرى تطبيق عناصر منها في دول مثل السويد وأمثالها في أوربا الغربية عندما استلمت السلطة عبر الانتخابات الأحزاب الاشتراكية الديمقراطية فيها ضمن مشروعها الاشتراكي الذي نفذ بفعل ضغط الشغيلة في هذه البلدان، وحتى تحت تأثير المثل الذي قدمه النموذج السوفييتي بعد ثورة أكتوبر على نواقصه، والذي لم يتوفر أي من عناصرها في عهد حزب البعث ونظامه كي يصبح اشتراكياً على حد فهم السيد الوزير. ولابد أن السيد الوزير على علم بأن الكثير من العراقيين الذين أضطرهم جحيم الاستبداد ، ومنهم أنصار حزب الدعوة وأولاهم، قد استفادوا من هذه المنافع الاجتماعية لدول اللجوء وتوفرت لهم الفرصة لتلقي التعليم والعلاج المجاني الذي هو أحد مطالب الإشتراكيين. فلماذا يتجاحل الوزير ذلك وينعت الاشتراكية بأوصاف بعثية.

كما أن السيد الوزير لا يشير في أكثر من مورد في مقالته الى المفاهيم الخاطئة للنظام السابق ولا إلى عناصر الخراب الذي حل بالعراق في عهده ومازالت آثاره باقية إلى الآن، ومن يتحمل مسؤولية بقاء آثاره حتى الآن وبعد ثماني سنوات من إنهيار نظام البعث في العراق. إن السيد الوزير يتحدث عن أمور عامة دون شرحها كما يفترض من مسؤول على رأس هذا الصرح الأكاديمي العلمي الخطير. وكمثال على ذلك حيثما يشير إلى:"الاثار الهدامة والمفاهيم الغريبة عن المجتمع العراقي" دون أن يوضح هذه الآثار الهدامة ولا إلى مفاهيمها الغريبة؟؟؟. كما لا يشير الكاتب إلى مفردات الثقافتين اللتين تتصارعان في العراق الآن عندما يقول:" الصراع الذي نراه ماثلاً في كل نواحي الحياة العراقية الآن، يدور بين منهجين وثقافتين وسلوكين، يحاول كل منهما ان يتسيد الساحة ويتحكم بها، صراع تعود جذوره الى ثلاثة عقود مضت"!!.

2-   وضمن هذا السياق يتجنب السيد الوزير وبشكل ملفت للنظر التطرق بالتفصيل إلى موضوعة "الديمقراطية" التي تشكل العمود الفقري للنظام السياسي الجديد في العراق، وأحد محاور الصراع الجاري في العراق. ويكتفي الكاتب بإيراد عبارة عامة عن "دولة عصرية مدنية" في العراق، ويترك جانباً هامأ هو البناء السياسي الديمقراطي المطلوب إرسائه في العراق طبقاً للدستور العراق. بالطبع أشار الكاتب إلى الديمقراطية عند نقده "للديمقراطية التوافقية" ومعارضته لها. إن تجنب التركيز على الديمقراطية باعتبارها أحد مفاتيح بناء الدولة العصرية المدنية الديمقراطية في العراق يثير التساؤل حول مدى إيمان السيد الوزير بالديمقراطية والتي عدّها الوزير في أحاديث سابقة له مجرد "وسيلة" وليست نظاماً، هذه الديمقراطية التي كان يُنظر إليها كضرب من الكفر والالحاد من قبل جميع التيارات الدينية في العراق وخارجه قبل الاطاحة بالاستبداد في العراق إثر الغزو الأمريكي عام 2003. ومما يثير الدهشة أن السيد الوزير لا يفهم من الديمقراطية إلا في الإطار التالي:"الديمقراطية في العالم هي في الحقيقة أغلبية تحكم أقلية، ولكنها تراعي مصالح الأقلية ولا تتحكم في مصيرهم أو تتعسف في سن قوانين ضدهم، فهو حكم للأكثرية لمراعاة حقوق الأقليات"، أي يحدد الديمقراطية في إطار كيفية حكم الأكثرية للأقلية، وهو مفهوم قاصر لجوهر الديمقراطية.

3-   يشير الكاتب وبشكل صحيح ولكنه مبتسر إلى أنه :" آن لنا أن نبدأ باعادة اعمار الانسان الذي نعتقد انه اهم استثمار يمكن ان ترتكز عليه الدولة وتدفع بمواردها لتطويره وبناءه، فهو الرأسمال الحضاري والثقافي والانساني والتربوي الذي يمتلكه العراق، باعتباره رأس المال المستثمر وفي ذات الوقت هو المشروع نفسه". ولكن الكاتب لا يشير إلى كيفية إعادة بناء الإنسان. فالوعظ والفتاوى وترديد بعض المقولات الدينية لا تعيد بناء الإنسان كما أكدتها السنوات التسع الماضية، وأكدتها تحارب شعوب أخرى. فالحكم الديني في إيران وبعد أكثر من ثلاثين سنة من الوعظ المذهبي والديني زاد من الفساد أضعافاً في الجارة إيران. إن ما نحتاج إليه لإعادة بناء الإنسان العراقي هو إعادة عجلة الاقتصاد وتفعيل المصانع والمزارع والقيام بإصلاح إداري عصري على غرار ما قامت به دول متقدمة في علاج الفساد، وهذا هو الحل الوحيد الذي لم يذكره الكاتب لإعادة بناء الإنسان العراقي. فيمكن إعادة بناء الإنسان العراقي متى ما حصل على عمل مضمون وبحقوق مناسبة، ويوضع الرجل المناسب في المكان المناسب بغض النظر عن خلفياته، وليس كما جرى ويجري الآن حيث يتم الاختيار على أساس عائلي وحزبي وطائفي وعشائري ويتم التفريط بالكفاءات التي اضطرت للخروج من البلاد بسبب السياسة الخاطئة التي اتبعت خلال السنوات الماضية، إضافة إلى الإرهاب والتناحر الطائفي الذي عطل كل شىء.

كان لابد للسيد الوزير وهو أحد أقطاب التيار المذهبي وبعد تسعة سنوات من انهيار حكم الطغيان وتسع سنوات من قيادة التيار المذهبي للدولة العراقية أن يقف موقفاً نقدياً ويصارح الشعب بأسباب فشل التيار الديني في إعادة بناء الانسان العراقي!!!. إن التيار المذهبي في هذا الإطار يتحمل مسؤولية في عرقلة إعادة بناء الإنسان العراقي بسبب إصراره على الاستمرار بنفس تلك العقلية والسلوك الطائفي الذي دأب الحكم السابق والحكومات التي سبقته في السير عليه. فلقد تحولت انتقادات التيارات المذهبية، ومن ضمنهم حزب الدعوة، لطائفية النظام السابق، إلى نهج طائفي من لون آخر بدلاً من السعي لقلب صفحة على الممارسة الطائفية بكل ألوانها والمدانة في العراق، ومعالجة كل المظاهر الطائفية. فما معنى زج هذه الملايين من الناس في طقوس دينية المظهر، وطائفية سياسية المضمون، تمتد لشهور وتعطل الدوائر والمؤسسات الدولة وترهق كاهل المؤسسات الأمنية وتوقف المصانع والعمل في المزارع. أين هذه الممارسات من إعادة بناء الفرد العراقي ضمن إطار مقومات الدولة العصرية التي ينشدها وزير التعليم العالي. وهل ينسجم هذه الغلو المذهبي والمبالغات في الطقوس مع المساعي لجمع العراقيين حول هدف واحد هو إعادة بناء هذا البلد الخرب؟ إن هذا الغلو سيقود البلاد إلى المجهول، فهو يتصاعد بشكل مثير، وسينفلت عن عقاله ويتحول إلى كارثة وعبىء على من يروّج له الآن اذا لم يجر عقلنته ووضعه في إطاه الحضاري العقلاني.

إن ثقافة المواطنة كما يشير الوزير هي التمسك بهوية واحدة تجمع العراقيين بكل مكوانتهم وهي الهوية العراقية. إننا لم نر في أية مقالة أو تصريح للسيد الوزير باعتباره أحد منظري حزب الدعوة أية اشارة إلى ما يعرقل تبلور الهوية الوطنية ومنها هذا العنف المذهبي وجلد الذات وهدر الأموال والاستعراضات الطائفية المتطرفة، التي حرّمها الكثير من العقلاء من رجال الدين، والتي لا تجمعها جامع مع مآثر الرموز التاريخية بل تسىء إلى ذكرى هذه الرموز التي وقفت ضد التمييز بين المؤمنين وطالبت بالعدل والمساواة بينهم وضد هدر أموال الدولة والأموال الخاصة والتفرغ للبناء ورفع مستوى وعي العامة. ولم يشر السيد الوزير إلى أهم أسباب اندلاع موجات العنف والتناحر الطائفي على رأسها؟. وما هي الطرق أو خارطة الطريقة لمحو هذه الصفحة المدمرة التي جلبت الويلات للعراقيين وخاصة في العقود القريبة الماضية أو بعد الاطاحة بالديكتاتورية على وجه الخصوص؟. وما هي الدولة العصرية التي يتحدث عنها السيد الوزير في الوقت الذي يكرس أشخاص من أنصار حزب الدعوة في محافظة بغداد ومحافظات أخرى كل نبوغهم وجهدهم وفتاويهم لا لحل المشاكل الخدمية المعطلة في بغداد، بل لتقييد الحريات العامة وفرض نظرتهم إلى الحياة الخاصة والعامة على المواطنين العراقيين بشكل يتعارض مع الدستور العراقي، بل وحتى مع الدين والمذهب الذي يدعون إليه والذي أكد على حرية الاختيار ونبذ الإكراه.

4-   يشير الكاتب إلى أنه من أجل الخروج من المأزق الحالي في العراق فينبغي أن نؤكد على:" ثوابت ننطلق منها: ونحن نضع ملامح مشروع التغيير لابد ابتداءً ان نغير زاوية نظرنا التي حكمت على فهمنا لطبيعة ما يجري في العراق على انه حالة حرب وتصارع، علينا ان نغير ذلك الى فهم جديد يرتكز على فكرة قائمة على اساس اننا في ساحة منافسة وتسابق من اجل تطبيق المشروع الوطني الذي نتفق عليه". وهنا لا يشير الكاتب إلى سبب طغيان حالة الحرب والتصارع على حالة التنافس والتسابق من أجل تطبيق المشروع الوطني؟. وهنا نذكّر السيد الوزير إن المشروع الوطني للتغيير قد حُددت خطوطه العامة في الدستور العراقي، رغم ما أنطوى عليه من تناقضات وتعارضات مخلة، مما يستدعي التدقيق فيه وإخراجه من تناقضاته عن طريق إعادة صياغته والحفاظ على المضمون الديمقراطي وتخليصة من نزعة فرض أحكام طائفية فيه. كما أنه من غير الممكن الخروج من حالة الحرب والتصارع التي أشار إليها الكاتب بحق إلى حالة التنافس والتسابق لتطبيق المشروع الوطني، إلا عن طريق تغيير البناء الاقتصادي القائم على الاقتصاد الريعي الذي هو سبب كل حالة الحرب والصراع الجارية في العراق الآن. فالريع النفطي الذي تستلمه الدولة كله بدون عناء وانتاج حقيقي ودون وجود موارد أخرى للدولة العراقية الراهنة وغير المنتجة، وعبر نظام ضريبي يراكم الموارد من مصادر أخرى للثروة الاجتماعية كالانتاج الصناعي والزراعي. ولهذا يتصارع السياسيون والنخب السياسية المتنفذة في العراق بشكل محموم على السلطة. فهم لا يتنافسون من أجل تطبيق مشروع وطني وتقديم الخدمات للشعب الذي انتخبهم، بل يخوضون صراعات وحروب من أجل السيطرة على موارد الدولة الريعية. فمن يستلم السلطة في العراق الريعي الآن هو من يتحكم بكل الموارد الريعية للدولة العراقية ويتحكم برأي الناخب ووجدان البشر، وهذا هو السبب الكامن وراء المأزق الذي عاشه العراق خلال الحقبة النفطية ويعيشه حتى الآن.

ومن ناحية أخرى ينبغي على جميع النخب السياسية، ومن ضمنهم حزب الدعوة معالجة المشكلة الطائفية والطائفية السياسية الخطيرة والتي يعتمدها حزب الدعوة كأساس لنشاطه وأيديولوجيته، كما تمارسها حركات أخرى من زاخو إلى ديالى والأنبار وحتى النجف والبصرة، وهي مشكلة حقيقية تقف بوجه تطبيق المشروع الوطني، وتثير الاحتقان والمواجهات الخطيرة في المجتمع. ولنا في التجربة اللبنانية الدموية المريرة التي امتدت منذ تأسيس الدولة  اللبنانية الطائفية الحديثة وحتى الآن خير مثال. لقد طالب الشارع العراقي في الآونة الأخيرة وبعد تجربة دموية مريرة وبما فيها بعض الأحزاب المذهبية بعلاج هذه الظاهرة المدمرة ووضع حد لهذا المرض الاجتماعي. ولكن نتائج الانتخابات الأخيرة زادت من الطين بلة. فهل سيبادر حزب الدعوة إلى التخلي عن الواجهة الطائفية وتسييس الدين وينتقل إلى حزب وتيار سياسي مدني على غرار ما جرى في تركية مثلاً. أي أن يتحول حزب الدعوة من حزب مذهبي لطائفة بعينها إلى حزب مدني يحل مشاكل العراقيين اليومية ويضم كل مكونات الشعب العراقي ويطبق الديمقراطية كما تطبقها الأحزاب السياسية في العالم االديمقراطي. وبذلك يتمكن من الاسهام في حل مشاكل الشعب عبر ما يطرحه من برامج للبناء، ويترك أمور الدعوة الدينية إلى أصحابها وإلى مساجدها وإلى بيوت الله، ويطالب بعودة رجال الدين من  حزب الدعوة وغيره من الأحزاب الدينية إلى مواقعهم الأصلية والتخلي عن مناصبهم السياسية والإدارية في المركز وفي المحافظات زالكف عن استغلال الدين في الصراعات السياسية؟. أي التحول إلى حزب لا يراهن على أو يتشبث بمرجعيات دينية وبرجال دين وبفتاوى وتحريمات تتستر بالدين والمذهب وتثير صراعات وحروب، بل التنافس والتسابق لتطبيق مشروع إعادة بناء العراق وصون الحريات الفردية والعامة. هذا هو التحدي الذي يواجه التيارات المذهبية والدينية، ومن  ضمنها حزب الدعوة، ليس في العراق بل في كل بلدان الشرق الأوسط. فالواجهة الدينية والمذهبية ودمج الدين بالسياسة هو خيار دموي مدمر ثبت فشله في القارة الأوربية وفي تاريخنا القريب والبعيد، وفي تجارب راهنة مثل التجربة اللبنانية والإيرانية والباكستانية وغيرها. فهل تتعض الأحزاب الدينية والمذهبية الطائفية من هذه الدروس؟.

5-   إن المشكلة الأساسية التي تواجه العراقيين هي  ليست في "التغيير على مستوى الشعور" ولا في "التغيير على مستوى الشعار" حيث أن شعارات مختلف النخب السياسية متقاربة لحد ما ظاهرياً، ولا في "التغيير على مستوى التطبيق". كما لا يحتاج العراقيون إلى دعوات أخلاقية ووعظ في الأخلاق والقيم وغيرها من الدعوات الخيّرة كما يؤكد الكاتب على ذلك. فالغالبية منهم مؤمنون ولديهم قدر من المستوى التعليمي كي يطلعوا على ما جاء به الدين من قيم ودعوات للصدق والخير ومناهضة الشر والظلم.. إن هناك خلل جدي وعدم توازن في بنية المجتمع جراء السياسات الخاطئة التي اعتمدت منذ تأسيس الدولة العراقية وتفاقمت في ظل حكم البعث وأشاعت الركود والفساد والتشرذم الاجتماعي، ومآل كل ذلك المأزق الخطير الذي نعيشه الآن والذي لم تتخذ أية خطوات منهجية علمية لعلاجه منذ انهيار النظام في عام 2003 ولحد الآن. فالمواطنة لا يمكن أن يكتب لها النجاح في المجتمع دون تفعيل الانتاج بكل مرافقه الصناعية والزراعية والخدمية. فهذا التفعيل من شأنه أن يدمج جميع مكونات المجتمع في هذه البودقة الانتاجية التي لا تفرق بين مسلم ومسيحي وشيعي وسني و... وغيرهم. ففي هذه البودقة الانتاجية يتعرف العراقيون بعضهم على بعض وتزال حالة الاغتراب المذهبي والقومي والمناطقي وتتبلور المواطنة في هذا المرفق الانتاجي الذي يقدم نتاج إبداعه وخدماته إلى جميع العراقيين مهما اختلفت ألوانهم. وهذا ما قصرت فيه الحكومات المتعاقبة في العراق.

6-   ومن أجل توفير الأجواء لتبلور مثل هذا النهج وسهولة تحقيقه، ينبغي العمل بجدية لتفعيل دور السلطة التشريعية في سن القوانين التي ترسي الديمقراطية في البلاد واشاعة الاستقرار فيها. ومن الغريب أن كل النخب السياسية المتنفذة في مجلس النواب تعرقل أداء هذه المهمة لدوافع أنانية مثيرة للانتباه. فمجلس النواب تحول إلى ميدان للمضاربات والنزاعات السياسية والاتهامات بدلاً من أن يكون ميداناً للتشريع. كما تحول المجلس إلى مرفق للتحقيق وتوجيه الاتهامات بذريعة تفعيل الدور الرقابي على السلطة التنفيذية. وهكذا وضع، على سبيل المثال، قانون الأحزاب على الرف الذي يساهم في تشذيب العملية السياسية وتهذيب الأحزاب والنخب السياسية عبر الكشف عن مصادر تمويل الأحزاب المتنفذة التي تتنافس على تأسيس الفضائيات والهدر بالمال وشراء محلات بأكملها في بغداد والمحافظات وفي الإقليم دون التنافس على القيام بواجبها في تحقيق مطاليب الشعب. هذه الأحزاب التي حصلت على المقاعد بفعل قدراتها المالية وليس بفعل مهارة ونبوغ مرشحيها أو قدرتهم على حل مشاكل الشعب. فلا يوجد في العالم اليوم ظاهرة اغتناء النخب السياسية كما نجدها في العراق الحالي، وهي ظاهرة تعرض للخطر مستقبل العراق الديمقراطي ونظامه السياسي. ولست هنا بصدد تعداد الأخطاء والقصور في إداء الحركات السياسية، ولكن لا نجد في كل نشريات هذه النخب أي اعتراف أو نقد ذاتي لهذا القصور المدمر أحياناً ومكاشفة صريحة للشعب به. ويجري الاكتفاء بالتلميح أو وضع هذه التقصيرات على شماعة عوامل أخرى، وهذا ما نجده في جملة تلميحية وردت في مقالة السيد الوزير حيث يقول:" كما اننا لاغنى لنا ثالثاً عن تحمل الصدمة وتقبل المواجهة مع ذاتنا ومع تاريخنا ؟، وان ننتقل من حالة التبجيل والتقديس الى التعامل بواقعية مع مفاهيم نحن صنعناها او فرضت علينا نتيجة ظرف محدد، وتمسكنا بها بحكم التقادم واعتقدنا انها معصومة ومقدسة وغير قابلة للمراجعة، وهذا يتطلب تهشيم للثقافة التي يعتقد بعضنا انها ثقافة سليمة، مع انها في حقيقتها ثقافة قائمة على اسس خاطئة ولاتلبي متطلبات المرحلة سياسيا واجتماعيا."، دون أن يشير إلى ملموسية في هذا القصور. فقد اكتفى الكاتب بالعموميات التي لا تقدم ولا تؤخر. فأية ثقافة ينبغي تهميشها مثلاً؟.

7-   يشير السيد الوزير إلى مجتمعات نموذجية ولـ"شعوب ودول كثيرة مرت بما مر به العراق، وربما تعرضت الى ظروف اقسى واوضاع اصعب، ومع ذلك فانها لم تستسلم للواقع، او تركن الى الظروف تتحكم بها كيفما تشاء، بل فكرت في الخيارات المتاحة امامها، ووضعت لنفسها خارطة طريق استطاعت من خلالها الوصول الى مصاف الدول المتطورة". وهي إشارة صحيحة. ولكن كيف تحقق ذلك لهذه الشعوب؟ ولماذا تعذر على العراقيين ذلك بعد ثماني سنوات من انهيار حكم البعث؟ هنا ... لا يجيب الوزير على هذا السؤال المهم الذي يساعدنا على إخراج العراق من أزمته، بل يشير فقط إلى عبارة مبهمة وهي :" ترسيخ قيمها الذاتية في ذهن مواطنيها لاستعادة تكوين الهوية الشخصية لها الذي هو الطريق لثقة مواطنها بنفسه وثقتها به، ثم بعد ذلك شقت طريق العلم والتقدم". جملة مبهمة وغير مفهومة، فما معنى ترسيخ قيمها الذاتية وكيف نوفر للفرد الثقة بنفسه؟. هذا ما لا يشير إليه الكاتب. إن الكاتب لا يستفيد من تجربة حزب المؤتمر الهندي التي يشير إليها، و التي لم تُبنى على أساس طائفي، بل على دمج كل مكونات الشعب الهندي في العملية السياسية. فكان الحزب يختار في بعض الأوقات عضواً مسلماً لرئاسة الجمهورية الهندية طبقاً للكفاءة والقدرة الإدارية وليس لدوافع طائفية أو قومية أو عشائرية كما يحصل عندنا. وفصل الدستور الهندي الدين عن السياسة ورجال الدين عن الواجهة السياسية، ولم يعط للهند أية صفة دينية هندوسية كانت أم إسلامية أم بوذية خلافاً للدستور العراقي ودساتير العديد من الدول ذات الغالبية المسلمة التي حددت ليس الدين فقط، بل أحياناً المذهب كما هو موجود في إيران والسعودية وبلدان عربية أخرى، كهوية للدولة. وهذا ما يعمق الشعور لدى كل المكونات الأخرى مهما كان حجمها، شئنا أم أبينا، بأنها مكونات ومواطنين من الدرجة الثانية أو الثالثة. وهو ما يعرقل تبلور الهوية الوطنية ويعزل وسط معين من الناس عن الإحساس بأن الدولة دولتهم. وهذا ما أدى إلى عدم الاستقرار في غالبية الدول التي تتبني الهوية الدينية كأساس لمقومات الدولة. إن أصرار التيارات الدينية عندنا على تحديد إسلامية الدولة تعني أن المسيحي والصابئي والأيزدي وغيرهم من عباد الله لا يسمح لهم بتقلد مناصب الصفوف الأولى في الدولة العراقية وفي الأحزاب مهما كانت كفاءتهم وامكانياتهم، وبما في ذلك في أحزاب مثل حزب الدعوة والحزب الإسلامي العراقي وغيره، وهو ما يناقض الدستور العراقي نفسه الذي يؤكد على إن العراقيين متساوون في الحقوق والواجبات.

إن العديد من الدول التي تعرضت للكوارث قد خرجت منها بسرعة مثيرة للانتباه. لنأخذ على سبيل المثال ألمانيا التي تحولت إلى ركام أثناء الحرب العالمية الثانية. ولكنها استطاعت النهوض من ركام الحرب مستفيدة من مشروع مارشال الأمريكي، الذي لم نستفيد من فرصة وعروض مثيلة له في العراق لانشغال بعض العراقيين برفع شعار "كلا كلا أمريكا" أو برفع شعارات "المقاومة الشريفة وغير الشريفة" لعرقلة أي مسعى لخروج العراق من دائرة الخراب والتخلف. لقد استعانت ألمانيا لغربية في الأيام الأولى التي تلت نهاية الحرب وقبل توحيد الشطرين بخيرة أبناءها وخبراءها وعلمائها وبإداريين من طراز رفيع للإسهام في إعادة البناء وترميم الخراب الذي حل بها، على خلاف  ما  حدث في العراق بعد انهيار الديكتاتورية. علماً إن العراق يمتلك هذه النخبة الخيرة، ولكن للأسف الشديد تم استيزار أو توزيع المناصب وحتى انتخاب النواب على أساس طائفي ومناطقي وعشائري وقومي، وكانت النتيجة جمع من لا قدرة لهم على إدارة البلد بسبب إهمال عامل الكفاءة والخبرة والنزاهة والقدرة الإدارية مما أدى إلى اختيار بعض الوزراء والمسؤولين. ولا أريد التوقف عند كل واحد منهم، ممن لا تتعدى خبرتهم إدارة مفرزة من الميليشيات المسلحة الحزبية، وأناس أميين ومرتشين وسراق ومزوري شهادات فرّ العديد منهم خارج العراق بتهم السرقة أو الإرهاب، بمن فيهم النائب المختص بقراءة القرآن في مجلس النواب الذي زوّر شهادته الحوزوية، ومسؤولين فاشلين برزت "كفاءتهم" في عدم قدرتهم على حل مشاكل الخدمات وإحياء المرافق الصناعية والزراعية. ولم يستغل هؤلاء تراكم القدرات المالية المتزايدة الفريدة للعراق لوضع البلاد على سكة الاعمار والبناء والاستقرار بدلاً من إثارة الفوضى الحالية. فهؤلاء مسؤولون تتحدد كل "كفاءاتهم" في إثارة الفتن والمشاكل والصراعات وعرقلة البناء بدلاً من إرساء دعائم البناء والاستقرار. وهذا ما لم يشير إليه السيد الوزير في مقالته.

8-   إن السيد الوزير يضع حصان العربة بالمقلوب عند التطرق إلى العراقيل التي واجهت عملية البناء والاستقرار في العراق حيث يشير إلى أن :"السنين التي اعقبت عام 2003 كانت هي الأخرى مشحونة بعمليات القتل والتدمير، للناس وللمجتمع، على يد القوى والارادات الخارجية وعلى يد الإرهابيين بشتى تصنيفاتهم، الذين برعوا في صناعة الموت وعملوا من خلالها على تعميق الهوة بين مكونات المجتمع العراقي عبر تقسيمه الى طوائف ومذاهب، مما دفع الى الانكفاء على الهويات الاصغر وعمَق ملامحها الى الدرجة التي طغت فيها على الهوية الوطنية، التي تبدأ اول خطوة لاستعادتها بمواجهة قوى الارهاب والتطرف بإرادة حاسمة وحازمة. ووضع اسس لصناعة الحياة والمضي قدما بهذا المجتمع، ومغادرة الظلمات التي حاول الآخرون إحاطتنا بها، بعد التعرف على الارضية التي نقف عليها، ابتداءً من التعرف على واقع المجتمع العراقي بنظرة موضوعية". نقول للسيد الوزير من الذي قسم العراقيين إلى طوائف ومذاهب؟ فالساسة الذين تصدروا العملية السياسية لم يتوجهوا نحو العناية بالهوية الوطنية وتمسكوا بالهويات الطائفية والمذهبية وتستروا بالدين والمذهب السياسي، ولذا لم يستطيعوا تطويق كل هذه التيارات الإرهابية المتسترة بدين غريب والتي جرت تغذيتها في البداية من وراء الحدود. كما أنها لم تستطع تطويق نشاط فلول النظام السابق وبقايا أجهزته القمعية من تنفيذ تلك الجرائم المرعبة التي تعرض لها العراقيون خلال السنوات التي تلت انهيار الاستبداد. إن إي مسعى وخطوة نحو توطيد وترسيخ الهوية الوطنية وروح المواطنة العراقي من شأنها تعبئة الشعب لمواجهة هذا الخطر المحدق بالبلاد إلى الآن. فلا يمكن لنشاط الأجهزة الأمنية لوحده وعلى أهميته أن أمر يصفي البؤر الإرهابية بدون مساندة شعبية، هذه المساندة التي تعتبر محدودة حتى الآن بسبب الخيارات الطائفية والقومية والعشائرية والمناطقية للكتل السياسية المتنفذة. ولذا تعجز الأجهزة الأمنية رغم نجاحاتها من القضاء على هذا السرطان الإرهابي وبقايا النظام السابق. وهذا ما غفل عنه السيد الوزير.

لا يتسع المجال للخوض بشكل أوسع في هذا الموضوع الشائك المتمحور حول المعضلة العراقية وسبل التحرر من أخطارها. ولكن هل نأمل بأن يدقق السيد الوزير في نظرته إزاء المعضلة العراقية وخارطة الطريق التي يقترحها ويستفيد من منصبه الحالي وهو على رأس أخطر مؤسسة للبناء والإعمار والتنوير والثقافة، ليستمع إلى رأي النخب الخيرة من أصحاب الخبرة والرأي فيها كي يتم صياغة خارطة طريق فاعلة لهذا البلد تنقذه من المصير المجهول الحالي. وهل نأمل بأن يعمل السيد الوزير من موقعه الحساس على اجتذاب الكفاءات العراقية التي شردتها الديكتاتوريات المتعاقية والسياسات الخاطئة التي سارت عليها النخب المتنفذة بعد انهيار الديكتاتورية، وخسر العراق خيرة علمائه ومثقفيه وخبرائه في وقت حرج هو الأحوج إلى رأي ويد ووجدان هذه النخب الطيبة؟.

16/12/2011

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.