كـتـاب ألموقع

• مأساة سقوط الانسان والصليب

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

قرداغ مجيد كندلان

 

مقالات اخرى للكاتب

مأساة سقوط الانسان والصليب

مأساة سقوط الانسان

عند التطرق الى الصليب لابد ان ندرس قصةالانسان منذالبداية ، الوهلة الاولى ، منذ ان دبت فيه

الحياة ، ووضعه الله في جنة عدن اي جنة سرور وفرح التي وصفها الكتاب المقدس :

" وجبل الرب الإله الإنسان ترابا من الأرض ونفخ في أنفه نسمة حياة، فصار الإنسان نفسا . وغرس الرب الإله جنة في عدن شرقا وجعل هناك الإنسان الذي جبله . وأنبت الرب الإله من الأرض كل شجرة حسنة المنظر وطيبة المأكل وشجرة الحياة في وسط الجنة وشجرة معرفة الخير والشر . وكان نهر يخرج من عدن فيسقي الجنة ومن هناك يتشعب فيصير أربعة فروع ." ( تكوين 2: 7-10 )

الله نفخ في الانسان نسمة حياة ، الروح ، وهذه النسمة يقول عنها ايوب في (32: 8): " لكن في البشر روحا ونسمة القدير ." " ويخطر ببالنا السؤال : في اية صورة عمل الله الانسان ؟ ويجيبنا الكتاب المقدس بالقول: " وقال الله : لنصنع الانسان على صورتنا كمثالنا وليتسلط على اسماك البحر وطيور السماء والبهائم وجميع وحوش الارض وجميع الحيوانات التي تدب على الارض ز فخلق الله الانسان على صورته على صورة الله خلقه ذكرا وانثى خلقهم ." ( تكوين 1: 26و27 )، ومعنى هذا ان الانسان قد خلق على صورة المسيح الذي " هو صورة الله الذي لايرى وبكر كل خليقة ."( قولسي 1: 15)، وكذلك في انجيل يوحنا 1: 1و3: " في البدء كان الكلمة والكلمة كان لدى الله والكلمة هو الله . به كان كل شيء وبدونه ماكان شيء مما كان" . وكما يؤكد بولس الرسول :" ففيه خلق كل شيء مما في السموات ومما في الارض مايرى وما لايرى أأصحاب عرش كانوا أم سيادة أم رئاسة أم سلطان كل شيء خلق به وله " (قولسي 1: 16) . هكذا خلق الانسان حرا في ارادته وطاهرا ، ويقف الانسان امام الله يؤدي التحية . وهذا من شأنه أن يؤدي الى علاقة مستمرة مع الله بإرادة حرة تستطيع ان تقول نعم او لأ . عند هذه النقطة دخل الشيطان وتكلم مع حواء " أيقينا قال الله: لا تأكلا من جميع أشجار الجنة؟ "(تكوين3: 1 ) . فقالت المرأة يوم نأكل منها موتا نموت (تكوين2: 17 ) . فقالت الحية لن تموتا ( تكوين3: 4) . فصدقوا الحية وكذبوا الله ، وسقط الانسان في الخطيئة . ويبدأعادة هجوم الشيطان بالتشكيك في كلمة الله . يقول الرسول بولس " الخطيئة دخلت في العالم "

( رومية 5: 12 ) . اي عالم الانسان ، والقديس بولس بحسب فكره الواضح في كتاباته يبين ان الشر كان موجودا خارج عالم الانسان قبل ان يخطيء الانسان . والشر كان محصورا في عالم الملائكة ، بدليل ان الشيطان وهو المحسوب أحد الملائكة الساقطين ، هو الذي سرب الخطيئة للانسان ومنه الى العالم . جاء في سفر الرؤيا (12: 7-9 ): " ونشبت حرب في السماء، فإن ميخائيل وملائكته حاربوا التنين، وحارب التنين وملائكته، فلم يقو عليهم، ولا بقي لهم مكان في السماء . فألقي التنين الكبير، الحية القديمة ، ذاك الذي يقال له إبليس والشيطان ، مضلل المعمورة كله ، القي إلى الأرض وألقي معه ملائكته. " الملائكة خُلقت اصلا للقيام بخدمة الله وتنفيذ اوامره وهي ارواح خادمة ، فإذا ما اخطات فأنها تسقط من درجاتها الملائكية وتصبح شياطين وليس لها خلاص ، وانحصرت الشياطين على الارض .

دخلت الخطيئة الى العالم وبالخطيئة الموت . صحيح انها خطيئة ادم الانسان الاول ، ولكن هذه الخطيئة ارتبطت بالطبيعة ، وسلم ادم لذريته الطبيعة التي زلت وأخطأت وفقدت نعمة وجودها في حضرة الله وفارقتها النعمة الحافظة والمدبرة ، فصارت مستهدفة للموت ولمن له سلطان الموت . آدم لم يسلم خطايا بأي نوع كانت ، ولكن سلم طبيعة مستهدفة للخطيئة لأنها فاقدة النعمة وفاقدة الحفظ والتدبير الإلهيين ، قابلة لكل خطيئة وقابلة للموت ؟ لأنها فاقدة للحفظ والنعمة معا .وكان الموت الجسدي هو الصورة المنظورة للموت الروحي .

خطيئة آدم أنه مد يده الى ما لا يحل له تحت إغواء ومكر الشيطان وتزييف الحقائق والاستهانة بتحذيرات الله ، وخطيئة كل ابن لآدم وُلد له على الارض هي بعينها : يمد يده الى ما لا يحل له تحت غواية الحية ( الشيطان ) فتسري فيه اللعنة والموت كما سرت اللعنة والموت في ابيه الاول . فالله خلق الانسان أصلا على الخلود ، ولكن الطبيعة البشرية تقبلت الخطيئة كعنصر فساد دخل خلسة في تكوينها فأورثها الموت والفساد ، والموت والفساد ليسا هما على مستوى الجينات اي مكونات الخليقة في التوريث ، ولكنهما عنصران يتحكمان في الطبيعة البشرية ككل . هذا كان بمقتضى حكم دخل تحته الانسان بحرية إرادته وبالرغم من تحذير الله . آدم لم يسلم الخطيئة لأولاده كفعل من الافعال يمارسونه عن حتمية واضطرار ولكنه سلم طبيعة عارفة الخير والشر ، ومعرفتها للشر هي التي تجرها لعمله وليس لديها القوة لمقاومته ، لأن قوة مقاومة الخطيئة هي قوة نعمة الله التي فقدها ادم حينما طُرد من أمام وجه الله . فنحن لا نموت بخطيئة آدم بل نموت بطبيعة آدم وبسبب خطايانا !

خطايا الانسان ظلت مخفية تعمل دون ان يلحظها احد ودون ان يحصرها الفكر والضمير . ولكن الله يقصد ان يطهر ضمير الانسان من كل الاعمال الشريرة ، فكان لابد من ناموس يوضح انواع الخظايا ويكشفها للضمير ويعطي عنها عقوبات رادعة لإيقاظ الضمير وإخافته ، والتي قد تصل الى حد الموت إن هي بلغت حد العصيان الارادي . وهكذا دخل ناموس موسى ليكشف انواع الخطايا العاملة في قلب الانسان وفكره . وهنا يتحتم علينا ان نعلم ان كل التطهيرات والذبائح والقرابين الناموسية كانت تقدم عن خطايا السهو فقط ، اما الذي يخطيء عن عمد او ارادة فليس له ذبيحة بل موتا يموت

( خروج 32: 33 ) . وهكذا وقف ناموس موسى امام خطايا العمد بلا حراك وبلا اهلية تاركا معالجتها للمسيح الفادي ، من هنا نفهم قول المسيح :" لا تظنوا أني جئت لأبطل الشريعة أو الأنبياء ما جئت لأبطل، بل لأكمل "(متى 5: 17) لان المسيح له ان يبريْ القاتل ولا احد من بعده يدين ، وان ادان فلا احد يبريء .

المحاكمة

المحاكمة الاولى أمام حنان : " فقبضت الكتيبة والقائد وحرس اليهود على يسوع وأوثقوه . وساقوه أولا إلى حنان، وهو حمو قيافا عظيم الكهنة في تلك السنة . وقيافا هو الذي أشار على اليهود أنه خير أن يموت رجل واحد عن الشعب . وتبع يسوع سمعان بطرس وتلميذ آخر، وكان عظيم الكهنة يعرف ذاك التلميذ، فدخل دار عظيم الكهنة مع يسوع . أما بطرس فوقف على الباب في خارج الدار . وخرج التلميذ الآخر الذي يعرفه عظيم الكهنة، فكلم البوابة وأدخل بطرس . فقالت الجارية التي على الباب لبطرس : ألست أنت أيضا من تلاميذ هذا الرجل؟ قال : لست منهم . وأوقد الخدم والحرس نارا لشدة البرد، ووقفوا يستدفئون، ووقف بطرس يستدفئ معهم . فسأل عظيم الكهنة يسوع عن تلاميذه وتعليمه . أجابه يسوع : إني كلمت العالم علانية، وإني علمت دائما في المجمع والهيكل حيث يجتمع اليهود كلهم، ولم أقل شيئا في الخفية . فلماذا تسألني أنا؟ سل الذين سمعوني عما كلمتهم به، فهم يعرفون ما قلت . فلما قال يسوع هذا الكلام، لطمه واحد من الحرس كان بجانبه وقال له : أهكذا تجيب عظيم الكهنة؟ أجابه يسوع : إن كنت أسأت في الكلام، فبين الإساءة . وإن كنت أحسنت في الكلام، فلماذا تضربني ؟ فأرسل به حنان موثقا إلى قيافا عظيم الكهنة . وكان سمعان بطرس واقفا يستدفئ . فقالوا له : ألست أنت أيضا من تلاميذه؟ فأنكر قال : لست منهم . فقال خادم من خدم عظيم الكهنة، وكان من أقارب الرجل الذي قطع بطرس أذنه : أما رأيتك أنا بنفسي معه في البستان؟ فأنكر بطرس مرة أخرى . وعندئذ صاح الديك . " ( يوحنا 18: 12 – 27 )

لقد انفرد الانجيلي يوحنا في بشارته بسرد وقائع المحاكمة . ومن لغة الرواية يستدل أنه كان حاضرا وشاهد عيان :" وتبع يسوع سمعان بطرس وتلميذ آخر . ، وكان عظيم الكهنة يعرف ذاك التلميذ، فدخل دار عظيم الكهنة مع يسوع . " ( يوحنا 18: 15 )

ملابسات محاكمة يسوع

1. واضح أن قضية المسيح لاترتكز على اصول جنائية ، وذلك من واقع سبق تحدي المسيح للجهات القضائية بقوله :" من منكم يثبت علي خطيئة؟ فإذا كنت أقول الحق فلماذا لا تؤمنون بي؟"

( يوحنا 6: 46 ). وهم لم يستطيعوا بالفعل أن يقيموا عليه أية حجة . ومن واقع تحديه لرئيس الكهنة عند أول استجواب له :" فسأل عظيم الكهنة يسوع عن تلاميذه وتعليمه . أجابه يسوع : إني كلمت العالم علانية، وإني علمت دائما في المجمع والهيكل حيث يجتمع اليهود كلهم، ولم أقل شيئا في الخفية . فلماذا تسألني أنا؟ سل الذين سمعوني عما كلمتهم به، فهم يعرفون ما قلت ." ( يوحنا 18: 19-21 ) . ولم يستطع رئيس الكهنة أن يرد ، أو يستطرد في الاسئلة .

2. هذه القضية مستوجبة السقوط قانونيا من واقع ضرورة رد القاضي ،إذ سبق له الحكم فيها قبل رفعها وقبل القبض على المسيح :"وقيافا هو الذي أشار على اليهود أنه خير أن يموت رجل واحد عن الشعب."( يوحنا 18: 14 )

3. تقديم المسيح للمحاكمة أمام حنان ليبدي رأيه أو ليحكم ، كان عملا غير قانوني بالمرة . فحنان ليس رئيس كهنة ، وهذا ما اعلنه الانجيلي يوحنا :" " فقبضت الكتيبة والقائد وحرس اليهود على يسوع وأوثقوه . وساقوه أولا إلى حنان، وهو حمو قيافا عظيم الكهنة في تلك السنة ."

(يوحنا18 : 12و13 )

4. في كل رواية الانجيلي يوحنا عن المحاكمة ، سواء أمام حنان أو أمام رئيس الكهنة قيافا ، لم يورد الانجيلي يوحنا أي اشارة الى اتهام استقروا عليه . فإذا رجعنا الى الثلاثة الأناجيل الاخرى ، نجد في إنجيل متى كيف تعلق قيافا بتصريح قاله المسيح وشق ثيابه ، إدعاءً كاذبا منه إن المسيح جدف على الله ، وهكذا أصدر حكمه بالاجماع ان المسيح جدف أمامه وأن لاحاجة بعد الى شهود . اما رد المسيح على قيافا :" فظل يسوع صامتا . فقال له عظيم الكهنة . أستحلفك بالله الحي لتقولن لنا هل أنت المسيح ابن الله . فقال له يسوع : هو ما تقول، وأنا أقول لكم : سترون بعد اليوم ابن الإنسان جالسا عن يمين القدير وآتيا على غمام السماء . ( متى26: 63 – 65 ) .

ومن الواضح ان هذا كان هو التدبير المتفق عليه مع بيلاطس ، لأنه من غير المعقول ان يأمر القائد الروماني بأخذ يسوع الى منزل حنان وهو ليس رئيس كهنة في اعتبار الحكومة الرومانية . فالاصول الواجبة هي ان يؤخذ الى دار الولاية اولا ، ثم عى اسوأ الفروض الى دار رئيس الكهنة الرسمي . ولكن ان يذهب به اولا الى دار حنان ، فهذا اجراء غير قانوني مكشوف ، يكمن وراء عوامل غير عادية ، تـُخِلُ إخلالا شديدا بحياد المحاكمة والوالي ورئيس الكهنة .

يبين لنا المؤرخ يوسيفوس ان حنان هو حنان بن شيث . كان واحدا من اكبر الشخصيات اليهودية . ولقد تبوأ عرش رئاسة الكهنوت من سنة 7 م حتى السنة 14 – 15 م ، ومن بعده تقلد الرئاسة الكهنوتية ابنه ألعازر الى سنة 16 – 17 م ، اي سنة واحدة ، ومن بعده جاء يوسف قيافا نسيبه ، الذي تزوج ابنته ، والذي بقي في الرئاسة حتى سنة 35 – 36 م . وكذلك يبين لنا إبيد بأنه بعد قيافا تولى الرئاسة ابن آخر لحنان ، هو يوناثان سنة 36-37 م ، ومن بعده توالى على الرئاسة ثلاثة آخرون من اولاده ، اي أولاد حنان ، ثاوفيلس 37-41 م ، متياس 41-44 م ، وكان آخرهم حنان الصغير سنة 62 م ، الذي حمل اسم أبيه ، اي كان اسمه حنان بن حنان ، وهو الذي مد يده وقتل يعقوب أخا الرب .

المحاكمة الثانية امام المحكمة المدنية : يكشف الانجيلي يوحنا عن التحقيقات الخاصة التي أجراها بيلاطس مع المسيح في غياب اليهود ، ورواية الانجيلي يوحنا لمحاكمة المسيح يمكن تقسيمها الى سبع اجزاء :

الجزء الاول : خارج دار الولاية :

وفيه يطالب بيلاطس اليهود بنفاذ حكم الاعدام الذي نطقوه

" وساقوا يسوع من عند قيافا إلى دار الحاكم . وكان ذلك عند الفجر، فلم يدخلوا دار الحاكم مخافة أن يتنجسوا فلا يتمكنوا من أكل الفصح . فخرج إليهم بيلاطس وقال : بماذا تتهمون هذا الرجل؟ فأجابوه : لو لم يكن فاعل شر لما أسلمناه إليك . فقال لهم بيلاطس : خذوه أنتم فحاكموه بحسب شريعتكم . قال له اليهود : لا يجوز لنا أن نقتل أحدا . بذلك تم الكلام الذي قاله يسوع مشيرا إلى الميتة التي سيموتها ".(يوحنا 18: 28—32)

الجزء الثاني : داخل دار الولاية :

الاعتراف المسيح ملك

" فعاد بيلاطس إلى دار الحاكم، ثم دعا يسوع وقال له : أأنت ملك اليهود؟ أجاب يسوع : أمن عندك تقول هذا أم قاله لك في آخرون؟ أجاب بيلاطس : أتراني يهوديا؟ إن أمتك وعظماء الكهنة أسلموك إلي . ماذا فعلت؟ أجاب يسوع : ليست مملكتي من هذا العالم . لو كانت مملكتي من هذا العالم لدافع عني حرسي لكي لا أسلم إلى اليهود . ولكن مملكتي ليست من ههنا . فقال له بيلاطس : فأنت ملك إذن ! أجاب يسوع : هو ما تقول، فإني ملك . وأنا ما ولدت وأتيت العالم إلا لأشهد للحق . فكل من كان من الحق يصغي إلى صوتي ." ( يوحنا 18: 33 – 37 )

الجزء الثالث : خارج الولاية :

الاعلان الاول عن براءة المسيح وموضوع برأبا ( باراباس )

" قال له بيلاطس : ما هو الحق؟ قال ذلك، ثم خرج ثانية إلى اليهود فقال لهم : إني لا أجد فيه سببا لاتهامه . ولكن جرت العادة عندكم أن أطلق لكم أحدا في الفصح . أفتريدون أن أطلق لكم ملك اليهود؟ فعادوا إلى الصياح : لا هذا، بل برأبا ! وكان برأبا لصا . " ( يوحنا 18: 38 – 40 )

الجزء الرابع : داخل الولاية : الحكم بالجلد ، والاستهزاء الاول

" فأخذ بيلاطس يسوع وجلده . ثم ضفر الجنود إكليلا من شوك ووضعوه على رأسه، وألبسوه رداء أرجوانيا، وأخذوا يدنون منه فيقولون : السلام عليك يا ملك اليهود ! وكانوا يلطمونه .

( يوحنا 19: 1 – 3 )

الجزء الخامس : خارج الولاية :

الاعلان الثاني والثالث عن براءة المسيح

" وخرج بيلاطس ثانيا وقال لهم : ها إني أخرجه إليكم لتعلموا أني لا أجد فيه سببا لاتهامه . ها إني أخرجه إليكم لتعلموا أني لا أجد فيه سببا لاتهامه ، فقال لهم بيلاطس : ها هوذا الرجل ! فلما رآه عظماء الكهنة والحرس صاحوا : اصلبه ! اصلبه ! قال لهم بيلاطس : خذوه أنتم فاصلبوه، فإني لا أجد فيه سببا لاتهامه . أجابه اليهود : لنا شريعة، وبحسب هذه الشريعة يجب عليه أن يموت لأنه جعل نفسه ابن الله . ( يوحنا 19: 4 – 7 )

الجزء السادس : داخل الولاية :

مصدر السلطان والخطيئة الأعظم

" فلما سمع بيلاطس هذا الكلام اشتد خوفه . فعاد إلى دار الحكومة وقال ليسوع : من أين أنت؟ فلم يجبه يسوع بشيء . فقال له بيلاطس : ألا تكلمني؟ أفلست تعلم أن لي سلطانا على أن أخلي سبيلك، وسلطانا على أن أصلبك؟ أجابه يسوع : لو لم تعط السلطان من عل، لما كان لك علي من سلطان، ولذلك فالذي أسلمني إليك عليه خطيئة كبيرة . " ( يوحنا 19: 8 – 11 )

الجزء السابع : خارج الولاية :

تهديد القاضي . يحيا قيصر وليَمُتْ المسيح

" فحاول بيلاطس من ذلك الحين أن يخلي سبيله، ولكن اليهود صاحوا : إن أخليت سبيله، فلست صديقا لقيصر، لأن كل من يجعل نفسه ملكا يخرج على قيصر . فلما سمع بيلاطس هذا الكلام، أمر بإخراج يسوع، وأجلسه على كرسي القضاء في مكان يسمى البلاط ويقال له بالعبرية غباثة . وكان ذلك اليوم يوم تهيئة الفصح، والساعة تقارب الظهر . فقال لليهود : هاهوذا ملككم ! فصاحوا : أعدمه ! أعدمه ! اصلبه ! قال لهم بيلاطس : أأصلب ملككم؟ أجاب عظماء الكهنة : لا ملك علينا إلا قيصر ! فأسلمه إليهم ليصلب . ( يوحنا 19: 12 – 16 )

الصلب

" فأسلمه إليهم ليصلب . فخرج حاملا صليبه إلى المكان الذي يقال له مكان الجمجمة، ويقال له بالعبرية جلجثة . فصلبوه فيه، وصلبوا معه آخرين،كل منهما في جهة، وبينهما يسوع . وكتب بيلاطس رقعة وجعلها على الصليب، وكان مكتوبا فيها : يسوع الناصري ملك اليهود . وهذه الرقعة قرأها كثير من اليهود، لأن المكان الذي صلب فيه يسوع كان قريبا من المدينة . وكانت الكتابة بالعبرية واللاتينية واليونانية . فقال عظماء كهنـة اليهود لبيلاطس : لا تكتب : ملك اليهود ، بل اكتب : قال هذا الرجل : إني ملك اليهود . أجاب بيلاطس : ما كتب قد كتب ! "

( يوحنا19: 16-22 )

ان السياسة التي سار عليها بيلاطس من اول القضية لنهايتها ، أصبح اليهود وعلى رأسهم رؤساء الكهنة هم وحدهم المتحملين تنفيذ سفك الدم ، بل وتنفيذ الحكم اراديا ، لأن عسكر الرومان قاموا بالعمل بمقتضى قانون الرومان ، اي الصَلبِ ، لأن الموت صلبا ليس في صلب الناموس ، بل هو وسيلة رومانية وثنية . فخرج المسيح حاملا صليبه من امام قلعة انطونيا ، اي دار الولاية ، مارا بشوارع المدينة ، حيث استقبلته النسوة بالبكاء والنواح . ولكن المسيح أبى أن يُبكى عليه وهو المصدر الفرح السماوي : " وتبعه جمع كثير من الشعب، ومن نساء كن يضربن الصدور وينحن عليه . فالتفت يسوع إليهن فقال : يا بنات أورشليم، لا تبكين علي، بل ابكين على أنفسكن وعلى أولادكن . فها هي ذي أيام تأتي يقول الناس فيها : طوبى للعواقر والبطون التي لم تلد والثدي التي لم ترضع . وعندئذ يأخذ الناس يقولون للجبال : أسقطي علينا وللتلال : غطينا . فإذا كان يفعل ذلك بالشجرة الخضراء، فأيا يكون مصير الشجرة اليابسة ؟ ( لوقا 23: 27-31 )

كان المسيح يئن تحت ثقل الصليب ، عرقه يتصبب ويتساقط من جبينه ، وهو منحني ، فكان يتفطر ممزوجا بالدم ، من الاشواك المغروسة حول رأسه ، لم يذق طعاما ولا ماءً ولا نوما منذ عشاء الخميس . سار المسيح حاملا عار الصليب ، محمولا بمجد الله ، منحنيا تحت ذُلة الخطاة ، شامخا بعمل الخلاص . حينما حمل المسيح الصليب ، اختفى مفهوم الصليب من العالم كأداة للموت والتعذيب ، وحل محل هذه الصورة المرعبة المفهوم الجديد للصليب ، كرمز الايمان والرحمة والرقة والبذل والاسعاف والحب والسلام والقداسة والكرامة والمجد .

والذي يلفت النظر ، أنه لايزال في كل يوم جمعة ، وقبل الفصح ، كل سنة ، وحتى اليوم يُقام احتفال بمسيرة طريق الالام عينه . وتقف المسيرة في اربع عشرة محطة ، بعضها مأخوذ اسمه من الكتاب المقدس ، والاخر من التقليد ، وينتهي طريق الآلام الان عند كنيسة القبر المقدس حيث تقام صلاة احتفالية بواسطة آباء الفرنسيسكان ، اللذين هم اول من رتب طريق الآلام منذ القرن الرابع عشر . يقدم لنا الاسقف والعالم الكتابي وستكوت حوادث القبض والمحاكمة والآلام والصلب في جدول زمني، إلا انني سأقتصر ذكر الساعة الاولى والساعات الاخيرة من الآلام والصلب :

الساعة الواحدة بعد نصف الليل حسب الساعات المعمول بها الان ( السابعة من الليل على اساس ساعات اليهود ) :

- معاناة الآلام في صلاة البستان .

- ظهور يهوذا مع الجند والخدام .

- القبض على المسيح والذهاب به الى منزل رئيس الكهنة .

الساعة التاسعة صباحا حسب الساعات المعمول بها الان ( الساعة الثالثة من النهار على اساس ساعات اليهود ) :

- بدء الصلب ( مرقس 15 : 25 )

الساعة الثانية عشرة ظهرا حسب التوقيت الان ( الساعة السادسة من النهار على اساس ساعات اليهود ) :

- بدء النزع الاخير

من الساعة الثانية عشر الى الساعة الثالثة حسب الساعات المعمول بها الان ( من الساعة السادسة حتى الساعة التاسعة على اساس ساعات اليهود ) :

- " كانت ظلمة على الارض " (متى 27: 45 )

الساعة الثالثة حسب الساعات المعمول بها الان ( الساعة التاسعة من النهار على اساس ساعات اليهود ) :

- النهـايـة : " قد اكمـل " ! ( يوحنا 19:30 )


اثناء ما كان المسيح على الصليب معلقا حدث حادثان ذو مغزى لاهوتي ، الاول حدوث ظلمة على الارض ، والثاني انشقاق حجاب الهيكل . الاول كان اشتراكا من السماء في انطفاء النور الحقيقي على الارض . اما الحدث الثاني فهو تعبير لاهوتي عن أن بموت المسيح انتهى عصر اسرائيل الذي كان فيه الحجاب ( جسد الخطية ) يحجز الانسان عن الله ، اما بعد موت المسيح ودفع ثمن الخطية صار بيت الله يسع الامم مع اسرائيل بالمصالحة التي اكملها المسيح بموته عن خطايا العالم ، فانفتح طريق الامم الى الله . وبعد حادثتي الظلمة وانشقاق الحجاب ، صرخ المسيح بصوت عظيم " قد اكمل" .