كـتـاب ألموقع

حكومة التكنوقراط الموعودة// د. خليل الجنابي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

حكومة التكنوقراط الموعودة

الدكتور / خليل الجنابي

 

لقد كثر الحديث هذه الأيام عن حكومة التكنوقراط، وكثرت أيضاً التصريحات واللقاءات الصحفية والتلفزيونية من كل الأطراف السياسية المتواجدة على الساحة العراقية وإعتبروها الحل السحري لمشاكلنا الكثيرة المستعصية وذلك بعد أن يئس الناس من الأوضاع المأساوية التي أوصلت البلاد إلى درجات متدنية من التردي في أوضاعه السياسية والإقتصادية والإجتماعية والثقافية وإنعدام الخدمات بشكل كامل تقريباً إلى جانب المرض والفقر والتخلف والإرهاب

ولم يأت هذا إعتباطاً لولا الضغط الشعبي المتصاعد والمظاهرات العارمة التي إجتاحت معظم المدن العراقية منذ شهور رافعة شعارات الإصلاح والتغيير ومحاربة الفساد وسراق المال العام والإرهاب وداعش التي إحتلت ثلث مساحة الوطن

ولو تتبعنا السيرة الذاتية للعديد من الشخصيات التي تولت المهام الوزارية لوجدناها تحمل شهادات عليا ومن جامعات أجنبية مشهود لها بالمكانة العلمية، وهنا يمكن أن نطلق عليها بأنها من النخب المثقفة الواعية والأكثر علماً وحصافة وينطبق عليها تسمية (تكنوقراط) ، لكن للأسف كيف كان أداؤها، وما هي الإنجازات التي حققتها في الوزارات المختلفة التي تسنمتها، وهل هناك أي مَعْلَم أو مشروع أنجزوه  كان لفائدة أبناء الوطن وخاصة الفقراء منهم!؟ وأين هي الأموال التي كانت في عهدتهم. فأين هي العلّة إذاً !!

العلّة يا سادتي تكمن في الطريقة الخاطئة التي أُعتمدت بإختيار هذه الوجوه والشخصيات وهي (طريقة المحاصصة) المقيتة المبنية على الولاء الحزبي والطائفي والعشائري. طريقة تقاسم الحصص والمناصب على أساس عدد الأصوات التي حصلت عليها الكتل السياسية في الإنتخابات التي شابها الكثير من الفساد والمثالب. وهذا يعني أن الإختيار هنا جاء بعيداً عن الكفاءة  والنزاهة رغم الشهادات العلمية التي   يحملونها

لقد أثبتت الوقائع أنه لا مناص إلا  بتبديل الوجوه والشخصيات التي تربعت على عرش المسؤولية منذ التغيير عام ٢٠٠٣ ولحد الآن بدون إستثناء، لأن فترة عقد ويزيد من الزمن كان أكثر من كافي ليتبين لنا (الخيط الأسود من الخيط الأبيض)

إن حزمة الإصلاحات التي وعد بها السيد العبادي وكذلك البرلمان قبل فترة لاقت  الترحيب الحار من قبل الجماهير صاحبة المصلحة وكذلك من المرجعية الدينية، لكنها سرعان ما تبخرت وأصبحت حبراً على ورق لأن حيتان الفساد الكبيرة أصبحت تسيطر على كل مفاصل الدولة، فهي من ترفع وهي من تكبس، وهي من تقرر حتى كمية الهواء الذي نتنفسه (والماء الخابط) الذي نشربة (والطعام الفاسد) الذي نأكله 

من معاني (الحكومة التكنوقراطية)، هي الحكومة المتخصصة غير الحزبية وغير المنحازة لموقف أي حزب كان أو فئة على حساب فئة أخرى

والتكنوقراط كلمة مشتقة من كلمتين يونانيتين

التكنولوجيا - وتعني المعرفة أو العلم ، تكني - فني وتقني

  وقراط - معناها السلطة والحكم

وبالتالي تتكون الحكومة التكنولوجية المنشودة التي بدأت كحركة عام ١٩٣٢ في الولايات المتحدة الأمريكية حيث كان التكنوقراطيون يتكونون من المهندسين والمعماريين والإقتصاديين المشتغلين بالعلوم والذين دعوا إلى قياس الظواهر الإجتماعية ثم إستخلاص قوانين يمكن إستخدامها للحكم وهي من التعقيد بحيث لا يمكن أن يفهمها ويسيطر عليها رجال السياسة

 

لقد تزايدت قوة التكنوقراطيين نظراً لإزدياد أهمية العلم ودخوله جميع المجالات الإقتصادية والزراعية وحتى العسكرية، ونجاحات الدول تحددت بمدى قربها وبعدها عن هذه المسارات العلمية

الصين إحدى الدول الرائدة في مجال الإعتماد على (التكنوقراط) في تسنم المسؤوليات، حيث دأبت منذ سبعينات القرن الماضي على إرسال الآلاف من الطلبة للدراسة في الدول الغربية في الهندسة والإقتصاد وطرق الإدارة الحديثة لغرض التطوير الاقتصادي في البلاد. واعتمدوا على هؤلاء الذين يسمون (تقنوقراط) في حل مشاكل الصين الشعبية وتطويرها وتشغيل الصينيين العاطلين عن العمل، فكانوا خير نخبة يعتمد عليها في حل المشاكل في الصناعة والتطوير العلمي والانتقال من مجتمع زراعي بحت إلى مجتمع صناعي متقدم

لنعود الآن إلى وضعنا العراقي حيث طالبت الجماهير وكل القوى الخيرة  إلى أن الطريق السليم لإنقاذ البلاد من الوضع المأساوي الذي هو فيه هو (الدولة المدنية) ، دولة المؤسسات التي تقوم على أساس المساواة والحقوق الإنسانية، وتنطلق من قيم أخلاقية في الحكم بغض النظر عن إنتماءاتهم القومية والدينية والفكرية  وأن تقوم تلك الدولة على السلام والتسامح وقبول الآخر والمساواة في الحقوق والواجبات .

ومن أهم مبادئ الدولة المدنية أنها لا تتأسس بخلط الدين بالسياسة. كما أنها لاتعادي الدين أو ترفضه فرغم أن الدين يظل في الدولة المدنية عاملاً في بناء الأخلاق وخلق الطاقة للعمل والإنجاز والتقدم. حيث أن ما ترفضه الدولة المدنية هو إستخدام الدين لتحقيق أهداف سياسية ، فذلك يتنافى مع مبدأ التعدد الذي تقوم عليه الدولة المدنية، كما أن هذا الأمر قد يعتبر من أهم العوامل التي تحول الدين إلى موضوع خلافي وجدلي وإلى تفسيرات قد تبعده عن عالم القداسة وتدخل به إلى عالم المصالح الدنيوية الضيقة، كذلك مبدأ الديمقراطية والتي تمنع من أن تؤخذ الدولة غصباً من خلال فرد أو جماعة أو عائلة أو نزعة آيدولوجية

وحتى لا نتيه في دهاليز السياسة المخادعة ليجري الإلتفاف أخيراً على المفاهيم والمفردات العلمية لمفهوم (الدولة المدنية) يتوجب علينا بناء المؤسسات الدستورية والقضائية المستقلة، وإشاعة الحريات العامة وحقوق الإنسان  في المجتمع واحترام الدستور والفصل بين السلطات وعدم إستبداد الأغلبية

 

الحكومة التكنوقراطية التي ننشدها يجب أن تكون بعيدة عن التحزب والطائفية والأثنية، حكومة تضع الوطن والمواطن نصب عينيها وتعمل على إعطائه حقوقه دون تمييز وتضمن له العيش الحر الكريم، وترعاه في حياته وشيخوخته وتوفر له السكن والعمل والضمان الصحي والإجتماعي وتدافع عنه وغيرها من الحقوق والواجبات.