اخر الاخبار:
"انتحارات القربان المرعبة" تعود إلى ذي قار - الإثنين, 22 نيسان/أبريل 2024 11:16
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

• الطلاق هل هو الحل

تقييم المستخدم:  / 2
سيئجيد 

د. ناهده محمد علي

الطلاق هل هو الحل

 

إن نسبة الطلاق المتزايدة في العالم والعالم العربي تجعلنا نفكر هل الطلاق سبب أو نتيجة لكثير من الظواهر السلبية المجتمعية في العالم , هل هو سبب أو نتيجة لتناول المخدرات والمسكرات أو للإنحلال الإجتماعي أو لكثير من الأمراض النفسية لكثير من النساء والرجال والأطفال أو لهبوط المستوى الدراسي والثقافي لكثير من الشباب .

لو ألقينا الضوء على نسبة الطلاق في الزيجات العربية لوجدناها متزايدة , ففي العراق مثلاً يوجد 75000 مطلقة وتزداد النسبة كلما ساءت الظروف الإقتصادية وكلما زادت الفوارق ما بين الموروث الثقافي والواقع المُعاش .

إن نسب الطلاق العالية هي مؤشر على وجود شرخ إجتماعي ووجود قيَّم إجتماعية متخلخلة لا هي قديمة ولا هي جديدة تتراوح بين هذه وتلك وهي ما بين قيَّم قديمة تنازع وجديدة لا تمتلك مقومات الحياة بعد لأن من المعروف أن نهوض القيم الجديدة لا يكفيه العدوى الثقافية بين المجتمعات بل تحتاج الى أُسس إقتصادية متينة وبناء ثقافي وعلمي متماسك وبمساحة واسعة , ولا يكفي لهذه القيّم أن يُكتب لها البقاء بين أوساط المثقفين أو المتعلمين بل يجب حتى تبقى أن تنتشر لذا فنحن نلمس أسفاً إن المجتمع العربي قد أصبح خالياً من القيَّم الواضحة المتينة فهذه تنازع وتلك لم تولد بعد .

إن الطلاق يتواجد عادة في مثل هذه المجتمعات التي لم تعد متماسكة والتي أصبج فيها الخطأ مضبباً والصحيج ليس واضحاً ويتجه الكثير من الراغبين في الزواج الى التفكير المادي بمستوى المعيشة قبل الإختيار الحسي وهذا ينطبق على الجنسين , لذا يكون مثل هذا الزواج محكوم عليه بالفشل منذ البداية وقد يستمر مع مشاكل كثيرة نفسية وصحية لكل أفراد العائلة وخاصة الأطفال , فالطفل يراقب أبيه كيف يشتم أُمه أو يضربها والفتاة تراقب كيف يعود أباها مخموراً أو تسمع عن علاقاته المريبة ويصبح البيت بعدها بارداً لا يجمع هذه العائلة سوى السقف الواحد ويبقى كل فرد فيها قابعاً في غرفته وخائفاً من الإنفجارات المتكررة بين الأب والأُم , إن الآباء في هذه الحالة يأكلون الحُصرم لكن الأبناء هم من يضرسون .

لقد حلَّلت عوائل عديدة من المطلقين والمطلقات ووجدت أن الوضع النفسي عادة للنساء يكون صعباً لأن المرأة تبقى مراقبة ومحاصرة في حالة طلاقها بالنسبة للمجتمع العربي أما الغربي فالمرأة المطلقة تبقى وحيدة وليس من السهل إستبدال شريك بشريك آخر وتجربتها السابقة تجعلها خائفة ومتشككة بكل الرجال , أما الرجال العرب فإن من السهل عليهم تأسيس عائلة جديدة لكنها ستكون مبنية على نفس الأُسس المغلوطة , وفي مجتمعنا العربي كما هو في المجتمع الغربي يدفع الأطفال ثمناً كبيراً حيث يتنقلون ما بين بيتين وتتكاثر عليهم الأمراض النفسية فيصبح الولد غاضباً وغير واثق في كل شيء حتى ينفسه وهو حزين أيضاً ومتأخر دراسياً أحياناً وقد يُقلد دور أبيه في البيت فهو متسلط ومتوتر على الدوام وقد يأخذ الإتجاه المعاكس لشخصية أبيه , وفي هذه الحالة رد الفعل يكون مُعاكساً ويتغير رد الفعل من شخص لآخر ولهذا الإختلاف أسباب كثيرة منها طريقة تعامل الأُم ومستوى وعيها , جماعة الأقران ونوعهم , مستوى الحس العاطفي لدى الأولاد وجوانب إخرى .

إن الكثير من المطلقات المثقفات العربيات أو غير العربيات يقمن بعمل رائع في بناء أُسرهن بشكل منفرد وهن مستقلات مادياً ويقمن بدورين في آن واحد دور الأم والأب في تربية رائعة للأبناء . ونخرج من هذا بنتيجة واضحة وهي أن وضع الأبناء كان يمكن أن يكون صعباً وقد تتكاثر عليهم الأمراض النفسية والصحية لو كانوا ما بين الأبوين المتصارعين وكان من الأفضل أن يبقى الأطفال مع أكثر الوالدين حرصاً عليهم وأشدهم وعياً .

نخرج من هذا كله الى أن الطلاق هو سبب لكثير من المشاكل النفسية للأولاد وكثير من الإحباط والفشل الدراسي والإدمان على المخدرات , وقد يكون الطلاق أيضاً نتيجة لكثير من المشاكل النفسية لدى الزوجين وكثير أيضاً من ضعف الشعور بالمسؤولية . فالطلاق في هذه الحالة هو مُرتكز هام في المجتمع لكثير من المشاكل الإجتماعية والنفسية وهو ما بين سبب ونتيجة معاً ويكاد يكون مرآة لكثير من الهزات الإقتصادية والإجتماعية التي تعصف بالمجتمعات وكدليل على ذلك ما حدث بالمجتمع العراقي بعد الإحتلال حيث نجد إن نسبة الطلاق قد أخذت بالتزايد مع الإحساس بفقدان الكثير من القيِّم الإجتماعية الجميلة والنبيلة والتي أصبحت هشة شيئاً فشيئاً مثل الأمانة والإخلاص والصدق والشعور بالمسؤولية والإهتمام بوجود الآخرين ومصائرهم والتعاطف والتكافل الإجتماعي ما بين الأقارب والأصدقاء والجيران , وحينما أصبحت هذه القيم هشة ومشكوك بها بسبب تكاثر الكوارث الإجتماعية كثرت أيضاً المشاكل الإجتماعية ومنها الطلاق . ولو سألنا ما علاقة الكوارث الإجتماعية بالقيم لكان الجواب العلمي الوحيد هو أن الكوارث الإجتماعية هي كالزلزال الذي يزعزع أُسس القيّم داخل النفس البشرية , وحينما يُستباح الدم البشري يصبح بعدها كل ممنوع سهلاً وتبدأ النفوس بالشكوك بكل ما هو نزيه ونظيف وتصبح الألوان متشابهه في عين الفرد وتزداد فيه النزعة ( الميكافيلية ) ويبدأ بتحديد قيمه الخاصة به والتي تصبح بعد ذلك عامة ويصبح أيضاً له غاياته الخاصة والتي تبررها أية وسيلة كانت .

وهذا ما حدث لكثير من الدول بعد الحروب الطويلة , أما المجتمعات التي تبقى في حالة السلم فإن الهزات الإقتصادية والتغييرات الإجتماعية المتسارعة تدعو الى أن تتغير القيَّم بسرعة لتستبدل بقيم جديدة في فترات متقاربة ويبقى الفرد متطاحناً مع شريك حياته وأصدقائه ومع نفسه أيضاً , أما مجتمعاتنا فقد أضاعت قيماً قديمة جميلة وجيدة لكنها لم تستطع بناء قيَّم جديدة وبديلة وأصبحت العلاقات غير متينة كألقيّم الإجتماعية وقابلة للهزات السريعة . 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.