اخر الاخبار:
اخبار المديرية العامة للدراسة السريانية - الأربعاء, 24 نيسان/أبريل 2024 18:10
احتجاجات في إيران إثر مقتل شاب بنيران الشرطة - الثلاثاء, 23 نيسان/أبريل 2024 20:37
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

شدون حكاية! -//- د. سناء الشعلان

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

اقرأ ايضا للكاتبة

شدون حكاية!

د. سناء الشعلان

ـ الأردن

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

بعيداً عن كلّ أنواع التمييز البشعة التي تعرّض لها الشّعب الفلسطيني التي نستطيع القول إنّها الأغرب في تاريخ الإنسانية،إذ لم يسجّل التاريخ أبداً طوال تاريخه الدمويّ الشائن تواطؤ العالم كلّه إزاء سرقة بلد كاملة من أهلها،وتشريد شعب كامل على أيدي جماعات من اللصوص والقتلة الذين جاءوا من كلّ مكان في العالم ليستوطنوا أرض شعب تمزّق بين الإبادة الجماعية البشعة وبين الأسر وبين الترحيل القسري خارج وطنه،ليسيح مكرهاً في جميع أصقاع الدنيا.أقول بعيداً عن الحديث عن كلّّ تلك الأنواع البغيضة من التمييز التي تعرّض لها الشعب الفلسطيني على أيدي  أعدائه من الصّهاينة وعلى أيدي الكثير من الجهات والحكومات المتورطة في  نكبته، نجد أنّ هذا الشّعب قد وقع فريسة لأشكال نادرة وغريبة وقاسية من التمييز.

وعلى الرّغم من أنّ التمييز هو جريمة إنسانية وقانونية وأخلاقية ودينية وعرفية وذوقية،وهو في كلّ أشكاله تكريس لكلّ معاني الألم والحرمان والظلم،إلاّ أنّه قد يتغوّل ليصبح حقيقة أساسية في وجود الإنسان المنكود،فيفقد مثلاًُ حقه الطبيعي والمتواضع في أن تكون له حكايته الخاصة مثلاً!!!

كلّ إنسان في هذه المعمورة له حكايته الخاصة المحكومة بظروفه وأحلامه وشخصيته وأفعاله ومعطياته وتصرفاته ومقاصده وغاياته وملكاته،وهي التي تشكّل حياته التي نختصرها في نهاية الأمر في سيرته.وهذه الحكاية هي التي تشكّل بالطبع ذلك الرافد غير المتناهي من الاحتمالات والممكنات والمستحيلات التي ترسم جميعها أقداره،وتسمح له بأن يحلم ولو لمرة واحدة في حياته بحرية وانتقاء مبني على كامل الفرص والخيارات،وهذه الحكاية هي التي تلخّص سعادة الإنسان أو تعاسته،كما تمثّل نسق حياته،وتكشف عن مكنونات ذاته،ولأجل هذه الحكاية نحن نعيش حياتنا،لتكوننا الحكاية،ونكون نحن الحكاية،وفيما بعد تصبح حكايتنا هي حياتنا،وغير غائب عن واعٍ أنّ حكاية كلّ إنسان هي مقدّسه الخاص،فهي باختصار سفر وجوده،ومفردات أزمانه،وإنّما تكون قيمة حياتنا وتقيمنا لمعاني وجودنا اعتماداَ على حكايتنا،فنقول ذلك شجاع؛لأنّ حكايته كانت عن الشجاعة،وأعني هنا حكاية حياته،وذلك مكافح؛لأنّ حكايته كانت عن الكفاح،ونقول ذلك قائد عظيم؛لأنّه اختار أن يقود جماعة أو طائفة أو شعب أو ربما أمّة نحو الخيارات الصحيحة.

وكلٌّ إنسانٍ إلى حدٍ ما هو حرّ في اختيار حكايته،أو على الأقل كانت عنده فرص الاختيار،إلاّ الشّعب الفلسطيني فهو منذ ستة عقود ونيف لم تكن عنده حكايته الخاصة،فكلّ فلسطيني يمارس ضده تمييز بشع اسمه الحرمان من الحكاية،والانضمام قسراً تحت مظلة حكاية واحدة جبرية اختارها له العدو الصهيوني،فالفلسطينيون يعيشون حكاية قسرية في كلّ مكان،في حين أنّ البشر جميعاً يعيشون حكاياهم المتنوعة والمتفاوتة بكامل اختياراتهم وقراراتهم،فذلك رجل يحلم،وتلك امرأة تكافح،وهؤلاء طلبة يجتهدون،وأولئك بانون عاملون،وتلكم أمهات صالحات،وهنا وهناك أمثلة على الصلاح والفساد،والبناء والهدم،والفضيلة والرذيلة،وفي كلّ مكان حكاية بل وحكايات يعيشها أصحابها، وتسير بهم وفق مأمولهم تارات،وضدّ أمانيهم تارات أخر،إلاّ الفلسطينين،فهم جميعاً أسرى كابوس اسمه حكاية قسرية واحدة.

وحكايتهم الجبرية الواحدة تقول:

كانوا يعيشون في سلام،كانت أحلامهم قيد أنملة من حيواتهم،لم يحاربوا بشراً في يوم،لم يكرهوا بشراً في يوم،لم يكونوا صيارفة أو قتلة أو تجّار موت أو دمار،بل كانوا زرّاعاً وبناة وعابدين.الحياة عندهم كانت تختصر في البناء والامتداد والإخلاص لكلّ تفاصيل حياتهم البسيطة حيث العمل ليل نهار،وانتظار المواسم،والمشاركة في الأفراح والأتراح،وتربية الأبناء،ومعاونة الجيران،ومجاملة الأقارب والأنسباء،ثم جاءهم السخط والغضب وأيام العذاب علي أيدي شرذمة من الجائعين الغرباء الصهاينة الذين جمعهم الموت والجوع والتشرّد،فجاءوا إلى أرض فلسطين تحميهم الأسلحة والعصابات والجيش البريطاني والإرادة الدولية الغاشمة التي صمّت آذانها عن أبسط مبادئ العدالة الدولية،وتواطأت مع تلك العصابات في أكبر سرقة في التاريخ،إذ هي أوّل مرة يُسرق  فيها بلد كامل! ويغتال شعب بأكمله!

ومن يومها أصبحت كلّ حكايا الشعب الفلسطيني تتلخّص في: التشريد، والحرمان، والظلم ، والقسوة، والسجن، والتعذيب، والإبادة الجماعية، والموت، والعنصرية.

يعتقد البعض أنّ الموت هو أبشع ما قد يتعرّض له الإنسان،لكنّني أعتقد جازمة بأنّ حرمان الإنسان من أن يعيش حكايته الخاصة هو أبشع ما قد يتعرّض له في هذه الدنيا؛إذ يعني هذا أنّه لا يستطيع أن يحلم،وأن ينتظر،وأن يتمنّى،فكلّ الطرق مغلقة أمامه،وهذا في نظري أبشع من الموت،إذ سلّمنا بأنّ الحياة لا تستوي إلاّ بالحلم والانتظار والأماني،كما لا تستمر إلاّ بالعمل والسعي والاجتهاد.

في العالم كلّه تحتمل لحظة اجتماع قلبي رجل وامرأة كلّ الحكايات والنهايات، أمّا عند الفلسطيني فالحكاية الوحيدة هي الفراق في ظلّ السجن أو النفي أو القتل أو الترهيب والملاحقة.

في العالم كلّه قصة الأمومة والأبوة والبنوة تمتدّ في كلّ الأفعال والاحتمالات ، وتتراوح بين البرّ والعقوق، والإسعاد والإشقاء، والفراق واللقاء، والامتداد والانقراض، إلاّ الفلسطيني؛ فحكايته أبوته وحكاية أمومة أنثاه تمتدّ دائماً في الفجع والثكل والألم،فإمّا أن يُحرما من أبنائهما المطاردين أو المسجونين أو المنفين أو المبعدين،وإمّا أن يتقلّدا قسرا لقب والديّ الشهيد،وإمّا أن يعيشا على حافة انتظار الفجيعة التي قد تطرق بابهما في أيّ لحظة مصحوبة بإعقاب بندقية صهيوني غاشم،وإمّا أن يكونا صورتين في إطار أسود معلق على جدار في بيت أيتام فقدوا والديهم في حروب لا تنتهي مع العدو الرّابض على القلوب والحشا.

في العالم كلّه قصص الراحلين أو المغادرين تبدأ منهم وتنتهي بهم،وتحتمل دائماً العودة ولمّ الشمل، كما تحتمل النّهايات السعيدة،دون أن يمنعها ذلك من أن تذعن أحياناً إلى النهايات الحزينة أو الفاجعة،أمّا الفلسطيني فعندما يغادر تكون حكايته الجبرية تتلخّص في أن لا يعود،وإن عاد فلا يعود إلاّ في كفن محمولاً على الأعناق!!!

هذه هي حكاية الفلسطيني التي تتلخّص في أن لا يكون له حكاية،فكلّ الفلسطينيين مأسورون في حكاية كابوسيّة واحدة ،اسمها العذاب.ثم يتكلّم العالم عن العدالة،والفلسطيني تمارس ضدّه كلّ أنواع التميز العنصري،فيحرم حتى من حقه في أن يملك حكاية!!!

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.