كـتـاب ألموقع

• موقف لا ينسجم مع مصلحة العراق الوطنية ولا مع التمسك بالقيم الإنسلنية حيال تطور الأحداث في سوريا

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

عادل حبه

موقف لا ينسجم مع مصلحة العراق الوطنية ولا مع التمسك بالقيم الإنسلنية حيال تطور الأحداث في سوريا

تثير مشاهد اللاجئين من الاشقاء السوريين الحسرة والألام والحزن على معاناتهم، وتذكرنا بتلك المشاهد المثيرة والمحزنة للعراقيين في سنوات العسف والقهر في ظل النظام السابق وما جرى بعد ذلك على أيدي فلول العهد السابق وحلفائهم الإرهابيين والميليشيات المسلحة. معاناة الأشقاء السوريين لابد وأن تدفع العراقيين إلى التفكير بسبل تخفيف هذه المعاناة عن أشقائهم لعدة أسباب. أولها أن الشعب السوري وفي فترة محن العراقيين شارك العراقيين محنتهم واستضافهم وشاركهم لقمة العيش وفي السراء والضراء. ثانياً إن هذه المعاناة لابد وأن تثير لدى العراقيين أكثر من غيرهم التعاطف والتضامن بسبب حجم المعاناة التي ذاقوها العراقيون على أيدي جبابرتهم، وبالتالي يجب أن يكونوا السباقين إلى نجدة المظلومين والمستنجدين بغض النظر عن الهوية السياسية والانحدار العرقي والديني والمذهبي والأيديولوجي. وثالثاً هو الدافع الإنساني الذي يجب أن يحرك وجدان العراقيين لاستضافة من يلجأ إليهم وهو الحد الأدنى من الذي يجب أن يتمتع به الوجدان الإنساني والبشري.

وإنطلاقاً من هذه القيم الإنسانية والأعراف الدولية توجه لفيف من المثقفين العراقيين بنداء إلى الحكومة العراقية وحكومة إقليم كردستان العراق والحكومات الإقليمية،" عبروا فيه عن قلقهم الكبير من تفاقم الأحداث الأمنية، وطالبوا الحكومة بتوفير كل المستلزمات لاستيعاب اللاجئين والتعامل معهم برحمة وعدم إغلاق الحدود بوجوههم". كما طالبوا"بالتعامل مع الملف السوري سياسيا بطريقة مسؤولة ومستقلة عن مخططات الجهات والبلدان الفاعلة في الملف السوري، وبشكــــل يأخذ بنظر الاعتبار عمق العـــلاقة التاريخية بين الشعبين الشقيقين". وبادر العديد من العراقيين إلى إرسال رسائل إلى كل من يلجأ إلى العراق من الأشقاء السوريين إلى استضافتهم في بيوتهم، كما كتبت العديد من الصحف مقالات تدعو إلى عدم التخلي عن الاشقاء السوريين في محنتهم. فقد أشارت صحيفة "طريق الشعب" لسان حال الحزب

الحزب الشيوعي العراقي في افتتاحيتها يوم الأثنين المصدف 32/7/2012 إلى ما يلي :" وفيما نشدد على احترام الدول كافة إرادة الشعب السوري، والكف عن التدخل في شؤونه وتأجيج نار العنف المستشرية في أرجاء وطنه، نؤكد ان المأزق الذي يواجهه أشقاؤنا السوريون يتطلب مد الأيادي إليهم، ويفرض علينا دعمهم والتخفيف من معاناتهم، ويأتي في مقدمة ذلك فتح حدود العراق لاحتضان الفارين منهم من جحيم المعارك الدائرة، واحتضانهم وتقديم كل أشكال العون لهم، مع الحيلولة دون أي تسلل للإرهابيين".

ومن ناحيتها أصدرت الحكومة العراقية بياناً جاء فيه "في ظل الظروف الأمنية الصعبة التي يعيشها اخواننا و ابناؤنا في سوريا، فإننا ندعوهم رجالا ونساء واطفالا إلی العودة إلی بلادهم معززين ومکرمين، ونقول لهم تفضلوا إلی وطنکم الذي هو موطن أمنکم وعزکم إن شاء الله ، وسنصفح عن کل الذين اتخذوا مواقف سلبية ولم يتورطوا بسفك دماء الأبرياء، ليعيش الجميع بأمن وسلام ونضع يدا بيد لحماية بلدنا وشعبنا من عبث العابثين". وهو موقف سليم اتخذته الحكومة على طريق مد أواصر الثقة والود بين العراقيين للخروج من المأزق الذي وقع فيه العراقيين بسبب نهج أقطاب الطائفية والمحاصصة المنبوذة. ورافقت ذلك بادرة ايجابية تمثلت في استعداد الحكومة بنقل العراقيين إلى بلادهم وعلى نفقة الدولة، وهو ما شرع به، وهو أقل ما يجب أن تقدمه الحكومة لمواطني هذا البلد المهجرين.

ولكن في ظل التدابير الحكومية لنجدة العراقيين، وفي ظل كل هذه المشاعر التضامنية المشروعة للعراقيين مع أشقائهم السوريين، تأتي تصريحات الناطق بأسم الحكومة العراقية السيد علي الدباغ لتصب الماء فوق حرارة هذه المشاعر واطفائها، وجاءت كنغمة نشاز. وأثارت هذه التصريحات الرسمية تساؤلات جدية حول جوهر موقف الناطق الرسمي والحكومة. فقد أعلن الناطق مايلي:"إن مؤتمر الهلال الأحمر الذي عقد، اليوم، في العاصمة اللبنانية بيروت اجمع على أن العراق ليس نقطة لاستقبال اللاجئين السوريين"، عازيا سبب عدم استقبال للاجئين لـ"عدم امتلاك العراق خدمات لوجستية على الحدود بين البلدين".واعتبر الدباغ أن "نزوح هؤلاء باتجاه العراق يكاد يكون معدوما بسبب بعد المدن عن بعضها البعض ووجود الصحراء القاحلة التي تعرضهم لخطر حقيقي"، مشيرا إلى أن "السوريين يلجأون إلى لبنان لان مدنها متقاربة مع بعضها وكذلك تركيا والأردن أيضا". وكان المتحدث باسم الحكومة العراقية أكد في تصريح لعدد من وسائل الإعلام، أمس الجمعة (20 تموز 2012)،"أن العراق غير قادر على استقبال لاجئين من سوريا على خلفية الأحداث بسبب الوضع الأمني وتصاعد وتيرة القتال بين القوات الحكومية والمعارضة". وأكد المتحدث باسم الحكومة العراقية علي الدباغ، في وقت سابق من، يوم السبت، (21 تموز 2012)، "أن الحكومة العراقية ستوفر الحماية للمواطنين العراقيين العائدين من سوريا في المنافذ الحدودية، مبينا أن الحكومة لا تتوفر لديها الإمكانيات لحماية المواطنين المتواجدين داخل الأراضي السورية". ورافق ذلك تصريحات غريبة حسب مصدر عسكري يوم 20 تموز 2012" إن القوات العراقية توغلت داخل الشريط الحدودي مع سوريا، بعد اشتباكات بين القوات السورية والجيش السوري الحر قرب الحدود"!!!.هذه التصريحات تتناقض مع ما وقع عليه العراق من اتفاقيات دولية حول حقوق اللاجئين، وخاصة معاهدة جنيف الصادرة في الثامن والعشرين من تموز (يوليو) للعام 1951، من قبل مؤتمر الممثلين المفوضين بمسألة تسمية وضع اللاجئين والمشردين. وجرى عقد المؤتمر وفق قرار من الجمعية العامة لمنظمة الأمم المتحدة المتخذ في 14 كانون الثاني (ديسمبر) 1950. وباتت معاهدة جنيف حول "وضع اللاجئين" سارية المفعول في 22 نيسان (أبريل) من العام 1954، ومنذ ذلك الحين ولليوم صادقت عليها 140 دولة، وتتألف هذه المعاهدة من ديباجة (مقدمة) و46 مادة. والدولة العراقية هي واحدة من الدول التي وقعت على هذه المعاهدة.

إن هذه المعاهدة ملزمة للعراق ولم تستثنيه بسبب بادية الشام أو الصحراء التي تفصل البلدين. ولا تقف الاستعدادات ولا الأحوال الأمنية حائلاً أمام استقبال الأشقاء السوريين شأنهم في ذلك شأن اللاجئين العراقيين المقيمين في سوريا والذين تدعوهم الحكومة إلى استقبالهم وعودتهم إلى بلادهم. وكان بالأحرى بالناطق بأسم الحكومة أن يراجع الاتفاقيات الدولية وأن يراجع ما تفرضه رئاسة العراق للقمة العربية من مسؤوليات قبل أن يصدر تصريحاته العشوائية وتبرريراته وتبريرات الحكومة البعيدة عن العرف الدولي وأصالة العراقيين وكرمهم في استضافة من يتعرض للمحن وخاصة إن كانوا من الأشقاء.

إن موقف الحكومة العراقية وتصريحات الناطق باسم الحكومة لا ينسجم مع مصالح العراق الوطنية. فالتطورات الجارية في هذا البلد الشقيق تتطلب تطوير موقف الحكومة وتغيير الرؤى أزائها خاصة وأن كل الدلائل تشير إلى ترنح الحكم في سوريا جراء التناقضات التي تنخر في جسمه وتصاعد الضغط الشعبي المعارض للحكم، رغم محاولات قوى شريرة معروفة وبدعم إقليمي للصيد في الماء العكر ودفع الأمور باتجاه مصالحها ومنافعها الذاتية. فأي موقف سليم مناصر للشعب السوري تتخذه الحكومة العراقية من شأنه الحد من المظاهر السلبية التي تحيط بالكثير من الأحداث العاصفة التي جرت وتجري في العالم، وأن يزيل ضباب الشك الطائفي والمذهبي الذي يلصق بمواقف الحكومة. آن الأوان لإبداء المزيد من التضامن مع نضال الشعب السوري الشقيق من أجل الديمقراطية وحكم القانون والاستقرار، فلذلك مصلحة وطنية للشعب العراقي وتعبير عن موقفه الإنساني تجاه المظلومين والمضطهدين.

24/7/2012

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

* كتب المقال قبل قرار الحكومة حول فتح الحدود لاستضافة اللاجئين السوريين