اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

المثقف والسلطة -//- د. سناء الشعلان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

اقرأ ايضا للكاتبة

المثقف والسلطة

د. سناء الشعلان

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

المثقف الحق الذي لم تعبث به الوصوليّة والمصلحة ، وبقي نظيفاً بعيداً عن الانحياز والبيع والشّراء والاستجداء والتكسّب على حساب المصالح الوطنية والاعتبارات  الإنسانية، هو باختصار إنموذج الإنسان التقدمي الطليعي الحالم بغد أفضل للجميع، وهو بذلك يطالب السّلطة بما تملك من قيمة اعتبارية وأدوات إدارة وسلطة وتحكّم أن تقوم بدورها الطبيعي في إحقاق الحق، وإدارة مقدّرات الوطن عبر حمايتها واستثمارها وتنميتها ؛ليعمّ خيرها على أكبر عدد من أبناء الوطن عبر منظومة عملية عادلة تحقق العدل والإخاء والاحترام لإنسانية كلّ فرد من أفراد منظومتها الوطنيّة عامة، إلى جانب رسم خطط تنموية وسياسية تحدّد ملامح العلاقة مع الذات والوطن والآخر بما يصون كرامة الوطن أولاً، ويحترم إنسانيّة الإنسان في كلّ مكان ثانياً، فالوظيفة الأولى للسّلطة يجب أن تكون وظيفة حيوية إحيائية تبغي البناء و الإصلاح والتنمية والحماية، والمثقّف عليه أن يكون الرّقيب الذي لا يغفل ولا ينام ولا يساوم على هذا الحق، ويكون الضمير الضّابط للسّلطة لتضطلع كما يجب بهذا الدّور الخطير والأساسي.

- ما الذي يجعل الجماعة تفقد ثقتها في المبدع؟

وبخلاف الإلحاح على هذا المطلب الحيوي،فإنّ الجماعة ستفقد ثقتها بالمبدع الوصولي الزائف المتسلّق الذي يتاجر بالمواقف والأفكار والمثل وصولاً إلى فائدته، لذلك سهل على الجماعة أن تكتشفه وتحتقره وتكفر به، وتحفظ تماماً نموذجه الكاذب، لتحاز إلى المبدع الثابت على مبادئه المخلص لقيمه، الذي يطوّع موهبته ووعيه من أجل مصلحة الجماعة  ومن أجل إيمانه بإنسانيته وبإنسانية الآخرين، وهذه الأرضية الأخلاقية الإنسانية القائمة على أرض الوعي والإبداع هي من تجعل الجماعة ترفض المبدع الوصولي،شأنها شأن المبدع الحق، وتقبل على المبدع الملتزم القوي ضد المغريات.

وذلك وسط مشهدٍ كامل يعتريه الخلل، فالسّلطة في كلّ مكان تزداد تورّطاً في الفساد والانتهازية والعبثية والسّقوط ، وهي بذلك قد باتت مفضوحة لا تجد في نفسها غضاضة من أن تتحالف مع المبدع الفاسد الوصولي، ولا تتوانى عن تجنيد كلّ قوتها وبطشها وسطوتها في سبيل محاربة المبدع الرّافض للظلم في وسط مشهد جماهيري يمتاز بالسّلبية والانحناء والجبن والسّقوط في الصّمت والخوف. لذا بات المشهد كلّه مداناً بشكل ما.

والقوى التعليمية والقوى الرافضة المثقفة الواعية هما الأملان الأخيران في سبيل الإنقاذ والإصلاح، فلا بدّ للقوى التعليمية لاسيما البيتية والمجتمعية والمدرسية والجامعية من أن تتدخّل من أجل خلق جيل جديد يُعوّل عليه في البناء والتحرير والإحقاق، ولابد للجماعات المثقفة التنويرية المتحررة الواعية أن تتدخّل لقيادة هذه العملية وتنظيمها حتى يصل الجميع إلى برّ الأمان.

أمّا المثقف ولاسيما المبدع فعليه أن يقيّم ذاته، ويرصد مزالقه وعيوبه ومثالبه، وذلك كلّه في ضوء مقدار الخدمة والإصلاح التي يقدمها لمجتمعه، ووفق ذلك، عليه أن يبدأ أولاً في تربية نفسه، وفي تقويم المعوجّ منها، ويمكنه أن يستعين بالنماذج الإبداعية الايجابية الحاضرة والموروثة في سبيل ذلك، فإن استطاع أن يحقّق المطلوب فسيكون جاهزاً لاستعادة احترامه لنفسه فضلاً عن ثقة الجماعة.

وهذا كلّه يقودنا إلى ثورة المثقف على واقعه المأزوم؛لأنّه يسبق عصره بالرؤى وبالطموح، وفي الوقت نفسه عنده حساسية رفض عالية للظلم والامتهان والفساد، فضلاً عن أنّه يملك قدرة عجيبة على استشراف المستقبل في ضوء معطيات الحاضر، لذلك بات الرفض لازمة مرافقة للمبدع في كلّ زمان ومكان، فالرفض هو أداته للإصلاح والاعتراض والتقويم  والفضح للتهاوي.

والمحزن في الأمر أنّ المثقف الحق في الغالب انزوى في الصّمت لأسباب كثيرة يضيق المقام بشرحها، فإن بقي على حاله هذا، فالأمور ستؤول إلى الأسوء، وسيخفت دوره في الإصلاح والتغيير. ولكن المشهد العام يلمح إلى أنّ المبدع يراوح بين الإقدام والصمت، والزّمن وحده الكفيل بحسم النتيجة.

وهذا الوضع يرافقه بروز العولمة ديناً إجبارياً راهناً  لكلّ العالم إبّان هذا القرن الموبوء المأزوم، والخروج عن ركب العولمة هو تابو هذا العصر الذي يستدعي –للأسف- الفتك دون رحمة بالنّاس والبلاد والحضارات تحت مظلة الإدعاءات الأمريكية المصنوعة المزعومة مثل محاربة الإرهاب، انتهاك حقوق الإنسان، وغيرها من الحجج الكاذبة المصنوعة والمفروضة على العالم شاء أم أبى.

وتابو العولمة ليس محدّداً معرفيّاً وثقافيّاً يريد أن يقدّم الحضارة والرّقي لكلّ البشريّة كما تزعم أمريكا، بل هو نموذج أمريكي بالدّرجة الأولى يريد أن يفرض نمطاً فكريّاً وسياسياً واقتصادياً على كلّ العالم بما يخدم مصالح أمريكا بالدّرجة الأولى والأخيرة، وهو يستدعي بالضرورة إرهاب العالم، وقمع الحريات، وسحق الشّعوب، ودفن القوميات والأديان والموروثات الثقافية والحضاريّة.

وكلّ من يحاول أن يهدّد مصالح هذه العولمة، أيّ مصالح أمريكا، يكون قد تجاوز تابو خطير، وعليه أن يتوقّع حرباً شعواء عليه،حتى وإن كان حكومة أو دولة فضلاً عن أنّه شخص فرد أمام سلطة عملاقة قاسية.

و الثقافة العربيّة والحريات العربية بل والدّيمقراطية العربيّة والأمة العربيّة كلّها بلا استثناء تعيش في أوهام التخيّل والافتراض والتناقض والواقع المناقض للآمال والإدعاءات.ففي حين  يصرّ الإعلام العربي والحكومات العربية على أنّ العربي يعيش في واقع ديمقراطي ثقافي مشرق، يواجهنا الواقع بوجهٍ كئيب محبط، يشهد اعتقالات الأحرار، والتضيق على الشّعوب والأزمات المختلقة الحقيقية والمفتعلة وشنّ الحروب تحت حجج مختلفة تصبّ في مصلحة أمريكا وحلفائها،فضلاً عن دفع ثمن العولمة من ديون وطنية، وقمع الحريّات، وخنق الحركات الإصلاحيّة، والتعتيم على الخطط العالميّة السياسية، ومحاولة تذويب الموروثات الثقافية والحضارية والدينية للشّعوب، وخلق الكثير من الأوهام التي على رأسها أنّ المواطن العربي يعيش حريّة وديمقراطية ، وينتظر مسقبلاً مشرقاً، وينعم بأجواء ثقافية غنية تدفعه إلى التميّز والإنتاج والابتكار!!!

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.