اخر الاخبار:
محافظ نينوى يزور مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:33
زيارة وفد هنغاري الى دار مطرانية القوش - الثلاثاء, 16 نيسان/أبريل 2024 10:32
طهران تتراجع عن تصريحات عبداللهيان - الإثنين, 15 نيسان/أبريل 2024 11:24
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

من كتابي "الجلية في حكاياتنا المروية" الصادر عام 2020 (3)// نبيل يونس دمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل يونس دمان

 

عرض صفحة الكاتب 

من كتابي "الجلية في حكاياتنا المروية" الصادر عام 2020 (3)

نبيل يونس دمان

 

     في ذلك المقهى الارضي الذي نلتقي فيه، حضر المعمر الأكبر في البلدة، فقلنا له: ماذا تعرف عن حياة يوسف رئيس( الملقب أيسفي ﮔوزَل) وكيف شق طريقه في الحياة؟ فأطرق لحظات وكأنها دهر، ونحن كلنا اذان صاغية حتى نسمع منه، قبل ان يغادرنا الى الآخرة على حين غرّة *، إبتسم وقال يا اولادي: ان قصة حياة أيسفي ﮔوزَل مشوقة وتدعو للعجب، كان أولاً انساناً متديناً، ثانيا كان حنوناً رحوما، وثالثاً وسيماً بشكل لافت للنظر، في وصيته لأهله واخوانه قال فيها: سأموت وليس لي شيء في هذا الدنيا، لا ابناء ولا بنات، سوى هذه البلدة التي اوصيكم بها خيراً، ان تكونوا لها سنداً، وان تخدموها بكل ما أوتيتم من قوة.

     كانت القوش تابعة الى ولاية الموصل، التي يديرها ولاة يطلق عليهم باشوات، مُعينين من سلطان الدولة العثماني الذي مقره اسطنبول، هؤلاء الولاة كانوا في تغيير دائم، ذلك الوالي الذي شهد صعود نجم أيسفي ﮔوزَل لا نعرف اسمه، وربما ليس مهما معرفة اسمه، ولكن ما جرى كان جديراً بالتدوين، لغرابة تفاصيله، والصدف التي لعبت دورها في كل ذلك.

     عندما تعين الوالي الجديد، كان بأمس الحاجة الى تأييد إدارات المناطق، او لنقل الى رؤساء( أغوات) البلدات والقرى، من العشائرالمحيطة بولاية الموصل. الولاية كانت تعين الحكومة في القوش، التي يرأسها ضابط ( ﭼاويش) ، الحكومة تنظر الى مصالحها من خلال المناطق، والكثير من أغوات المنطقة لم يؤيدها، ولولا أغا القوش الذي ساند الوالي في اخر المطاف، لما تمكن ذلك الوالي من الإستمرار، ولذلك نشأت بينهم علاقة قوية نروي هنا تفاصيلها.

     كانت الدولة التركية تعيش بشكل مستمر، على الضرائب التي تأتيها من المناطق، وفي تلك الأيام وصل من ثلاثة الى اربعة من رجالها الى القوش، فجلسوا مع الاهالي وشرحوا لهم بان الحكومة زادت مقدار الضرائب المفروضة، وعندما سمع أيسفي ﮔوزَل بذلك طار صوابه وقال" لماذا لم يستشرني الوالي، ثم من اين لنا ان ندفع هذه المبالغ" ، صار جدل حاد مع ممثلي الحكومة، ثم تجاسروا عليه وحاولوا ضربه، فاندفع الواقفون في المكان من الاهالي، وضربوا تلك المجموعة. رجعوا الى الموصل، وقابلوا الوالي قائلين: انهم تعرضوا للإعتداء، وان اهالي القوش شتموا الوالي والحكومة. انفعل الوالي كثيراً واصدر امراً بإعدام أيسفي ﮔوزَل غيابياً.

     اصبح أيسفي ﮔوزَل مكروها في نظر حكومة الموصل، ولكن فرعها في القوش لم يفعلوا الكثير لتطبيق امر الوالي في القاء القبض عليه، كانوا يحبونه وقد ساعدهم في السابق كثيراً. في تلك الايام الفاصلة وبيوت بيت الريس معروفة في قربها من محلة اودو، كان احدهم واسمه توما يسكن في منطقة ابعد، فقام بسحب اولاده الى ذلك البيت القريب من تل المقبرات، ارتأوا ان ينأوا عن مركز بيت الرئيس خوفاً من إضطهاد الحكومة وتبعات امرها، وتسلسل من صلبه بيت ككتوما المعروفين: بيبو، وعيسى، وحنا.

     أيسفي ﮔوزَل كان يردد بانه يساعد الناس والغرباء كثيراً، ويحدث ذلك في بيتي، ولذلك بدا منزعجا ومتضايقاً، وكأنه السبب في انقسام عشيرته، في تلك الأوضاع كان ضابط الشرطة يلتقي بالقس متي الرئيس في ديوانه، كانت الحكومة في الموصل لا ترغب بالاتصال بأيسفي كوزل، نظرا لصدور امرها في شنقه، كان الضابط يحب ايسفي كزول ويرغب عند الضرورة ان يلتقي به، كان القس متي دائم اللقاء بمسؤولي الحكومة، خصوصا الناس المؤمنة مرتبطة روحيا بالكنيسة، وحاجة الحكومة ايضا ماسة لقيام روابط مع رجال الدين، فكان من واجبه زيارة القس في ديوانه.

     ارسل الضابط يوما خبراً الى أيسفي ﮔوزَل قائلاً: هناك تباشير خير في الطريق، فقال له ايسفي كوزل ومن اين يأتي الخير؟ قال له اذهب الى بيت القس متي وانا التقي بك. التقى الضابط و أيسفي ﮔوزَل في حضرة القس الوقور متي الرئيس، قال الضابط: ان زوجة الوالي رزقت بولد، وهي ابنة عمي، وانا ذاهب لتهنئتهم، نحن وابنة عمي من عائلة معروفة في تركيا، الوالي يعرف مكانتنا ويحترمنا، هو من عشيرة اخرى ليست شهيرة وتعليمه هو الذي اوصله الى منصبه، لذلك وباستمرار يعتبر نفسه اقل شأنا من زوجته عشائرياً. ثم شرح له خطة الذهاب، الى حيث مكان اقامة الوالي، وكما يلي:

تأخذ معك رجالاً الى القصر الذي يقيم فيه الوالي وعائلته، هناك ايضا مكان الحكومة( السراي) وخلفها طريق الى مكان اقامة الرجل، فتسلكه حتى تصل غرفة ابنة عمي، ما ان ترى سرير الطفل اهرع اليه، واجثوا قدامه.

     هكذا ارتدى أيسفي ﮔوزَل افضل ثيابه، وامتطى فرسه الكحيله، وتبعه أربعة من افضل رجاله، وهم مدججون بالسلاح، وذهب الى الموصل، وقصد السراي ثم غير مساره، الى طريق قصر اقامة زوجة الوالي. كان أيسفي ﮔوزَل في مطلع شبابه نحيفاُ، وسيماً، طويل القامة مهيباً، هناك حارس لو كان رآه عن بعد ربما رفضه، ولكن أيسفي ﮔوزَل فاجأه بطلَّتِّه البهيّة، فاعتقد الحارس انه من كبار الأغوات، وانه قادم لأمر هام، فأوقف حراسه في غرفة مجاورة واصطحبه الى مدخل القصر، هنا وكما شرح له الضابط الخطة بدقة، دخل كالسهم الى غرفة زوجة الوالي، وارتمى امام مهد الوليد، ومسك قوسه الخشبي وبقوة.

     ما ان مسك مسكته تلك، حتى شرع يدعوا له، ويطلب من الله حفظه ورعايته، ومهنئا المرأة على سلامتها. شعرت زوجة الوالي، بان للرجل مشكلة كبيرة، وانه وقع دخيلاً، فقالت ماذا ورائك يا رجل، وما هي مشكلتك. قال مشكلتي ان رجل الضرائب في السراي، جاء الى القوش مع رجاله، وقد نقلو كلاماً مبالغاً فيه الى الوالي، فأوغروا صدره، مما حدا به ان يصدر امر شنقي، فجئت مُسلماً نفسي بين يديه. اخذت المرأة ورقة وقلم، ثم كتبت فيها بعض الكلمات  ، قالت خذها الى الوالي، ولكن قبل ان تضعها امامه، سألته إن كان قرأ التركية، قال: اجل، فاستردت الورقة منه حالاً، ثم غلفتها بمظروف، وأحكمت إغلاقها قبل ان تسلمها له.

     دخل الى الوالي، هنأه بمولوده الجديد، وتمنى له طول العمر والمستقبل السعيد، ثم وضع الظرف امامه، ففضه وقرأه، وأطرق لبعض الوقت مفكراً، كيف دخل هذا الرجل الى غرفة زوجته، راودت ذهنه اسئلة كثيرة، رفع رأسه قائلاً، من انت وما هي مشكلتك؟ اجاب قائلاً: انا أيسفي ﮔوزَل، ما ان سمع الوالي بالاسم، حتى سقطت الورقة من يده، وانتفض وكأنه فقد عقله، تعجب بمقدمه، سيما انه اصدر امراً بشنقه، ها هو امامه، كيف وصل اليه، وما هي قصته بالضبط؟ بماذا يتميز هذا الشخص وما هي مواصفاته، عاد بعض الشيء الى رشده وفكر من جديد، بان في الامكان الاستفادة من هذا الذي امامه. هناك العديد من أغوات الشمال وخاصة منطقة الزيبار الواسعة لا يذعنون الى أوامره، وعندما يذهب جباة الضرائب اليهم يطردوهم، قال الوالي له: لا ترجع الليلة الى اهلك فانت ضيف عندي.

     اعطى أيسفي ﮔوزَل خبرا لأصحابه، بانهم سيبقون في ضيافة الوالي، وحتى يكونون على دراية بالموضوع، لذلك ذهبوا الى مكان آخر، ينتظرون رجوع رئيسهم، بالطبع الوالي فهم الموضوع جيدا من خلال ما كتبته زوجته، وبات يثق بالرجل، فقال له: إنقضت العداوة وامر الشنق انتهى، اصبحنا الان اصدقاء، والاكثر من ذلك انت بمثابة اخٌ لي لم تلده أمي، ثم حدثه عن وضع الزيبار وكيف خيّب العديدون أمله في إستحصال الضرائب منهم، وانا اعتقد بانك اهل للمهمة، فلك القابلية الجيدة لتحقيق ما تريده حكومة الموصل، وذلك بان تذهب وتلتقي بالأغا هناك وتقنعه بال‘ذعان لمطالبنا. اجابه أيسفي ﮔوزَل بالأيجاب، وطلب إمهاله عدة اسابيع، حتى يصعد الى قريته ويتهيأ جيداً للموضوع.

     صعد الى القوش ومكث فيها لبعض الوقت، ثم جهز نفسه واربعة من رجاله الشجعان، ليذهبوا الى منطقة الزيبار المتاخمة لبارزان. تهندم الرجال جيداً وشدّوا احزمة الرصاص وحملوا السلاح، ثم غادر موكبهم القرية، قاصدا تلك المنطقة البعيدة، ذات الطبيعة الجبلية الوعرة. في الطريق تكلم مع رجاله عن المهمة وشرح لهم تفاصيلها، وبانه ذاهب ليقنع اغا الزيبار بدفع الضرائب المستحقة للحكومة.

     عادة وفي عرف العشائر، عندما يصلون ضيوفاً، يبقون ليومين او ثلاثة، قبل ان يباشروا مهمتهم. هكذا وصلوا بعد طول طريق الى الزيبار، فرحبوا بهم وفرحوا بمجيئهم، قبلوا ضيافتهم قائلين: نحن في خدمتكم، ماذا تريدون حتى نساعكم، قالوا نحن لسنا محتاجين الى شيء، ولكن قلوبنا تاقت الى القيام بهذه الزيارة، ونود الدخول الى الأغا للسلام عليه.

     دخل أيسفي ﮔوزَل الى مقر أغا الزيباريين، وسلم عليه، ثم جلسوا يتحدثون فقال ﮔوزَل: قبل مدة قصيرة رزق والي الموصل بولد، فذهبت لأهنئه بمولوده الجديد، هناك دار نقاش بيني وبينه عن بلادكم، وخصوصاً عن شخصك الكريم، سألني الوالي عن سبب عداء الزيباريين لنا، فهو اي الأغا يتصور انني سأقيم موقع عسكري هناك في الزيبار، وبعدها لن يبقى لرئيسهم اي نفوذ، ولكن هو غلطان، واذا رغبت بان انصب قوة هناك فستكون تلك القوة في خدمة الأغا ولتعزيز نفوذه في المنطقة. هنا تحركت مشاعر الأغا الذي كان يسمع بانتباه شديد، وفكر هكذا متسائلاً: لدية قوة خاصة به، اذا اضيفت قوة الحكومة اليها، فما هي الخسارة في الامر؟ اجاب الأغا وما هو المطلوب مني الآن؟ اجاب ﮔوزَل: انك لم تدفع الضرائب المقررة للحكومة منذ مدة طويلة. هز رأسه ايجاباً ونهض الأغا يدعوا جماعته الى تجهيز عدداً من البغال لتحمل بالأحمال، وهكذا جهزت القافلة والتي تضمنت: الرز والسمسم والتين والزبيب وغير ذلك.

     قال أغا الزيباريين: لنمضي معا الى الوالي، وهكذا سارت القافلة( الكروان) من الزيبار الى الموصل، هناك وجهت البغال الى خان السراي فيما سار الاثنان لمقابلة الوالي، كان فرح الوالي كبيراً، خصوصا ان اغا الزيبار قد تنازل وجاء بنفسه ليكون تحت امرة الوالي، متمرد لسنين ويأتي في ساعة!.

     بعد تلك الحادثة تعززت الى حد كبير ثقة الوالي بأيسفي ﮔوزَل ، وصار يلتقي به بعد كل فترة ويدخل اليه دون إسئذان، كما كان يفعل ذائع الصيت آنذاك سعدون گرگري، الذي كان هو الآخر صديقا لبيت الرئيس وباقي عشائر القوش. بمرور الأيام اصبح الوالي يمنح سلطات واسعة لأيسفي ﮔوزَل، بما فيها عزل واقامة أغوات جدد، على طول منطقة شمال الموصل. نعمت القوش في تلك الفترة الذهبية من تاريخها بالإستقرار والأمان والرفاه الاقتصادي، بعد ان كانت قبل تولي أيسفي ﮔوزَل رئاستها، تعيش تحت طائلة الديون للعشائر المجاورة، وخصوصا عشائر الكوجر كثيرة العدد.

* وغادر المعمر صادق ياقو برنو المولود عام 1919 هذه الحياة في 8 شباط 2021 اثر اصابته بمرض كورونا.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

California on August 23, 2021

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.