اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

من كتابي "الجلية في حكاياتنا المروية" الصادر عام 2020 (5)// نبيل يونس دمان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نبيل يونس دمان

 

عرض صفحة الكاتب 

من كتابي "الجلية في حكاياتنا المروية" الصادر عام 2020 (5)

نبيل يونس دمان

 

       أحيانا تستهوي ديوان المقهى قصص حدثت في الماضي القريب، فإهتزت لها البلدة، وظلت على لسانهم في التحليل والتفسير. هكذا كان شعيا فارعاً في الطول، قوياً مفتول العضلات، رشيقاً ووسيماً، تزوج وصار له ولدين احدهما هرمز والثاني متي، تشاء الظروف التي نجهل كنهها، ونعجز عن سبر أغوارها، ان يقع شعيا في حب امرأة جميلة، كانت متزوجة من المدعو حسقيال، فكلما طاف الهيام بهما، إختلا بشكل سري، فتواصلا لفترة من الزمن، دون ان يعرف احد شيئاً، عن تلك العلاقة الحميمة، مضت الأيام حتى اكتشف حسقيال أمرهما، فكتمه وأخذ يخطط لقتل شعيا، صرف الليالي مفكراً في صروف الدهر، مُثقل الفكرِ شديدُ الهمّ. كان لشعيا جار إسمه منصور، وكانت علاقتهما بين المد والجزر، شأن بعض الجيران، في اجواء تلك القرية الاجتماعية، من سني الدولة العثمانية الحاكمة. في تلك الفترة التي اكتشف حسقيال خيانة زوجته له، كانت العلاقة بين منصور وشعيا على غير ما يرام، فقد تضاربا في السوق بالخناجر، وامام مرآى ومسمع الناس، وصار كل منهما حذرا من الآخر، ويريد الايقاع به.

     اصبح عداء شعيا ومنصور حديث الناس، كل ذلك استغله حسقيال، ليخطط وينفذ مآربه، في الانتقام من شعيا، كان للأخير عدداً من الأغنام، يربيها لفترة من الزمن حتى تسمن فيبيعها، او يخزن لحمها ودهنها، في دنان من الفخار لفترة الشتاء، شأن غالبية ساكني القرية. بسرعة خاطفة استحوذ على احدى اغنام شعيا، وادخلها معه الى قبو، في احد تلال ضواحي القرية، كان يستخدم لحرق الأحجار، وصنع مادة الجص التي هي عماد الاهالي، في بناء بيوتها الحصينة، حل المساء ومنصور كامن في آخر القبو، وبيده السلاح الناري، في تلك الاثناء اكتشف شعيا فقدان احدى أغنامه، فصار يفتش عنها بإطلاق نداءات الرعاة وصفاراتها، عندما وصل شعيا قرب القبو، سمع ثغائها في اعماق الظلام، فدخل مسرعا يريد اخراج الغنم الذي ضاع منه، وها هو يعثر عليه. هنا ودون ابطاء كان حسقيال، على اهبة الاستعداد لذلك الموقف، فاطلق من الداخل اطلاقة، ادت الى مقتل شعيا في الحال، ترك المكان بأقصى ما يستطيع من سرعة، وقد اسعفه الظلام الدامس، في التسلل الى الوادي المكتظ بالأحراش، وتوارى عن الأنظار.

     كانت عشيرة شعيا آنذاك كبيرة نسبياً، وظنوا ان القاتل هو منصور واخيه ياقو، وقد اشرنا الى خلافهم قبل ايام، حتى وصل حد الطعن بالخناجر، فما كان من منصور واخيه الا الخروج من بلدتهم مع عوائلهم تحت جنح الظلام ، بعد ان عجزوا عن تبرئة ما ينسب اليهم، وخوفاً من ملاحقة الحكومة. عبروا نهر دجلة وهاموا على وجوههم، باتجاه مغيب الشمس، نحو مناطق عشائر الجرجر( الگرگرية). كان رئيسهم في تلك الايام رجلاً إسمه سعدون، الذي طبقت الآفاق اسمه، بالشجاعة والكرم والنخوة. احسن استقبالهم بعد ان سمع قصتهم كاملة، وقبَل ضيافتهم قائلاً" ستعيشون هنا بيننا، معززين مكرمين، حتى تزول اسباب لجوئكم الينا". ومع الايام تعززت وتوطدت، علاقة الرجلين سعدون ومنصور، عرف منصور في بلدته، بالأباء وعزة النفس، والقدرة على التحمل، والشجاعة عندما تقتضي الضرورة. صار سعدون الكركري يرتاح في الاستماع، الى احاديث ضيفه منصور، وفي احد الأيام ناداه قائلاً" تعال يا منصور اجلس بجانبي، لأروي لك الحكاية التالية، لتتخذها عبرة في حياتك المقبلة:

     في البدء انصحك ان لا تعول على فرط قوتك، ولا تغريك شجاعتك، وضع في حسابك دائماً، بان هناك من هو اقوى واشجع وأرجح عقلاً منك. انا كنت في مطلع شبابي لا أهاب شيئاً، كانت الارض تهتز تحت وقع اقدامي، اقطع الطرق امام اقوى العصابات في المنطقة، وحتى في الجهة الاخرى من النهر، وكم مرة وصلت مشارف القوش، وكمنت لقوافل في تلال" الكنود"  فسلبتها، انا ورجالي الشجعان. الى ان حل يوم اعترض طريقي شاب غريب، طويل نسبياً، ضعيف الجسم، لا تبدو عليه مظاهر القوة، طالب منازلتي فنزلنا نتضارب بالسيوف والتروس، ولم نتمكن من بعضنا، ثم فجأة رمى السيف جانباً، وصرنا نتصارع بأيدينا وأجسامنا، الى ان تمكن منّي، فرماني أرضاً ووثب فوق صدري قاطعاً أنفاسي، وانا في موقف حرج لا يحسد عليه، وقد نالني الإرهاق والتعب الشديدين، هنا سمعته يردد" هل خدعت نفسك بالقول: انا سعدون كركري؟ " ثم استل خنجره من غمده، ووضعه على رقبتي بغية ذبحي، في تلك الأثناء وأنا بين الموت والحياة، لا تفصلني سوى لحظات، قلت له امهلني لأقول كلمتي الأخيرة قبل ذبحي، قال" هات ما عندك وما يدور في خلدك" فقلت له" انا سعدون كركري" حالاً تغيرت سحنة الرجل، وتغير الموقف في الحال، رمى الخنجر جانباً، ووقف والعرق يتصبب بغزارة من جسمه وقال" يا الهي ماذا اسمع، ماذا تقول يا رجل، كيف لي ان أقهر او ألحق ضرراً بحامل هذا الاسم، الذي اشتهر في طول المنطقة وعرضها" . اجلسني الرجل وقبلني في وجهي وهو يمسح العرق الذي كدت أختنق به، ثم مضى يقول" لننسى ما حصل، ولنتعهد ان نكون اصدقاء مخلصين لبعضنا، وانا تحت أمرك الى ان اموت" .

     التفت سعدون الى منصور الذي كان مطرق الرأس مفكراً في كل كلمة قالها مضيفه، وواصل حديثه قائلاً" فيا رجل هكذا هي الحياة، لا تقل بإمكاني فعل كذا وكذا، وهي اي الحياة تفرز في مجراها، امور واشياء لا تخطر على البال. اخذ منصور العبرة من قصة سعدون كركري في حياته المقبلة، الزاخرة بالمواقف الشجاعة خصوصا بعد عودته الى بلدته.

     وكانت نهاية اغترابه عن بلدته هكذا: تمرض حسقيال واصبح طريح الفراش، وعندما اشتد مرضه واقتربت ساعة منيته، طلب كاهنا ليعترف بخطاياه، كما هو جاري في كل زمان. هنا اخبر الكاهن: بانه هو الذي قتل شعيا، وان منصور واخيه ياقو بريئين من دمه، براءة الذئب من دم يوسف" واسلم الروح. انفعل الكاهن بما سمع، وتعاطف مع منصور من محنته، لعدة سنين مغتربا قسريا، عن بلدته دون ان يقترف جرما، فأبلغ الكاهن بطريقة ما وجهاء البلدة وذوي القتيل، فاُرسل خبر الى منصور واخيه بالعودة مرفوعي الرأس الى قريتهم.

بقي ان نقول شيئا عن الجرجرية( الكركرية) : عشائر تقطن غرب دجلة، تحيط قراهم ناحية زمار- قضاء تلعفر- محافظة نينوى،وتعتبر عشيرة الكركرية او الجرجرية من العشائر العراقية العريقة التي تقطن غرب مدينة الموصل وكذلك في جنوب مدينة الناصرية وضواحيها، واختلف الكثيرين حول الهوية القومية لهذه العشيرة فهناك من اعتبرها فرع تفرع من قبيلة الشكاكا الكوردية وكلمة كركر تعني المتنقل او المترحل باللغة الكوردية، ويعتبر قضاء زمار من اكبر مناطق عشيرة الجرجرية وهم يتكلمون العربية والكردية بطلاقة، يعتمرون العقال والكوفية ويلبسون السروال الفضفاض. حدثني سائق في الطرق والجسور ، واسمه حربي موسى السنجاري، بان وفدا من اكراد منطقة زمار، جاء ليقابل المرحوم عيسى سوار آمر هيز منطقة زاخو بعد بيان 11 اذار، وما ان شاهدهم مقبلين، وهم يعتمرون الكوفيات والعقل، حتى اصدر امره بعدم استقبالهم فعادوا من حيث اتوا. برز منهم سعدون اغا الجرجري، فعندما قتل والده نوح من قبل عشائر الشمر المجاورة كان سعدون في بطن امه، رباه جده على قيم الرجولة والفروسية حتى شب طوقه، فانطلق كالسهم وأخذ بثار والده، ثم اصبح العداء مستحكماً بين الجرجر والشمر لسنين طويلة، كانت تلك المساحات المترامية ميداناً لذلك الصراع الدامي، حتى تمت المصالحة بينهم وكذلك المصاهرة، واشتهرت عدلا سعدون الكركري بعد تزوجها من شيخ مشايخ شمر مجول فرحان الجربا بالشجاعة فكانت تطلق الزغاريد مشجعة الشمر في غزواتهم المتكررة على العشائر المحيطة. نال سعدون حظوة عند ولاة الموصل وكان لا يرد له طلب، وكان ياتي احياناً الى القوش فتوطدت علاقته برئيسها المعروف ايسفي كوزل، حتى ان سعدون اغا الجرجري توسط بين ايسفي كوزل والوالي عندما اشتدت الخلافات بينهما ووصلت حد اصدار الوالي امراً بشنق رئيس القوش.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

California on August 31, 2021

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.