اخر الاخبار:
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

قراءة ممتعة في رواية "تجلت فتحكمت" للروائية نسرين ابو قلام// نبيل يونس دمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل يونس دمان

 

عرض صفحة الكاتب 

قراءة ممتعة في رواية "تجلت فتحكمت" للروائية نسرين ابو قلام

نبيل يونس دمان

 

     كانت امسية يوم الأربعاء الموافق 15 كانون الأول 2021 رائعة بكل المقاييس، فتلك فعالية أدبية- ثقافية يندر إقامتها في المهجر الأميركي وخاصة في مدينة سان دييغو بولاية كاليفورنيا، كان الحضور لابأس به من الجنسين في احدى قاعات  المدينة واسمها بابلون. صعد الى المنصة الصديق الدكتور ثائر البياتي المعروف بنشاطاته وقابلياته المتعددة في هذه الولاية، والذي عرفته منذ وَطأت اقدامي أرضها قبل 17 سنة ، وجلست الى جانبه السيدة نسرين ابو قلام مؤلفة الرواية.

     عندما طرحتُ اسئلتي في نهاية إستعراض الرواية، قلتُ بأن كلام د. ثائر المشوّق قد جعلني أعيش أجواء الرواية قبل ان أقرأها وأعدتهم ان اقرأها ويكون لي خوضٌ في تَجلِّياتها! . تَجلّت الرواية عن فكرة الاحداث التي مر بها العراق زمن صعود الدكتاتورية في سبعينات القرن الماضي، ثم الحرب الطاحنة الطويلة بين العراق وايران، ودخول العراق دولة الكويت، ثم اعقبتها فترة من اسوء فتراته ظِلماً وظَلاماً، تلك المتمثلة بالحصار الجائر المفروض على الشعب، وحتى سقوط الصنم في 9 نيسان 2003.

 

     بشكل جيد ولافت للإنتباه عَرضت وحَلّلت الروائية تلك الاوضاع من وجهة نظر بَدت لي محايدة، وبلُغة سلِسة، وعبارات رَشيدة، وحِوارات صادِقة، دلّت على عُمق إطلاع وإتساع مخيِّلة الأستاذة نسرين. لقد جعلتني أعيش أجواء العراق الذي غادرته مُرغماً قبل قرابة الأربعين عاماً، واعادت لي الرواية فترات عِشناها وعانَينا منها وتألّمنا بل دَفعنا ثَمناً غالياً من شبابِنا ورجولتِنا ومستقبلِنا، فكل ضمير حي لم يرض بما كان قائماً، بل عارضه وقاومه بإمكاناته حتى كلّ وتعب الجميع من طول فترة الظلام والبُؤس الممتدة لعقودٍ من الزمن. هنا لعبت دورها التَعاويذ والشَعوذة والدَجل والخرافة وصِناعة الحظ التي انتعشت في كل مدن العراق، فالناس البسطاء بطيبتهم المعروفة كانوا يتشبثون بالأمل، وعندما تضيق نفوسهم جراء الاحداث المتتالية والكوارث المتكررة، كانوا يذهبون الى تجار الطالع والعرّافات والسَمسارات والقوّادات من رهط ( أم الخير) بطلة الرواية التي كانت فعلاً  خير بالنسبة للطغاة ومتسلقي المناصب والصعود على حساب الكفاءات واصحاب المبادئ من امثال الفاشل في الحياة ( نصر) الذي ركب الموج ورضخت بل طاوعته الظروف عن طريق قراءات أم الخير ليبلغ اهدافه، وكما اكّد مِراراً بان- الغاية تبرر الوسيلة- حسب مبدأ ميكافيللي.

 

     تغلغلت الرواية في تفاصيل حياة المناطق الشعبية البائسة، والجهل المُستشري والفاقَة والحرمان الذي كان يُكابده فقراء الناس، وكذلك تغلغلت في أدق تفاصيل مجتمع النُخبة الفاسد، وطاقم الحِكم المسلّط على الرقاب والمتميز بإنحرافه وغرائِب أطوارِه وتقلّباته والنكوص عن تعهداته سواء في الداخل او الخارج، ثم جرائِمه التي فاقت جرائم الفاشيين في مناطق مختلفة من العالم، هنا دفع الشعبُ الثمنَ الباهِظ من اقصى شمال الوطن حتى جنوبه ومن مَشارق شمسِه حتى مَغارِبها.

     قرأنا في نهاية الرواية كيف هَرب أحد رموز النظام ومن كبار حراميته ووزير تجارته المدعو نصر الهلالي، وليأخذ معه عائلته وما خفّ وزنه وغلى ثمنه اضافة لأرصدته المَركونة في البنوك الأجنبية، هرب دون ان يرف له جفن في الإلتفات الى محنة البلد والشعب، يذكرني ذلك في شخصية شبيهة وهو أبو البينة في رباعية ابو كاطع- شمران الياسري  الصادرة من دار بابل للطباعة والنشر عام 1989 الجزء الاول " الزناد" في صحيفة 19 ، فالى النص الجميل الذي إنتقيتُه بعناية:-

سأل حسين نفسه: هل يعود خضوع ابو البينة. الى ذلك الحادث التاريخي؟ يوم وقف خلف على مترب النهر ليمد المقاتلين بالعزيمة فرآه يحبو متخفياً بين الأشواك مولياً الادبار للمعركة؟ وهمس لي يومها: لقد رآني ألوح بالبندقية وعرف انني لمحته فحاول ان يتماسك لكن حياته كانت عزيزة عليه. وخجلت ... خجلت يا حسين ... اكره ان اطلع على عوره... والهزيمة عوره " فدوه اغدي لك يا ابو ناصر لا تفضحه... لا تسويها" وجاءت الفضيحة من شخص آخر ... فقد رأته سعده وعيرته: " ها... يمصخم شارد؟!! " وكان جوابه وقحاً- وقاحة الجبناء " اسكتي اسكتي. هذا ضرب رصاص ما هو شيل ازرور!! " اه.

 

في الختام:

     لو سمحَت لي مؤلفة الرواية السيدة نسرين ان أشد على يدها واجدد شكري لها مؤكّدا بأنها أضافت عملاً أدبياً ووجدانياً لمكتبة العراق، حيث ضمّت رفوفها هذا الإنتاج البديع، في حُسن إختيار الموضوع، في أدق تفاصيل المجتمع، الذي استنشَقنا هوائِه وتنفّسنا فيه الصُعداء وحتى النهاية التي إنتهت وما انتهت!! فخيبت آمالنا في سقوط أبغض وأقسى دكتاتورية لتحلّ محلّها خليفتها الأكثر بشاعة في سيادة الفكر السلفي، وربط الدين بعجلة الدولة، وارتهان مُقدّرات البلاد بدول اقليمية طامعة عِبر التاريخ في خيرات هذا البلد، فعيونها لا تنام في التدخل في كل صغيرة وكبيرة فيه.

 

     مرحباً بالروائية نسرين من خلال هذه الأسطر المقتضبة، والى اعمال اخرى ومشاريع بالتأكيد هي تعمل عليها الآن، فإني أرى بل اتمنى أن لا يقف حاجزاً ما في طريق طموحاتها، سيما انها في ذات الوقت مؤلفة لروايتين اخريتين في اوقات سابقة: معي تكونين أحلى، وعندما يصبح الحدس حقيقة، سيتسنى لنا ان عشنا فنرى الروائية تترشع لجوائز ادبية مرموقة ان شاء الله.

 

&&&&&&&&&&

ملحق: نصوص ذات دلالة اخترتها من قرائتي للرواية

ص22:

فشِراء لحظات مع فتاة فاتنة وتجاذب أطراف الحديث معها دافعٌ ولا اقوى لبذل المال رخيصاً وهو ضالتها فحسب.

 

ص79:

تبادلوا التحيات والقبلات الحارة فالوالِد المهيب مشتاق لابنته وزوجها وكذلك الوالدة التي يتطاير الشرر من عينيها وقد احتقنت وجنتاها، وتكاد تسمع الشتائم والسباب وهي مقفلة الفم.. .

 

ص 125:

... فليس صحيحاً دائماً ان المُعنف هو الضحية، ففي احيان كثيرة يكون الجلاد هو المنهزم تماماً مثل السجين السياسي يتعالى ويسمو على آلامه غيرُ آبهٍ بنزف جراحه لان الهدف عنده اسمى.

 

ص 126:

أرقها كثيراً الحصول على جواب لسؤال طالما طرحته على نفسها... هل ان النبوءات المجردة هي التي تصدق ام تأثير النبوءات على نفس المتلقي؟

 

ص 200:

... بعد اسبوعٍ سوف يتعرض لكمينٍ محكم اعده بدقة غريمك رئيس المخابرات السيد مشعان ( توقفت قليلاً لتلتقط نفساً تاركة نصر غارقاً في دهشته) .

 

ص 202:

... هذا الهاجس اللعين الذي يقضّ مضجعها والذي يؤكد لهاعلى الدوام كذب ادعائه، فهو لم يقع فريسة حبها بل إنّه زير نساء محترف، وعِنده وعند امثاله الغاية تبرر الوسيلة.

 

ص 204:

إنه صعق كهربائيٌ يُسيطر على مركز الحس في الدماغ فتتراقص فيه أنغام بوهيمية تولد شعوراً لا يشبه اي شعور. هو الفرح لكن ليس فرحاً مجرداً، هو السعادة، لكنه لا يشبه السعادة. هو اقرب الى الهذيان.... فما معنى ان يفرح الانسان دونما سبب؟ حَتى إذا ما طالت حالة الهذيان تحولت إلى نشوة، واذا ما سيطرت النشوة تحولت الى إدمان، تماماً كإدمان المخدرات.

 

ص 209:

حاول نصر الابحار بعيداً لينال من صاريته شراعها فينهار أمام موجه العالي، وحين يغرق مركبها يرفع فوق السارية علم القراصنة معلناً الظفر بغنائمها كلها.. لكن آماله تبددت فأم الخير آثرت دوماً عدم الإبحار في العمق، واكتفت بالمكوث على الشطآن... فالشاطئ له سحران، آمان البر ومتعة البحر... .

 

ص 241:

مع مذاق ( المحشي) التي تعده انغام بنفس طريقة الست محاسن وبذات الحب، انشدها زيد أبياتاً لشاعر صوفي وهذا هو ما تعشق سماعه ام الخير.

أُخفي الهوى ومدامعي تُبديه

وأُميتهُ وصبابتي تـُحييه

وَمُعذبي حُلو الشمائلِ أهيفٌ

قد جُمعت كل المحاسن فيه

فكأنه بالحسنِ صورة يوسف

وكأنني بالحزنِ مثلُ أبيه

يامُحرقاً بالنار وَجهَ مُحِبه

مهلاً فأن مدامعي تُطفيه

أحرق بها جسدي وكل جوارحي

واحرص على قلبي فنك فيه

 

ص 263:

... لقد طافت نبوءاتك وانتشرت كالنار في الهشيم وما حادت عن اهدافها المرسومة لكنها ما اشتملت يوماً على هذا الذي نحن فيه... لكن نبوءة قلبي أثبتت... إنها الأصدق.

تمت

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

January 30, 2022

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.