كـتـاب ألموقع

خواطر (9) في ذكرى تأسيس الجيش العراقي الباسل// د. خليل الجنابي

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

خواطر (9) في ذكرى تأسيس الجيش العراقي الباسل

الدكتور / خليل الجنابي

 

قبل الدخول إلى بعض المحطات من السفر الطويل لتأسيس الجيش العراقي لا بد من الوقوف إجلالاً وإكباراً له على إنتصاره الأخير في تحرير الرمادي من رجس الدواعش والتي أعاد بها سمعته وشرفه العسكري التي لازمته طويلاً منذ تأسيسة قبل 95 عاماً. إنها بلا شك مأثرة ستبقى خالدة في صفحاته المشرقة والتي تستدعي الوقوف عندها طويلاً ومعرفة أن الجيش قادر على أن يكون سوراً للوطن إذا أحسنا إعداده وتدريبه وتجهيزه ووضع المخلصين والكفوئين على قمة الهرم فيه. مليون تحية وسلام لجيشنا الباسل وقوات الشرطة والحشد الشعبي وقوات العشائر وقوات البيشمركة بمناسبة إنتصاراتهم التي حققوها والتي سيحققوها بالمستقبل القريب من تحرير الفلوجة والموصل وكل شبر من أراضينا المقدسة .

بعد إنتهاء السيطرة العثمانية على العراق في نهاية الحرب العالمية الأولى (1918 - 1914) وإحتلال العراق من قِبل الجيش البريطاني تم تشكيل أول حكومة عراقية برئاسة عبد الرحمن النقيب وتولى فيها جعفر العسكري أول وزير للدفاع .

في 6 كانون الثاني عام 1921 تأسست أولى وحدات الجيش العراقي وذلك خلال سنوات الإنتداب البريطاني للعراق ، حيث شُكل أول فوج منه سمي  بفوج (موسى الكاظم) .

في عام 1923 تولى جعفر العسكري رئاسة الوزارة ليصبح أول ضابط كردي رئيساً للحكومة العراقية، ويكون عزت كركولي وزيراً للمعارف . 

تألفت القوات المسلحة العراقية من ضباط عراقيين كانوا يعملون في السابق مع الجيش العثماني، وتشكلت القوة البرية عام 1921 والقوة الجوية في عام 1931 والقوة البحرية عام 1937 .

لقد وصل تعداد الجيش إلى ذروته في نهاية الحرب العراقية الإيرانية ليصل إلى  مليون و200 ألف مقاتل ويصبح من أقوى الجيوش في المنطقة، ويمتلك ترسانة حربية كبيرة أرهقت ميزانيته وأصبحت وبالاً عليه .

ورغم هذه القوة العددية والعسكرية الهائلة إلا أنه في يوم إحتلال العراق في 9 نيسان 2003 لم يصمد هذا الجيش أمام الضربات الموجعة لآلة الحرب الأمريكية إستثناءاً من بعض الحالات، وإنزوى أفراده في بيوتهم بعيدين عن ثكناتهم العسكرية. وإنصافاً للحقيقة نقول أن هذا الموقف لم يكن جبناً قدر ماكان  رداً على كم الغيض الذي شعر به أبناء القوات المسلحة من زجهم في حروب ومواقف لا ناقة لهم فيها ولا جمل، ومُرغ الشرف العسكري والمهني في الوحل نتيجة سيطرة غير المؤهلين لقيادته من قِبل حاشية النظام وأقربائه، وتأكدوا بأن التضحية بأنفسهم ستكون لأجل رأس النظام وليس للوطن، ولهذا كان موقفهم سلبياً وهم غير مسؤولين عنه .

لقد خاض الجيش العراقي منذ تشكيله ولحد الوقت الحاضر حروب طاحنة منها من كان على حق ومنها من كان على باطل، حيث راح ضحيتها الملايين من أفراده من الجنود وضباط الصف والضباط ومنهم برتب عسكرية كبيرة .

 

أهم الحروب التي دخلهاالجيش العراقي منذ تشكيله ولحد الآن : -

1 - حرب مايس 1941 والتي كانت بينه وبين القوات البريطانية التي أنزلت قواتها بدون موافقة الحكومة العراقية والتي جاءت مخالفة لبنود معاهدة 1930.

2 - حرب عام 1948 في فلسطين التي دارت بين قوات المملكة المصرية سابقاً وقوات المملكة الأردنية والسورية ضد القوات الإسرائيلية والتي لعب فيها الجيش العراقي دوراً مهماً رغم خيانة الحكومات الحاكمة آنذاك .

- حرب 5 حزيران 1967 التي تعرف بنكسة حزيران أو حرب الأيام الستة، وهي الحرب التي نشبت بين إسرائيل وكل من مصر وسوريا والأردن، وتعتبر ثالث حرب ضمن الصراع العربي الإسرائيلي والتي أدت إلى إحتلال إسرائيل لسيناء وقطاع غزة والضفة الغربية والجولان وتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من الضفة الغربية وفتح باب الإستيطان فيها وفي القدس الشرقية وتهجير معظم مدنيي محافظة القنيطرة في سوريا  وسكان  مدن قناة السويس.

 

3 - حرب 6 أوكتوبر عام 1973 بين دول الطوق العربي مصر وسوريا والأردن مع الجيش الإسرائيلي ومساهمة الجيش العراقي فيها رغم عدم إبلاغه عن موعدها. وهي الحرب العربية الإسرائيلية الرابعة التي شنتها كل من مصر وسوريا على إسرائيل بهجوم مفاجيء على القوات الإسرائيلية التي كانت مرابطة في سيناء وهضبة الجولان والتي جاءت رداً على العدوان الإسرائيلي عام 1967 .

 

4 - حرب الخليج الأولى .. الحرب العراقية الإيرانية أو قادسية صدام كما سمتها الحكومة العراقية والتي إستمرت من أيلول 1980 - إلى آب 1988 وأعتبرت من أطول الحروب التقليدية  في القرن العشرين والتي أدت إلى مقتل مليون شخص من الضحايا وخسائر مالية تقدر  بـ 1.19 ترليون دولار .

5- حرب الخليج الثانية … حرب تحرير الكويت أو عملية درع الصحراء والتي تمت بعد إجتياح العراق لدولة الكويت في 2 آب 1990 وإحتلالها من قِبل الجيش العراقي ، فشنت الولايات المتحدة الأمريكية مع تحالف دولي قوامه34  دولة وبتشريع من الأمم المتحدة حرباً ضروساً ضد الجيش العراقي الذي خسر عشرات الآلاف من قواته وتم أسر آلاف أخرى، وقتل الآلاف من المدنيين وتدمير ماكنة الجيش العسكرية وقواعد البنية التحتية في عموم البلاد .

6 - - حرب الخليج الثالثة (الغزو الأمريكي للعراق) والتي أدت إلى إحتلال العراق عسكرياً من قِبل الولايات المتحدة الأمريكية ومساعدة دول أخرى مثل بريطانيا وأستراليا وبعض الدول المتحالفة مع أمريكا. وقد تسببت هذه الحرب بأكبر خسائر بشرية في تأريخ العراق وتأريخ الجيش الأمريكي منذ عدة عقود .

7 - حرب الموصل .. أو معركة الموصل التي حدثت في 9 حزيران 2014 بين الجيش العراقي من جهة وتنظيم داعش الذي سيطر على المدينة دون مقاومة وسيطر على كل منشآتها الحيوية وغنم جميع أسلحة الجيش هناك، وتعتبر هذه  لطخة سوداء في صفحات الجيش، إنها هزيمة نكراء يتحملها من كان بيده قرار المؤسسة العسكرية والسياسية .

8 - حروب داخلية شنها الجيش العراقي وفي فترات مختلفة ضد الحركة الكردية المطالبة بحقوقها القومية المشروعة .

 

الإنقلابات والثورات التي ساهم فيها الجيش العراقي :-

من الإنقلابات العسكرية التي قام بها الجيش  كان أولها إنقلاب الفريق (بكر صدقي) في 29 تشرين الأول 1936 والذي يُعتبر أول إنقلاب عسكري في المنطقة العربية .

ثورة مايس 1941 التي قام بها رشيد عالي الكيلاني عندما شكل وزارته الجديدة والتي سميت بحكومة الإنقاذ الوطني إبان الحرب العالمية الثانية وساعده فيها مجموعة من الضباط القدامى وهم القادة الأربعة المعروفين بالمربع الذهبي برئاسة العقيد (صلاح الدين الصباغ) والمعروفين بتوجهاتهم القومية العربية وتبني إجراءات وطنية مناهضة لبريطانيا ذات اليد الطولى في العراق، والذين تم إعدامهم بعد فشل حركتهم .

 

ثورة 14تموز 1958 التي قام بها الجيش وأسقط النظام الملكي وإعلان الجمهورية . وكان في مقدمتهم  الزعيم الركن عبد الكريم قاسم والعقيد الركن عبد السلام عارف وقادة عسكريين عديدين وضباط من مختلف الرتب الذين كان يضمهم تنظيم الضباط الوطنيين (الضباط الأحرار) .

وبعد إذاعة البيان الأول الذي ألقاه العقيد الركن عبد السلام عارف صبيحة يوم الإثنين 14 تموز من دار الإذاعة التي إحتلها وليعلن قيام النظام الجمهوري وإسقاط النظام الملكي، نزلت الآلاف من الجماهير إلى الشوارع والساحات العامة وفي كل المدن العراقية لتساند وتبارك الثورة التي إنتظرتها طويلاً . ورغم عمر الثورة القصير إلا أنها حققت إنجازات كبيرة كان من أهمها :-

 

الخروج من حلف بغداد أي حلف المعاهدة المركزية الذي كان فيه العراق الملكي شبه الإقطاعي أداة فاعلة في الضد من مصالح الشعوب الوطنية  واستقلالها، الحلف الذي وجد أساسا لمحاربة أنظمة وحركات التحرر الوطني، وكذلك الخروج من دائرة الجنيه الإسترليني التي كانت تتحكم بالإقتصاد والتعامل الإقتصادي العراقي، وكما أقرت حكومة الثورة القوانين والتشريعات الأخرى كقانون الإصلاح الزراعي وقانون الأحوال الشخصية، الذي ساوى بموجبه المرأة مع الرجل وجعل المرأة مشاركة في إدارة السلطة، وهناك إضافة إلى القوانين والتشريعات الأخرى، الدستور العراقي المؤقت الذي بموجبه تم تنظيم العلاقة بين أبناء الشعب وسلطة النظام الجديد، وكذلك تشريع القانون رقم 80 الذي بموجبه تم تحرير أكثر من 95% من الحقول النفطية من الإستثمار للشركات النفطية العالمية الاحتكارية. ناهيك عن الإجراءات والقوانين الأخرى كإجازة الأحزاب والمنظمات والاتحادات والنقابات العمالية، وتحديد ساعات العمل .

 

مؤامرة العقيد الركن عبد الوهاب الشواف آمر حامية الموصل في 8 / 3 / 1959 الذي قُتل فيها مع إعدام مجموعة من الضباط المتآمرين ومنهم رفعت الحاج سري وناظم الطبقجلي، المؤامرة التي ساهمت فيها القوى الرجعية الداخلية والخارجية وبمساعدة العربية المتحدة أيام الرئيس جمال عبد الناصر  .

إنقلاب 8 / شباط الأسود / 1963 الذي أطاح بثورة تموز المجيدة وقادتها الأبطال ومُثل بهم أبشع تمثيل، وكان هذا رداً على ما أقدمت عليه ثورة الرابع عشر من تموز المجيدة عام 1958 من انجازات تاريخيه هامة حشدت كل الأعداء التقليديين والذين تضرروا من تلك الانجازات الهامة سواء في الميدان الإقتصادي أو السياسي أو الاجتماعي إلى توحيد قواهم والاصطفاف مع الأعداء  من أنظمة الحكم الإقليمية والدولية والحصول على كل أشكال الدعم للانقضاض على ثورة الرابع عشر من تموز وقيادتها وفي

 

مقدمتهم الزعيم عبد الكريم قاسم وصحبه الشجعان المهداوي، الأوقاتي، طه الشيخ أحمد، كنعان حداد، داؤد الجنابي، ماجد محمد أمين، وصفي طاهر، خزعل السعدي، حسين خضر الدوري، فاضل البياتي والجدة والمئات غيرهم، وإستباحة دم قادة الحركة الوطنية وفي مقدمتهم (سلام عادل) ورفاقه الأبرار، جمال الحيدري، محمد صالح العبلي، حسن عوينه، محمد حسين أبو العيس، عبد الرحيم شريف، عبد الجبار وهبي، إبراهيم الحكاك، توفيق منير، متي الشيخ، عدنان البراك، عبد الأحد المالح ومئات غيرهم من خيرة أبناء شعبنا العسكريين والمدنيين نساءً ورجالاً، الإنقلاب الذي خططت له المخابرات المركزية الأمريكية ونفذه قطعان البعث والقوى القومية والإسلامية والقوى الرجعية .

إنتفاضة حسن سريع في 3 تموز 1963

انتفاضة معسكر الرشيد يوم الثالث من تموز من عام 1963 بقيادة ضابط الصف البطل الشهيد حسن سريع ومجموعة من رفاقه العسكريين والمدنيين  ضد انقلابيي شباط الأسود، حيث كان الإنقلابيون لازالوا في أوج بطشهم وجبروتهم تحركوا من مدرسة الهندسة الآلية الكهربائية - مدرسة قطع المعارن - عريبي محمد , محمود طلال, جودي مهدي وغيرهم وتم تحرير بعض السجناء العسكريين في بعض الوحدات العسكرية في معسكر الرشيد وأغلقوا منافذ المعسكر وكذلك البوابة النظامية الرئيسية, واعتقلوا طالب شبيب وحازم جواد وزير الخارجية ومنذر الونداوي قائد الحرس القومي حين قدومهم إلى معسكر الرشيد, ولم يفلحوا في كسر سجن رقم واحد الذي يقطن فيه المئات  من الضباط الذين كان يعوّل عليهم في الذهاب الى وحداتهم العسكرية والسيطرة عليها, وللأسف لم يكن هناك أي تنسيق بين هؤلاء الضباط القابعين داخل أسوار السجن وبين الأبطال الذين قاموا بهذه الحركة التي تفتقد الى أي خبرة عسكرية وسياسية تؤهلهم للتخطيط الصحيح الناجح .

 

حركة 18 تشرين عام 1963 التي قام بها عبد السلام عارف بإطاحته بحلفاء الأمس من  حزب البعث وحرسه القومي والتي سموها بالتصحيحية وذلك بالتعاون مع بعض الشخصيات العسكرية والمدنية . حدث هذا بعد إشتداد الخلاف بين الأجنحة المتصارعة على السلطة والإستياء العام من أوضاع البلاد بعد الإنقلاب الفاشي في 8 شباط الأسود 1963 والذي أدى قتل الآلاف من أبناء الشعب مدنيين وعسكريين وآلاف أخرى ترزح في السجون والمعتقلات .

 

إنقلاب 17 -30 تموز 1968 ، حيث تم الإطاحة بحكم الرئيس عبد الرحمن عارف وتولى فيها حزب البعث السلطة بما يُعرف بالثورة البيضاء بقيادة أحمد حسن البكر وصدام حسين .

لقد إمتاز حكم عبد الرحمن عارف بإجراء بعض الخطوات التي أرعبت شركات النفط الإحتكارية عندما قررت حكومة طاهر يحي بإستعادة حقل نفط الرميلة الشمالي من شركة نفط العراق وإلحاقه بشركة النفط الوطنية ، وعقد إتفاقية مع الإتحاد السوفيتي الذي تعهد بتقديم المساعدات  التقنية  وتجهيزات الحفر لحقل الرميلة الشمالي ، وإقدام حكومة عارف على عقد إتفاقية نفطية مع شركة ( إيراب الفرنسية ) في منطقة وسط وجنوب العراق ، إلى جانب رفضها منح شركة ( بان أمريكان ) إمتيازاً لإستخراج الكبريت في العراق .

كل هذه العوامل وغيرها دعت الدوائر الحكومية في لندن وواشنطن من التعاون في تقويض النظام العارفي والإتيان بحزب البعث مرة أخرى حيث  سعت تلك الدوائر لتعاون العناصر الموالية لكلا الجانبين . فهناك البعثيون على الجانب الأمريكي ، وعبد الرزاق النايف وإبراهيم عبد الرحمن الداؤد وزمرتهما على الجانب البريطاني .

 

 

لقد مر الجيش العراقي خلال عمره الطويل الذي قارب على القرن بمحطات مختلفة منها ما كان فيها قريباً من هموم الشعب بكل قومياته وأديانه وطوائفه وكان متجاوباً مع طموحات أبنائه في التحرر الناجز وإستقلاله التام من سطوة المستعمرين  ، ومنها ما كان سيفاً مسلطاً على رقاب الشعب  ، وسبباً في نكباته المتتالية . وإن النكبات والإنتصارات الكثيرة التي مر بها من يوم ميلاده في6   كانون الثاني 1921 إلي الوقت الحاضر لا يمكن حصرها بمقالة عابرة وربما تكون متحيزة لهذا الجانب أو ذاك .  ومن أهم الأحداث المأساوية التي حلت بالجيش العراقي هو القرار الذى أصدره الحاكم المدني العام ( بول بريمر )  بحل الجيش العراقي بعد الغزو الأمريكي في 9 نيسان 2003 ، وبه أطلق ( رصاصة الرحمة ) على ذلك التأريخ الحافل بالإنتصارات والكبوات ، ذلك الجيش الذي دوخ المستعمرين منذ إحتلالهم للعراق بعد الحرب العالمية الأولى .

وعلى العموم فإن طموحنا الآن هو أن يعود الجيش إلى أن يكون حارساً أميناً لسور الوطن ، قريباً من هموم وطموحات أبناء الشعب في العيش الكريم الآمن ، وأن ينتصر على أعدائه في الداخل والخارج ، وأن يتحلى بالروح الوطنية  بعيداً عن الطائفية والعنصرية التي مزقت أوصال الوطن .

وأخيراً وليس آخراً .. تهاني وتبريكات لجيشنا العراقي الباسل في يوم ميلاده الأغر ومن خلاله نبعث بخاص التحية والتقدير إلى قوات الشرطة والأمن والحشد الشعبي وأبناء العشائر وقوات البيشمركة  على الوقوف إلى جانبه في تحرير كامل تراب الوطن من الدواعش والمتعاونين معهم .