اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

أهو أفيون الشعوب أم سرطان الشعوب؟(3-3) // عادل حبه

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتب

أهو أفيون الشعوب أم سرطان الشعوب؟(3-3)

عادل حبه

 

أيادي سورية وعراقية تنفذ أجندات خارجية تحت غطاء الدين والطائفية

من المشاكل التي تعاني منها بلداننا، وبضمنها العراق، هي أن الأنظمة الاستبدادية التي حكمتها لم تعط الفرصة لا للعراقيين ولا للسوريين للدخول في حوار من أجل تسوية المشاكل في كل بلد. ولذا نرى أن الأحزاب السياسية، وخاصة الدينية منها والقومية، تلجأ إلى العنف والتعويل على العامل الخارجي ذي النكهة الطائفية لتمويل مشاريعها. وهذا ما أدى إلى ارتهان هذه التيارات للعامل الإقليمي والخارجي الذي يفرض تبعاً لذلك أجندته على هذه الأحزاب ويحولها إلى أداة طيّعة من أجل التدخل الفض في الشؤون الداخلية لبلداننا، دون التزام من هذه التيارات بالحد الأدنى من المسؤولية تجاه الوطن وبالشعور الوطني. وليس من قبيل الصدفة أن تتصاعد المواجهات الطائفية الحادة والصراع بين التيارات المذهبية المتصارعة التي اتخذت أبعاداً خطيرة مع انفجار الأزمة السورية ومع الصراع الاقليمي والدولي حول قضية النفط وأنابيب الغاز في عام 2011، مما يشكل دليلاً ناصعاً على هذا الارتهان.

لقد افتضح دور غالبية الأحزاب الدينية والقومية المتطرفة على وجه الخصوص في تجاهلها للمصالح الوطنية وانتهاكها للمشاعر الوطنية. فمثال داعش في حربها ضد كل ما هو "وطني" وضد الحدود الوطنية خير مثال على ما تضمره هذه التيارات من عداء كامن لأوطاننا تحت شعار هلامي حول "الخلافة النبوية" أو "الأمة الإسلامية" التي لا وجود لها في ظل هذا الصراع الدامي الجاري بين المسلمين أنفسهم ومنذ عهود. وعلى هذا المنوال، على سبيل المثال، يركب المدعو "رجل الدين" الصرخي (الشيعي) هذه الموجة ليعلن من محل لجوئه في قطر عن دعمه للغزوة وتأييده للخلافة المزعومة، وهي دعوة لا تفوح منها إلاّ رائحة الغاز الطبيعي. وابدت بعض الأحزاب الطائفية العراقية التي ترفع زوراً راية "العلمانية" عن ترحيبها بغزوة داعش قبيل انتهاكها للأراضي العراقية وبعدها. ولوّح العديد من السياسيين الطائفيين ورجال صحافة طائفيين معروفين لبعض المقربين لهم عن قرب سقوط الموصل والمناطق المحيطة بها قبل قرابة اسبوعين من كارثة حزيران. كما أُعلن عن هذه الفتوحات بوقت مبكر من على "منصات" الرمادي والفلوجة. ولم يتخلف حزب البعث عن هذه الجوقة، فراح يصدر البيانات وأطلاق التهديدات والتصريحات مرحباً بهذا "الانتصار"، ولكن تغير الموقف بعد حين ما أن بدأ التناحر على الغنائم ولم يحصل البعث حتى على الفتات. لقد عوّلت بعض الفئات الطائفية المتطرفة في الموصل والأنبار وديالي وصلاح الدين على "الورقة الداعشية"، ظناً منها أنها ستوفر لهم الفرصة والوسيلة للضغط على الطرف الطائفي الآخر كي تحصل على امتيازات تعزز من مواقعهم في سلطة القرار. وراح البعض من أقطاب هذه التيارات يطلق التهديد والوعيد وعلى الملأ صراحة قبل غزوة داعش، وبادر آخرون إلى التستر على هذا الغزو بذريعة أن من قام به هم ضباط عراقيون وعشائر وفئات معارضة!!! "لاضطهاد طائفة السنّة وتهميشها".

ولم يتردد بعض المسؤولين العراقيين ونواب في مجلس النواب العراقي من تلك المناطق بالتمهيد لهذه المغامرة عن طريق شل عمل المؤسسات الرسمية بنفس الذرائع. لقد ظن هؤلاء إن داعش وغزوتها لا تهدد مصالحهم، بل تعزز من مواقعهم في التطاحن الطائفي والتنافس على جني الغنائم. ولكن، وكما أكدت الأحداث لاحقاً أن هؤلاء قد أصيبوا بداء العمى السياسي والحسابات خاطئة، تماماً كما أصيبت به الولايات المتحدة عندما دعمت التطرف الديني في أفغانستان، ثم تلقت الجواب على هذا الدعم السخي في غارات درامية بالطائرات المدنية طالت عدداً مدن الولايات المتحدة في عام 2001. كما هلك بنفس الداء أنور السادات، حيث أنتقل إلى العالم الفاني على يد المتطرفين الدينيين الذين تلقوا الدعم منه سابقاً. كما أصيب بنفس الداء بشار الأسد عندما احتضن هذه المجاميع الإرهابية لتلحق القتل والدمار بالعراقيين وتثير التناحر الطائفي، هذه المجاميع التي انقلبت عليه وباشرت بتهديد سلطته وجلبت الموت والخراب للشعب السوري. وهكذا يتضح بأن من يمد يد العون والدعم والتمويل للدواعش والتيارات الإرهابية لا يسلم من شرورها، ولا ينجو من بطشها.

ويشهد العراقيون هذه الأيام مشاهد مرعبة من المآسي والأحداث المروعة التي يتعرض لها أبناء تلك المحافظات من قتل وتشريد ونهب وإبادة جماعية واعتداء على النساء وممارسات يندى لها الجبين، مما يعرّي التصريحات المتفائلة التي أطلقها البعض في البداية والتي كانت "تتغنى" بالاستقرار في الموصل. إن هذه الأطراف التي مهدت الطريق بمختلف الأشكال للغزو الداعشي تضع نفسها في قفص الاتهام لكونها روّجت وتسترت ورحّبت بهذا السرطان الذي ينهش في الجسد العراقي على اختلاف مكوناته.

وللأسف، لم يقتصر هذا العمى السياسي والحسابات الخاطئة الذي ابتلى به بعض السياسيين العراقيين على المحافظات التي أشرنا إليها آنفاً، بل ابتلى بنفس الداء طيف من التيار السياسي في إقليم كردستان الذي احتضن أقطاب التطرف والهاربين من العدالة والقضاء العراقي قبل الغزو، ثم التزم الصمت أو الشماتة أو التعامل الإيجابي مع الغزوة الداعشية في البداية نكاية بالحكومة الاتحادية التي تتحمل هي الأخرى ما حصل جراء التمسك بالنهج الطائفي المقيت. ففي مقال نُشر على المواقع الألكترونية بقلم الكاتب الكردي العراقي شه مال عادل سليم تحت عنوان الغول "الداعشي" الكردي..، جاء فيه:

"Despite being blessed with natural riches and an expanding population, 60 percent of them are illiterate, a figure that rises to more than 70 percent in the case of women.

قال (دلشاد كرمياني) وهو عضو المكتب السياسي لحزب الجماعة الاسلامية الكردستانية والذي يعتبر من أبرز الأحزاب الاسلامية في اقليم كردستان في تصريح له عبر حسابه الشخصي على موقع التواصل الاجتماعي إنه؛ أي (كرمياني) لايستطيع أن يوجه الاتهام إلى رجال تنظيم الدولة الاسلامية ويعتبرهم (غير مسلمين)، بالرغم من اخطائهم وتقصيرهم ...!!. وعليه يأبى كرمياني ان يحرض الكردستانيين ويشجعهم لمقاتلة ومحاربة تنظيم الدولة الاسلامية....؟!، ولذا يعتبر كرمياني أن الصراع الاقليمي الذي تشهده المنطقه لا يخدم القضية الكردية، وان حقائق والوثائق الاعلامية كشفت للجميع بان تنظيم الدولة الاسلامية لم يقرر مقاتلة الكرد والهجوم على اقليم كردستان .....!!!، وان الجانبين (تنظيم الدولة الاسلامية وقوات البيشمركة) بقيا على طرفي خطوط التماس دون اشتباكات تذكر والجميع يعرف ذالك، وان تصريحات رئيس اقليم كردستان قبل الاشتباكات مع داعش خير دليل على ذالك ..... ؟!". وللأسف وقف بعض قادة الإقليم في بداية الغزو موقف المتفرج والمتشمت بإخطاء ومسؤولية الحكومة الإتحادية والقوات المسلحة دون إدانة الغزو، إلى أن دارت الدوائر وبدأ الزحف على مخمور، وبانت شرور داعش وعدائه لكل العراقيين عرباً وكرداً، إسلاماً ومسيحيين وأيزديين، خاصة بعد استباحته وغزوه وسبي أهالي سنجار والقرى المسيحية وتهديد عاصمة الإقليم أربيل، حتى زالت الغشاوة عن أعين هؤلاء وتبددت قناعاتهم بكرم!! حكام تركية ووعودهم، وانخرطوا في المواجهة مع داعش، ولكن بعد خراب البصرة كما يقال. 

 

ضرورات الإصلاح الديني وأخراج الدين من أزمته

إن أحد المظاهر الخطيرة التي أفرزتها تداعيات حزيران الماضي في العراق منذ غزوة داعش، وما تتعرض له دول مجاورة من أحداث خطيرة، هي تلك الأزمة العميقة التي يعاني منها الدين والخطاب الديني وما انطوى من مخاطر التجاذب والغلو المذهبي الطائفي. فقد كثرت الفتاوى وانتعش سوقها وتعاظمت أضرارها، مما يتوجب على أرباب الحكمة والرحمة والمؤسسات الدينية المعتدلة التوجه الجاد نحو الإصلاح الديني لوقف نزيف الدم والمواجهات الدموية العبثية بين العراقيين. فبدون هذا الإصلاح وانتشال الدين من أزمته، لا يمكن وضع حد لهذا التلاعب الخطير بالورقة الدينية، ولا يمكن اشاعة الاستقرار في بلادنا وفي المنطقة، ولا يمكن إرساء الدولة العراقية ودول المنطقة على أسس حديثة وعصرية وأصول علمانية، تحترم المعتقد الديني وتحافظ على حرمته بعيداً عن العنف والتطرف والغلو والاحتقان الطائفي، وتحرره من الأساطير والخرافات والتأويلات السلبية التي لصقت به، وتبعده عن التسييس ودروب السياسة الوعرة. ولا يمكن أن يتولى عملية الإصلاح الديني إلاّ المؤسسات الدينية ورجال الدين أنفسهم. فالتجربة التاريخية التي مرت بها المجتمعات الأوربية في تحقيق الإصلاح الديني، نقلتهذه المجتمعات الأوربية من تلك الحروب المذهبي والدينية والطائفية التي عصفت في أوربا في القرنين السادس والسابع عشر إلى مرحلة بناء الدولة الحديثة السلمية العلمانية. وقد تولى هذا الإصلاح الفلاسفة المتدينين، من أمثال "سپينوزا" و"كانت" وآخرون ممن أخذوا على عاتقهم تحقيق هذه المهمة منذ القرن السادس عشر. وتبعاً لذلك أعتمدت الثورة الأمريكية (1776) والثورة الفرنسية (1789) هذه الإصلاحات الدينية في تدوين دساتيرها الديمقراطية وبناء الدولة الحديثة القائمة على مبدأ فصل الدين عن الدولة.

أما في منطقة الشرق الأوسط، فقد شهدت حركات إصلاحية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين على يد الكواكبي ومحمد عبده وآية الله النائيني في كتابه الإصلاحي " تنبيه الأمة وتنزيه الملة " الصادر في عام 1909"‘ والذي أثار موجة من الاعتراض لدى التيار الديني المحافظ. وأصبح هذا المؤلف شهادة على استجابة رجل الدين لمتطلبات العصر ومناصرة الحكم الدستوري (المشروطة) والدفاع عن تحرر المرأة ونيل حقوقها. إلاّ أن هذه المساعي تراجعت بفعل غَلَبة التيار المحافظ المتعصب وسيادة الجهل والفقر والتخلف في هذه المجتمعات، علاوة على التدخل الخارجي. ولقد أحبطت كل محاولات الإصلاح لاحقاً في بلداننا بالاقتران مع ظهور عامل مؤثر هو النفط وواردته، والذي تحول بيد الحكام المحافظين في المنطقة إلى أداة فعالة في تمويل التيارات المتطرفة المعارضة للإصلاح الديني في المنطقة. ولكن مع ذلك لم تتوقف مساعي الإصلاح الديني، وخاصة في إيران رغم الصراع بين التيارين الاصلاحي والتيار المتعصب الذي احتكر السلطة بعد انتصار الثورة الإيرانية. فقد برز قبيل الثورة المصلح والمفكر الديني الدكتور علي شريعتي صاحب كتاب "التشيع الصفوي والتشيع العلوي". وبعد الثورة الإيرانية، برز العديد من المفكرين المتدينين الإصلاحيين ومنهم د. محمد جواد شبستري أستاذ الفلسفة في كلية أصول الدين في جامعة طهران. ومن المناسب الإشارة إلى شذرات من أفكاره الإصلاحية. ففي معرض حديثه عن الإصلاح الديني والأزمة في الدين، يشير شبستري إلى أنه:" علينا اليوم أن نقدم رؤيا جديدة ونقدية لديننا وللمفاهيم التي تم تقديمها خلال 70 عاماً الماضية. وذلك لأن ديننا في ازمة، وحينما يكون الدين في أزمة فذلك يؤشر إلى أن وجهات نظر الفقهاء تعاني بدورها من أزمة. ولذلك، فإنني أعتقد أنه ينبغي اعتماد منحى جديد إزاء الإسلام". ثم يستطرد قائلاً: "نحن بحاجة إلى أفكار جديدة... وإن علينا الآن أن نعطي إشارة الإنطلاق لإعادة نظر فكرية في كل ما قيل خلال السنوات السبعين الأخيرة. وينبغي لنا أن نطالب كل البحّاثة وكبار رجال الدين بتحديد حاجات العصر الحالي وبتقديم حلول للمستقبل. وعليهم أن يحدّدوا ما هو صالح في معتقدنا الديني، وأن ينبذوا ما ليس صالحاً، وأن ينتجوا ما ينقص فيه". ويحذر شيستري المسلمين قائلاً: "إننا نعتقد بشكل خاطئ بأنه لا سبيل إلى إنتاج أفكار جديدة في ديننا. والحال ليس كذلك. فطالما لم ننخرط في إعادة نظر، فإن أحوالنا ستظل على حالها اليوم. إنني أتوقّع بأنه إذا لم نحقق المراجعة الفكرية المطلوبة، فإن مصير المسلمين سينتهي بالعزلة والزوال في العصر الحاضر..... لقد قام الفاتيكان بعملية المراجعة المطلوبة. فلا نجد اليوم رجل دين مسيحياً واحداً في اوروبا يعتنق أفكاراً خُرافية ومن تصوّرات الماضي. وعلى النقيض، فإن الإسلام في أزمة اليوم. إن ديناً لا يستطيع أن يعرض قِيَمَه بصورة سليمة هو دين يعيش في أزمة. نحن اليوم في طور لم يعد فيه ما قيل في القرون الماضية يملك أية قيمة في نظرنا كمسلمين معاصرين".

وفي الحقيقة، إن الحديث عن الإصلاح لا يدور حول أركان الدين الأساسية التي أشرنا إليها في مقدمة المقال، ولا عن دعوات إيجابية تكررها الأديان السماوية وغير السماوية حول الأمانة والصدق والرحمة والتكافل وغيرها، بل عن أحكام موجودة في النص الديني وتفاسير ملتبسة وتأويلات متناقضة تتعامل مع أعراف وأحكام وتقاليد سادت في مجتمع الجزيرة العربية البدائي قبل 1400 سنة. فهذه الأحكام قد شاخت أو لم يعد هناك موجب للتعامل معها، ولا يمكن أن تتماشى مع الواقع المتغير والتطورات التي طرأت على المجتمعات البشرية خلال قرون مضت. إن الفليسوف اليوناني سقراط كان له كل الحق في قوله: " لا تكرهوا أولادكم على آثاركم ، فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم"، تماماً كما ينسب إلى علي بن أبي طالب قوله: " لا تقسروا أولادكم على آدابكم فإنهم مخلوقون لزمان غير زمانكم".

 

كي يخرج العراق من عنق الزجاجة ومن دائرة الفوضى والفساد

المحنة التي يتعرض لها المجتمع العراقي تحتاج إلى وقفة جدية ليس من النخب السياسية المتنفذة الآن، بل من العراقيين أصحاب الشأن أنفسهم. فما يسمى بـ"الموجة الدينية " و "الأحزاب الدينية" على كثرتها، لم تحد خلال العقد الأخير من الفساد والتهري الاجتماعي الذي غرسه النظام السابق، بل زادت وعممته وعمقته. فنظرة سريعة على الثراء المفرط للأحزاب الدينية والمؤسسات الدينية هي أدلة كافية على عمق الفساد الذي حل بالمجتمع على يد هذه التيارات. كما إن هذه الموجة لم تقدم الإيمان الديني خطوة إلى الأمام، بل هناك تراجع وتشكيك في إيمان هذه القوى. إن العراقيين لم يكونوا قبل هذه الموجة من أرباب الكفر ولا الالحاد، ولم تزدهم هذه الأحزاب ذرة إضافية من الإيمان، بل ونقلتهم إلى دائرة التطاحن الطائفي المخيفة وما جرته من قتل وتشريد وفوضى ووبال على هذا الشعب المسكين. وليس أمام العراقيين من حل سوى بناء دولة مدنية، يتساوى فيها العراقيون على قدم وساق بغض النظر عن انحداراتهم الدينية والمذهبية والأثنية، دولة تعتمد الهوية الوطنية وليس أية هوية أخرى، دولة علمانية أساسها فصل الدين عن الدولة، وفصل التعليم عن الدين. دولة لا يسمو فيها دين أو مذهب على المذاهب الأخرى، دولة تعتمد دستوراً مدنياً وليس دستوراً ملتبساً تفسره النخب الدينية والمذهبية والسياسية كل حسب مزاجه. فعلى هذا المنحى والدرب سارت الدول المتقدمة على درب التطور والرقي. وعلى هذا الدرب، وبهذا الشكل أو ذاك، سارت عليه بعض الأنظمة في تاريخنا الغابر سواء في عهد المأمون أوفي عهد دولة الأندلس، حيث ازدهرت التيارات العقلانية وتطورت العلوم. وعلى هذا المنحى ما تحاول أن تسير عليه الآن دول مثل مصر التي بادرت إلى حظر النشاط السياسي تحت راية دينية أو مذهبية، وقامت أخيراً بإلغاء مادة التربية الإسلامية من مناهج التعليم المصري الرسمي، وأصدرت عوضاً عنها كتاباً يمتحن به الطلبة تحت عنان كتاب "القيم والأخلاق". فالإيمان الديني هو قناعة وجدانية لا تخضع للإمتحان كالفيزياء والكيمياء والرياضيات، ومن يرسب فيها لا يمكنه من مواصلة الدراسة. فهل من يرسب في مادة الدين في مدارسنا هو دليل على كفره والحاده؟؟.

ومن الضروري الشروع وقبل فوات الأوان بمعالجة "بازار الفتاوى" والتقارب بين الأديان الذي خرج عن دائرة المعقول، وتحول إلى ميدان خطر لإذلال البشر وسبيهم. وما على المؤسسات الدينية سوى الجلوس لتحديد الوسائل والفتاوى التي تنصح المواطن بالرحمة والنزاهة والصدق، وليس فتاوى تثير الفرقة والتجاذب بين العراقيين. كما إن مهمة رجل الدين والوعاظ تقضي في ممارسة مهمتهم في بيوت الله وليس في مجلس النواب ولا عبر نشاط الأحزاب السياسية، وأن لاتتحول المناسبات الدينية الأسبوعية إلى مؤتمرات سياسية قد لا يتفق على قراراتها كل مذهب وفرقة دينية مما يثير الفرقة بين المواطنين. وعندما تتوفر مثل هذه الأجواء، وتدور إلى جانبها عجلة الاقتصاد وتتقلص دائرة البطالة والفئات الهامشية، عندها تتحقق المصالحة والمودة والمصلحة المشتركة بين أبناء الوطن الواحد دون الحاجة إلى هيئة للمصالحة الوطنية لم تتتقدم خلال عشر سنوات بخطوة جدية نحو إشاعة الود بين مكونات الشعب العراقي.

 

10/11/2014

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.