كـتـاب ألموقع

صِدام مسلح في( خووشا)// نبيل يونس دمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل يونس دمان

 

عرض صفحة الكاتب 

صِدام مسلح في( خووشا)*

نبيل يونس دمان

 

     بتاريخ 28- 7- 1969 وردت اخبارية للسلطة بان توما توماس متواجد في البلدة، وهي تسعى على الدوام للقبض عليه لدوره المعروف في التصدي لظلمها وقمعها. ولهذا جهزت حملة عسكرية كبيرة تحركت ليلاً، حتى بلغت وادي الكنود ( لَندِه) الذي يبعد حوالي 12 كم عن القوش. ترك العسكر عرباتهم وتقدموا مشياً على الاقدام بحيطة وحذر نحو البلدة، ومن طرف الجبل تقدم عدد كبير من المرتزقة (الجحوش) من ناحية مدينة دهوك، وبذلك طوقت البلدة من كل جهاتها في خطة محكمة لاعتقال او قتل الثائر توما توماس.

 

     يعرف العديد من اهالي القوش قصة الاتصال التلفوني المشبوه من بريد البلدة، والذي كان العامل الرئيس في تجهيز تلك الحملة، ادرك عمال البريد فحوى الاتصال، فلم يقفوا متفرجين للخطر المحدق بإبن بلدتهم، فدفعهم ضميرهم الحي الى ارسال خبر له ينبهه بالموقف. كان الوقت يشير الى انتصاف الليل، عندما عاد ابنه جوزيف من حفلة زواج ﮔوريال بلو التي اختتمت بدون اية مشاكل، علما بان السلطة اشاعت لاحقاً، بانها جهزت الحملة لدرء المشاكل التي يخلقها رجال توما توماس في الحفل المذكور.

 

     فكر ابو جوزيف بالمسألة من كل جوانبها، ربما تباطأ بعض الشيء في التهيؤ والاستعداد، كما ارسل في طلب رجاله المعتمدين في المواقف الصعبة، وحضر منهم حبيب يوسف (ﭼيچو) فيما تأخر الباقون عن الحضور، اوشك الفجر في الظهور عندما همّ بمغادرة المنزل برفقة حبيب. عزّ على زوجته ( ألماص) ذلك الفراق الاضطراري، واكتشف ابو جوزيف القلق الذي يساورها فقال لها " اذا تجاوزنا الخطر، فالاشارة تصل من المسدس الذي احمله! " ، ولم يمض وقت طويل حتى سمعت زوجته اطلاقات مسدسه، فاطمئن قلبها وطمأنت اولادها، فأزداد حبها له واعجابها به وهو ينجوا من طوق حصار محكم.

 

     لقد خاض توما ورجله الشجاع حبيب معركة لفك الحصار ضد مئات الرماة مكبديهم خسائر فادحة، فعندما يتخذ احدهم وضعا قتاليا، يغطي على انتقال رفيقه مسافة الى الامام، وهكذا يفعل الثاني حتى وصلا الوادي القريب عند اطراف محلة سينا، ثم واصلا طريقهما على امتداد الوادي شمالاً حتى الجبل، وقبل بلوغ قمته اكتشفوا وجود اعداد من المرتزقة (الجحوش) وهم يفتحون طريقهم الى مقرهم في قرية ( بيرموس ) لم يستمروا في الصعود تجنبا لمعركة غير متكافئة، فغيروا بسرعة اتجاههم في عرض الجبل حتى بلغوا كهفاً فاستقروا فيه متخذين قرار القتال من هناك حتى النهاية، ولكن لم يلحق بهم احداً.

 

     صبري الياس دﮔالي ( جندو) مقاتل شجاع وشاب وسيم في التاسعة عشر من عمره، ترك وحدته العسكرية حديثا ليلتحق بقوات الانصار، في تلك الليلة ايضا خرج بسلاحه النصف آلي ( سيمِنوف) ولكنه تأخر في اللحاق بابي جوزيف ورفيقه حبيب. تقدم صبري نحو الوادي الذي وصله قبله رفيقيه، ولكونه وحيداً، تزاحم عليه الاعداء، واتخذ من صخرة صغيرة متراساً له، فقاتل قتالا أذهل العدو، بخفة حركته ودقة تصويباته، على الرغم من اصابات عدة لاحت جسده، وفي النهاية نال شرف الشهادة.

 

     اخذت جثته الى مفرق القوش وابلغ قائد الفرقة في الموصل بان القتيل هو توما توماس، فقدم على الفور بطائرة مروحية، وشاهد القتيل امامه، فقارن الذي امامه مع صورة توما توماس كان يحملها معه، ونظراً للشكوك التي ساورته، بعث في طلب احد كهنة القوش (القسيس ابلحد عوديش) وعند وصول الاخير سأله "ان كان هذا هو توما توماس" ، فنظر القس الى القتيل ثم الى القائد وهو يبتسم ويقول "هذا ليس توما توماس، بل شاب صغير في العمر" فأغاظ ذلك القائد العسكري وتفوه بكلام غير لائق، ثم غادر بعد ان امر بربط الجثة خلف سيارة عسكرية لتسحل في شوارع البلدة الصابرة، وعندما انتهوا من ذلك العمل الدنيء، رموا الجثة في الساحة المقابلة لمار قرداغ، وبجانبها رميت جثة اخرى لعاثر حظ من الطائفة الأيزيدية، قتل في نفس اليوم في اطراف البلدة.

 

     عصر ذلك اليوم وبعد انسحاب العسكر من البلدة، اندفعت مجموعة من الشباب لنقل الشهيد الى منزله، وسيارات الجيش لازالت على طريق الموصل، في تلك الاثناء عادت احدى السيارات بسرعة فتخلى الشباب عن الجثة وانسحبوا الى مكان ابعد، ولكن السيارة اتجهت نحو مبنى البريد واعتقلت كل العاملين فيه، ورجعت الى الرتل المنسحب. تقدم الشباب مرة اخرى واذا بخبر يصل من مركز القوش بترك الجثة في محلها لتتولى البلدية امر دفنها، هنا ثار الفلاح كيكا شهارا (أغاته) وهو يستعير غضباً ويصب لعناته على الحكومة وعلى مطاياها، فيؤجج ذلك حماس الشباب، ويامرهم دون ابطاء بحمل الجثة، ويتم له ما اراد، ويسير الموكب الجنائزي حتى بيت الشهيد، وفي الطريق انظم العشرات من الجموع الى الموكب، حتى بلغ داره التي خرجت والدته لتستقبله بالهلاهل وتقول" اليوم زفة ولدي " فتجاوبها النسوة بالبكاء والنحيب.

 

     بعد ذلك وصل توما توماس الى البيت ليستطلع الوضع، ويسمع باستشهاد رجله الشجاع، فيذهب الى بيت الشهيد ليلقي عليه نظرة الوداع، ثم يتجه برفقة رجاله الى سوق القوش وهو في بالغ التأثر. يقال عندما ظهر في سوق البلدة، ابرقت السلطة المحلية بذلك، فيأت الجواب من القوة المنسحبة الى الموصل، بانها لا تنوي الرجوع، وانها عاجزة عن قهره.

 

     ظهر لاحقاً بان المرتزقة الجبناء، اقتحموا في ذلك اليوم مبنى دير السيدة المقدس، فدنسوا حرمته كعادتهم، واطلقوا رصاصاً على طباخ الدير فأردوه قتيلاً، رحم الله المسكين الاعزل ( دنو تسقبنايا) الذي قتل لا لذنب ارتكبه، بل لحقد وجبن ازلام السلطة، ولاخفاء اخفاقهم في النيل من ابن البلدة توما توماس.

 

  * خووشا وادي يقع في غرب القوش، وهذا الموضوع موجود في الصفحات ( 156- 159) من كتابي الموسوم ( القوش حصن نينوى المنيع) الصادر في العراق عام 2014.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

California on December 2, 2022