اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• البرابرة

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

شعر د. أفنان القاسم

مساهمات اخرى للكاتب

البرابرة

 

 (1)

تعالي معي يا ابنتي

سنذهبُ معًا إلى البحر

إلى رمالِ الوقت

سنذهبُ معًا إلى الدغل

إلى مستنقعاتِ الموت

سيأتيكِ البرابرةُ بالحلوى

فقط تعالي معي

فالوردُ شرسٌ يا ابنتي

وللذئابِ دمعٌ أحرُّ من دمعي

فقط تعالي معي إلى بدايةِ نهايةٍ لم تبدأ بعدُ

إلى نهايةِ بدايةٍ لم تنتهِ

فقط تعالي معي لنلعبَ قليلاً بدمي

لنتسلى قليلاً بألمٍ بربريّ 

فالبرابرةُ بشرٌ مثلنا

يقولون لأطفالهم كلماتٍ يقولها كلُّ الآباء

ولهم عاطفةٌ تقطعُ كالخَنجر

قلوبُهم أرأفُ من قمرٍ وحشيّ

وصدورُهم أوسعُ من صحراء لا نهاية لها ولا بداية كمرآةٍ من الرمل

كبرقٍ من الذهب

كشعرِ أختِكِ المُنسدل

كقبرٍ من الماس

وحنانُهم كنصلْ

لٍ

ينغرسُ بِوُد

وحبُهم أعمقُ من كلِّ البحار

تعالي معي يا ابنتي إليكِ عندما كنتِ صغيرة

دميتُكِ تبكي لأنكِ كَبِرْتِ

دموعُها باردة

دموعُ دُمية

ولكنها أشدُّ سخونةً من دمعي الذي تجمَّدَ على خدي

لأني لم أبكِ أبدًا إلا مرةً أو مرتين

كالبرابرة

ولأني لم أضحك كثيرا

ضَحِكَ البرابرةُ مني

وأنا لم أضحك كثيرًا من الرعب

في العالم الذي سآخذُكِ إليهِ لا يضحكُ الناسُ كثيرا

كالبرابرة

ولا ينامونَ تحتَ قمرٍ يهددُهُم بجماله

كالبرابرة

ولا يحلمونَ كما يحلمُ الناسُ عندما كانوا صغارا

كالبرابرة

في العالم الذي سآخذكِ إليهِ توجدُ أضواءٌ هنا وهناك

تَضيءُ في الظلامِ هنا وهناك

تُضيءُ بقعًا من الدم

بحورُ الدمِ سوداء

أكثرُ سوادًا من ماسةِ الضمير

الضميرُ أسودُ

أسودُ من ليلِ البرابرة

وأنتِ لا أعرفُ كيف تحبين ليل البرابرة

ألأنكِ لا تعرفينَ بعدُ ما الأرق

وعدمَ النوم؟

ألأنك تنامينَ مِلءَ الجَفن

ولا ترينَ ما يفعلُ البرابرةُ في الليل؟

قمرُهُم أسودُ

وليلُهُمْ دَمِي

سفحوا لي دَمِي وأنتِ تنامينَ مِلءَ جَفنيكِ

ألم تكبري؟

ليس للانتقامِ أريدُكِ أن تكبري

وإنما لمسحِ جرحي بكفكِ

جرحي يكبرُ

وعما قريب سيسقطُ فيه العالم

أينهم أولئك الذين قتلوني يوم يسقطون في دمي

يوم يموتون غرقى في دمي

ساعتئذٍ سيعرفون أن الحياة ليست سوى فرصةٍ ضائعةٍ أو منسية

أو ذهبت كموجة

متخثرةٍ كدم

ساعتئذٍ سيعرفون أن الوجودَ متعةُ اليأس

ولَذَّةُ السأم

واشتهاءُ ثديٍ بارد

ساعتئذٍ سيعرفون أن البربريةَ صفةٌ لأناسٍ ظنوا أنهم كانوا أبطالا

بطولةُ البرابرةِ يا ابنتي ابتسامةٌ كانت على ثغركِ

ساعتئذٍ سيعرفون أن الطفولةَ في زمننا ولدتها الشراسة

جوهرُ الأشياء

ساعتئذٍ سيعرفون أن موتَ شقائقِ النعمان تراجيديا

ساعتئذٍ سيعرفون أن التراجيديا من صنعِ يديّ

لأني صانِعُهَا المجنون

قاتلُ نفسي أنا

وقاتلُ صِنوي

ساعتئذٍ سيعرفون أن الفكرةَ سيدةُ الدمِ لا الدمَ سيدُ الفكرة

وأن الفكرةَ اليومَ رأسُ طائرٍ مختنق

ساعتئذٍ سيعرفون أنهم يجهلون قدرةَ الحشراتِ على الدفاعِ عن نفسِهَا وجبنَ الأسودِ أمامَ النملِ وذلَّ الفهودِ وخِسَّةَ النسورِ وصدقَ الأفاعي ولا وفاءَ الكلابِ وهمجيةَ القُبّراتِ ووحشيةَ البلابلِ وبَطْشَ الأرانبِ وسذاجةَ الذئابِ التي هي مثلي، فأنا لم أكن أعرفُ والآن أعرفُ أني ذئبٌ ساذج!

 

(2)

تعالي معي يا ابنتي

سنقتلُ الورود

الورودُ كثيرةٌ على الروابي

لم يقتلْهَا البرابرة

هكذا ترتاحُ العينُ منها

ومن ألوانِهَا المتنافرة

تعالي معي يا ابنتي إلى مطاردةِ الظباء

سنغرسُ الرماحَ في بطونِهَا

تمامًا كما يفعلُ البرابرة

ةُ

ببطونِ النساء

التي لم يعودوا يُحِبونها

لكننا سنكون أرحمَ لها من يدٍ قاتلةٍ لا ترحم

يدُكِ يدٌ طفلةٌ يا ابنتي

ويدي يدٌ شاعرةٌ تدلل الكلمات

تعالي معي يا ابنتي

هناك سمكٌ كثيرٌ في البحيرة

سنصطادُهُ كلَّهُ في الليلِ والقمرَ معه

فالقمرُ بربريٌّ يحبُّهُ الأطفال

ثم نطلقُ القمرَ والسمكَ في الساحات

لنخنقَ الليلَ على طريقتنا

ويغضبَ البرابرةُ منا

لأننا ارتكبنا جنحةً كبيرة

هم لا يقدرون عليها

جنحة اسمها الحرية

 

(3)

في المدن أضواءٌ كثيرةٌ يا ابنتي

لم يفكرِ البرابرةُ في إطفائها

قبلَ نومِهِم

والنوافذُ كلُّها مفتوحةٌ في الشتاء

لم ينسَ البرابرةُ إغلاقَها

قبل أن يأخذوا المِصْعَدْ

دَ

إلى متحفِ الرياح

في الطرقاتِ سياراتٌ كثيرةٌ يا ابنتي

واقفة

ذهب سائقوها إلى موعدٍ مع البرابرة

ولم يعودوا

وعلى الأبوابِ أيادٍ معلقة

بعد أن تركها أصحابها تطرق الأبواب

وذهبوا

في الحاناتِ أناسٌ يشربون ولا يثملون

يا ابنتي

لا كما البرابرة

لكنهم لا يعرفون

طريقَ العودةِ إلى بيوتهم

أنا أشربُ كالبرابرةِ وأثملُ

وأعرف طريقَ العودةِ إلى البيت

لأنني أعلمُ أنكِ لن تنامي

وأنتِ بانتظاري

 

(3)

ماذا سنفعلُ غدًا إذا ما تواصلَ سقوطُ المطرِ يا ابنتي؟

ماذا سنفعل؟

لن أطلبَ من البرابرةِ أن يوقفوا المطرَ لأجلِكِ

فالمدرسةُ ليست سببًا كافيا

ولن أضرعَ للسماء

كيلا أبدو سخيفا

لن أتلفنَ لصديقٍ يسكنُ اللُّدَ أو الخليل

ليأخذَكِ بسيارته من مارسيليا

ولن أحرقَ أثوابَكِ ذاتَ الألقِ المريحْ

حِ

للعين

لرجالِ المطافئِ وكلُّ هذا المطر

الحريقُ ليس سببًا معقولا

المطرُ يسقط بغزارة

وها أنت تبتسمين

فأرى في ابتسامِكِ ابتسامَ البرابرة

وأقول لنفسي بعد قليل

سيتوقفُ المطرْ

رُ

بعد قليل

فلا تكونينْ

نَ

كغيرِكِ ممن يكرهون الذهاب إلى مواخير العلم

والتدجين

ويحبون الابتسامَ بوحشيةْ

اللبؤات تبتسم هل تعرفين؟

لما تلعقُ الدمَ

وتمزقُ اللحمَ بأسنانها

فهل أنت لبؤةٌ دون أن أعلم

بربريةٌ كدغل

مفترسةٌ كمعلمة

حديديةٌ كسيمفونية

من المعادنِ المصقولةِ والنوتاتْ

تِ

المعتقلة؟

المطرُ لن يتوقفَ

وأنت لهذا سعيدةٌ كرماح

كأسطواناتٍ يرقصُ عليها الناسُ في الجحيم

كي ينسوا نارَ البرابرة

كنجومٍ لا تُرى عن مقربة

كقناني النبيذِ الفارغة

الملقاةِ على ضفافِ السين

كالطاولاتِ المنتظرةِ على الأرصفةِ الممطرة

كالقصائدِ في الدواوينِ المغلقة

أنتِ لهذا سعيدةٌ كالمطرِ في البندقية

كدمعِ النائحةْ

ةِ

المتساقطِ في المرايا

المتساقط

المتساقط

المتساقط

إلى ما لا نهاية

 

(4)

أوقفي العزفَ على الناي يا ابنتي

البرابرةُ يحبونَ الألحانَ الحزينة

الدنيا امتلأت بالتغريد

والأشجارُ خلعت أثوابَهَا القديمة

 

أوقفي الرسمَ بالليلِ يا ابنتي

البرابرةُ يحبون الألوان الداجية

الورودُ قهقهت في الأخاديد

والأعشابُ الزرقاءُ مالت زاهية

 

أوقفي اللعبَ مع الفراشاتِ يا ابنتي

البرابرةُ يحبون الكائناتِ الرخصة

ةِ

العود

الذئابُ جاءت من مدريد

والبحارُ قَدَّمت صيدا وصور

لكِ هدية

 

أوقفي مشاكسةَ القمرِ يا ابنتي

البرابرةُ يحبون الفضة

الليلُ غدا ذهبا

والنجمُ عقربا

 

أوقفي الذهابَ إلى البحرِ يا ابنتي

كيلا يحاصرَ البحرُ البرابرة

اتركيهم أحرارًا في طرقاتِنَا

طرقاتُنَا دونهم لا تعرفُنَا

 

أوقفي قطفَ الزنابق يا ابنتي

الزنابقُ يحبها البرابرة

إذا ما داومتِ على قطفها

تَذَكَّرُوا كرهَهُمْ لنا

 

أوقفي العبثَ بروحي يا ابنتي

الروحُ سلامُ البرابرة

خذي جسدي لكِ مرتَعَا

واتركي شِعري لهم مُعْتَركا

 

(5)

لن آخذَكِ معي إلى الحديقةِ يا ابنتي

هناك بلابلٌ تشدو

لأجل أن يطرب البرابرة

وهناك نباتٌ يعلو

لأجل أن يُقَبِّلَ للأفلاكِ أقدامَهَا

وهناك حمامٌ يلغو

عمدا

ليُظْهِرَ البرابرةُ في كلامِهِمُ البراعة

سآخُذُكِ إلى مركزٍ تجاري

يتجاوزُ إلى الغباءْ

ءِ

السذاجة

ستمتطين هناك حصانا

ونشتري لنا بوظة

بينما يمرُّ الناسْ

سُ

ونحن نجلس على مقعدٍ

من أمامِنَا

فتشيرين إلى هذا أو ذاك

وأشير إلى ظلالِنَا

قبل أن تتركَنَا ظلالُنَا إلى عِقابْ

بِ

الوضعِ الذي نحن فيه

شرطُ بقائِنَا

هذه هي حياتُنَا يا ابنتي

بين برابرةٍ مثلنا

نسمعهم يتنادون هنا وهناك

فنتذكرُ أسماءنا

ونقولُ عنها أسماء غيرنا

أسماء لم نفهم ما تعني

تماما

أسماء نراها كما نرانا دون أن نرانا

فالأسماءُ تُرى في الظلام

ظلام البرابرة

لتكملة قراءة القصيدة على الصفحة الثانية / انقر التالي ادناه

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.