اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• في الذكرى الثلاثين لاندلاع لهيب الحرب العراقية – الإيرانية - تتمة / صفحة 2

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 
 مسؤولية القوى الإقليمية والدولية

 

إن كلاَ من العراق وإيران يتمتعان بكل مقومات النهوض العصري والحضاري ومواكبة التنمية الحديثة نظراً لتوفر مصادر في كلا البلدين تؤمن قيام زراعة متطورة أو تطور صناعي، بسبب تمتعهما بموارد مائية كبيرة وأراضي خصبة واسعة وتنوع في المناخ شمالها وجنوبها، إضافة إلى ما تكتنزه بواطن البلدين من مصادر كبيرة للطاقة كالنفط والغاز. ويتمتع البلدان بطاقة بشرية وعمق حضاري يجعل كلا الشعبين قادرين على بناء البلدين وبسرعة في حالة توفر ظروف الاستقرار والإدارة الحكيمة. ولكن أمام هذه الإمكانيات الهائلة في التحديث والتنمية هناك عاملان سلبيان وقف على الدوام في العصر الحديث أمام تبوء البلدين مكانة على سلم التطور والتحديث. العامل الأول هو داخلي يتمثل في وجود قوى الردة والرجعية التي وقفت على الدوام ولحد الآن أمام قوى الحداثة والتنوير، إضافة إلى القوى الخارجية والإقليمية التي وقفت على الدوام كداعم لقوى الردة في الداخل. وهكذا أجهضت أول ثورة ديمقراطية في آسيا هي ثورة المشروطة في عام 1905 على يد الجناح الرجعي الديني وبدعم من قبل الاستعمار البريطاني. ثم أحبطت حركة التأميم في بداية الخمسينيات والتي تزعمها القائد الوطني محمد مصدق على يد قوى الرجعية والتطرف الديني التي عملت وبدعم من المخابرات الأمريكية المركزية على عودة الشاه والارتداد على حركة التأميم الديمقراطية. ولا يختلف مصير الثورة الشعبية الإيرانية عن هذا المصير بعد أن توفرت الظروف لقوى الردة والرجعية بالالتفاف على الثورة وقيمها الوطنية والديمقراطية، وفرض استبداد ديني يسير على الضد من حركة التنوير والحداثة.

 ولا يختلف تاريخ العراق من حيث المنحى العام وليس بالتفاصيل عن تاريخ الشعب الإيراني، حيث أحبطت ثورة العشرين وجرى تصفية القدر المحدود من الحريات الديمقراطية إثر الانتصار على الفاشية والذي انتهى بحملة شريرة على القوى الديمقراطية العراقية وتتوجت بشنق قادة الحزب الشيوعي العراقي، وفتحت السجون لقوى الحداثة والتنوير بدون وجود أية أسباب تبرر هذا الفعل الشنيع. وبعد أن تسنى للشعب العراقي وبدعم  من القوى الوطنية في الجيش للخلاص من النظام شبه الإقطاعي والتابع للمصالح البريطانية وفتحت الأبواب أمام مستقبل نير للعراقيين تجمعت قوى الردة في الداخل وتحت واجهات دينية وقومية متطرفة وبدعم من كل دول الجوار لإرجاع "الحصان الجامح" إلى مكانه كما كانوا يسمون ثورة تموز  في حمامات دم تتوجت بالانقلاب المريب الدموي في 8 شباط عام 1963. وهكذا حرم العراقيون من حلمهم في بناء دولتهم العصرية، واستمرت هذه السحابة السوداء حتى تمت الإطاحة بنظام الردة في 9 نيسان عام 2003، وعلى يد تلك القوى التي لم تتحمل ردة حكام العراق على من أغدق عليها الدعم لسنوات طويلة.

لقد استخدمت شتى الأساليب ضد الشعبين، وكانت أبرزها هذه الحرب العبثية الدموية التي استمرت ثماني سنوات وسحقت وأزهقت مئات الألوف من شبيبة كلا البلدين وبدون جدوى. فالحرب لم يكن لها أن تندلع فقط بسبب هوس ومغامرات صدام حسين أو بسبب مناوشات حدودية كانت تحدث على الدوام بين البلدين، وخاصة بعد ثورة تموز 1958، دون أن يجرأ أحد على إشعال فتيل الحرب لإداراكهم بعواقبها. إن هناك عناصر إقليمية ودولية ساهمت في إشعال فتيل هذه الحرب وعملت على استمرارها كل هذه السنوات العجاف وذلك من أجل تحطيم البلدين وارتهان مقدراتهما.

لقد كان من الممكن أن توقف الحرب لو اتخذ قرار صريح من مجلس الأمن الدولي، وتطبيق كامل لقراره الخاص بوقف الإمدادات العسكرية لكلا الطرفين المتحاربين، وهو ما لم تلتزم به كل الدول الإقليمية والدولية. وكان من الممكن وقف الحرب لو تخلا طرفا الحرب عن هوس الحرب وجنونها. ففي الأيام الأولى من الحرب طالبت قوى وطنية معارضة للحكم في العراق بسحب القوات العراقية من الأراضي الإيرانية تجنباً لإراقة الدماء ولعواقب مدمرة تواجه البلاد. ولكن صدام حسين طرح شروطاً تعجيزية لا علاقة لها بوقف الحرب ولا بالعراق مثل تخلي إيران عن جزر طنب الكبرى والصغرى وابو موسى التي تتعلق أصلاً بدولة الإمارات. وكذا الحال بموقف حكام إيران الذين استهوتهم النجاحات التي أحرزوها في أخراج قوات صدام من المحمرة في نهاية 26 مايس عام 1982 لتصل إلى الحدود الدولية. الأمر الذي دفع الحكومة العراقية إلى عرض مبادرة لوقف إطلاق النار في حزيران 1982 واللجوء إلى التحكيم للوصول إلى حل للنزاع بين البلدين، وقد أعلنت الحكومة العراقية في 20 حزيران 1982 عن عزمها سحب الجيش العراقي من الأراضي الإيراني خلال 10أيام وتم الانسحاب فعلاً في 30 حزيران. رفضت الحكومة الإيرانية المبادرة العراقية واشترطت شرطاً تعجيزياً أن تدفع الحكومة العراقية 150 مليار دولار كتعويضات وأن يحاكم صدام حسين أمام محكمة دولية باعتباره المسؤول عن نشوب هذه الحرب وان تعطى القوات الإيرانية الحق بالعبور من خلال العراق للاشتراك في القتال الدائر في لبنان. ورفضت الحكومة الإيرانية كل دعوات القوى الديمقراطية الإيرانية بوقف الحرب ، واعتبرت أن الاستمرار في الحرب هوفخ بتعارض مع مصالح الشعبين الإيراني والعراقي. ونتيجة لذلك شنت الحكومة حملة شرسة ضد هذهالقوى بما فيها حملا إعادام طالت المئات من الوطنيين الإيرانيين.

إن عقلية هوس الحرب والعنف والتوسع عند الطرفين المتحاربين لا بد وأن استغلت حتى قبل بدء الحرب لجر البلدين إلى طاحونة التدمير الذاتي من قبل أوساط خارجية لا تريد الاستقرار في المنطقة ولا التنمية والازدهار للشعبين الجارين. إننا لو راجعنا الفترة التي سبقت هذه الحرب لوجدنا وثيقة تم العثور عليها في السفارة الأمريكية في طهران بعد اقتحامها من قبل الطلبة الإيرانيين، هذه الوثيقة الموقعة من قبل مستشار الأمن القومي الأمريكي زبيغنيو برجينيسكي، والتي تشير إلى أن على الولايات المتحدة البحث عن قوة تردع الحكم الجديد في إيران بعد الثورة. ويشير برجينيسكي فيها إلى أمكانية الاستفادة من طموحات صدام حسين لهذا الغرض. وعلى هذا الطريق بادرت الإدارة الأمريكية بتقديم المعلومات اللازمة للحكومة العراقية لبدء الحرب حتى قبل نشوبها. وهذا ما أشارت إليه مجلة جون أفريك الفرنسية في مقالة لها نشرت في التاسع من حزيران عام 1982 حيث جاء فيها :" أن حكام السعودية قبل شهر من اندلاع الحرب، وعند استقبالهم لصدام حسين، قدموا له هدية ملكية هي معلومات مفصلة من الأجهزة السرية الأمريكية حول الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية والعسكرية الإيرانية.واحتوت هذه المعلومات على تفاصيل دقيقة حول الجيش الإيراني وعدده وتجهيزاته ومواقع استقراره ومعلومات سرية أخرى تهيئ الظروف لعمل عسكري ضد إيران".

لقد تبارت كل دول المنطقة تقريباً كي يستمر نزيف دم الشعبين واستمرار هذه الحرب المجنونة خلافاً لقرارات مجلس الأمن الدولي لوقف الدعم  للطرفين المتحاربين. فقد دفعت دول الخليج الحكم في العراق وأمدته بكل ما يؤدي إلى استمرارها. ففتحت الكويت موانئها حيث كانت تعبر ما بين 500 إلى 1000 شاحنة ثقيلة يومياً. وفي نيسان عام 1981 أقرضت الكويت الحكومة العراقية  2 مليار دولار بدون فوائد بعد قرض قدمته في خريف عام قبله بلغ 2 مليار دولار. وتشير المصادر الاقتصادية الكويتية أن الكويت قدمت أراضيها وأموالها لصالح حرب صدام. ففي خلال الحرب قدمت الكويت مبالغ نقدية قدرت بقرابة 15 مليار دولار كقرض بدون عوض إلى حكام العراق، إضافة إلى المنتجات النفطية الكويتية التي صدرتها إلى العراق. ودخلت الكويت عملياً في آتون الحرب عندما سخرت قاعدتها الجوية الحربية " علي السالم" لخدمة القوات الجوية العراقية طوال سنوات الحرب من أجل توجيه الضربات المؤثرة على منشئات النفط الإيرانية. وقدمت العربية السعودية قرضاً للعراق بلغ 10 مليار دولار في نهاية عام 1981، إضافة إلى قروض قدمتها إمارة أبو ظبي ورأس الخيمة بلغت 1 إلى 3 مليار دولار. ومن الناحية الأخرى زودت ليبيا إيران بدبابات سوفيتية. وأنهت في صيف سنة 1981 أول مجموعة من طواقم الدبابات الإيرانيين تدريباتهم في الصحراء الليبية وبعد فترة قصيرة من رجوعهم شحنت ليبيا 190 دبابة سوفيتية إلى ميناء بندر عباس في إيران. وبحلول ديسمبر 1981 كان قد وصل إيران من ليبيا 300 دبابة سوفيتية من طراز T-54  وT-55  و T-62 . وتلقى 250 جندي إيراني تدريباتهم في ليبيا. وباعت ليبيا إلى إيران صواريخ مضادة للجو من طراز سام 6 السوفييتية.

وخلال عقد الثمانينيات من القرن الماضي قامت مصر ببيع السلاح إلى العراق. ويشير الباحث الأمريكي آلن فريدمن إلى أن :" الحكومة المصرية باعت إلى العراق ما مقداره 3.5 مليار دولار. ووافقت الحكومة المصرية على العمل المشترك مع الحكومة العراقية لتطوير صواريخ بلاستيكية وصواريخ كندور 2. وقامت الحكومة المصرية بدور الوسيط لشراء معدات عسكرية من دول حلف الناتو وتسليمها إلى الحكومة العراقية. وتولت الحكومة السودانية تأمين الإمدادات البشرية لسد حاجة الحكومة العراقية من القوة البشرية بعد الخسائر التي مني بها الجيش. ففي أواسط كانون  الأول من عام 1982 أرسل جعفر النميري مئات الجنود السودانيين إلى العراق، وتم فتح مراكز للتطوع في العاصمة السودانية ومدن أخرى لتسجيل المتطوعين وإرسالهم إلى جبهات القتال في البوابة الشرقية" كما كانوا يسمونها. ويؤكد وفيق السامرائي على قيام بعض الدول العربية بإرسال جنودها إلى العراق ويقول:" إن اليمن أرسلت لواء العروبة من المشاة إلى العراق. وقامت الحكومة الأردنية بإرسال لواء اليرموك. وأحتشد المتطوعون السودانيون على طول جبهة القتال في محافظة ميسان. وفي هذا الإطار لم يتردد حتى العاهل الأردني من قذف ععد من القاذفات من المدافع البعيدة المدى عند زيارته لحبهة القتال بصحبة صدام حسين، بما يعني تحول هذه الحرب العبثية إلى حرب عربية - إيرانية خلافاً لمصالح العرب والإيرانيين على حد سواء.

  أما الولايات المتحدة الأمريكية فعلى الرغم من أنها قد فرضت حظراً على صادرات السلاح لإيران، إلا انها باعت السلاح سراً عن طريق إسرائيل وهو ما عرف لاحقاً باسم قضية إيران - كونترا. وتضمنت الأسلحة التي بيعت من الولايات المتحدة لإيران عن طريق إسرائيل صواريخ تاو مضادة للدروع وقطع غيار لبطاريات إم آي إم-23 هوك وصواريخ هوك مضاد للطائرات. وباعت إسرائيل من مخزونها العسكري لإيران ذخائر وقطع غيار بقيمة تتراوح بين50  إلى 70 مليون دولار عن طريق تجار سلاح خاصين خلال أعوام 1981 و 1982. وشملت الأسلحة التي بيعت لإيران على 150 مدفع أمريكي مضاد للدروع نوع إم-40 مع 24,000 قذيفة لكل مدفع، وقذائف عيار 106 ملم 130 ملم 203 ملم 175 ملم، وصواريخ مضادة للدروع بي جي إم-71 تاو وقطع غيار لطائرات ودبابات. كما أشترت إسرائيل ذخائر وقطع غيار بقيمة تتراوح من 50 إلى 100 مليون دولار من أوروبا الغربية لصالح وسطاء يعملون لإيران. ويشير الباحث الأمريكي  آلن فريدمان إلى أن:"الولايات المتحدة، وباقتراح من وليم كيسي مدير المخابرات المركزية، وضعت في سلم أوليات سياستها في الشرق الأوسط تزويد الحكومة العراقية بالقنابل العنقودية لمواجهة الموجات البشرية الإيرانية والتي من شأنها تأمين القدرة العسكرية للجيش العراقي وتحقيق خسائر جسيمة بالخصم الإيراني".  ولهذا الغرض، وعلى حد قول آلن فريدمان، تم الاتصال بكارلوس كاردوئن مدير مصانع كاردوئن الحربية لتزويد الحكومة العراقية بالقنابل العنقودية عن طريق تشيلي وبتدخل من ديكتاتور تشيلي بينوشيت. ولم يقتصر دور الإدارة الأمريكية على ذلك بل قدمت خدمات قيمة للحكومة العراقية تتضمن معلومات عسكرية حول حركة القوات الإيرانية بواسطة الأقمار الصناعية وطائرات الأواكس التي تستخدم القواعد الجوية السعودية. ولهذا الغرض تم تأسيس مجمع في بغداد كي يستلم هذه المعلومات والتصاوير الجوية عن طريق الأقمار الصناعية الأمريكية. ويشير وفيق السامرائي، ضابط المخابرات العسكرية العراقية إلى ذلك قائلاً:"إن هذه التصاوير كانت من الدقة بمكان بحيث أننا نستطيع بدقة نراقب حركة الجنود والمصانع والحافلات ونتائج الحملات الجوية والصاروخية". وطبق العمليات التي كانت تديرها وكالة المخابرات المركزية فإن الطيارين العراقيين كان بإمكانهم الاتصال بالضباط الأمريكان على متن السفن الحربية الأمريكية في الخليج. ويشير أحد الضباط المتقاعدين الأمريكان إلى أن:"الهدف من ذلك هو تقديم الدعم للحكومة العراقية كي تستطيع الطائرات العراقية قصف ناقلات النفط والسفن التجارية". وأمتد الأمر إلى عقد صفقات مع مؤسسات أمريكية لتزويد العراق بالمواد السامة، فقد أشارت شبكة أي بي سي الأمريكية بعد الحرب إلى أن صدام حسين أشترى من شركة أمريكية تدعى "آل كولاك" في مدينة باتيمور بيتش 500 طن من مادة كيميائية تسمى "فيودي كليكول"، التي من شأنها بعد خلطها بحامض الكلوريك أن تتحول إلى غاز الخردل السام.

إن موقف الولايات المتحدة تجاه الحكومة العراقي تجاوز الدعم العسكري والاستخباري إلى الموقف الدبلوماسي. ففي 14 آذار عام 1984 أوعزت الإدارة الأمريكية إلى ممثليتها في الأمم المتحدة أن تطلب من جميع حليفاتها في المؤسسة الدولية أن تمتنع عن تأييد أي قرار يدين الحكومة العراقية جراء استخدامها السلاح الكيمياوي على نطاق واسع في الحرب. ويشير ريجارد مورفي في هذا الخصوص إلى أنه "مادام العراق يستخدم هذا السلاح في نطاق محدود فإن ذلك يمكن تبريره"!!. علماً أن الولايات المتحدة والعراق هما من الموقعين على بروتوكول عام 1925 القاضي بتحريم استخدام السموم في الحرب، والذي صدر بعد الحرب العالمية الأولى وبعد استخدام الجانب الألماني للسموم في تلك الحرب. ومن الطريف هنا الإشارة إلى أن أعراف قدامى اليونانيين والرومان قضت باحترام حظر استخدام السموم والأسلحة السامة.في الحروب أما في الهند وفي عام 500 قبل الميلاد، كانت قوانين "مانو" المتعلقة بقيادة الحرب تحظر استخدام مثل هذه الأسلحة.

كما باعت الصين 100 طائرة F-6 لطهران سلمت ما بين سنتي 1981 و 1982[.  وفي آذار عام 1982 زار وفد سوري العاصمة الإيرانية طهران برئاسة وزير الخارجية عبد الحليم خدام، وقعت خلال الزيارة عدة اتفاقيات لتصدير 9 ملايين طن سنوياً من النفط الإيراني إلى سوريا، 2,7 مليون طن تحت شروط مقايضة والباقي يدفع نقداً بينما ستستورد إيران من سوريا ما بين300,000  إلى 400,000 طن من الفوسفات لمدة سنة واحدة. وبعد عام كشفت مصادر غربية أن سوريا كانت تستورد 100.000 برميل نفط يوميا بسعر مخفض من إيران بقيمة 28 دولار أمريكي و 20.000 برميل تحت شروط مقايضة و 10.000 برميل نفط مجاناً في الوقت الذي كان سعر برميل نفط أوبك الرسمي هو 34 دولار أمريكي. كل هذه التسهيلات كانت تهدف إلى تزويد إيران بما تحتاجه من المعدات العسكرية لتستمر في حربها. لقد تم خلال الزيارة أيضا إبرام عدة عقود سلاح لإيران تضمنت بيع مدافع 130 ملم هاوتزر، وذخيرة ومحركات دبابات ومدافع مضادة للطائرات. كما أوقفت سوريا في 10 نيسان من نفس العام خط الأنابيب العراقي المار في أراضيها. أما المملكة المتحدة فأرسلت لإيران جواً قطع الغيار اللازمة لدبابات تشفتين وللمدرعات الأخرى سنة 1985.

ولم يتخلف الاتحاد السوفييتي عن حمى بيع السلاح التي انتابت منتجي الأسلحة في العالم. فبعد فترة وجيزة من قرار الاتحاد السوفييتي بوقف أمداد الأسلحة وسحب المستشارين العسكريين من العراق، فقد عاد المستشارون العسكريون السوفييت في بداية عام1980، وعاود الاتحاد السوفييتي شحنه معدات حديثة من دبابات تي 72 وصواريخ سام 6 المضادة للجو، ليبلغ ما باعه الاتحاد السوفييتي إلى العراق قرابة 63% من مشتريات العراق من المعدات العسكرية وخلافاً لقرار الأمم المتحدة. وفي عام 1984، وقع العراق مع الأتحاد السوفيتي عقد تسليح بـقيمة 2,5 مليار دولار تضمن تسليم 30 طائرة ميج 25 وميج 23 و 200 دبابة تي-62 و 100 دبابة تي-72. وسار على نفس الطريق حلفاء الاتحاد السوفييتي.ففی شباط عام 1981 کشفت تقاریر استخباراتیة غربية عن ارسال بولندا 100 دبابة تي-55 للعراق عبر الأراضي السعودية.

وتسابق تجار السلاح في العالم كله من أجل جني الأرباح من هذه الحرب التي ألحقت الدمار بالشعبين. فبادر تجار السلاح في فرنسا إلى تسليم بضائع الموت إلى العراق خلافاً لقرار الأمم المتحدة. فقد تسلمت الحكومة العراقية في كانون الثاني 1981 أولى طائرات ميراج إف-1 البالغ عددها 60 طائرة التي كانت بغداد قد تعاقدت عليها قبل الحرب. ثم بادرت الحكومة الفرنسية إلى بيع خمسة طائرات متطورة من طراز "سوبر ثندر" مجهزة بصواريخ فعالة من طراز "اكزوست"إلى الحكومة العراقية. واستمر بيع السلاح الفرنسي بحيث تحولت إحدى قواعد الناتو في فرنسا إلى محطة لصادرات ضخمة للسلاح من قبيل الصواريخ والقنابل العنقودية والتجهيزات الرادارية. وجهزت مصانع الأسلحة الفرنسية العراق بقنابل هاون متطورة بلغت قيمتها 6.1 مليار دولار ومخصصة لمواجهة الكتل البشرية الإيرانية على طول الجبهة الجنوبية. وتم التوقيع من قبل وزير الخارجية العراقية على عقد مع  بريطانيا في شباط عام 1982 لتصليح 50  دبابة إيرانية من طراز تشيفتون، والتي استولت عليها القوات العراقية في بداية الحرب.

وعلى هذا المنوال انخرطت دول أخرى في ترويج بضاعة الموت. ويشير الباحث الأمريكي آلن فريدمان إلى أن الحكومة العراقية استطاعت الحصول على 9 مليون لغم ضد المقاتلين بدعم من بنك "لاوورو" الإيطالي بقيمة 25 مليون دولار، هذه الألغام من صنع شركة "والسلا" التي تمتلك نصف أسهمها شركة فيات. ووقعت الحكومة العراقية عقداً مع شركة "سيكسكو" البلجيكية وبقرض من الحكومة البلجيكية لبناء 800 خندق على عمق 50 متراً تحت الأرض لإخفاء الطائرات الحربية العراقية. وتولت الشركات الألمانية الغربية مهمة توسيع بناء الأسلحة الكيمياوية في العراق. فقد قامت شركة "كارل كولمب"  ببناء 6 خطوط لتوليد الأسلحة الكيمياوية في سامراء بدء من عام 1983 وحتى عام 1986، والتي كانت تنتج غاز الخردل وحامض البروسيك وغازات السارين والتابون والتي تم شحنها في الصواريخ وقنابل الهاون، هذه المؤسسة التي تعد أكبر مؤسسة لإنتاج الأسلحة الكيمياوية. وأشارت مجلة شبيكل الألمانية في هذا الصدد أن ألمانيا احتلت المرتبة الأولى في تزويد الحكومة العراقية بالمعدات والخبرة، علاوة على ما قدمته الولايات المتحدة من دعم في إنتاج السلاح البيولوجي والكيمياوي، في انتاج هذا النوع من الاسلحة المحرمة دولياً. وكشفت مجلة التايم الأمريكية عن ضلوع إسبانيا أيضاً في مساعدة الحكومة العراقية في إنتاج هذا النوع من الأسلحة. فقد كشفت بعثات الأمم المتحدة عن أن شركات إسبانية كانت المصدر الأساس في تأمين حاجات العراق من أغلفة القنابل الكيمياوية وصواعقها. وعملت الحكومات الفرنسية والسويسرية والبرازيلية على دعم طموحات الحكومة العراقية في بناء مشاريع لانتاج السلاح النووي في العراق.

ولابد من الإشارة إلى أن بعض تيارات المعارضة في كلا البلدين كانوا يعولون على الحرب في إحداث تغيير والأطاحة بنظام البلدين. وأرتكبت بعض فصائل المعارضة خطأ فادحاً في المساهمة الفعلية في هذه الحرب العبثية بدلاً من الدعوة والضغط من أجل إيقافها ةإنقاذ الشعبين من شرور هذه الحرب، كما حصل بالنسبة لمنظمة مجاهدي خلق التي التحقت بقوات صدام في العمليات العسكرية  من ناحية، ومن الناحية أخرى المجلس الإسلامي الأعلى الذي شكل فيلق بدر كي يشارك في هذه الحرب المدمرة. ولكن خاب ظن هذه الأطراف حيث استفحل الاستبداد في كلا البلدين.

من كسب هذه الحرب؟

يحلو لكلا طرفي الحرب بالحديث عن النصر، وأي نصر. فحكام العراق سارعوا إثر انتهاء الحرب على بناء أطواق النصر وتماثيل صدام باعتباره الفارس المنتصر. وسارع كبار ضباطه إلى اعتبار أنهم كسبوا نصف الحرب!!. كل ذلك بهدف التضليل وذر الرماد في العيون وتبرير هذه الجريمة بحق الشعب العراقي. فحكام العراق لم يسترجعوا السيادة على شط العرب كما كانوا يتوهمون عندما مزقوا اتفاقية الجزائر التي تنازل فيها صدام حسين لشاه إيران عن نصف شط العرب وعدد من القرى الحدودية في عام 1975. ولم يبسطوا سيطرتهم على آبار النفط في خوزستان كي يتحكموا بالمنابع الرئيسية للنفط في الشرق الأوسط كما كانوا يحلمون، بل بالعكس تدهور الإنتاج النفطي وتوقفت بعض أنابيب النفط عن التصدير وتقلص إنتاج النفط من 3.3 مليون برميل يومياً إلى مليون برميل تقريباً. ولم يطيحوا بالحكم في إيران، ولم يحرروا فلسطين عبر احتلالهم لعبادان في شعارهم الذي رفعوه. فقد زج الجيش العراقي في هزائم وضحايا وخسائر بالغة. ولم يستطع "صناديد صدام" حتى الدفاع عن بلدهم. ولعل أبرز مثال على ذلك هو ما حدث في السابع من حزيران عندما استغلت إسرائيل ظروف الحرب، فشنت طائراتها هجوماً على المفاعل النووي العراقي الواقع في التويثة قرب بغداد وكان يسمى مفاعل تموز النووي. فتحول مفاعل تموز إلى مجرد أنقاض خلال ثوان معدودة من القصف. لقد خرج العراق، هذا البلد الغني، منهكاً مكبلاً بالديون. فسحق الفقر أبنائه وحصل تدهور خطير عام في القيم الاجتماعية والأخلاق والاقتصاد والثقافة. ولكن مازال هناك البعض من فلول النظام السابق ممن يكررون معزوفة  "قادسية صدام" والنصر الموهوم الذي أحرزته.

 ولا يختلف حكام إيران عن التبجح "بالحكمة الإلهية" لهذه الحرب، رغم ما جرته على البلاد من ضحايا هائلة وتدهور في جميع المجالات، وعلى الرغم من إعلان الخميني في الخامس من تموز عام 1988 عن قبول الحكومة الإيرانية وقف الحرب بعد فشلها في اجتياح الأراضي العراقية والتي وصفها بتجرع "كأس السم" على حد تعبيره. لقد ذهبت أحلام هؤلاء الحكام في اجتياح العراق وفرض حكم يتناسب مع أحلامهم. كما ذهبت أدراج الرياح أحلامهم في "تحرير فلسطين وتقديم الدعم للجنوب اللبناني عبر كربلاء"!!. وتراجع بشكل كبير ذلك التعاطف مع إيران بعد الإطاحة بالشاه وزادت عزلتها إقليمياً ودولياً. وتدهور الاقتصاد بشكل كبير وتدهورت الصناعة النفطية بعد القصف الذي طال جميع المواقع النفطية وخاصة أكبر مصنع لتكرير النفط في عبادان الذي بلغت طاقته اليومية 30.000 برميل من النفط. وبلغت خسائر إيران في الحرب حوالي 450 مليار دولار. وتعمق الصراع الداخلي ووترسخ الاستبداد الديني الذي اتخذ أبعاداً لم يشهدها تاريخ إيران الحديث.

أما النتائج الاجتماعية والثقافية في كلا البلدين فكانت كارثية أرجعتهما عقوداً إلى الوراء. فقد تعاظم المد الديني المتطرف في كلا البلدين ليتحول الدين من إيمان شخصي إلى بضاعة للمضاربات السياسية وواجهة للحرب والتطرف. فالحكم في العراق الذي لم يكن يتحمل حتى ذهاب الناس إلى الجوامع ،سرعان ما تحول أقطابه بقدرة قادر أثناء الحرب إلى دراويش يقضون أوقاتهم في التكايا ويمارسون الآن حملات الجرائم والتخريب على الطريقة النقشبندية. إن التجهيل واستفحال العنف والفساد والنهب والطقوس الدينية المفبركة التي غذتها الحرب هي الآن السمة الطاغية على المشهد السياسي والاجتماعي العراقي، والتي تعرقل العراق للسير على جادة السلام والبناء والاستقرار.

25 أيلول 2010

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.