كـتـاب ألموقع

تحية وسلام للمرأة في عيد 8 آذار المجيد// د. خليل الجنابي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

تحية وسلام للمرأة في عيد 8 آذار المجيد

الدكتور / خليل الجنابي

 

المرأة هذا المخلوق الجميل سواء كانت أم، أخت، إبنة، زوجة،  قريبة،  خطيبة، زميلة أو رفيقة، هي نفسها من تحملت مع الرجل الإضطهاد بكل أشكاله وألوانه سواء كان إضطهاداً طبقياً أو إجتماعياً أو ثقافياً أو سياسياً، وهي نفسها من تحمل شظف العيش ومرارته بعد أن ترملت وأصبحت المسؤول الوحيد عن إعاشة العائلة.

وعلى مر التأريخ كان للمرأة وجودها وكيانها، ففي العهد الفرعوني مثلاً تبوأت المرتبة الأولى بين الحضارات الإنسانية من حيث معاملتها وتقديرها، فكان لها الحق بألميراث، وتتولى أمر أسرتها في غياب زوجها، ويعتقدون أن المرأة أكثر كمالاً من الرجل، والزوج يكتب لها كل ما يملك من عقارات، والأطفال ينتسبون لأمهاتهم وليس لآبائهم، وكان للمرأة في العهد الفرعوني الحق في تولي الحكم وذلك إن لم يكن هناك حكام ذكور .

وفي الحضارة الإغريقية إنتكست وضعيتها فأُعتبرت المرأة شجرة مسمومة، محتقرة  تباع وتشترى في الأسواق، مسلوبة الحقوق، محرومة من حق الميراث وحق التصرف بالمال، حتى أنها لم تسلم من فلاسفة الإغريق وفي مقدمتهم الفيلسوف (آرسطو) ، الذي لم ينصفها أيضاً حين إعتبر (الرجل أعلى منزلة من المرأة) .

أما الفيلسوف (سقراط) فكتب (إن المرأة تُشبه شجرة مسمومة، حيث يكون ظاهرها جميلاً، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً) .

في العهد الروماني أُعتبرت المرأة متاعاً مملوكا للرجل وسلعة من السلع الرخيصة يتصرف بها الرجال كيفما يشاؤون، وكانوا يعتبرونها شراً لا بد من إجتنابه، وأنها مخلوقة للمتعة وخاضعة للرجل أباً كان أو زوجاً ولهما الحق بالتصرف في حياتها ومماتها، فهي أمَة لا قيمة لها .

لقد منعوا المرأة من الكلام وحكموا عليها بأن تضع على فمها قفلاً حديدياً، وكانو يسكبون الزيت الحار على جسم المرأة ويربطونها بذيول الخيول ثم يجرونها بسرعة.

ففي الحضارات اليونانية والرومانية والبابلية والفارسية والهندية والصينية لن نجد سوى ظلم للمرأة وإضطهاداً لها وتحقيراً لشأنها .

ومن مصر الفرعونية إلى أرض بابل - حمورابي في بلاد الرافدين، وإلى ربوع بلاد الشام وأوربا بزغت أسماء لامعة من النساء، وأصبحن خالدات لأدوارهن المهمة في التأريخ الإنساني، ومنهن (كليوباترا، سميراميس، نفرتيتي، بلقيس، زنوبيا، الخنساء، شجرة الدر، هيلين كلير، مدام كوري، هدى شعراوي، لطفية السيد، نوال السعداوي، ماري تريزا، فالنتينا تيروشكوفا - رائدة الفضاء السوفيتية - أنديرا غاندي وعشرات ومئات غيرهن لمعن في التأريخ العابر والمعاصر .

وفي العراق برزت أسماء لامعة خاضت المعترك الثقافي والأدبي والسياسي ورفعن شعار تحرر المرأة وإنعتاقها من مخلفات الأفكار الذكورية المتخلفة منهن (أمينة الرحال، نزيهة الدليمي، روز خدوري، سافرة جميل حافظ، خانم زهدي، سالمة الفخري، زكية شاكر، أسماء الزهاوي، زكية خيري، مبجل بابان، بولينا حسون، صبيحة الشيخ داود، سانحة أمين زكي، عفيفة رؤوف) وعشرات غيرهن ممن كان لهن الدور الفعال في رفع شعار تحرير المرأة ومساواتها بالرجل .

وقبل قرن ونصف تقريباً وعلى وجه التحديد في 1857 خرجت آلاف النساء للاحتجاج في شوارع مدينة نيويورك على الظروف اللا إنسانية التي كُن يجبرن على العمل تحتها، ورغم أن الشرطة تدخلت بطريقة وحشية لتفريق المتظاهرات إلا أن المسيرة نجحت في دفع المسؤولين السياسيين إلى طرح مشكلة المرأة العاملة على جداول الأعمال اليومية كما أنه تم تشكيل أول نقابة نسائية لعاملات النسيج في أمريكا بعد سنتين على تلك المسيرة الاحتجاجية وفي الثامن من آذار من سنة 1908 عادت الآلاف من عاملات النسيج للتظاهر من جديد في شوارع مدينة نيويورك لكنهن حملن هذه المرة قطعاً من الخبز اليابس وباقات من الورود في خطوة رمزية لها دلالتها وإخترن لحركتهن الإحتجاجية تلك شعار "خبز وورود". طالبت المسيرة هذه المرة بتخفيض ساعات العمل ووقف تشغيل الأطفال ومنح النساء حق الاقتراع .

وبدأ الاحتفال بالثامن من آذار كيوم المرأة الأمريكية تخليداً لخروج مظاهرات نيويورك سنة 1909 وقد ساهمت النساء الأمريكيات في دفع الدول الأوربية إلى تخصيص الثامن من آذار كيوم للمرأة وذلك في مؤتمر كوبنهاكن بالدانمرك الذي إستضاف مندوبات من سبعة عشر دولة وقد تبنى إقتراح الوفد الأمريكي بتخصيص يوم واحد في السنة للاحتفال بالمرأة على الصعيد العالمي بعد نجاح التجربة داخل الولايات المتحدة .

 

غير أن تخصيص يوم الثامن من آذار كعيد عالمي للمرأة لم يتم إلا سنوات طويلة بعد ذلك لأن منظمة الأمم المتحدة لم توافق على تبني تلك المناسبة سوى سنة 1977 عندما أصدرت المنظمة الدولية قرارا يدعو دول العالم إلى إعتماد أي يوم من السنة يختارونه للإحتفال بالمرأة فقررت غالبية الدول إختيار الثامن من آذار. وتحول بالتالي ذلك اليوم إلى رمز لنضال المرأة تخرج فيه النساء عبر العالم في مظاهرات للمطالبة بحقوقهن وتذكير الضمير العالمي بالحيف الذي مازالت تعاني منه ملايين النساء عبر العالم. كما أن الأمم المتحدة أصدرت قرارا دولياً في سنة 1993 ينص على إعتبار حقوق المرأة جزء لا يتجزأ من منظومة حقوق الإنسان.

في العراق والدول العربية والإسلامية تعاني المرأة اليوم أبشع تمييز بينها وبين الرجل ، فهي تعاني من الحرمان والفاقة والمرض والجهل والتخلف إلى جانب تكبيلها بالقيود الداعشية التي فُرضت عليها ومنعها من فسحة الحقوق والواجبات الشحيحة التي كانت تتمتع بها .

إن المرأة العراقية اليوم أحوج من أي وقت مضى إلي تنظيم صفوفها لأن الحقوق (تؤخذ ولا تعطى) ، فهي صاحبة المصلحة في الدفاع عن نفسها والمطالبة بحقوقها المشروعة التي نصت عليها كل المواثيق الدولية، عندها سيقف الرجل المتنور معها ليعملا سوية من أجل تحرير المجتمع برمته من الأفكار المتخلفة التي تعيق الإنجازات الإجتماعية والإقتصادية والسياسية والثقافية .

فألف تحية وسلام وباقات وسلال من الورود للمرأة بعيد 8  آذار المجيد .