كـتـاب ألموقع
ذكرياتنا في جمهورية اليمن الديمقراطية (2-4)// نبيل يونس دمان
- المجموعة: نبيل يونس دمان
- تم إنشاءه بتاريخ الخميس, 14 تشرين1/أكتوير 2021 20:05
- كتب بواسطة: نبيل يونس دمان
- الزيارات: 1580
نبيل يونس دمان
ذكرياتنا في جمهورية اليمن الديمقراطية في أربعة حلقات
(2)
نبيل يونس دمان
على ذكر وادي حسّان تشكل في محافظة ابين فريق لكرة القدم باسم فريق حسّان الذي اصبح بارزا على مستوى الجمهورية، وكان ينافسه في عدن فريق التلال ، واصبحا بمرور الزمن حسان والتلال على كل لسان، كما هو الحال في مصر والفريقين الاهلي والزمالك، وقد برز من لاعبي حسان، الصديق احمد الراعي، فكان يسدد ضرباته القوية، وباستمرار يعلق مشجعي الفرق المتنافسة مثل التلال وشمسان وغيرهما، بتعليقات تهدف الراعي بالقول( الراعي شلّ السيل) اي جرفه الدفر.
غداة قيام جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية، تم تأميم كل شيء تقريبا، فالاراضي الزراعية( الاطيان) اصبحت ملك الدولة ، وبيوت السلاطين صودرت، فعلى سبيل المثال هرب السلطان عبد الله الى السعودية ابان تولي سلطة الجبهة القومية عام 1967، فاصبح قصره الكبير مبنى لمديرية تربية ابين. في السوق كانت كل المواد الغذائية الاساسية تباع من قبل تعاونيات الدولة، ووصل الامر حدا، حتى امام جامع مديرية( جعار) واسمه الحاج سليم، كان يعمل شغيلا ً في محطة توليد الطاقة الكهربائية، من اجل ان يوفر لقمة عيشه. اما المدارس فكانت مختلطة( بنين وبنات) منذ مرحلة الروضة وحتى الجامعة، ويتم نقلهم من دورهم وقراهم وعرائشهم عبر باصات مملوكة للدولة. وكانت جميع انواع العلاج والادوية والعمليات الجراحية والمستشفيات تتم بالمجان، وكان يكثر الطب الشعبي( طب عرب) خصوصا حالات الكسور الذي كان يختص بها رجل اسمه( مصعبين) في حي الشيخ عثمان بالعاصمة عدن.
امام قاعة مؤتمر رابطة المراة العراقية في عدن كانون ثاني 1987
المرأة في اليمن متحررة بحكم القوانين التقدمية التي شرعت لصالحها، ففي حالات الانفصال مثلا كانت تحتفظ بالبيت مع اطفالها ، في حين يغادره الزوج مرغما ً. وقد عملت المراة في كل مجالات الحياة: في الشرطة، الميليشيا الشعبية، الجيش ، في المعامل ، المزارع ، المكاتب مع الرجال، وكانت العلاقات الاجتماعية اكثر انفتاحا من باقي الدول العربية وتسودها البساطة وحسن النية بعيدا ً عن الانانية وحب التملك.
فتيات اليمن يعطين الاهتمام لمظهرهن، وكان لبسهن الملون الخفيف الفضفاض( درع) يلائم جو البلاد ، وقد كثرت محلات التبرج والكحل والزينة والحمور في عدن الصغرى( كريتر) وفي المعلا والتواهي والمنصورة، ومن مسافة بعيدة تزكم الانوف تشم اطايب العطور واريج البخور المستوردة خصيصا من الهند واندونيسيا وغيرهما، وقبل ان ترتدي الفتاة ملابسها، فانها تبخرها فوق مباخر مخصصة، عبارة عن هيكل معدني او خشبي خفيف، توضع حوله الملابس و( الدروع) وفي الوسط يترك موقد فحم صغير، وحال اضافة مادة البخور الى الجمر المتقد، حتى تتصاعد الابخرة العبقة، لتدخل مسامات الدروع( الثياب الخارجية) والشيذر( العباءة) وغيرها، وبالتالي تقاوم الرطوبة والعرق الناضح باستمرار من الجسم وخصوصا في مدينة عدن.
على مدار السنة تملا اجواء تلك المدينة المطلة على باب المندب، عشرات الالاف من الغربان، ولا احد يعلم سر كثرتها المتزايد، ونعيقها العالي الذي يفاجئ به القادم الجديد، وقد جلبت الدولة خبراء من الخارج للقضاء عليه، ولكن لم يتم التخلص منه ابدا ً، بل هاجرت اعداد منه الى المحافظات الاخرى مثل لحج وابين.
الحياة في اليمن بسيطة والناس فيها بسطاء، ويعتبروا نازلات الدنيا( الاقدار) بالامور الطبيعية ويكثروا من استخدام كلمة( عادي) لاغلب ما يصادفهم، فتلك المفردة شائعة جدا، فاي شيء يحدث يقال عادي، وحتى النواقص والاخطاء التي ترتكب يقولوا ايضا عادي( مع تمديد حرف الألِف) . تصور عندما يتوفى احدهم، فليس من عادتهم الندب والبكاء الطويل او ارتداء الملابس السوداء، بل يعتبرون المسالة محسومة ووقعت في أجَلـِها وكفى. تكاد تخلو حياتهم من مظاهر العنف، واقسم انني لم ارَ شجارا بين اثنين طيلة مدة مكوثي في ضيافتهم، ونادرا ما ترى توترا بين الناس، فلو فرضنا ان احدهم انفعل لسبب ما، فان الثاني يقابله بالهدوء والمسامحة وتفويت الفرصة لوقوع العراك، هناك استثناء واحد فقط للعنف، وذلك عندما تندلع احداث في البلاد كالانقلابات والانقسامات، والحروب الاهلية ، فهناك يبلغ تصفية الحساب اشده، مثال ذلك احداث 13 يناير 1986 التي كنا شهودها.
انا في اليسار مع بناتي لينا وريلا واولاد الصديق الاستاذ فخري الظاهر ابو غادة ( شقيق الكاتب المعروف رضا الظاهر) في بيتنا بجبل خنفر- جعار- أبين أبريل نيسان 1987
هناك نقص في وسائل المواصلات، والسيارة( البابور) عندهم غالية جدا، والقليل منهم يمتلك السيارة، وافضل واسطة نقل في السوق وبين القرى المتناثرة هي العربة المسحوبة من قبل الجمال( كَاري جمل ) . عندما تضطر للوقوف في مفترقات الطرق( كَولات) يكفي ان ترفع يدك لاية سيارة قادمة، فيقف سائقها امامك وهو يحييك، وينقلك الى الجهة التي تقصدها، دون ان يتقاضى اي ثمن، وعند محاولتك مثلا دفع مبلغ معين( بيَس) ياتيك الجواب بالعادي او بالقول( عيب يا رجّال) وحتى عندما تذهب الى مزارعهم وتتزود بالفاكهة مثل( الموز، العنبة، البباي، البرقوق، الجوافة، المانكَو ) او الخضراوات( الخضار) مثل البقل( الفجل) ، الزماط( الطماطة) ، الباكنضال( الباذنجان) ، الباميا، الرومي( شامية) وغيرهما فان اصحابها التعاونيين يرفضون باصرار تقاضي اثمانها، فتقف محرجا، وتبدي في آخر المطاف مزيدا من الامتنان لهم، فياتي جوابهم ان( لا شكر على واجب) . قد يظن البعض ان ذلك مبالغ فيه، ولكنها الحقيقة التي عشناها، ولذلك كنت في حال اضطراري الذهاب الى مزارعهم، احمل معي هدايا لهم او اكلات عراقية مطبوخة في البيت، والتي كانت تعجبهم كثيرا ً.
كانت الشوارع والمدن والقرى في امان تام اذا صح التعبير، فلا خوف ولا قلق يساورنا ونحن ننتقل واغلب الاحيان سيرا على الاقدام من مكان الى آخر، وحتى في منتصف الليل. لم يحصل ابدا ان اعترضنا احد، وكانت نساؤنا ينتقلن لوحدهن احيانا وهن عائدات من المدارس او السوق وكل الامان متوفر حولهن، والناس تنظر اليهن باحترام وتقدير، حقا ذلك الزمان يحسد عليه وتفتقر اليه دول كثيرة.
اولادنا في جبل خنفر- جعار 1987
اليمنيون مولعون بالاغاني والموسيقى، فتسمع التسجيلات العالية في السوق لتلك الايقاعات السريعة، واكثرهم لا يعجبهم الغناء العراقي لانه مدعاة للحزن، باستثناء حبهم للمطرب ناظم الغزالي وخصوصا اغنيته( عيرتني بالشيب) . الموسيقى في اليمن هي الطرب والطرب وحده، فالاغنية مشبعة بالمرح والانبساط، فلا مكان لكلمات حزينة عندهم ، واكثر اوقاتهم سعادة، تكون مع القات كما سبق الحديث عنه، ومن اغانيهم المشهورة انذاك: صبّوحة خطبها نصيب، يا رب مللو حبيب، يا هاجرني مالك، واشهر شعرائهم هو ابو بكر المحضار( من حضرموت) واشهر مغني في الوطنية هو كرامة مرسال صاحب اغنية( لبّيك يا تاج اليمن) ومن المغنين ايضا: احمد فتحي، ايوب طارش، امل كعدل، لوله حسين( من مكيراس) ، فيصل علوي وغيرهم.
اما حفلة الزواج عندهم فتسمى ب( المخدرة) ويتم فيها بالنسبة للرجال مضغ القات وهم مستلقين على الارض ومتوسدين بوسائد كبيرة الحجم وصلبة، والجميع في نشوة سماع الموسيقى الصاخبة ومن مكبرات الصوت التي تصل الى ابعد مكان، اما النساء فيرقصن( يلعبن) على ايقاعات سريعة، ويكاد يكون الرقص الثنائي هو الاكثر شيوعا عندهم وغالبا من النساء، اما الجالسون فيصفقون بايديهم بتواصل، كتلك المعروفة عندنا ب( صفكَة البصرة) . نادرا ما يرقص ثنائي من الجنسين، ويحصل ذلك في المناسبات الوطنية : مثل عيد ثورة اكتوبر وعيد الاستقلال في نوفمبر وعيد 26 سبتمبر، او من خلال فرق الرقص الشعبية، التي لكل محافظة من المحافظات الست فرقتها الشعبية الخاصة بالوانها ونمط ادائها وهي على التوالي : فرقة عدن للرقص الشعبي، فرقة لحج، فرقة ابين، فرقة شبوة، فرقة المكلا( حضرموت) ، وفرقة المهرة.
بعض الفتيات في اليمن يضعن طوقا من الورد على رقابهن، او فوق الراس من ورود الفـُل ذات الرائحة الزكية الفواحة، ففي ليالي رمضان يسطع شارع الشيخ عثمان في عدن، بالانوار الكاشفة فوق عربات صغيرة مملوءة بورود الفل، وبجانبها النساء يضفرن اكاليل الورد التي تتشح الجسم، او على شكل اطواق واكاليل جميلة جدا، حيث تبعث في الانسان البهجة والانشراح من خلال تلك المناظر على طول الشارع، ففي الليالي الاخيرة من الشهر المبارك، لا تكاد تتلمس طريقك من زحمة الناس. اذكر عندما تزوج زميلنا جبار (الديوانية) ، من الفتاة اليمنية فطومة( فطوم) عام 1985 كانت النسوة اليمنيات يغنين اغنية مطلعها: جبنالك فـُلــَّة( من وردة الفل) يا جبار، تسوه عدن كـُلــَّه.
كلية التربية- زنجبار 1985. من اليسار رشاد ( ابو علي) ، .... ، خالد دعير ( ابو الفت) ، تيريز مروكي ( ام ميسون) ، كفاح اودو ( ام لينا) ، ام سيروان، رابحة ام صباح، فاطمة ام مازن
ان ننسى فلا ننسى الخضاب والحنة بالوانه الاسود، الاحمر، الاصفر، الاخضر حيث تخضب الفتيات ايديهن وارجلهن لمسافة تصل منتصف الساعد او الساق، لتصبح منقوشة باجمل الرسوم الطبيعية، والزخارف الفنية، والكتابات المعبرة، ويتم ذلك على ايدي نسائية متخصصة.
عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.
California on October 12, 2021
المتواجون الان
261 زائر، ولايوجد أعضاء داخل الموقع