كـتـاب ألموقع

الضحك على ذقون الجماهير// د. خليل الجنابي

تقييم المستخدم:  / 1
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

الضحك على ذقون الجماهير

الدكتور / خليل الجنابي

 

على مر التأريخ السياسي العراقي الحديث لجأت  الحكومات المتعاقبة حين تشتد الأزمات إلى إيجاد سبل ومخارج للتنفيس عن السخط والغليان  الذي يعتمر  في صدور الجماهير على السياسات اللا وطنية التي إنتهجتها في أوقات مختلفة . ومن هذه الطرق الملتوية هو إقدامها على التعديلات الوزارية الكاملة أو الجزئية . ومنذ تشكيل المملكة العراقية عام ١٩٢١ وحتى ثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨ تشكلت ٥٩ حكومة تناوب على رئاستها ٢٣ رئيساً ، أولهم كان عبد الرحمن النقيب وآخرهم آحمد مختار بابان . ولكل من هذه الشخصيات التي توالت على الرئاسة كان لها قصة وحكاية ، كيف جاءت وكيف إنتهت .

أحداث كثيرة مر بها العراق  كانت حافلة بالإنتفاضات والثورات ، كان أهمها ثورة العشرين التي إندلعت في مايس ١٩٢٠ .

معارك محتدمة حدثت ضد الإحتلال البريطاني للعراق ، حركة رشيد عالي الكيلاني والعقداء الأربعة ووثبة كانون الثاني  عام ١٩٤٨ ، ووثبة تشرين المجيدة عام ١٩٥٢ ، وإنتفاضة هورين وشيخان, وانتفاضة آل أزيرج وحركة فلاحي دزيي في سهل أربيل , لتكلل في ١٩٥٤بانتفاضة فلاحي الشامية . ثم إنتفاضة الشعب عام ١٩٥٦ إبان الإعتداء الثلاثي على مصر . وآخرها كانت ثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨ التي قضت على الحكم الملكي وتأسيس النظام الجمهوري .

لقد تعود الشعب العراقي على مخاتلة الحكام منذ العهد الملكي ، فحين تصدوا لمعاهدة ١٩٣٠ الجائرة مهدت الحكومة بزعامة نوري السعيد والبلاط الملكي لإبرام المعاهدة فإتخذت قراراً بحل المجلس النيابي مع إجراءات قمعية لا دستورية وعطلت أكثر من عشرين صحيفة وأحالت العديد من الصحفيين إلى المحاكم ، ومنعت الإجتماعات والتجمعات والمظاهرات وكممت الأفواه وقامت بإجراء إنتخابات مزورة أسفرت عن برلمان خاضع كلياً لإرادة السلطة والمندوب السامي البريطاني .

بعد ثورة ١٤ تموز عام ١٩٥٨ كانت هناك فسحة واسعة للجماهير بأن تنظم نفسها في أحزاب ونقابات عمالية وفلاحية وكل المهن الأخرى من مهندسين وأطباء ومحامين ومعلمين وغيرهم ، ومنظمات طلابية وشبابية ونسائية . كلها أضافت زخماً كبيراً للتأثير على مسار الأحداث في العهد الجمهوري الأول . ولكنها رويداً رويداً بدأت تنحسر نتيجة سياسة الموازنات التي إنتهجتها حكومة الزعيم عبد الكريم قاسم مع القوى السياسية وإبعاد القوى صاحبة المصلحة في التغيير الشامل ووضع العراق على سكة البناء والتقدم . وبهذا أعطى المجال واسعاً لقوى الردة بالإنقضاض على الحكم الوطني في إنقلاب ٨ / شباط الأسود / ١٩٦٣ .

وبعد حمامات الدم التي ملأت كل المدن والقصبات والشوارع ، وبعد الحروب العبثية التي خاضها النظام الدكتاتوري ، عاد العراق إلى الوراء سنوات عديدة رغم ما قام به على صُعد مختلفة من إنجازات لا يمكن نكرانها في مجال التعليم والصحة والعمران  وتأمين الخدمات  كالكهرباء والماء وغيرها .

وبعد الإحتلال عام ٢٠٠٣  وسقوط النظام الدكتاتوري إستبشر الناس خيراً من أن حياتهم سوف تتحسن وتسير نحو الحياة الإنسانية اللائقة ، ويتخطون فيها الجوع والمرض والتخلف ، هذه الحياة البائسة التي عاشوها لأكثر من ثلاثة عقود  .

وبعد الشد والربط وخروج قوات الإحتلال من العراق ، تصدرت الموقف أحزاب سياسية عديدة كان لكل منها ميليشياتها وإرتباطاتها وولاءاتها التي غلبت عليها المصلحة الخاصة على المصلحة العامة إلى جانب إنحيازها للقومية والدين والمذهب والعشيرة وما إلى ذلك ، ولم يكن من أولوياتها الشعب والوطن الذي يُرثى لحاله . وعَرفت هذه الأحزاب ( من أين تؤكل الكتف ) فراحت تستغل الدين الحنيف أيما إستغلال وأصبحت خليفة الله على الأرض ، فبإسمه تتكلم ، وبإسمه تنطق ، وبإسمه تأمر وتنهي ، مستغلة الجهل والتخلف والفقر . وعلى مدى ثلاثة عشر عاماً  لم تقدم للمواطن غير الوعود المعسولة والآهات ، فلا صناعة ولا زراعة ولا عمران ولا بناء ( تحتي وفوقي ) ، ولم توفر فرص عمل للعاطلين ، ولم تقض على الأوبئة والأمراض  والمدارس الطينية التي تعم أطراف الوطن ولا السكن العشوائي وبيوت الصفيح التي تعيش فيها العوائل الفقيرة ، لا ماء صافي ولا كهرباء … لاءات كثيرة لا تُعد ولا تحصى ، ومما زاد ( في الطين بله ) إحتلال داعش لأراضي واسعة من البلاد . كل هذا جرى في الوقت الذي كانت فيه  ميزانية العراق قد تجاوزت الـ ١٢٠ مليار دولار   ، والآن خالية الوفاض والحمد لله .

الجماهير وقيادتها الواعية التي خبرت النضال على مدى عقود تعود إلى الواجهة من جديد وتتصدر المشهد بعد أن يئست من تخبط العملية السياسية التي أوصلت البلاد إلى حافة الهاوية والإفلاس ، وعرف الناس ( الحق من الباطل ) وأنهم خُدعوا وأعطوا أصواتهم إلى من نكثوا بالعهد ، والآن حان وقت التصحيح قبل فوات الأوان .

ساحات التحرير في أرجاء الوطن شاهده على هذا الحراك المدني ، والأصوات المتعالية يوماً بعد يوم لم يعُد بمقدور أحد على إخمادها رغم تقديم الضحايا والقرابين ، ورغم الصعوبات التي تواجهها إلا أنها تتسع ( طولاً وعرضاً ) .

لم تعد الحلول الترقيعية كافية لإسكات الجماهير ، والتغيير الشامل الذي يطالبون فيه لا يعني تبديل وزير بوزير آخر من نفس الحزب والكتلة . الدولة المدنية التي تنشدها الجماهير هو إنشاء دولة حديثة تقوم على أساس المساواة والحقوق الإنسانية ، ولا يتم إنتهاك الحقوق للأفراد ، وهناك جهة قانونية نزيهة وفصل بين السلطات ، ومن أساس النطام المدني  السلام ، التسامح ، قبول الرأي الآخر ، والمواطنة . ومن شروطه أيضاً إشاعة الديمقراطية التي تمنع أي طرف من أخذ الدولة بالقوة .

مجموعة عوامل إن لم تتوفر إقرأ على الدولة السلام .

وأخيراً وليس آخر لم يعُد هناك مجال للضحك على ذقون الناس ، والكابينة الوزارية التي قدمها السيد العبادي ليست هي الحل السحري لمشاكل الناس والعباد المتفاقمة .