كـتـاب ألموقع

• سـرهـد جـمّـو : أنا لستُ مبادراً أو قائـداً لمؤتمركم

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 
بقـلم : مايكل سـيـﭙـي

مقالات اخرى للكاتب

سـدني

سـرهـد جـمّـو : أنا لستُ مبادراً أو قائـداً لمؤتمركم

مشاعـلُ مؤتمر النهـضة الكلدانية تـضيء

30/3    1/ 4/2011  ...........  ( 8 )

 

 

في مقـدمة بديهـية اقـول : إن أبناء أيّ قـوم تـقع عـليهم مسؤولية الدفاع عـن حـقـوقهم ، إنْ كان بالتـفاوض أو بالتحالف ، أو بعـقـد إتـفاقـيات أو بالمساهـمة في إقامة منشآت ، أو باللجـوء إلى المؤسّـسات ذات الطابع الحـقـوقي والقانونيات ، واليوم نـحـن الكـلدان لا نريد حـرباً ولا بنادق ولا أرتالاً مسلحة ولا ميليشيات ، فـقـد ولـّى زمن العـنـتريات ، وها إنـنا نرى الشعـوب قـد تـخـلـّـتْ عـن الإجـتماعات السرية والمؤامرات ، وتوزيع الأسلحة والأدوار للقـيام بالإنـقـلابات ، وتركـَـتْ سُـبل الغـدر والتخـطيط للإغـتيالات ، فـقد نضج وعـيها وأدركـتْ إنسانيتها حـتى صارت تـنـزل إلى الشارع سلمياً وعـلناً مُـطالبة بحـقـوقها والحـريات . وهـنا لا بـدّ أن ينبري من بـين القـوم ، قادة وروّاد وكـُـتــّاب وشعـراء وفـنانون يتـحـسّـسون أنين شـعـوبهم ويشعـرون بمظالم أبنائهم فـيتـزعـمونهم ويقـودون أرتالهم المسالمة وهم في مقـدمة مواكـبهم للمطالبة وإنـتـزاع تلكَ ، حـقـوقهم . وهـنا نـرى أنـفـسنا عـلى طـرَفــَي معادلة رياضية : القائـد والشعـب ، تـتـوازن حـين تـتـساوى هـمّة الزعـيم وإخـلاصه وإقـدامِه وتـضحـيته ! من طرف ، أما الطرف الآخـر - الشعـب - عـليه أن ( لا يتبع ) بل يتابع قائده ويسانـده ويحـميه ويثـق به كي يأتي بأثماره . كـتبتُ هـذه المقـدمة ومؤتمر النهـضة الكـلـدانية المزمع عـلى الإنعـقاد ، وقـبل أن يـبدأ أعـماله بدقائق والجـميع جالسين ، دخل سيادة المطران سـرهـد جـمّـو  ووقـف عـند باب القاعة في إشارة منه إلى أنّ له مَـهَـمّة أخـرى وسيغادر ، حـيا المؤتمرين ورحـب بهم ووجّه إليهم كلاماً بسيطاً وقـصيراً قائلاً : أنا لستُ مبادراً وقائداً لمؤتمركم ، أنا مسانـدٌ وداعـمٌ له . ومن الطبـيعي لسيادته كـرجـل كـلـداني أن يكـون له آراؤه السـديدة ، ومداخلاته اللاحـقة المفـيدة بشأن المؤتمر وأهـدافه الحـميدة ، إنه بالإضافة إلى عـمله الدؤوب ليلاً ونهاراً كـكـلداني من أجـل إستـحـصال أيّ مُـنـجَـز للكـلدان ، إلاّ أنّ دعـمه المشـكـور كان ملفـتاً للنـظر بمؤازرة الأسقـف الوقـور مار باوي سـورو وحـضرة الأب نوئيل وبقـية الآباء الأفاضل مع المِلاك العامل في الكـنيسة والجالية الكـلدانية قاطبة في سان ديـيـﮔـو ، وحـبذا لو أنّ جـميع قادتـنا ، أساقـفة وكهنة وعـلمانيّـين تكـون لهم مثل هـذه الهـمة والحـماس ، رغم الظروف الخاصة المحـيطة بالبعـض منهم . نعـم إن الأيام شِـرّيرة ، إلاّ أنّ تلك الظروف لا تمنعهم من أن يكـونوا ودعاء كالحـمام وحـكماء كالحـيات ، فالمسيح لم يُـعـطِ عـلى نـفـسه مستمسكاً كي يُـدان به ، ولكـنه صُـلِـبَ ! لماذا ؟ لكي تـكـون الحـياة بالقـيامة ، التي لولاها لـَـما كان عـندنا اليوم عـروشٌ حـمراء اللون لأساقـفـتـنا أصحاب السيادة ولـﭙـطاركـتـنا أصحاب الغـبطة ، ولخـلفاء مار ﭙـطرس الأحـبار ﭙاﭙـَـواتِـنا المعـظـَّمين . ذكـرتُ هـذه المقـدمة والعـد التـنازلي لساعة توقـيت المؤتمر ما بَرِح في أرقامه قـبل الصفـر مقـتـرباً من بـدء إنطلاقة فـعالياته ، وعـليه فمقالي هـذا لا يـزال قــُـبَـيل بـدء أعـمال المؤتمر .     

ليس صعـباً عـلى دولة ما أن تعـقـد مؤتمراً بفـضل إمكاناتها المادية والبشرية ، ولكـن الكـلدان لا يملكـون ميـزانية دولة ، وهُـم ينـتـشرون في أقـطار متـعـدّدة في العالم اليوم لكـنهم لا يمـثــِّـلون دولة ، بل أنّ العـراق وطنهم الأصلي وليسوا فـيه دولة ، وليس في مخـيلتهم يوماً أن يُـقِـيموا حـواجـز كـونكـريتية حـول العـراق ويعـتبرونه لهم دولة ، كما وليس لهم مسانـدين في وطـنهم الأصلي هـذا الذي هـو دولة ، بل بالعـكس فإن هـناك مِن المتـربّـصين بهم ، مَن يـريد تهـميشهم وإقـصاءهم وتـذويـب إسمهم العـضوي الحي ، في قاطـرة حامضية خانـقة دون معادلته بمحاليل قاعـدية رائقة تــُـنـعِـشهم وتــُـبْـرِز ملوحـتهم ، ولهـذا فإن الترتيبات المرئية اليوم في الوطن الأم ، تـوحي بوجـود مخـطـط لإلغاء مُـلوحَـتِهم ، ثم تلاشيهم وضياع وجـودهم بـين شـرائح الشعـب العـراقي في العـراق الدولة ، وبسبـب أولئك لم تــُـتــَـح لهم فـرصة ، لا بل حُـرِمـوا من ممارسة نشاطاتهم القـومية بـِحـُـرّية كي لا يـبـرز لهم وجـودُ في عـراقهم رغم أنها لا تـمسُّ كـرامة الدولة ، فـحـين فـكـَّـروا بعـقـد مؤتمرهم هـذا ، كان لابـدّ أن يـبحـثـوا عـن مكان خارج وطـنهم بـيث نهرين الدولة . إن عـقـد المؤتمر خارج الوطن ليس بالأمر السهل عـلى العـلمانيّـين القائمين به ، من حـيث تهـيئة مستـلزماته ، تـوجـيه الدعـوات إلى المؤهـَّـلين في مخـتلف بلدان العالم لحـضوره ، وإستلام إجاباتهم ، تهـيئة إقاماتهم وضيافـتهم ، إستـقـبالهم وتوديعـهم من وإلى المطار والفـندق ، وسائـط النـقـل من وإلى محـل الإقامة ومكان إنعـقاد المؤتمر وطيلة أيامه ، تهـيئة وسائل الإعـلام المغـطية والناقلة لفعالياته ، ودعـوة المسؤولين الحـكـوميّـين في البلد لحـضوره ، وأمور آخـرى كـثيرة قـد لا تـخـطر بالبال الآن ، أقـول إن كـل ذلك يتـطلب جـهـوداً شخـصية إستـثـنائية وإمكانيات مادية لا يُـستـهان بها ، لـذلك كان لا بـدّ من مؤسسة كـبـيرة سانـدة تــُـسَـخـِّـر إمكانياتها من حـيث بنيتها التحـتية وتـكـنولوجـيتها المتوفـرة لديها والتي لا تـتـوفـر لنا بسخاء عـند أية مؤسسة مقـرّبة إلينا حالياً إلاّ الكـنيسة ( هـذا شاهـدناه بأعـينـنا ) ولماذا لا ! أليست الكـنيسة أم المؤمنين تبسط جـناحـيها فـتجـمع أولادها  للصلاة ؟ فـما المانع أن تـكـون كـذلك في بقـية النـشاطات المكـرّسة للحـياة ؟ ورغـم أنّ أحـداً لم يحـكِ لنا شيئاً عـن الميزانية المرصودة للمؤتمر ولكـنـنا نستـنتج منطقـياً أنّ هـناك مؤسّـسات أو أفـراداً مُـتمكـِّـنون وقادرون في سان ديـيـﮔـو ، بـذلوا بسخاء لعـقـد وإنجاح المؤتمر إكـراماً للمؤتمرين وتمجـيداً للقـومية الكـلدانية . إن مشاركة رجال الدين الأفاضل في أي نشاط عـلماني ، يعـطي دائماً زخـماً منـظـوراً وقـوة دافعة بارزة في نشاطات مجـتمعـنا الكـلداني مما يرفع من شأن الكـنيسة في عـيون منـتـسبـيها وتـترك إنـطباعاً لديهم بأن الآباء الموقـرين ليسوا معـزولين عـنهم ، مثـلما الطفل الذي يرتمي غـريزياً بـين أحـضان أمِّه ، ولكـنها إذا تـثاقـلتْ منه وتـكـبَّرتْ عـليه ، فـما الذي سيفعـله ...... ؟ وهـكذا وبالطريقة نـفـسها يرتـفع شأن المؤمنين في نـظر الإكـليروس حـينما يواظـبون عـلى الحـضور إلى الكـنيسة بصورة منـتـظمة ومستمرة ، وإذا لم تـتجاذب عـيون المحـبٍّـين نحـو بعـضهما فإنها تـتجه إلى الجـوانب ! لذلك حـين جاء الرب يسوع إلى خاصّـته وخاصّـته لم تقـبله ، لم يـبقَ ساكـتاً ساكـناً ، بل قال : (( إنّ الله قادر أن يُـقـيم من هـذه الحـجارة أبناءاً لإبراهـيم ... )) فأمسَـتْ الأمم هي البديلة عـن شعـب الله المخـتار . وبالإخـتـصار نـقـول : إن مؤتمر النهضة الكـلدانية كان مِن نهضة الكـلدان ، مِن نبض فـؤاد الكـلدان وعـلى الله التـكلان ، فـلماذا إزدادت دقات قـلب الإخـوان ، وصاروا ينـضحـون مرارة الزيوان بدلاً من عـطر شـقائق النعـمان ؟ .

رائـدا الوحـدة الكـنسية والقـومية ........... ( 9 )

كـثيرون هم القادة الذين ينادون بالوحـدة بـين أبناء شعـبنا سياسيّـون كانوا أم كـنسـيِّـون أو عامة الناس ، وكل جـماعة تـريد قـميص الوحـدة ملوناً ومُـفـصَّـلاً عـلى مقاسات أعـضائها الضيقة كي تـظهرَ تمـوّجات عـضلاتهم ومفاتن أطرافهم ورشاقة قامتهم ونحافة خـصرهم لوحـدهم ، وكل فـريق ( ليس يأمل ، بل ) يريد أن يفـوز لوحـده بالجائـزة الأولى لجـمال جـسمهم ، دون أن يكـونَ إنجازاً لفـريق عـمل جـماعي مثـلما كان تلاميذ المسيح يجـتمعـون كإخـوة فـيما بـينهم .

والأغـرب من كل ذلك نرى الرؤساء الروحانيِّـين من جـميع المذاهـب ، الشرقي والغـربي ، الشمالي والجـنوبي ، بـين فـتـرة وأخـرى يلتـقـون سوية في رياضة تـرانيمية وتأمّلات روحـية ، وكلهم يغـفـرون خـطايا بعـضهم للبعـض الآخـر في الصلاة الربّانية ، من أجـل الوحـدة المسيحـية ، ويـبتهلون الباري من أجـل الحـصول عـلى مفاتيحـها الروحـية ، وكأنها مخـبأة في عـلبة فـولاذية ، لا يفـقه مكانها إلاّ مالك العـصا السحـرية ، ولا تــُـفـتح إلاّ بقـدرة إلهية ، لكـنهم في داخـلهم يـرفـضونها بالجـملة التـفـصيلية ، في الوقـت الذي هم أصحاب القـضية ، لماذا ؟ لأن لكل واحـد منهم كـلمة مروره السـرية ! ليس بإمكانه الدخـول إلى كـومـﭙـيوتـر الآخـر لقـراءة برامجه الداخـلية ، فـنراهم يُصَلـّـون أمامنا بقـلوب خاشعة وعـيون دامعة وصلبان لامعة ، وفي عـيونـنا يتراءى لنا يسوع وأمُّه والقـديسون بتماثيلهم الرائعة ، واقـفـون بجـوارهم يشاركـونهم بـبركاتهم الشافعة ، قائلين لهم : طالما إلتـقـيتم بنيّة صادقة خاشعة ومن القـلب نابعة ، طـيـب فـلماذا لا تجعـلون وحـدتـكم واقعة ؟ وحـقـيقة الأمر ليست هـذه ولا تلك القارعة ، بل الحـقـيقة هي : مَن منهم له الشجاعة ويجـرأ عـلى غـسلِ أقـدام الآخـرين !!! وهـنا الفاجعة ؟ .

أما سياسيّـينا ( ولا أعَـمِّـم حـتى لا يزعـل عـليّ البعـض ) فـحـدّث ولا حـرج ، تـرى عـلى منضدتهم العـريضة ، أوراقاً مملوءة بتعـليمات الفـريضة ، إنهم يُـفـسِـدون كل شيء ، عـفـواً ! بل إنّ الكـراسي الدوّارة تدور بالإتجاهَـين فـتــُـدَوّخهم وتـفـسِـدهم ، والأموال المقـطوفة من شـجـرة السياسة تــُـعَـفِـنهم ، ويَحـمون بالكـونكـريت المسلح أنانيَّـتهم وأوحَـدِيَّـتهم ، فإذا جَـرّدتـَهم من بخـشيشِهم ومنصبهم ومنضدتهم ، فإنهم سوف لن يعـرفـوا الأمة ولا شعـبهم . فالقائد يُـلصِق الكـواكـب الذهـبـية عـلى كـتـفه المجـيد ، ولا يتـنازل عـنها لغـيره حـتى في غـمرة فـشله الأكـيد ، والمال هـو هـمّه وهـدفه الوحـيد ، أما المبادىء فـقـد صارت حـبات حـنطة في فـخاخ حـقـول الصيد ، ينادون بها كي يأتي الرفاق ومعهم باقات ورود عـيديّة العـيد ، وآخـرون في أياديهم أكـياس فـيها عُـلب الكـليـﭽـة والـﭽـوكليت ، فـيقـعـون في مصيدة الرفـيق صاحـب دكان الـ ( أنا المخــْـلِصُ الفـريد ) . وبعـد هـذا كله ، هـل إنـقـطع الأمل العـتيد ؟ كلا ، فـكل صباح جـديد وشعاع شمس مفـيد . إنّ بصيصاً يمكن أن يولـِّـدَ شعـلة بالتأكـيد ، فـفي البارحة عـندما إحـتـرقـتْ فـحـمة العالِم أديسون وصارت رماداً لم يَـيْأسْ هـذا الـصـنديد ، بل واصَـلَ هـو ومَن جاء بعـده حـتى تـحـوّلتْ اليوم إلى سلك التـنـﮔـستن في المصباح المتوهّج ويـبعـث ضوءاً للبشرية عـلى المدى البعـيد .  

حـين وصولي إلى سان ديـيـﮔـو عـصر يوم 29 آذار ، لاحـظـتُ عـند إستعلامات الفـندق فـتاة أنيقة ورقـيقة ، سألتها

 

بفـضولية : من أين أنتِ ؟ فـقالت : ASSYRIAN

فـكـبرتْ في عـيني لسبـب بسيط وهـو أنها لم تـقـل من البقعة الفلانية بل ذكـرتْ إسم قـوميتها ، وبعـد أن تجـوّلنا ورجعـنا بعـد الساعة الحادية عـشرة ليلاً كان عـند الإستعلامات ذاتها شابٌ بديلاً عـنها ، وسألته السؤال السابق نـفـسه فـقال : CHALDEAN

 ثم عـلِمنا أنه ألقـوشي ، فإزددتُ غـبطة لسبـبـين ، أولاً لأن الوعي القـومي لدى أبناء شعـبنا في أميركا حيٌّ وناهـضٌ ، يذهـبون معاً في سـفـرة كل بعـربته إلى حـيث يريدون ، ولا يركـبون عـربات القـطار الذي يأخـذهم إلى حـيث يريد هـو ، وثانياً لأن الكـلدان والآشوريّـين يعـملان سوية في حـقل واحـد ، كـل في نوبته دون مزاحـمة ! وقـلتُ مع نـفسي هـذه أولى إمكانيات الوحـدة ، لا بل ، إن بوادر الوحـدة تـظهر هـنا وتبعـث فـينا الأمل .  

وفي صباح يوم 30 آذار كـنا في كـنيسة القـديس ﭙـطرس وتوجَّهنا نحـو قاعة المؤتمر ، ولما إقـتربنا من بابها جـذبني منظر رائع ، حـيث رمز نينوى ( الثور المجـنح ) عـند يمين الباب واقـفاً كحارس شامخ  ، أما من الجـهة اليسرى ( فالأسد الكـلداني ) رمز بابل ، رأسه مرفـوع يربض ويزأر مراقِـباً ، إذن هـنا نينوى وبابل ، في قاعة واحـدة ومَن يريد الإقـتداء والإهـتداء ، فـليأتِ إلى هـنا ويتبرّك بها ورأسه مرفـوعاً إلى العلاء ، في قاعة الوحـدة الحـقـيقـية التي هـنـدسَـها الجـليلين مار سرهد جـمو ومار باوي سورو بجَـلاء ، وللحـديث صلة .