كـتـاب ألموقع

لا مع ترمب ولا ضده// إبراهيم الزبيدي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

إبراهيم الزبيدي

 

عرض صفحة الكاتب 

لا مع ترمب ولا ضده

إبراهيم الزبيدي

 

ليس كاتب هذه المقالة من عشاق الرئيس الأمريكي دونالد ترمب، ولا من عشيرة خصمه الرئيس المنتخب جو بايدن، ولكنه يقوم هنا بدور المحقق المعتدل العادل الذي يشخص المشكلة بحذافيرها دون زيادة ولا نقصان، خصوصا ونحن عرب أمريكا لا يهمنا من هذه الحرب الدائرة بين داعس الديمقراطيين وغبراء الجهوريين سوى ما سوف يصيب أهلنا في أوطاننا الأم من منافع أو شظايا قد تنجم عن معارك المصير المشتعلة في واشنطن بين فريقين لا يقل أيٌ منهما شراً وعنفا وغدرا وكذبا ونفاقا عن صاحبه الآخر بالكثير.

 

والشيء بالشيء يذكر. فقد أثبت الديمقراطيون الأمريكيون والجمهوريون، معا، أنهم مثلُنا، نحن أبناء دول العالم الثالث والخمسين. فحين نكره لا نرحم، ونمحو آخر حسنة من حسنات الذي كرهنا، وحين نحب نأبى بشمم أن نعترف بأية نقيصة فيمن أحببنا. لا وسط بين هذا وذاك، ولا تهاون، ويا أهلا بالمعارك.

 

فلم يعد أحد يرى لترمب فضيلة، وقد ذهب أدراج الرياح كل ما فعله لأمريكا، في سنوات حكمه الأربع، في مجالات الاقتصاد والبطالة والسياسة الخارجية وتعديل موازين العدالة بين أمريكا ودول عديدة، وضبط الحدود، وفضح أوراق باراك أوباما وهيلاري كلنتون وجو بايدن التي تعتبر من أسرار الدولة بصراحة أقرب ما تكون إلى الحماقة التي لا تليق برئيس.

 

فقد حملوه جريرة إقدام شرطي متخلف على قتل مواطن أمريكي أفريقي بهمجية، وكأن ترمب هو الذي أمره بذلك. وحين حدث الانفلات والنهب والسرقة والتخريب والتكسير، بحجة تلك الجريمة، أمر بإزال الجيش لضبط الأمن فاتهموه بالفاشية والإرهاب. ثم جعلوه المسبب المتعمِد الأول والأخير في موت الذين قتلهم فايروس كورونا، وجرموه عليه.

 

ولوضع اليد على أصل المشكلة الأمريكية الأخيرة ينبغي التعرف على حقيقيتين يمكن اعتبارهما المشغلتين لماكنة البيت الأبيض مع اختراعات الكونغرس، ومكائد الإعلام الأمريكي الذي ثبت أنه لا يختلف عن إعلامنا العربي في انحيازه لطرف ضد آخر، وفقدانه الحياد والمهنية إلا ما رحم ربي.

 

المسألة الأولى تتلخص في أن الديمقراطيين خاضوا مع غريمهم وعدوهم اللدود دونالد ترمب حروب العزل والتسقيط والتسخيف من أول يوم فاجأهم فيه بانتزاع الرئاسة منهم، ودخل البيت الأبيض دخول الفاتحين. ثم لم يتوقفوا يوما عن الإصرار والترصد وتصيد الفرص بهدف الانتقام.

 

والمسألة الثانية، أن الفائز بأصوات 70 مليون ناخب أمريكي، بدون شوائب تزوير وتلفيق، لابد أن يجعل خصومه العارفين بأن فوزهم لم يكن سليما، مئة بالمئة، يخشون من عودة منافسهم الجريح إلى الرئاسة بعد 4 سنوات لينتقم منهم أشد الانتقام، وعليه فإن استباق ذلك بعزله اليوم، في أفضل ظروف مناسبة لهم سياسيا ودعائيا، سيمنعه من الترشح للرئاسة إلى أبد الآبدين.

 

وإصرار نانسي بيلوسي، رئيسة الأغلبية الديمقراطية في مجلس النواب، وهي الأكثر حقدا وسما وعنفا ودموية ورغبة في البطش بغريمها ترمب، بأقصى ما يمكن، وبأسرع ما يمكن، لا تفسير له سوى الخوف من ميول ترمب الانتقامية الشديدة التي ذاقت، هي ومعها رفاق ورفيقات في الحزب الديمقراطي، بعضَ مرارتها في سنوات حكمه الأربع الثقال الطوال.

 

فقد ذهبت في تحاملها إلى حد الاتصال برئيس هيئة الأركان المشتركة لتطلب منه منع الرئيس من الأمر بأية أعمال عسكرية أو إطلاق أسحة نووية. وتقول صحيفة وول ستريت جورنال إن هذا انتهاك لمبدأ فصل السلطات، فلا يحق لها أن تأمر قيادة الأركان بعد إطاعة الرئيس.

 

ويكفي أن أشد الدعاة المتحمسين لفكرة العزل هي النائبة النائبة الصومالية المتشنجة، إلهان عمر، القائلة علنا،  "أعمل على إعداد مواد الإقالة، يجب عزل دونالد ترامب من قبل مجلسي النواب والشيوخ، لا يمكننا السماح له بالبقاء في منصبه، إنها مسألة حفاظ على جمهوريتنا، ونحن بحاجة إلى الوفاء بالقسم الذي أديناه ".

 

وبالعودة إلى أحداث اقتحام مبنى الكونغرس من قبل  مئات فقط من متعصبين لترمب، فإن من غير الثابت أن الرئيس نفسه طلب منهم ذلك الاقتحام، ولكن المتوقه أن يفرح به، لأنه يشفي بعض غليله، ويُرضي غروره، دون ريب.

 

إن 70 مليون ناخب صوتوا لترمب، من تلقاء أنفسهم، وبدون قهر وإرهاب. والحقيومن الطبيعي والمتوقع أن يشعر هؤلاء بأنهم غُلبوا غيلة، وبأن هناك شيئا مريبا حصل. والذي أزعجهم أكثر أنهم لا يملكون سببا قانونيا واحدا يُمكّنهم من إلقاء القبض على الحرامي. وطبيعي أن يغضب ويثور ويفقد أعصابه الذي سُرق دارُه عياناً جهارا ويعرف السارق ولكن ليس لديه دليل.

 

ومن قبل الانتخابات بأشهر طويلة عبر ترمب عن مخاوفه من لعبة التصويت بالبريد. وذلك لمعرفته بأنْ لا قدرة لأحد على ضبط موظف البريد، إذا كان متأففا من ترمب، إذا ما سمح لناخب متواطيء بأن يقترع مرة ومرتين وثلاثا، دون أن يؤشر على وثيقة التعريف التي يحملها بقيامه بالاقتراع، الأمر الذي يُمكّنه من الذهاب إلى مراكز الاقتراع الاعتيادية ليعاود التصويت مجددا.

 

وقد ساعدت الديمقراطيين على تحقيق هذا الانتصار جيوشٌ من المتضررين من لسان ترمب وسقطاته وقراراته وتصريحاته المهينة، أحيانا، لشرائح واسعة من الأقليات الإثنية التي لم يُحسن مداهنتها واستمالتها، وبالأخص تلك التي تتخذ مواقفها السياسية الانتخابية تبعاً لأوامر وتوجيهات ووصايا من حكومات وأحزاب خارجية لها مع ترمب حسابات طويلة تريد أن تصفيها معه، بأقصى ما تسطيع.

 

ومن يجالس الأمريكيين في المقاهي وأماكن التسوق العامة يسمع المؤيدين لترمب، والكارهين الشامتين بخسارته، سيسمعهم يتحدثون عن حدوث تلاعب وتزوير، سواء قصدَه وقادَه الحزبُ الديمقراطي، أو فعلَه أناس آخرون متطوعون، بدون علم الديمقراطيين وإردتهم وتخطيطهم. ولكن الذي حدث قد حدث، ولا سبيل إلى إعادة الزمن إلى وراء.

 

نعم إن الذي حدث في مبنى الكونغرس شيء همجي لا حضارة فيه ولا ديمقراطية ولا هم يحزنون، ولكن إذا عُرف السبب بطل العجب.

 

والخلاصة أن ترمب الذي جاء إلى الرئاسة بالغلط ويغادرها بالغلط أيضا هو الرئيس الأمريكي الوحيد الذي صنع لنفسه هذه الكمية الهائلة من الأعداء الكارهين الحاقدين وطلاب الثأر الذين لن يكتفوا بطرده من البيت الأبيض، فقط، بل بالجري وراءه حتى نهاية عمره الطويل.