اخر الاخبار:
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• شاعر القرن وداعاً

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل يونس دمان

 

 

شاعر القرن وداعاً

 

     في البدء أقر بأنني لست اهلاً ان اكتب مرثية لشاعر كبير، والذي يكفي ذكر اسمه ان يدخل الملايين من المعجبين به في فردوس الشعر، حيث فيض المشاعر، ورفعة القيم، وسمو الادب. لكن حبي الكبير وتأثري المتعاظم منذ نعومة اظفاري بهذا العلم الذي انجبته بلادنا، جعلني اتجاوز ترددي، بل خجلي من ضعف امكاناتي، هنا استرخص جمعكم، ان ألج بقلمي المتواضع واقتحم بصدري الواهي موضوعاً عن شاعر القرن العشرين، محمد مهدي الجواهري.

     لنعرج قليلاً ال بيئة ولادة الشاعر وزمانها، فالنجف مدينة زاخرة بالعلماء والكتاب والشعراء، نابضة بالحياة على الدوام، رغم كل المآسي التي تعرضت لها، والنوائب التي ألمّت بها، هي ام الجواهري، ومن ثديها الدرّار رضع شاعرنا: القريض، والعنفوان، والثورة. كانت ولادته في زمن اشرفت فيه دولة الرجل المريض ان تنقرض من وجه البسيطة، فعندما شبّ الجواهري وتذوق طعم الحياة، واكتشف إلهامه الفطري، ومقدرته على نظم الشعر، كانت الاوضاع في مدينته وبلده غير مستقرة، واذا استقرت فبعد سلسلة من الصراعات تمخضت عن ولادة الدولة العراقية، وتنصيب ملك غريب على البلاد ليتولى مقاليد امورها.

     هكذا وجد الجواهري نفسه في فترة مبكرة من حياته شاعراً للبلاط الملكي، ولكن نفسه الأبية، وبركان الرفض المتأجج في داخله، لم يتركه يترهل ويستكين، بل قلب تلك المعادلة المألوفة في حبّ الجاه والنفوذ لينحاز الى جانب الشعب ضد مستغليه، مطايا المستعمر الغاصب.

     عندما خرج الشعب هادراً في شوارع بغداد العاصمة إثر اندلاع وثبته الخالدة عام 1948، كان الجواهري محمولاً على الاكتاف، يحرض الناس ويؤجج حماسها، وقد فقد فيها اخيه الشهيد جعفر:

يوم الشهيد تحية وسلام

بك والنضال تؤرخ الاعوام

     من العجز ان يغطي اي كان حياة الجواهري الصاخبة ولو بجزء يسير لشمولها وامتدادها وروح التحدي المتأصلة فيها، وكونها مخضرمة عاصرت كل العهود، رافضة للذل والهوان. ولكن باستطاعة محبيه ان يوقدوا الجمرات في مستوقده الشعري، كلما خبت النار فيه، ولتشع كومض البرق، فتشرق وجوه الكادحين، وتلهب ظهور اولئك الذين اوصدوا الابواب امامه، وغيروا مجرى حياته، فوق اديم وادي الرافدين، وعلى ضفاف دجلة الخير:

يا دجلة الخير يا نبعاً افارقه

على الكراهة بين الحين والحين

.. ليعش غريباً منفياً لكنه ويا لخيبة اعدائه، كان موضع حفاوة واستضافة اينما شد الرحال، من براغ الى دمشق وغيرهما، فاللعنة كل اللعنة عليهم وسيلاحقهم العار في كل صفحة من صفحات التاريخ واستحقوا قوله:

انا حتفهم ألج البيوت عليهم

اغري الوليد بشتمهم والحاجبا

     شرفني الزمان ان ازور الشاعر في قصره بدمشق صيف عام 1987، وقد كانت فرصة نادرة تعرفت فيها عليه، واعجبت بقامته المنتصبة، وبمحياه الباسم، وصافحت يدين قويتين، وجلست استمع لما كان يتحدث به، وتذكرت ما قاله بحقه معروف الرصافي في عام 1941:

اقول لرب الشعر مهدي الجواهري

الى كم تناغي بالقوافي السواحر

     ستظل اجيال واجيال، بعد قرن وقرون تدرس ظاهرة اسمها الجواهري، مرهف الحس، موسيقي الاذن، سليط اللسان، نهر من النظم، صافي النبع، لا ينضب مصدره، صان الشعر العربي اصالته وإلتزم بقافيته وموازينه وبحوره، كان استمراراً لشعراء العصور لخوالي، ولعل اكثرهم شبهاً به ويعتبره مثله الأعلى، هو ابو الطيب المتنبي.

     كان المتنبي نفسه منفياً عن بلده العراق الى الشام ومصر، وعندما هاج به الحنين، قفل راجعاً ولقي حتفه فوق ترابه، ماذا تقولون لسلطة حاكمة تسقط عن ابي فرات جنسيته، قبل بضعة سنوات، ولسان حال الجواهري قول المتنبي:

ما نال اهل الجاهلية كلهم

شعري، ولا سجعت بسحري بابل

واذا اتتك مذمة من ناقص

فهي الشهادة لي باني كامل

     لنختتم موضوعنا بتقديم النصح لكل من احب الجواهري وتأثر به، ان يرجع الى دواوينه وكتبه ومذكراته باستمرار. وليكن معنا مهدي الجواهري: في قصص الاطفال، كتب المدارس، مناجاة العشاق، وأغاني الثوار.

حيو الفقيد وكبروا

به العراق يفتخر

خضر الاغصان ترسم

اكليل ورد احمر

على السطوح يكثر

بيض الحمام يهدر

باق شعر الجواهري

عذب الغناء ينثر

دائر مدار الهور

وكل الجنوب ثائر

بغداد فيها وحش

عيناه تقدح شرر

وفي انحاء الوطن

اشعار مهدي تعطر

 

- مشاركة في حفل تأبيني للشاعر في ديربورن- مشيكان- ايلول 1997.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

July 26, 2010

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.