كـتـاب ألموقع

خاطرة – 7- العزف على القانون// د. خليل الجنابي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

خاطرة – 7- العزف على القانون

الدكتور / خليل الجنابي

 

أرجو أن لا يتبادر إلى ذهن القاريء الكريم أنني بصدد الكتابة عن آلة القانون الموسيقية التي طالما إستمتعنا بأنغامها العذبة الجميلة سواء كان عزفاً منفرداً أو بمساهمة آلات موسيقية أخرى، لكن قصدي (شريف) حيث أنني أنوي الكتابة عن القانون الذي أصبح ملازماً لحياة الناس وطريقاً لتنظيم حياتهم العامة والخاصة وما لهم وما عليهم من حقوق وواجبات. لكنه طريقاً خطراً بنفس الوقت. لأنه ليس بمقدورنا الحديث عن القوانين وماهيتها من الناحية القانونية لأن هذا من إختصاص رجال القانون وحدهم، وحتى لا نقع في المحذور وربما بشطحات توقعنا في مطبات نحن في غنى عنها ونقع تحت طائلة القانون ويروح (جلدنا للدباغ) لكن من منطلق الحرص على قوانيننا وجعلها متساوية كأسنان المشط وإبعادها عن الأهواء والتأثيرات كي تبقى في نقائها، من هذا المنطلق يستطيع المرء أن يدلي بدلوه بعيداً عن الإنحياز .

في الآونة الأخيرة جرى التلاعب والتجاوز على القوانين بإصدار أحكام على بعض الشخصيات السياسية المعروفة بمواقفها الوطنية ومكانتها الإجتماعية ونزاهتها وإخلاصها ومعروفة أيضاً بـ (حسن السيرة والسمعة واللباس الأبيض) ، ومن الصعوبة بمكان تصديق أية رواية تأتي لإلصاق التهم بها. لكنها حدثت مع الأسف وبإسم القانون هذه المرة، أي أن ظاهرها القانون والمحاكم التي يجب أن ينصاع إليها الجميع وباطنها العداء لكل من يكشف الفساد والفاسدين والسراق الذين نهبوا خزائن الدولة وجعلوها خاوية إلى حد الإفلاس .

لقد رافق الحملة الواسعة من قِبل المتظاهرين في عموم الوطن ومطالبتهم بالإصلاحات السياسية والإقتصادية والإجتماعية وتوفير الخدمات الضرورية من كهرباء وماء وصحة وتعليم ومحاربة الفساد والسراق وغيرها، رافقتها حملة معاكسة لكل الذين خرجت المظاهرات ضدهم والذين وُجهت إليهم سهام الإتهام وبالجرم المشهود. منطلقين من المثل الشعبي القائل (أتغده بيك قبل أن تتعشى بي) ، وهنا صار الهجوم لهم هو خير وسيلة للدفاع عن النفس .

لقد برزت شخصيات قيادية في هذا الحراك الشعبي وهي الآن مستهدفة بهذا الشكل أو ذاك مُستغلين بعض الفجوات والمطبات بالقوانين التي أصبح التلاعب بها مُيسراً حين دخل بعض السادة القُضاة على الخط لتنفيذ ما يُملى عليهم لإسكات الأصوات التي تهدد مصالحهم وتكشف سرقاتهم .

 

من الأمثلة الحية على هذا الإدعاء هو ما أقدمت عليه محكمة جنح الحلة مؤخراً على إصدار قرار بحبس الأمين العام لمجلس محافظة بابل الأستاذ (عقيل الربيعي) لمدة ستة أشهر بتهمة تجاوز صلاحياته الوظيفية. فهل يا ترى كشفه عن معلومات فيها تجاوز على إراضي تعود إلي الدولة إستجابة لمطالب المواطنين يشكل بحد ذاته تهمة تستوجب الحكم، لكن إصرار جهات معينة على الإنتقام منه لكونه تصرف بما يمليه عليه ضميره الوطني والحزبي الذي أدى إلى إصدار القرار الثاني بعد تمييز الدعوى وتغيير شخص الحاكم. هل تعتبر هذه إخلالاً بوظيفته، علماً بأن المحكمة نفسها كانت قد برأته عن التهمة المشار إليها وقررت إخلاء سبيله من قبل .

 

الحدث المؤسف الثاني هو إعتقال الشاعر والكاتب والمهندس (إبراهيم البهرزي) هذا الإنسان المعروف بوطنيته ونضاله الذي لا يلين ضد الفساد والمفسدين وضد المحاصصة الطائفية وضد إعتقال المتظاهرين ودفاعه عن أهالي بهرز الذين لاقوا الأمرين من العمليات الإرهابية، وتوجيه تهمة مفبركة ضده حيث أن تقصيراً كبيراً كان قد حدث من قِبل دائرة المفتش العام في وزارة الصحة ولم يكن هو المسؤول عنه، ووجهت إليه التهمة جزافاً وحُكم عليه بالسجن لمدة عام.

إن عملية إسكات الأصوات المنادية بالإصلاح والتي تقف جميع القوى الخيرة معها إلى جانب المرجعية الرشيدة سوف لن يثنيها الترهيب والوعيد وإصدار الأحكام الجائرة ضدها، بل سيزيدها إصراراً على مواصلة السير نحو عراق آمن ومستقر ومرفه .

بعد سقوط النظام الديكتاتوري عام 2003 إرتأت قوات التحالف إلى ضرورة إستقلال القضاء وإعتبرته عامل مهم في حفظ أمن المجتمع وضمانة من ضمانات الديمقراطية فصدر الأمر رقم (35) في 18/ 9/2003 بإعادة تأسيس مجلس القضاء، حيث تصدرت ديباجة الأمر العبارة التالية (إن السبيل إلى فرض حكم القانون هو نظام قضائي مؤلف من كادر مؤهل وحر مستقل عن التأثيرات الخارجية) . وكان واضحاً من هذا هو تحقيق دولة يسودها العدل والقانون.

إن الذي يجري الآن هو العد العكسي لمهمة إنطلاق الجماهير في هبتها المباركة والمطالبة بالإصلاحات، فبدلاً من تعضيدها من قِبل السلطات القضائية بإعتبارها مكفولة دستورياً، نرى العكس وذلك بالتخلي عن الجماهير ومشروعها الإصلاحي وملاحقة الناشطين منهم من أجل كسرعزيمتهم وإسكات صوتهم وذلك بإلصاق التهم وفبركتها للنيل منهم ومن سمعتهم السياسية ومكانتهم الإجتماعية .

لا ندري من سيكون على قائمة المتهمين في الأيام القادمة ، ومن سيكون كبشاً للفداء من أجل الدولة المدنية الديمقراطية .