اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• إيران: جولة في باطن أمبراطورية الحرس

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

تعريب عادل حبه

إيران: جولة في باطن أمبراطورية الحرس 

بقلم أيف بورديلون

جريدة "لزاكو" الفرنسية- 25 أيار 2009

تعريب عادل حبه

لا يعتبر "سپاه پاسداران انقلاب" (لواء حراس الثورة)، الذي يشكل العمود الفقري للنظام المذهبي الحاكم في إيران، تشكيلة عسكرية صرفة فحسب، بل أيضاً عبارة عن إمبراطورية صناعية تتدخل في البرنامج النووي الإيراني، وتسعى الآن إلى السيطرة على العقود النفطية والغازية التي تبلغ مليارات الدولارات.

ويسيطر الحرس من وراء الستار على كل شؤون النظام الإيراني، ومن ضمنها البرنامج النووي للجمهورية الإسلامية الإيرانية. فهو يدير شبكات الإرهاب المتنوعة، وكل صفقات التهريب وجزء من القطاعات الاقتصادية في البلاد، ويحتكر قطاع الطرق والبناء والطاقة والاتصالات. وفي الحقيقة فإن حرس الثورة عبارة عن أخطبوط يشبهه البعض بالمافيا. ويعتبر الحرس ظاهرة ذات عدة أبعاد: فهو حزب سياسي، إضافة إلى كونه منظمة سرية تشبه المنظمات الماسونية، وهو شبكة اجتماعية، وجيش موازي للجيش النظامي وإمبراطورية صناعية. والآن حيث يقوم مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة بمناقشة العقوبات التي سيفرضها على إيران، فإن الحرس يقف في مركز استعراض القوة بين إيران والمجتمع الدولي. إن القدرة الاقتصادية والمالية للحرس في ازدياد. وقد نشرت الصحف المحلية الإيرانية  خبراً مفاده إن الحرس، وعبر المجمع الصناعي المعروف باسم "خاتم الأنبياء"، يقف على عتبة السيطرة على مشروع للنفط والغاز البالغ كلفته 10 مليار دولار. وهذا هو نموذج من الهدايا التي يغدقها النظام الإيراني على الحرس. لقد أعلن الحرس في شهر نيسان أنه على استعداد بأن يحل محل الشركات الأجنبية العاملة في ميدان مشاريع النفط والغاز.

ولكن كيف ينشط الحرس في الميدان  الداخلي؟. في شباط عام 2008 نشرت صحيفة "راند كوربوريشين" تقريراً نادراً عن حرس الثورة. وأشير في هذا التقرير إلى أن "حرس الثورة عبارة عن منظمة اجتماعية-سياسية-اقتصادية في حالة  نمو متزايد. ويتضاعف نفوذه في كل ميادين الحياة السياسية والاجتماعية في إيران". فضباط الحرس ممن هم في الخدمة الآن أو ممن أحيل على التقاعد، يحتكرون المناصب الرئيسية في البلاد؛ فمنهم من يحتل 7 من المناصب الوزارية البالغ عددها 21  في الحكومة الإيرانية، ومن ضمنهم وزير النفط والمالية والاتصالات والدفاع والداخلية. ويحتل منتسبو الحرس ثلث كراسي مجلس الشورى، وثلث المحافظين وحكام المدن، وعدد غير قليل من أمناء المدن والسفراء.

وفي الواقع فإن الحرس هو بمثابة مؤسسة لتربية مسؤولين إداريين في البلاد، بالطبع فهي مؤسسة فريدة تمتلك معسكرات وأقبية تعذيب. فمنذ تأسيس الحرس الثوري على يد آية الله الخميني في عام 1979، فقد جرى تنظيمه على أساس أن يكون درعاً للدفاع عن النظام الإسلامي و"عينه وآذانه". لقد كانت المهمة الأولى لكل فرد من أفراد الحرس هي قمع احتجاجات الشعب في داخل البلاد. وتم تجهيزه بأحدث المعدات العسكرية، وأولى النظام أفضلية خاصة له لأنه لا يعتمد على الجيش النظامي.

نظام عسكري بمظهر مذهبي

أشارت هيلاري كلينتون في شباط الماضي إلى أن الحرس في إيران تحول إلى "دولة داخل دولة". إن حديث هيلاري كلينتون لم يطلق جزافاً بالارتباط مع العدد الكبير من المناصب المهمة التي أوكلت إلى الحرس الثوري. فإن أحمدي نجاد كان أحد أفراد الحرس، مما حدا ببعض المحللين إلى القول بأن انتخابه من جديد في انتخابات عام 2009، عن طريق التزوير الواسع، ما هو إلاّ انقلاب عسكري للحرس نفذه في الظاهر أصحاب العمائم، ولكن ذلك قد تحقق بفعل المفاصل الأساسية التي يتحكم بها الحرس الثوري. ويعتقد علي آلفونه، وهو باحث في جامعة كوبنهاكن وأحد أبرز المختصين بأمور الحرس، أن النظام الإيراني هو نظام عسكري بواجهة مذهبية. فقد انهمك الملالي خلال العقود الثلاثة الماضية بتكديس المال، وأصبحوا الآن أقل شأناً في السلطة الإيرانية. فقد تعاظمت سلطة الحرس، وتحولت مئات المؤسسات الانتاجية والتجارية التابعة إلى المؤسسات الخيرية، إلى مؤسسات خاضعة في الواقع لسلطة الحرس الثوري. وقد احتار الغرب في التعامل مع المؤسسات التابعة للحرس الثوري، وهو الذي اعتاد على التعامل مع منظمات تتمتع بالشفافية. وطبقاً لما ينشر في صحف المعارضة الإيرانية، فإن إمبراطورية الحرس تحتكر لنفسها قطاعات واسعة من اقتصاد البلاد مثل معاملات الأملاك وجراحة الليزر والسياحة وصناعة النظارات والسكاير والزراعة وبناء السفن وتوزيع المياه والنقل البري، إضافة إلى  التوظيفات الرأسمالية للحرس في مرافق اقتصادية مهمة مثل المعادن والفلزات المتنوعة ( الزنك والرصاص والنحاس)، ومرافق الغاز وشركة بارس للطيران وبنك مهر وبنك أنصار وشركة النفط في كيش الشرقية وعدد من المجمعات الصناعية العسكرية وعدد من المصانع الالكترونية في مجال إنتاج التلفون والكومبيوتر. ويشير ريتشارد ستيوارت معاون وزير المالية الأمريكي في شهر شباط عندما فرضت أمريكا عقوبات اقتصادية على أربع شركات مرتبطة بشركة خاتم الأنبياء إلى الاستنتاج التالي:" في غالب الأحيان فإن من يتعامل تجارياً مع إيران، عرف ذلك أم لا، فإنه يتعامل مع شركات تعود  إلى الحرس". وفي إطار الشركات العائدة إلى الحرس، فإن شركة خاتم الأنبياء هي من الشركات النادرة التي تعلن على الملأ علاقتها مع الحرس. في البداية كانت الوظيفة الأصلية لشركة خاتم الأنبياء هي تعبيد الطرق وتأسيس المشاريع النفطية. فقامت الشركة في عام 1988 بمهمة إعادة البناء بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية. وتحولت هذه الشركة وبسرعة إلى أهم الشركات الهندسية في إيران. وهي الآن تضم 25 ألف موظف وعامل، وتقوم بتنفيذ 7600 مشروع مثل بناء السدود والزراعة والمعادن والبناء والجسور والأنفاق والطرق والأنابيب لنقل النفط والغاز وخطوط التلفون..وغيره. وقد مضت الآن أكثر من ست سنوات على إنشاء هذه الشركة وهي تقوم الآن بتنفيذ المشاريع النفطية. فقد قامت بمد أنابيب النفط والغاز إلى باكستان والهند بطول 900 كيلومتر، وبلغت نفقات تنفيذ هذا المشروع حوالي مليار و300 مليون دولار. وتقوم الشركة ببناء مؤسسات أخرى في ميدان النفط والغاز في حقل بارس الجنوبي. ويقال أن نصف احتياطي الغاز الإيراني موجود في هذا الحقل.

امتیازات بلا حدود

إن كل الشركات التابعة للحرس تتمتع بامتيازات وأفضليات لا محدودة. وطبقاً لحكم صادر من علي خامنئي، فإن جميع العاملين في هذا المرفق معفيين من الضرائب، وليس للدولة أية رقابة على نشاطها. فالحرس لا يحسب الحساب إلاّ لولي الفقيه فقط. ومن  ناحية أخرى، يتمتع الحرس بأفضليات خاصة في مجال الأسعار الرخيصة. ففي بعض الظروف الطارئة يقدم البنك المركزي بسرعة المبالغ التي يطالب بها الحرس لصالح شركة خاتم الأنبياء. وتتوفر للشركات التابعة للحرس فرص الاستخدام المجاني للمعدات الهندسية الحربية العائدة للمؤسسات العسكرية من أجل تنفيذ المشاريع المدنية. كل ذلك يوفر الإمكانية للحرس بتنفيذ المشاريع المذكورة بتكاليف أرخص بكثير  من قيمة السوق، وبذلك يتم إزاحة المنافسين. وحسب معلومات علي آلفونه، فخلال حملة خصخصة مؤسسات الدولة، تقدم الحرس على كل منافسيه في حيازة هذه المؤسسات. وبذلك تحولت مؤسسات الدولة ذات الشفافية نسبياً إلى مؤسسات للدولة لا تتمتع بأية شفافية. وهكذا سيطر الحرس على ثلث اقتصاد البلاد تقريباً.

لقد حاول رفسنجاني الذي يدعي "الإصلاحية" في أعوام 1989 وحتى عام 1997 ، ومن أجل حماية أنصاره من "مافيا النفط" كما هو معروف، أن يضع العقبات أمام تجارة الحرس. ولكن بعد انتخاب أحمدي نجاد في عام 2005، تخطى الحرس الجميع في التجارة وبدون أية حدود. وقام الحرس وبأوامر من الحكومة وبذريعة الأسباب الأمنية، بتولي تنفيذ مشاريع مختلفة بدون أية مناقصات. ويشير آزاده كيان:"على أي حال فإذا ما تم الإعلان عن أية مناقصة، فلا يجرأ أي كائن كان على أن يشارك في المناقصات، وعندها يتحتم عليهم القبول بالحد الأدنى من الأرباح". فعلى سبيل المثال، اشترت شركة "مبين" التابعة للحرس في أيلول الماضي خلال بضعة دقائق نصف شركة الاتصالات "ت س أي" ( TCI) المملوكة للدولة بدفع مبلغ 7 مليارات ونصف المليار بدون أية منافسة. إن مثل هذا الإجراء يعد ذي أهمية خاصة بالنسبة للحرس لأنه سيستطيع بواسطة السيطرة على هذه الشركة تأمين الإنصات على المكالمات التلفونية ومراقبتها. وتعد شركة "تي أس أي" من بين أهم الشركات في بورصة طهران، ويعرف الحرس كيف أنه من الممكن مع المصادقة على قوانين خاصة الحصول على منافع مالية ضخمة للحرس. ولوحظ أحياناً لجوء الحرس إلى القوة العسكرية لإزاحة منافسيه عن طريق التهديد.

وينبغي أن تؤخذ العقوبات المنوي فرضها على النظام الإيراني في إطار الظروف التي أشير إليها آنفاً. إن العقوبات التي تستهدف شركة خاتم الأنبياء  هي نموذج  من السبل التي على الأمم المتحدة أن تسير عليها. فيجب أن تستهدف هذه العقوبات الحرس الثوري لتطويق مصادره المالية وتجفيفها من أجل أجباره على التخلي عن البرنامج السري لتخصيب اليورانيوم. فاستهداف المصادر المالية للحرس يعود بعواقب وخيمة على النظام بأجمعه. إن الجزء الأساس من موارد الحرس تتدفق على جيوب المسؤولين الذين يتربعون على أعلى سلم المناصب الرسمية. ويشير آزاده كيان، الخبير في الشؤون الإيرانية في جامعة باريس، إلى :" أن أعضاء الحرس العاديين، خلافاً لقادته، لا يحصلون إلاّ على أجور محدودة، بحيث أنهم يضطرون أحياناً إلى البحث عن عمل آخر لسد احتياجاتهم المعيشية. ولذا فإن العقوبات الدولية من شأنها أن تحدث فرزاً وانشقاقاً داخل ألوية الحرس. فخلافاً لتصور البعض فإن الحرس غير موحد وليس على نسق واحد.

تجارة المهنيين وفريق المتعصبين

يشير مصدر مطلع في طهران إلى :"وجود عناصر متنوعة في الحرس، حيث يمكن مشاهدة أناس بسطاء يلهثون وراء أهداف لا يمكن تحقيقها، إضافة إلى عناصر براغماتية، وأفراد يمتهنون القتل، وعناصر تعمل بخطة ستراتيجية، وتجار مهنيين وآخرين مصابين بالتعصب الأعمى. ونظراً لهذا التنوع في الحرس، فإن بعض أمراء الحرس هددوا في انتفاضة الصيف الماضي بأنهم:" سوف لا يوجهون نيرانهم ضد الشعب".

ويشاهد في داخل الحرس من هم يلهثون وراء التجارة، ويعملون على تنشيط تجارتهم وتوسيعها إلى الأسواق الخارجية. ويدرك مثل هؤلاء خطر العقوبات الاقتصادية على مصالحهم. لقد تخلت واشنطن عن العقوبات التي تؤدي إلى شلل الحياة الاقتصادية بفعل الضغوطات من قبل موسكو وبكين. ولكن نسبة أفراد الحرس ممن يعملون في التجارة الخارجية ضئيل بالمقارنة مع نسبة العناصر المتعصبة. فالنشاط الاقتصادي للحرس يتم في الأساس داخل إيران. ولذا فلا يتضرر هؤلاء بشكل كبير جراء العقوبات الاقتصادية. إن الحرس يحتكر التجارة، ويهتم بشكل خاص بصفقات التهريب. ولذا فإن الحصار الاقتصادي سيصب في مصلحة هؤلاء. ففي حالة تشديد العقوبات الدولية سيتراجع دور الشركات الخارجية المنافسة التجارية للحرس في إيران. ومن ناحية أخرى فإن الحرس يدرك جيداً أن النظام كلما يحس بالتهديدات الداخلية والخارجية التي تواجه، فإن دوره وأهميته سيزدادان، وسيحتاج النظام إلى دعمه بشكل أكثر. ولهذا السبب، وباعتقاد آزاده كيان، فإن الحرس يرحب على الدوام بكل مواجهة ومعركة محتملة.

لقد أصبح الحرس منذ أيلول عام 2007 تحت إدارة مجلس القيادة. وأصبح ممثل ولي الفقيه علي سعيدي عضواً في مجلس القيادة. وأصبحت وجهات نظر علي سعيدي ذات تأثير بالغ بحيث أن محمود أحمدي نجاد وحتى ولي الفقيه لا يمكن إلاّ أن يحسبوا الحساب له. وليس من قبيل الصدفة أن يتمتع الحرس بكل هذه الامتيازات. فهذه الامتيازات ما هي إلاّ بمثابة أجور يدفعها النظام مقابل الدفاع عن منافعه الإستراتيجية، ومن ضمنها استمرار البرنامج النووي والاستناد إلى الشبكة الإرهابية المرتبطة بالحرس والتي تنشط في بلدان مختلفة. إن الهدف الأصلي للبرنامج النووي الإيراني هو تحقيق الأحلام التوسعية للنظام في المنطقة وإثارة الرعب لدى جارات إيران. فإذا ما قبل الحرس بالتخلي عن البرنامج النووي من أجل التحرر من التبعات الدولية، فإنه سيكون على شاكلة من يقطع الغصن وهو جالس على حافته.

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.