كـتـاب ألموقع

خاطرة – 6- الدولة والحكومة وما بينهما// د. خليل الجنابي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

خاطرة – 6- الدولة والحكومة وما بينهما

الدكتور / خليل الجنابي

 

الدولة… هي جماعة من الأفراد تسكن وتعيش بشكل دائمي في منطقة محددة  جغرافياً وتخضع في تنظيمها لشئونها لسلطة سياسية، وتخضع لقانون أو دستور ، وهناك جهة تشرف على أنشطتها السياسية والإقتصادية والإجتماعية تُسمى الحكومة، وهي بمثابة الهيئة السياسية والإدارية العليا التي تشرف على أحوال الشعب وتنظيم شؤونه وعلاقات أفراده، وهي المسؤولة عن توفير وسائل الأمن له ورد العدوان عن أراضيه .

والدولة هي صاحبة القوة العليا غير المقيدة في المجتمع، وهي  تكون فوق أية تنظيمات أو جماعات أخرى ولا شيء يعلو عليها غير الدستور .

وهناك أشكال متعددة من أنواع الحكم :-

١ - الحكم الملكي … يتولى الحكم فيه عن طريق الوراثة وفيه يسمى رئيس الدولة بالملك أو الأمير أو السلطان أو الإمبراطور الذي يكون الرئيس فيه مصوناً غير مسؤول .

٢ - الحكم الجمهوري … يصل فيه الرئيس للحكم عن طريق الإنتخابات لمدة محددة ويكون ذلك على أساس المساواة بين الأفراد ، وتتم عملية إنتخاب رئيس الجمهورية أما عن طريق البرلمان أو الشعب أو كليهما .

٣ - الحكم الديكتاتوري …

هو شكل من أشكال الحكم المطلق حيث تكون سلطات الحكم محصورة في شخص واحد أو مجموعة معينة كحزب سياسي أو ديكتاتورية الجيش، وهي أنواع حسب درجة القسوة والقمع، ولا تسمح بإقامة أي أحزاب سياسية أو أي نوع من المعارضة .

وهناك ثلاث سلطات تشمل الهيئة الحاكمة للدولة وهي التنفيذية والتشريعية والقضائية، ويعتمد إرتباطها في ما بينها بنوعية الحكم، حيث أنها في الأنظمة الدكتاتورية يكون الحاكم المطلق هو (الكل بالكل) ، هو الآمر وهو الناهي وهو القاضي وهو الجلاد، وفي الأنظمة الديمقراطية يكون الفصل بين السلطات الثلاث واجباً دستورياً. يعني أن الحكومة والبرلمان والقضاء تكون كياناتها مستقلة بعضها عن البعض الآخر، ولا تداخل في مسؤولياتها إلا بما يسمح به القانون .

 

في أوربا كانت الشرعية الدينية هي السائدة لحقبة طويلة من الزمن وإبتلت بصراعات وحروب طاحنة أطولها حرب المائة عام بين إنكلترا وفرنسا والتى إستمرت  لمدة  116 عام ما بين 1337 - 1453، حكم خلالها خمسة ملوك إنكليز وخمسة ملوك فرنسيين، راح ضحيتها الملايين من الطرفين ولكنهم  يتمتعون اليوم بعلاقات ودية ودولية وطيدة وتعاون على أعلى المستويات، وتركوا خلفهم كل ما كان سبباً في جلب الويلات لأبناء شعوبهم .

لم يكن هذا التغيير ممكناً لو لم يكن هناك وعي وقناعة من أن الإقتتال مهما كانت أسبابه سوف لن يؤدي سوى إلى الخراب والدمار والهلاك، وأدوات الحرب التي بدأت بالسيوف والنبال والسهام وإستعمال الخيول تطورت إلى حدود الأسلحة الفتاكة والمهلكة للإنسان والزرع والضرع، لذا سيكون الدمار كارثياً على البشر وسيعيد من يبقى منهم على قيد الحياة إلى جحورهم في الكهوف والمخابىء .

ومن هذه النقطة بدأ بعض المصلحين في صياغة مفاهيم جديدة للحياة عندما وضعوا قيماً أخلاقية في التعامل تكون بعيدة عن الغلواء والتطرف وتكون أساساً في التعامل بين الشعوب والأمم .

وتيقنت أوربا بعد مرورها بهذه الويلات والمصائب أنه لا مناص من فصل السلطات الثلاث التنفيذية والتشريعية والقضائية وإعطاء كل منها دورها المرسوم دون تدخل من قِبل هذا الحزب أو ذاك أو هذه الجهة أو تلك ، وفكت إرتباطها من سطوة الكنيسة ورجال الدين وتأثيرهم في وضع الدساتير والقوانين المدنية العامة  .

إن العالم الحديث وحركات التحرر مدينة بصورة مباشرة وغير مباشرة لنظرية (العقد الإجتماعي) التي جاء بها (جان جاك روسو) وغيره من الفلاسفة والتي نبهت الشعوب من أن الكلمة الفاصلة لها وليس للملوك والأباطرة في حكمهم المطلق  والذي إستند على (الحق الإهي) وأن الله لم يفوظ أحداً ليتحكم بملايين البشر ويسوقهم حسب أهوائه ورغباته .

لقد كان للعقد الإجتماعي بداية لوضع الدساتير وصياغتها حسب إرادة المحكوم لا الحاكم. ومنذ ذلك الحين سار العالم من مراحل متدنية في العلاقات بين البشر في وقت (الأسياد والعبيد) إلى مرحلة صار فيها الشعب هو مصدر السلطات.

الذي أود ذكره من كل ما تقدم هو أننا في العالم الإسلامي والعربي لا زلنا متخلفين عن الركب بأشواط عديدة، ولا زالت قوى عديدة بين (الدولة والحكومة) تؤثر سلباً في مجريات الحياة الخاصة والعامة للناس. ففي بعض البلدان ومنها العراق نرى وضوحاً في تنامي الحس الطائفي والقومي وتدخل رجال الدين والعشيرة والميليشيات المتعددة في مسارات العملية السياسية. الكل يحاول أن يجر الأمور إلى جانبه ومصلحته الفئوية الضيقة ، ويصبح الوطن بعد تجريده من مقومات وجوده  في مهب الريح  .

لا زلنا نعاني من الإنكسارات الواحدة تلو الأخرى، وأخيراً وليس آخراً (داعش) التي إحتلت أجزاء كبيرة من الوطن ، إلى جانب الخراب الكامل لمقومات الدولة التي أصبحت إسماً دون مُسمى أو معنى .

 فأين نحن من كل هذا الخراب!؟ ومن هي القوى المؤهلة لتصحيح المسار؟ . ومن أين نبدأ !؟ .

أسئلة كثيرة تراودنا وهي بحاجة إلى تسليط الأضواء عليها  ووضع النقاط على الحروف  في كل مفاصلها، ومن المؤكد أننا لو وضعنا تجارب الشعوب التي سبقتنا أمام أنظارنا لوجدنا السبيل والهداية والخلاص من كل مآسينا .