كـتـاب ألموقع

على هامش انتخابات الرئاسة في إيران -//- عادل حبه

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

على هامش انتخابات الرئاسة في إيران

نظام ديمقراطي برلماني أم نظام الاستبداد الديني واحتكار للسلطة؟

عادل حبه

لا يمكن الحكم على الانتخابات في إيران دون الرجوع إلى الدستور الإيراني  الذي أقر بُعيد الإطاحة بالنظام الشاهنشاهي في إيران عام 1979. فقد أُقر الدستور بعد استفتاء صوت الشعب عليه بنسبة 98% من الأصوات على حد ما أعلنته السلطات الحاكمة آنذاك، وسُن على عجل من قبل التيار الديني لفرض احتكاره للسلطة وفرض وجهة نظره الثيوقراطية على نظام الدولة وفي ظل إستحواذه على جميع مرافق الحياة الإيرانية بعد الثورة، دون أن تتوفر الفرصة والوقت للشعب الإيراني كي يلملم أفكاره ويستعيد توازنه، ويتسنى للحركات السياسية أن تعرّف نفسها للرأي العام الإيراني بعد تلك الأحداث العاصفة التي رافقت الثورة الإيرانية. وهكذا جاء النظام السياسي الإيراني الذي أقره الدستور الإيراني نسخة من الأنظمة التي حكمت إيران في عهود سيطرة المستبدين ورجال الدين على السلطة منذ قيام النظام الصفوي والقاجاري وحتى قيام ثورة المشروطة الديمقراطية في عام 1905، والتي أجهضت من قبل التيار الديني والعسكر وبدعم من الامبراطورية البريطانية حيث فرض نظام تستبدادي عسكري للعائلة البهلوية حتى سقوطه في عام 1979.

إننا لو دققنا في مضمون الدستور الإيراني الذي صاغه التيار الديني المتطرف لنرى إنه نص وبشكل صريح وقاطع على إقامة نظام سداه ولحمته الاستبداد الديني المذهبي في إيران. فهذا الدستور لايعطي للشعب أية فرصة لإداره شؤونه وتولي المسؤولية لترتيب حياته ومستقبل البلاد. فالدستور واضح حيث ينص في المادة الثانية منه إلى مايلي:

"المادة الثانية :

1-الإيمان بالله الأحد (لا إله إلا الله) وتفرده بالحاكمية والتشريع، ولزوم التسليم لأمره.

2-الإيمان بالوحي الإلهي ودوره الأساس في بيان القوانين.

3-الإيمان بالمعاد ودورة الخلاق في مسيرة الإنسان التكاملية نحو الله.

4-الإيمان بعدل الله في الخلق والتشريع.

5-الإيمان بالإمامة والقيادة المستمرة، ودورها الأساس في استمرار الثورة التي أحدثها الإسلام.

6-الإيمان بكرامة الإنسان وقيمته الرفيعة، وحريته الملازمة لمسؤوليته أمام الله.

7-الاجتهادالمستمر من قبل الفقهاء جامعي الشرائط، على أساس الكتب وسنة المعصومين سلام الله عليهم أجمعين".

وبالرغم من أن مجلس الشورى الايراني ينتخب من قبل الشعب، إلاّ أن الدستور يتضمن مادة تنص على:

" المادة الثالثة والتسعون:

لا مشروعية لمجلس الشورى الإسلامي دون وجود مجلس صيانة الدستور، عدا ما يتعلق بإصدار وثائق عضوية النواب، وانتخاب ستة أعضاء حقوقيين لمجلس صيانة الدستور".

كما ينص الدستور في المادة الخامسة على ما يلي:

المادة الخامسة:

"في زمن غيبة الإمام المهدي (عجل الله تعالى فرجه) تكون ولاية الأمر وإمامة الأمة في جمهورية إيران الإسلامية بيد الفقيه العادل، المتقي، البصير بأمور العصر، الشجاع القادر على الإدارة والتدبير وذلك وفقًأ للمادة 107".

كما ينص الدستور على :

"المادة العاشرة بعد المائة:

وظائف القائد وصلاحياته:

1-تعيين السياسات العامة لنظام جمهورية إيران الإسلامية بعد التشاور مع مجمع تشخيص مصلحة النظام.

2- الإشراف على حسن إجراء السياسات العامة للنظام.

3-إصدار الأمر بالاستفتاء العام.

4-القيادة العامة للقوات المسلحة.

5-إعلان الحرب والسلام والنفير العام.

6-نصب وعزل وقبول استقالة كل من:

أ‌-    فقهاء مجلس صيانة الدستور.

ب‌-  أعلى مسؤول في السلطة القضائية.

ج- رئيس مؤسسة الإذاعة والتلفزيون في جمهورية إيران الإسلامية.

د- رئيس أركان القيادة المشتركة.

هـ- القائد العام لقوات حرس الثورة الإسلامية.

و- القيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن الداخلي.

7-حل الاختلافات وتنظيم العلائق بين السلطات الثلاثة.

8- حل مشكلات النظام التى لايمكن حلها بالطرق العادية خلال مجمع تشخيص مصلحة النظام.

9-إمضاء حكم تنصيب رئيس الجمهورية بعد انتخابه من قبل الشعب. أما بالنسبة لصلاحية المرشحين لرئاسة الجمهورية من حيث الشروط المعينة في هذا الدستور فيهم، فيجب أن تنال قبل انتخابات موافقة مجلس صيانة الدستور، وفي الدورة الأولى تنال موافقة القيادة.

10-عزل رئيس الجمهورية مع ملاحظة مصالح البلاد، وذلك بعد صدور حكم المحكمة العليا بتخلفه عن وظائفه القانونية أو بعد رأي مجلس الشورى الإسلامي بعدم كفاءته السياسية على أساس من المادة التاسعة والثمانين.

11-العفو أو التخفيف من عقوبات المحكم عليهم في إطار الموازين الإسلامية بعد اقتراح رئيس السلطة القضائية. ويستطيع القائد أن يوكل شخصا آخر أداء بعض وظائفه وصلاحياته.

وفي الحقيقة هذا هو لب الدستور وفحواه، أي أن كل السلطات هي بيد المرشد أو القائد وليس هناك أي دور للمؤسسات المنتخبة من قبل الشعب.

فإذا كان التشريع والحكم في إيران بيد الله الأحد، كما نص عليه الدستور، وبيان القوانين بيد الوحي، والإمام والإمامة هي التي تنفذ إرادة الله، والمجتهدون هم الذين يترجمون هذه الإرادة، وفي زمن غيبة الأمام فإن إمام جمهورية إيران الإسلامية هو المسؤول عن إدارة الدولة وقيادة دفتها، أي يحتكر السلطة وبيده جميع السلطات التنفيذية والتشريعية والقضائية مجتمعة على غرار مجلس قيادة الثورة في عهد البعث في العراق، أي حكم ديكتاتوري بلباس ديني مصبوغ بألوان عصرية، وإذا كان القائد أو المرشد يتمتع بكل هذه الصلاحيات وهو لم ينتخب من قبل الشعب بشكل مباشر على غرار رئيس الجمهورية، فعلام هذه الانتخابات ولماذا ينص الدستور نفسه على وجود مجلس الشورى أو برلمان ووجود مجلس للوزراء ورئيس للجمهورية وسلطات ثلاث منفصلة عن بعضها وينتخبهم الشعب، إضافة إلى بقية مؤسسات الدولة؟؟؟.

ومن اللافت للنظر إن نفس هذا الدستور ومن صاغه وصوت عليه يناقض نفسه في المادة الثالثة التي تنص على:

"المادة –الثالثة

6-محو أي مظهر من مظاهر الاستبداد والديكتاتورية واحتكار السلطة.

7- ضمان الحريات السياسية والاجتماعية في حدود القانون".

كما يناقض نفسه في:

" المادة السادسة:

يجب أن تدار شؤون البلاد في جمهورية إيران الإسلامية بالاعتماد على رأي الأمة الذي يتجلى بانتخاب رئيس الجمهورية، وأعضاء مجلس الشورى الإسلامي وأعضاء سائر مجالس الشورى ونظائرها، أو عن طريق الاستفتاء العام في الحالات التي نص عليها الدستور".

وكذلك يناقض الدستور نفسه في :

"المادة السابعة:

طبقًا لما ورد في القرآن الكريم: (وأمرهم شورى بينهم) و(شاورهم في الأمر)، تعتبر مجالس الشورى من مصادر اتخاذ القرار وإدارة شؤون البلاد، وتشمل هذه المجالس، مجلس الشورى الإسلامي، ومجالس شورى: المحافظة والقضاء والبلدة والقصبة والناحية والقرية وأمثالها".

وكذلك يتناقض مع:

"لمادة السابعة والخمسون:

السلطات الحاكمة في جمهورية إيران الإسلامية هي: السلطة التشريعية، والسلطة التنفيذية، والسلطة القضائية، وتمارس صلاحياتها بإشراف ولي الأمر المطلق وإمام الأمة، وذلك وفقًا للمواد اللاحقة في هذا الدستور، وتعمل هذه السلطات مستقلة عن بعضها بعضاً". فإذا كانت هذه السلطات تعمل مستقلة عن بعضها، فكيف يمكن توجيه نص يعتبر إنها تعمل تحت اشراف القائد؟؟.

في ظل هذا الدستور المتناقض جرت كل الانتخابات السابقة، وستجري الانتخابات أيضاً في يوم 24 حزيران الجاري لانتخاب رئيس الجمهورية الجديد. ولقد أكدت الانتخابات السابقة أنه من الصعب على أي رئيس للجمهورية سواء في عهد الخميني ومنذ انتخاب أول رئيس للجمهورية الإيرانية وهو بني صدر الذي أزيح بأمر من المرشد الخميني،"وصادق مجلس الشورى الإسلامي بالأغلبية الساحقة على عدم الكفاءة السياسية لرئيس جمهورية وهو المنتخب مباشرة من الشعب وفقا للدستور!  وصادق مجلس الخبراء فورا على رأي البرلمان واصدر الخميني أمراً بعزله، وبلغ بني صدر به في 17 حزيران 1981. (راجع كتاب "الحقيقة كما عشتها" للكاتب جاسم الحلوائي ص 200). وحتى في عهد أحمدي نجاد المعروف بتبعيته للمرشد، فإنه لم يستطع تحقيق برنامجه دون أن يكون متفقاً مع رؤى مرشد الثورة الاسلامية بموجب الدستور الإيراني. كما حاول محمد خاتمي أثناء توليه لرئاسة الجمهورية أن يُحدث قدراً من الاصلاحات في النظام السياسي ومعالجة المشاكل الاقتصادية والاجتماعية والحد من أحتكار السلطة من قبل المرشد والأجهزة الأمنية، ولكنه فشل. وتم مواجهة الحركة الاصلاحية واحتجاج المواطنين الايرانيين على تزوير الانتخابات البرلمانية الأخيرة، إلاّ أن هذا الاحتجاج جوبه بالحديد والنار وذهب العديد من الضحايا بأمر من المرشد الذي يمسك بيد من حديد بالمؤسسة العسكرية والبوليسية والأمنية. وهكذ أصبح من غير الممكن أجراء أية أصلاحات والشروع بالتبادل السلمي للسلطة في ظل وجود هذا التناقض في الدستور الإيراني الذي يبيح إرساء نظام استبدادي واحتكار للسلطة وممارسة القمع ضد المخالفين بستار من من النصوص الدينية والمذهبية والتستر بإرادة الخالق.

إن التيار الديني المتشدد الذي يحكم إيران منذ سقوط النظام الشاهنشاهي لم يمهد لفرض هذا الاستيداد الديني عبر التشريع والدستور والقوانين التي تحد من الحريات العامة التي انتفض من أجلها الشعب الإيراني، بل شرع بحملة عشواء وضارية ضد كل مظاهر النشاط السياسي وحرية تشكيل الأحزاب والمنظمات المهنية. وقام هذا النظام الاستبدادي بتنكيل وإبادة جماعية لمنتسبي الأحزاب السياسية على اختلاف مشاربها بحيث لم يعد هناك أي حزب سياسي علني ينشط في داخل إيران في إيران وذلك من أجل خنق أي صوت يطالب بالاصلاح أو يطالب بهوامش من الديمقراطية ونزر يسير من حرية التعبير. ومن أجل ترسيخ هذا الاستبداد شرعت الزمرة المتطرفة الحاكمة في إيران بتوجيه كل عسفها وقمعها حتى ضد من شاركه في إرساء هذا النظام الاستبدادي المسمى بـ"ولاية الفقيه". وهكذا جرى توجيه ماكنة القتل ضد من طالب في هذا التيار بنزاهة الانتخابات وتم حجز الموسوي رئيس الوزراء السابق المنتمي على التيار الحاكم وكروبي أحد أقطاب التيار الذي فرض مقولة "ولاية الفقيه". فالتيار الأكثر تشبثاً بالاستبداد لا يتورع عن اغراق حتى حلفاء الأمس في بحر من الدماء والعسف من أجل ترسيخ احتكاره للسلطة. ومن الطريف هنا أن الحكم قد شطب أسم هاشمي رفسنجاني من قائمة المرشحين لرئاسة الجمهورية رغم أنه يشغل رئيس "هيئة مصلحة النظام" وأحد أقطاب ومهندسي هذا النظام الاستبدادي لا لشىء سوى أنه قد وجّه انتقادات للمرشد ونمط أداء مؤسسات الدولة. وهكذا نرى إن تشبث الفئات الأكثر تطرفاً لا تسمح لأي رأي مخالف سواء من معارضيه وحتى من أنصاره بأن يشق طريقه أو من يمثله في الساحة الإيرانية خوفاً من ينهار هذا النظام الاستبدادي الهش القابع على رقاب الإيرانيين. إن هذا السلوك سوف لا يؤدي إلاّ إلى تضييق القاعدة الاجتماعية للنظام وعزلته أكثر عن أوساط الشعب الإيراني، ثم انهياره التدريجي على شاكلة تلك الأنظمة التي تزدري إرادة شعوبها. فما يجري في البلدان العربية من خلع رموز الاستبداد، يتسرب بشكل سريع ونافذ إلى المجتمع الإيراني وهذا ما يثير الرعب والهلع في صفوف الفئة الحاكمة الإيرانية الأكثر تطرفاً وتشدداً.

ولهذا تسعى هذه الفئة الحاكمة إلى نقل أزمتها إلى الخارج تارة بدعوى التصدي للتهديدات الخارجية، وتارة أخرى تصدير نموذجها الاستبدادي الديني إلى الشعوب المجاورة وتأجيج الصراعات المذهبية والطائفية للتخفيف من ضغط الرأي العام الإيراني ومطالبته بالإصلاح. وضمن نهج الفئة المتطرفة القائم على ابقاء الاستبداد المذهبي والديني. ولا تتردد الفئة المتطرفة الحاكمة في عقد صفقات مع عصابات الإجرام في تسهيل مهمتها على النطاق الخارجي. فقد تسربت الأخبار أخيراً عن وصول وفد من حركة طالبان الأفغانية إلى طهران

يضم كل من مولوي شهاب الدين دلاور وشير محمد عباس استانكري بدعوة رسمية من قبل الحكومة الإيرانية. وهو أمر مثير للدهشة أن تستقبل الدولة "الشيعية" ممثلي الإرهابيين والتكفيرين السنة، في الوقت الذي تُتهم حركة الطالبان  بقتل الدبلوماسيين الإيرانيين وقتل الشيعة الأفغان، ويتهمها علي خامنئي بإن حركة الطالبان هي مجموعة من الجهلة ليست لها علاقة بالإسلام، ويجيبه ملا عمر بأن الشيعة هم شلة من الكفرة .

إن اللجنة المكلفة بغربلة المرشحين تتولى مهمة تعبيد الطريق للفئات الأكثر ولاءاً للمرشد وللتيار المرشد. فالمرشحون الذين تم المصادقة عليهم بغالبيتهم ينتمون إلى هذا التيار وإلى المؤسسات الأمنية والقمعية كحرس الثورة وباقي المؤسسات الأمنية والقمعية التي لا تهيمن على الأجهزة القمعية فحسب، بل انتقلت إلى الهيمنة على مفاتيح القطاعات الاقتصادية في الصناعة والزراعة والمؤسسات الاجتماعية الأكثر تأثيراً في المجتمع الإيراني. فلقد أعلن سعيد جليلي في أول خطاب له أحد المرشحين المحسوبين على "ولي الفقيه" علي خامنئي  في أول خطاب له:"أنى نشر الإسلام وفتح العالم هو أحدى الوظائف المقبلة للسياسة الخارجية. وإذا اتهمنا البعض جراء ذلك إننا بصدد بناء أمبراطورية، فنحن لا نهاب هذا الاتهام".إن هذه التصريحات تعني أن المرشد والمجموعة التي تمتثل لإرادته ليسوا على استعدادبأي شكل من الأشكال الامتثال لرأي الشعب وإجراء تعديلات في السياسة الداخلية والتخلي عن السياسة الخارجية القائمة على التدخل في الشؤون الداخلية للدول الأخرى واستفزاز الرأي العام الدولي. وإ على الشعب القبول وطاعة المرشد في عد استعداده لإجراء أية أصلاحات وأن تمسح من ذهن المواطنين "معزوفة" الاصلاح. فليس هناك أدنى أمل خلال هذه الانتخابلات الرئاسية بنجاح أي شخص لديه أدنى رأي مهما كان بسيطاً ومتواضعاً في إحداث قدر من الاصلاح السياسي والاقتصادي وتأمين الحد الأدنى من الحريات العامة وحرية التعبير. فالتطرف عند الفئة الحاكمة الإيرانية سيتعاظم وبالتالي ستتعمق مظاهر الاحتقان السياسي والاجتماعي. وقد أشار علي خامنئي صراحة إلى ذلك عندما قال في خطابه الأخير أنه من الواجب عدم اشتراك حماة الفتن ( حركة الخضر) في هذه الانتخابات. ولذلك سيتمادى "ولي الله" علي خامنئي في التمسك بنهجه الاستبدادي. وهو ما ينذر بعواقب وفوضى وخراب ونزيف دم لا يمكن التنبؤ بها على الساحة الإيرانية على شاكلة ما نراه الآن في غالبية الدول العربية والاسلامية. فلا يمكن أن تستمر حالة العسف والظلم والاستبداد قائمة في إيران، فالتاريخ الإيراني ملىء بالأحداث العاصفة التي فاجأت جميع المراقبين السياسيين وأحلام المستبدين.

12/6/2013