اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

الشهيد عدنان البراك علم من أعلام الصحافة الشيوعية العراقية// عادل حبه

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

 

اقرأ ايضا للكاتب

الشهيد عدنان البراك علم من أعلام الصحافة الشيوعية العراقية

1930 – 1963

عادل حبه

 

في الذكرى الثمانين لتأسيس أول صحيفة شيوعية في العراق ( كفاح الشعب) في تموز من عام 1935، لا يسعنا إلاّ الوقوف إجلالاً لتلك الكوكبة الخيّرة التي ساهمت في تحرير هذه الصحيفة،

وفي تحرير شقيقاتها السرّيات الأخريات منها، أو العلنيات (كفاح الشعب، الشرارة، الأساس، العصبة، القاعدة، اتحاد الشعب وطريق الشعب). كما لا يسعنا في هذه المناسبة إلا أن نحيي ذكرى من التحق بقافلة شهداء الحزب والوطن من أعلام الصحافة الشيوعية العراقية الذين تبوؤا مكانة متميزة في تاريخ الصحافة العراقية والعربية. كما لا يسعنا إلاّ أن نتذكر باعتزاز واجلال بشكل خاص علماًبارزاً من أعلامها ،وهو الشهيد عدنان عبد الله البراك. ولد الشهيد عدنان البراك في بغداد، في محلة الست نفيسة في الكرخ، في آب عام 1930 من موظف حكومي هو المرحوم عبدالله أحمد البراك

وسيدة فاضلة هي المرحومة صبيحة حمودي، اللذان رُزقا إلى جانب ابنهما البكر عدنان،بولدين آخرين ( يعرب وعصام)، وسبع أخوات هن سميرة وأميرة وخولة وهيفاء وأزهار وضمياء وهناء. انتقلت العائلة لدواعي وظيفة رب العائلة من بغداد لتستقر في مدينة الحلة الفراتية، وهكذا شرب عدنان من زلال فراتينا الخالدين. وقد برز لدى عدنان وفي وقت مبكر ميله صوب الاهتمام بالأدب والثقافة وبحركات التنوير والحداثة، وقرأ وهو في الصف السادس الابتدائي جميع ما نُشر في ذلك الحين من مؤلفات الدكتور طه حسين والروائي المصري نجيب محفوظ. وقرّبه هذا الاهتمام من التيار التنويري والتجمعات اليسارية والماركسية التي بدأت تنتشر في وادي الخصب، ودفعته إلى المزيد من المطالعة واختراق ثنايا الكتب والأبحاث لتهديه إلى طريق العصرنة وتحرير البلاد من دوامة التخلف وهيمنة الأفكار الرجعية على المجتمع. وبادر في مطلع سنوات شبابه وفي مرحلة الثانوية إلى تقديم محاضرة عن الماركسية، حضرها لفيف من شباب الحلة والمدن القريبة منها، كما يروي رفيق دربه عبد الرزاق الصافي الذي شارك في اللقاء. وكانت تلك الفترة، أواسط أربعينيات القرن الماضي، هي بداية علاقته بالحزب الشيوعي العراقي وترشيحه للحزب ونيل العضوية فيه. لقد أقام عدنان البراك علاقات حميمة مع العوائل المثقفة في الحلة، وبادر إلى تدريس ابنائها وبناتهافي بيوتهم لتفوقه خاصة في مادة الرياضيات والنحو واللغة الانكليزية، كعائلة مدير الثانوية بهاء بهيج والحاج ناجي والد القانوني لاحقاً عبد الستار ناجي والطبيب المشهور لاحقاً عبد الفتاح ناجي.

أنهى عدنان البراك الدراسة الثانوية في الحلة بتفوق، حيث حصل على أعلى الدرجات التي تمكنه من دخول الكليات المهمة في البلاد. وانتقلت العائلة إلى العاصمة، ليسجل عدنان البراك في كلية الطب في بغداد عام 1948. وتميزت تلك الفترة بالانتشار الواسع للنزعات الديمقراطية التي اقترنت بنتائج الحرب العالمية الثانية والانتصار على الفاشية، وما رافقها من مد جماهيري في العراق يطالب بالحريات الديمقراطية وضمان استقلال العراق. وتتوج هذا الحراك الجماهيري بالانتفاضة الشعبية ضد معاهدة بورتسموث في وثبة كانون الثاني المجيدة عام 1948 التي شارك عدنان البراك فيها بحماس.

كان الشهيد من الوجوه الطلابية التي شاركت في المؤتمر التاسيسي لاتحاد الطلبة العراقي العام ، مؤتمر السباع في الرابع عشر من نيسان عام 1948، وشارك في صياغة وثائقه.وبالنظر إلى قدرات عدنان ونشاطه وسعة فكره، فقد اختير ليصبح المسؤول عن تنظيمات الحزب الشيوعي العراقي في كليات بغداد. وعمل على تطوير هذا التنظيم بحيث أصبح يضم نخبة من خيرة الطلبة التي تتميز بالثقافة وحسن السيرة والتفوق مهنياً ودراسياً، وكان من ضمن من رشحهم إلى الحزب القانوني والاقتصادي العراقي المعروف الدكتور حافظ التكمجي وشخصيات بارزة أخرى. ولم يقتصر نشاط عدنان على العمل الحزبي والاجتماعي في بغداد فحسب، بل راح يكتب في الصحف العلنية آنذاك مدشناً أولى خطواته على طريق مهنة الصحافة ومتاعبها. فقد كتب بأسماء مستعارة في جريدة الهادي التي تم غلقها بعد صدور العدد الأول، وفي جريدة الأساس التي ترأس تحريرها المحامي شريف الشيخ.وقد حررعدنان البراك في جريدة "الأساس" تقريراً عن المظاهرة الجماهيرية عندما كان طالباً في الصف الأول من الكلية الطبية، كما يشير إلى ذلك الرفيق عبد الرزاق الصافي في مذكراته......"والتي نظمتها القوى اليسارية ( الحزب الشيوعي العراقي وحزب الشعب والجناح التقدمي في الحزب الوطني الديمقراطي بقيادو المحامي كامل قزانجي والحزب الديمقراطي الكردي) للرد على استفزازات القوميين من أنصار حزب الاستقلال الذين كانوا ينظمون الاعتداءات على وفود الألوية التي كانت تؤم بغدادللمشاركة في فعاليات تمجيد شهداءوثبة كانون الثاني عام 1948".

ولم يأت اهتمام  الشهيد عدنان البراك بالصحافة من قبيل الصدفة، فقد كان عمه المرحوم عبد القادر أحمد البراك (1923-1995) يمارس مهنة الصحافة، وأديب مارس الكتابة الصحفية وتدرج في المهنة من مصحح البروفات إلى مراسل برلماني، وأشرف على تحرير صفحات أدبية في الصحف المحلية. كما عمل عبد القادر البراك سكرتيراً ومديراً ورئيساً لتحرير  صحف "البلد" و"الأيام" ومجلة "الميثاق"، وأشرف على تحرير "الأهالي" و"المبدأ" و"الجبهة الشعبية" و"الأخبار"...وأخيراً محرراً في جريدة الجمهورية.

إن التحرك الجماهيري وانخراط أوساط واسعة من شتى الأصول الاجتماعية والطبقية في النشاط السياسي، أصاب الحكم وحماته في الخارج بالجزع آنذاك. ولذا شرع الحكم بالانتقام من الشعب بعد انتصاره في وثبة كانون الثاني عام 1948 واسقاط معاهدة بورتسموث. وركز الحكم هجومه على الحزب الشيوعي العراقي، وتوّجه بإعدام قادة الحزب الشيوعي ( فهد – حازم – صارم)، ثم الشروع بملاحقة الشيوعيين والديمقراطيين وزجهم في السجون وإصدار أحكام قاسية بالسجن ضدهم. وهكذا وقع عدنان البراك، شأن المئات من الشيوعيين والوطنيين، في شباك التحقيقات الجنائية، إثر كبس البيت الحزبي في محلة حمام المالح. وأصدرت محكمة النعساني سيئة الصيت الحكم عليه بالسجن عشر سنوات مع الأشغال الشاقة. ومنذ اليوم الأول وُضع "الخطّام "، سلاسل تربط بالساقين، في رجليه حتى تم إطلاق سراحه بعد انتصار ثورة تموز عام 1958.

لم يزحزح قرار المحكمة الشهيد عدنان عن أفكاره وقراره، بل زاده تصميماً وتعلقاً بقضية الشعب والوطن. ويروي الصحفي باسم عبد الحميد حمودي، أبن خال الشهيد، جوانباً من هذا التمسك في مقالة له نشرها قبل سنوات وجاء فيها:" عاف عدنان حضن أمه الدافئ وحب أخويه وشقيقاته الصغار وكليته الجميلة البهية التي ستؤهله كطبيب، ودخل في معترك السياسة متقدماً في صفوف التنظيم السري الذي اختاره عقله، ليتقدم الصفوف قائدا صغيراً لمجموعة من طلبة كليات العراق ومعاهده العليا. وما أن ألقي القبض عليه وعلى سواه وأحيل إلى المجلس العرفي العسكري الأول برئاسة العقيد عبد الله النعساني حتى وجدت هذه المحكمة جرمه كبيراً ضد الملك والوطن، فحكمت عليه بالسجن الشديد عشر سنوات..... كان الباشا السعيد يريد اختراق ذلك السجن فأرسل على الأستاذ عبد الحميد حمودي (خال عدنان)، وفي الموعد المحدد ذهب الخال وهو مدير لمدرسة كبرى في الكرخ إلى رئاسة الوزراء في القشلة، ووجد الباشا بانتظاره مرحباً. وبعد السلام والترحاب قال له :"حميد أفندي صديقك السيد عبدالوهاب مرجان أشاد بك وبعملك سابقاً في الحلة، وهو يعرف أبا عدنان الذي عمل في الحلة أيضا"..... وضع نوري باشا نظارته على المنضدة وقال :"استاذ عبدالحميد.. ابن اختك عدنان شاب جيد وأنا اتعهد بمستقبله إذا وقّع على ورقة تقطع انتماءه بالمجموعة التي أضاع شبابه معها من دون جدوى.. هو الآن في موقف التسفيرات ببغداد، فقد جئنا به راجين أن تساعده على العودة إلى كليته، وسأرسله في العام القادم إلى بريطانيا ليكمل دراسته.. ماذا تقول؟"..... في اليوم التالي كان الاستاذ عبدالحميد قبيل العاشرة في غرفة مدير سجن التسفيرات ومعه هدايا بسيطة لابن اخته، الذي اقتادوه إليه فعانقه ودمعت عيناه حزناً عليه، وأجلسه إلى جانبه على أريكة المكتب الوحيدة. شربا الشاي معاً، وعدنان مستريب من هذه الزيارة، والخال لا يستطيع الحديث والمدير جالس. فهم الرجل أصول اللعبة وهو يعرف أطرافاً منها، فخرج من الغرفة وأقفلها عليهما، استجمع الخال شجاعته التي كادت تتداعى لفرط هدوء ابن شقيقته ونكاته الغريبة وسؤاله عن أقربائه، وتكلم الخال شارحاً ما دار بينه وبين الباشا. أنصت عدنان إلى خاله الذي يحبه، ثم رفع رأسه معاتباً بنظرة اثلجت وجه عبد الحميد وقال وهو يقبل خاله:" خالي انت لا تقبل بعد خمس سنوات من السجن أن اخون ربعي فقد اخترت طريقي وحسبك حبي لك وحبك لي". بكى الاستاذ عبدالحميد وهو يعانق عدنان ويغمغم :" كنت مضطراً إلى هذه الزيارة.. سوّد الله وجه نوري". وهنا ابتسم عدنان قائلا: "وأنا معك خالي في هذا".

ونتيجة لذلك تم تسفير الشهيد عدنان البراك وجمع من رفاقه إلى سجن نقرة السلمان الصحراوي. ويروي الرفيق عزيز سباهي في كتابه (عقود من تاريخ الحزب الشيوعي العراقي) الرواية التاليةعنه:" في سنة 1952 استطاع المواجهون تهريبراديو ترانسستور، قطعة قطعة، ركّبه سجين يهودي اسمه أدور. وتكفلنا أنا وعدنان البراك بسماع نشرات الأخبار، وكنا نعمل منها موجز نقرأه على رفاقنا....".

وهكذا حوّل الشيوعيون العراقيون السجن إلى ميدان لتعميق معارفهم وثقافتهم، وكان للشهيد عدنان البراك دوراً مميزاً بين رفاقه السجناء. ويصف شريكه في السجن ورفيق دربه الرفيق عزيز محمد قدراً من ذكرياته عن الشهيد في مكالمة تلفونية معه، حيث يقول:" ربطتني بالشهيد عدنان البراك علاقات متينة سواء في سجن بغداد أو في سجن نقرة السلمان أو في سجن بعقوبة، بسبب إعجابنا بإمكانياته وعلاقاته مع رفاقه. كانت عقليته وطرز تفكيره أكبر من سنه، فله قدرة على ايجاد الحلول للمشاكل وبموضوعية عالية. كان ديناميكياً، وشقت امكانياته وصفاته طريقها لتنال احترام وقبول الآخرين. في السجن كنا نقدّم ملاحظاتنا ونكتب مسودات لبيانات الحزب أو مقالات للجريدة السرية. وقد كان عدنان هو الذي يتولى تحريرها ثم كتابتها على ورق خفيف كي يسهل حشرها في لفافات السيجاير وأيصالها إلى الحزب خارج السجن. كان عدنان كتلة من الكفاءة الفكرية والصحفية، ويتمتع بكفاءة منقطعة النظير في الإعلام والصحافة

، بحيث كان الشهيد رحيم شريف رئيس تحرير اتحاد الشعب بعد ثورة تموز يحسب له ألف حساب في إدارة تحرير الجريدة. كانت هناك مجموعة من الرفاق في السجن، وهم كل من ابراهيم الحكاك وحسن عوينة وآخرين يتميزون بطاقات وقدرات استثنائية ويتشابهون في طبيعة تفكيرهم وصفاتهم الشخصية وسلوكهم. في كتابات عدنان البراك تلاحظ الرشاقة في التناول، حتى ولو كانت مقالات انتقادية، إلاّ أنها كانت تكتب بأسلوب يسهل على المعني القبول بهذه الانتقادات. كان عدنان يجد من السهولة بمكان وسيلة العثور على لغة مشتركة مع الذين يحملون أفكاراً أو سلوكاً أو وجهة نظر تختلف عن ما كان يحمله. لقد برز صدقه وتمسكه بالقضية التي آمن بها عندما تعرض للتعذيب البشع بعد انقلاب شباط 1963، وعندما طلب منه الانقلابيون الاعتراف!!. وكان يجيبهم، بماذا اعترف؟؟؟أنا رجل فكر. وهكذا كان الأمر بالنسبة لإبراهيم حكاك وغيرهم ممن كان مثلهم الأعلى الشهيد سلام عادل".

وفي كتابه المعنون "الحقيقة كما عشتها"، يشير الرفيق جاسم الحلوائي إلى نبذة عن معايشته للشهيد عدنان البراك في سجن بعقوبة، وإلى تمسكه بمبدأ الثقة التي يجب أن تسود بين الرفاق، ويقول" انتخبت عضواً في اللجنة الاقتصادية مع عدنان البراك وجاسم حمودي وكاظم فرهود، وكان الأخير مسؤولها. وأنيطت بي مهمة توزيع السكائر والتنباك (التتن). وكانت هذه  المهمة من أكثر المهمات حساسية في السجن نظراً لعدم توفر الكمية الكافية من السكائر أحياناً". ويستطرد الرفيق جاسم الحلوائي روايته في مكالمة تلفونية معه قائلاً:" كنا نستعين بالرفاق اليهود المحتجزين في قسم آخر من السجن حيث يقومون بشراءها بواسطة سجناء يهود عاديين، ثم نستلمها. وكان عدنان مكلف بالاتصال بالقسم المذكور. في أحد المرات حصلت شحة وأزمة حادة في السكائر، ووعدنا عدنان بتوفيرها. وكنت ألح على عدنان من أجل الحصول عليها، وعاتبته على تأخر وصول السكائر. وما أن قلت ذلك حتى انبرى قائلاً...إنني أستفسر منهم  يومياً، وإذا لا تصدق فرافقني إلى القسم كي تتأكد بنفسك من ذلك، فرفضت ذلك. وبعد فترة وبينما كنا نتخطى في باحة السجن، قال لي عدنان: لو وافقت على المجيء معي لأصبت بخيبة أمل كبيرة، لأن العلاقة بين الرفاق يجب أن تكون مبنية على الثقة المتبادلة. إن الموافقة على المجيءهو تعبير عن حالة انعدام الثقة بين الرفاق. لقد كان عدنان مكلفاً باختيار الموضوعات السياسية والأدبية من جريدة البلاد، التي كانت تصلنا بشكل سري، وكان يعيد كتابتها على شكل لفافة يمكن إخفائها بكف اليد ويجري تداولها سراً بين السجناء".

بعد الانتصار الذي حققه العراقيون في ثورة 14 تموز عام 1958، تلقينا توجيه من قيادة الحزب بالتوجه لاستقبال السجناء السياسيين الذين أطلق سراحهم من سجن بعقوبة. وعندما مشارف بغداد جرى اللقاء وبموجة من النشوة والاعتزاز بهذه النخبة التي قضت زهرة شبابها في غياهب السجون. وفي أثناء ذلك الحشد الكبير، جلب انتباهي شاب نحيف ينظر بهدوء وود إلى الجموع، وتعلو محياه تلك الابتسامة الدائمة التي لم تفارقه خلال كل لقاءاته اللاحقة معنا. وجرى التعرف على هذا السجين، إنه عدنان البراك. وتخلل ذلك اللقاء مع الشهيد قدر من النوادر التي مررها هذا القادم من سجن بعقوبة. وبعد أيام تمت الدعوة لعقد لقاءات مع قادة اتحاد الطلبة العراقي العام على مدرج كلية الطب في بغداد، بعد أن تحول نادي الكلية إلى المقر المؤقت للاتحاد. وحضر اللقاء جمع غفير من الطلبة من جميع كليات بغداد. وأدار اللقاء الرفيق عبد الرزاق الصافي، المسؤول عن نشاط اتحاد الطلبة قبل الثورة، وشارك في الحديث عدد من الكوادر الطلابية التي أطلق سراحها من السجن، ومنهم الفقيد مهدي عبد الكريم والشهيد عدنان البراك وآخرين حول الثورة والوضع الجديد ومستقبل اتحاد الطلبة ونشاطه.

 

وتحدث عدنان البراك في الاجتماع بلغة سلسة وبدون إطناب واستطراد وباختصار عن أهمية النشاط الطلابي المهني بحيث جذب حديثه الحضور.

وُجهت بعد ثورة تموز الدعوة لاتحاد الطلبة العراقي العام للمشاركة في المؤتمر الخامس لاتحاد الطلبة العالمي، المنوي عقده في شهر آب من عام 1958 في بكين – الصين الشعبية. وكان الاتحاد في تلك الفترة تلقى أيضاً دعوة من اتحاد طلبة عموم اليابان للمساهمة في المؤتمر الدولي لمناهضة الاسلحة النووية والهيدروجينية الذي انعقد في طوكيو 20-21 آب عام 1958. ومثل الاتحاد فيهذا المؤتمر عدنان البراك ولؤي القاضي.وقررت قيادة الاتحاد تشكيل وفداً من عدنان البراك وهاشم الأربيلي، وكانا للتو قد تحررا من السجن،وباسم مشتاق ولؤي القاضي للمشاركة في مؤتمر بكين، ويلتحق بهم ممثل اتحاد الطلبة العراقي العام  في اتحاد الطلبة العالمي رضا هويش وابراهيم اليتيم العامل في الدائرة الاعلامية للاتحاد العالمي. وعندما بادر الوفد التحضيرات للسفر، فإنه واجه عرقلة من قبل وزير التربية آنذاك بذريعة أن الاتحاد منظمة غير شرعية ولا تضم جميع الطلبة العراقيين..الخ من العراقيل التي وضعها هذا الوزير القومي. وأضطرت قيادة الاتحاد إلى اللجوء إلى مرافق الزعيم الشهيد وصفي طاهر بإجراء لقاء مع الزعيم من أجل تسهيل مهمة الوفد والسفر إلى الصين للمشاركة في المؤتمر. وبالفعل استقبل الزعيم أعضاء الوفد وبحضور رئيس الاتحاد الفقيد مهدي عبد الكريم. وكان اللقاء مثمراً، إذ أصدر الزعيم توجيهاته إلى الجهات المعنية لاتخاذ الإجراءات لتسهيل سفر الوفد. ويروي عضو الوفد باسم مشتاق في رسالة الكترونية قدراً من ذكرياته عن تلك الفعالية قائلاً:" ليس لدي في الحقيقة الشيىء الكثير عن الشهيد عدنان البراك سوى ما لاحظته خلال سفرتنا إلى الصين، وما يعرفه جميع معارفه عنه من الصفات الإنسانية و الرصانة والاعتداد بالنفس مع تواضع جم و فكر سياسيكان يفوق مستوياتنا جميعآ في ذلك الحين. غير أن حادثة لا زالت عالقة بذهني و هي أنه قد جرى نقاش بين اثنين من أعضاء الوفد حول طبيعة انتفاضة. فكان أحدهما يقول إنها انتفاضة لنصرة مصر و ضد العدوان الثلاثي الغاشم فقط. أما الرأي الآخر فيقول نعم.. إنها بدأت كذلك، و لكنها تطورت من خلال القمع الذي مارسته السلطة إلى انتفاضة ضد السلطة الغاشمة، وكانت في الحقيقة آخر تمرين شعبي قبل قيام ثورة تموز المجيدة. واحتدم النقاش، و كنت ألاحظ أن الشهيد عدنان كان صامتاً، ثم أنهى النقاش أخيرآ و بصوت هادئ ولهجة مؤثرة مؤيداً الرأي الثاني، و انتهى النقاش على ذلك. أذكر هذا لأنها جزء مما علق بذهني حول شخصية الشهيد عدنان و تأثيره على الآخرين.

بعد ثورة تموز دارت في ذهن عدنان البراك فكرة العودة إلى الدراسة في الكلية الطبية، ولكنه تراجع عن ذلك بأمل الشروع في الدراسة في كلية الحقوق. إلاّ أن جاذبية الأحداث التي أعقبت تموز والمهام المتشعبة التي أنيطت له من قبل قيادة الحزب، حالت دون تحقيق حلمه باتمام الدراسة الجامعية والحصول على شهادتها. وهكذا انغمر بشكل مكثف في المهنة التي عشقها والتي أبدع فيها، ألا وهي مهنة الصحافة والعمل الإعلامي، إضافة إلى النشاطات الأخرى. وتوزع نشاطه الإعلامي بين صحيفة "اتحاد الشعب" التي أجيزت في مطلع عام 1959. ومن الجدير بالذكر أنه واصل العمل أيضاً في الصحف الاخرى. فقد عمل الشهيد عدنان في صحيفة الرأي العام التي كان يصدرها الجواهري وصحيفة صوت الأحرار حيث كان يحرر افتتاحياتها. وتولى الإشراف على مجلة 14 تموز لصاحبتها المحامية نعيمة الوكيل، وعمل في جريدة الحضارة لصاحبها الاستاذ محمد حسن الصوري. وكان يكتب كل المقالات بدون تذييلها باسمه أو تذييلها بأسماء مستعارة. كما كان يحرر يومياً التعليقات السياسية اليومية بعد نشرة الأخبار الرئيسية للاذاعة العراقية بعد ثورة تموز. ولعبت هذه التعليقات دوراً مؤثراً في رفع وعي المستمعين وحماسهم، خاصة وإنها كانت تذاع من قبل المذيع المتمرس حافظ القباني بصوته الجهوري. وواصل عدنان البراك العمل في كتابة التعليقات السياسية إلى أن قام الزعيم بتغيير سياسته في منتصف عام 1959، فأُبعِد المقدم سليم الفخري من منصبه، المدير العام للإذاعة والتلفزيون، وأبعد عدنان البراك، المعلق الرئيسي في الإذاعة، ثم عيّن الشاعر كاظم السماوي مديرا عاماً  للإذاعة والتلفزيونً.

إن دوره في تحرير "اتحاد الشعب" كسكرتير تحرير كان مثار تثمين الجميع. ويتحدث الفقيد زكي خيري عن ذلك في كتابه المعنون (صدى السنين في ذاكرةشيوعي مخضرم) قائلاً:" وكان من انشط المحررين رحيم شريف عضو اللجنة المركزية وعدنان البراك، وكان شاباً مثقفاً أشغل دوره بكفاءة كسكرتير تحرير. وكان جريئاً في نقده الصارم لمن فوقه أو بمستواه حزبياً إلى حد أنه كان يخجلهم عندما يقصرون في عملهم. ولولا صراحته لما بلغت الجريدة المستوى الذي بلغته بحيث أصبحت في مقدمة الصحافة العراقية إن لم أقل العربية...".

 

ويروي الصحفي عبد الرزاق الصافي  في كتابه " شهادة على زمن عاصف وجوانب من سيرة ذاتية" ذكرياته عن تلك الفترة قائلاً:" ومن النشطاء في الكتابة في الصحف أيضاً الرفيق الشهيد عدنان البراك، وإن كان يكتب في كثير من الأحيان، بدون أن يوقع. كان يكتب لأنه يظهر باسم الجريدة التي تنشر مقالاته، أو بأسماء شخصيات سياسية تتبنى المقالات..... وكان يكتب في جريدة اتحاد الشعب التي صدرت في 25 كانون الثاني عام 1959، وكان يساهم في تحريرها عزيز الحاج وشريف الشيخ وعبد الجبار وهبي (أبو سعيد) وبديع عمر نظمي وعزيز سباهي وسعدي يوسف وسعدي الحديثي ورشدي العامل ويوسف متي وابراهيم علاوي ومحمد سعيد الصكار وجعفر القاضي ومحمد طاهر نسيم وابراهيم الحريري وشمران الياسري، وكان داينمو الجريدة وسكرتير تحريرها الرفيق عدنان البراك".

ويروي الكاتب والفنان عبد الله حبه بعض من ذكرياته مع الشهيد عدنان البراك أثناء عمله في "اتحاد الشعب" بعد ثورة تموز قائلاً:" عرفت عدنان قبل أن نتصاهر عائلياً، حيث عملت معه في جريدة " اتحاد الشعب " في قسم صفحة الادب والفن. وكانت مجموعة تحريرها تضم أيضا غائب طعمة فرمان وعبدالمجيد الراضي في صفحة الأدب، وكنت اتولى الكتابة عن النشاطات الفنية. وتولى عدنان مهمة الاشراف العام على الصفحة باعتباره سكرتيراً للتحرير. علماً أنه قلما كان يتدخل في فرض مادة ما لنشره، وغالبا ما كان يلتزم الصمت حين نتبادل الاحاديث حول صفحة العدد القادم للجريدة. وغالبا ما كان يعرب عن استحسانه فقط  عند تناول هذا الموضوع أم ذاك ويقدم الاقتراحات المفيدة لنا.كان عدنان نحيف البنية ولا تفارق الابتسامة وجهه حتى في اصعب الظروف ، كما بقي قليل الكلام واذا ما تناول موضوعا ما فكان يوجز في عباراته بشكل يبعث على الدهشة قياسا الى ماكان يتسم به زملاؤنا الآخرون في الصحيفة. ويبدو ان هذا الطبيعة لازمته منذ ان امضى في السجن عشر سنوات (1948 – 1958 ) كانت من ضمنها فترة طويلة في السجن الانفرادي. وقد لاحظت في خلال العمل معه إنه مقل في كل شئ وليس في الكلام فقط، بل وفي الطعام حيث لم يكن يتناول إلاّ القليل مما كان يجلب إلينا في الجريدة من المطاعم المجاورة. وحتى الشاي لم يدمن عليه، ناهيك عن التدخين أو شرب الخمرة. وتولد لدي انطباع بأنه ناسك وراهب بكل معنى الكلمة".

إن العمل الصحفي المضني، لم يبعد الشهيد عدنان البراك عن أداء مهمات أخرى كان الحزب يكلفه بها. ففي أوج الدسائس والمؤمرات التي كانت تحاك من قبل التيار القومي المتطرف وفي المقدمة منه حزب البعث، كانت قيادة الحزب تعول على الرفاق الذين لديهم الحكمة والمرونة اللازمة من أجل تجنب الصدامات والاستفزازات. ويروي الرفيق عبد الرزاق الصافي في كتابه "شهادة على زمن عاصف وجوانب من سيرة ذاتية": " بعد ثورة تموز واثناء الاحتكاكات التي كانت تجري بين التيارات السياسية . ففي أثناء استقبال كمال الدين حسين، أحد

المسؤولين المصريين، أرسلت قيادة الحزب الرفيق عدنان البراك ألى مكان الحادث كي يجري وقف النزاع". ثم يستطرد قائلاً:"كنت عند انسحابنا من المطار أقف عند محطة الباص المقابل للمتحف الوطني العراقي، فلمحت الرفيق عدنان ينزل من تاكسي جاء به إلى المنطقة مرسلاً من قيادة الحزب لتداركالوضع ومنع تطور الاحداث بالتعاون معنا. وسألني عما جرى، فشرحت له باختصار ما جرى". كما لم يفوت الشهيد فرصة المشاركة بالاحتفالات الجماهيرية التي عمت جميع المدن العراقية بعد انتصار تموز المدوي.

يُجمع كل فرد من أفراد عائلته، أو من التقى به في السجون أو بعد إطلاق سراحه بعد ثورة تموز، ومنهم كاتب السطورأ أن الشهيد عدنان البراك شخصية شفافة ولطيف المعشر، ويغني بمعلوماته وخبرته ولطفه مع محاوريه. وكان في العائلة " ملجأنا الموثوق الوحيد عند اختلافنا مع أبينا، وعند غضبه لحرصه علينا ؟. كان السبّاق لمساعدتنا في كل محنة مرّت بها عائلتنا حينها ....... من محاولة قتل ابينا، إلى تشريدنا . بعد أن بدأوا بحرق دارنا بغياب والدنا .."، كما يشير إلى ذلك ابن عمه الدكتور مهند البراك. إن تمسكه بوعي ومصداقيته هي التي دفعت أفراد أسرته إلى تقديم دعمها للحزب الشيوعي العراقي وللحركة الوطنية العراقي في الظروف الحرجة. فشقيقه الفقيد يعرب البراك كان ينتهز أية فرصة لمد يد المساعدة، فهو الذي جمع العصي والهراوات كي يتم مواجهة تصدي الشرطة للمظاهرة التي دعى إليها الحزب الشيوعي للتضامن مع الشعب المصري بعد العدوان الثلاثي في خريف عام 1956. ويروي الرفيق عبد الرزاق الصافي عن يعرب البراك في كتابه "شهادة على زمن عاصف":" قبل ثورة الرابع عشر من تموز كبست شرطة التحقيقات الجنائية المطبعة السرية التابعة للحزب الشيوعي العراقي التي تطبع جريدة "اتحاد الشعب السرية"....في تلك الأيام جاءني المرحوم يعرب البراك، وكان على صلة بي،وقال سأدبر كليشة لاتحاد الشعب. قلت له من أين؟ قال من أحد محلات الزنكراغراف التي تصنع الكلايش. قلت إن هذه المحلات تحت رقابة الأمن، ولا تصنع كليشة من دون اخبار دائرة الأمن بذلك. وانك ما أن تقدم طلباً كهذا سيجري اعتقالك متلبساً بـ "الجرم" المشهود والحكم عليك بأنك على علاقة بالجريدة السرية. قال مـ ...معليك آ....آني أدبرها! ، كان يتأتأ.

وكانت خطته هي التالية: ذهب إلى مديرية الدعاية العامة، وقدم طلباً لتزويده بوثائق الاتحاد الهاشمي، بحجة إنه يريد إصدار كراس عنه. وأخذ وصلاً يثبتتقديم الطلب. ولفق عناوين للكراس من قبيل (اتحاد العراق والأردن) و (الشعب العراقي في ظل الاتحاد)..وغيرها من  العناوين. وعند انجاز الكلايش، وكلها بخط واحد، يمكن قطع كلمة "اتحاد"من العنوان الأول ووضعها مع (الشعب) من العنوان الثاني للحصول على كليشة (اتحاد الشعب)". وقد لقى الفقيد يعرب البراك حتفه في ظروف غامضة في العاصمة الجيكوسلوفاكية براغ التي لجأ إليها بعد استشهاد أخيه عدنان على يد انقلابيي شباط.

استشهد عدنان البراك في 9-10/اذار 1963  بعد دفنه حياً في قبر جماعي مع مجموعة من الشهداء في قبر مجهول خارج بغداد ويقال في الحصوة وكان عددهم 37 رفيقاً، وقامأوباش من أفراد الحرس القومي التابع لحزب البعث وبقرار و إشراف قادتهم حينذاك"، ومنهم عبد الرحيم شريف ونافع يونس وابراهيم الحكاك وصاحب احمد الميرزا وعبد الخالق البياتي وعلي الوتارومهيب الحيدري وفيصل جاسم حمادي الحجاج وآخرون. ويشير شريكه في الأسر باسم مشتاق:"لا يفوتني أن أذكر بشجاعة الشهيد و هو يسير بثقة وشموخ عندما سيقوا مع كوكبة لامعة من الرفاق من قصر النهاية الى ميدان الإعدام  على يد مجرمين". هذه المجازرالتي ابتدعها البعث في بلادنا، ومازال العراقيين يتعرضون لهذه الممارسات الوحشية من قبل فلول البعث حتى الآن، والتي كانت تتبجح بممارستها زمر هذه الشرذمة كما جاء على لسان صالح مهدي عماش الذي بشّر جمال عبد الناصر في لقاءه بعد انقلاب 8 شباط عام 1963: "إن البعثيين قد حصدوا أربعة آلاف شيوعي!!"، دون أن يستنكر جمال عبد الناصر هذه الممارسات الوحشية.

اقترن الشهيد عدنان البراك بعد ثورة تموز بشريكة حياته السيدة سهيلة حمودي حسن السعدي، ورزقا بابنهما الوحيد مازن عدنان  البراك.

إن واقع الحال الخطير الذي تكرس في العراق قبل وبعد انقلاب شباط، وبات يهيمن في البلاد على يد البعثهو تأليه العنف والبطش وتهميش وشطب كل من لا يتفق معه والقيام بأعمال التهجير وأبادة المكونات العرقية والبطش بعوائل المعارضين سواء بذرائع قومية متطرفة تارة، أو بدوافع دينية إسلامية متطرفة كما يجري الآن على يد أسلافهم بواجهة داعشية.  وعلى هذا النهج لم تنج عائلة

                           

الشهيد عدنان البراك من هذه العاصفة الصفراء. فبعد عودتهم إلى الحكم بدعم خارجي من جديد، وبعد مرور قرابة عشرين سنة على جريمة 8 شباط واستشهاد عدنان البراك، عاود نظام الأجرام إلى ممارساته ليعرّض أفراد من عائلة الشهيد إلى نفس المصير، لتُنكب العائلة من جديد بفلذات أكبادها وتتعمق جروحها. ففي ليلة سوداء جرى خطف ابنة عم الشهيد الشهيدة البطلة شذى عبد الرحمن البراك وأبن شقيقته سميرة الشهيد محمد قاسم حبه ليلقيا نفس المصير المأساوي على يد هؤلاء البرابرة، وليُحرم العراق من جديد من شبيبة كان يمكن لها بحيويتها وذكائها واستقامتها أن تمد يد العون لاعمار هذا البلد الذي نكب بالدمار ونزيف الدم.

تموز 2015

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.