اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

كـتـاب ألموقع

مع هيبة الدولة مرة أخرى// د. خليل الجنابي

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

 

الموقع الفرعي للكاتب

مع هيبة الدولة مرة أخرى

الدكتور / خليل الجنابي

 

بغداد الحبيبة تتشح بالسواد كما هي عليه منذ عقود، فالتفجيرات الإجرامية التي طالت أخيراً مدينة الصدر والكاظمية وحي الجامعة وراح ضحيتها أكثر من ١٠٠ شهيد و٣٠٠ جريح، وقبلها إستهدفت قريتي شفته وبهرز الوديعتين في ديالى، لم تكن هذه ببعيدة عن تلك التي تحدث بين فترة وأخرى على كامل تراب الوطن، ولتزيد من الألم والمرارة التي يتحملها المواطنون من مختلف شرائحهم الإجتماعية ولا سيما الفقراء منهم، فأصبحوا هُم وقودها وحطبها الدائم، وهُم الذين يدفعون فواتير العملية السياسية المشوهة التي جاءت بشكلها الطائفي والمحاصصاتي. فأين من هذا كله هيبة الدولة وكرامتها التي تباكينا عليها ولطمنا الصدور والخدود، وسكبنا الدموع ومزقنا الملابس، ولم يبق منها غير سراويلنا التي تسد عوراتنا والحمد لله .

إن هذه الدماء الزكية التي تُزهق ليل نهار هي ما يجب الوقوف عندها وإطلاق التصريحات النارية حول (العزة والكرامة والهيبة) ، وهي التي يجب أن نثأر لها ونقتص من مرتكبيها ومسببيها. لكن مع الأسف حصَّنتم  أنفسكم بالمئات من الموانع الكونكريتية والأسلاك الشائكة والكلاب البوليسية وتركتم أبناء الوطن الذين جئتم لتمثيلهم يواجهون بصدورهم العارية الضربات القاتلة دون حماية .

أين هي الإصلاحات التي طالبت بها الجماهير منذ هبتها الأولى عام ٢٠١١ ، وسقط على أثرها العديد من المناضلين وإختفى البعض الآخر دون علم بمصيرهم المجهول .

 مَن مِن السادة المسؤولين لم يُصرح بأن هناك فساد ونهب وسلب وإستحواذ على المال العام، ومن منهم لم يُصرح بأن العملية السياسية يُراد لها أن تستقيم وأنها يجب أن ترسي على بر، وهذه التصريحات مستمرة منذ ثلاثة عشر عاماً ولحد الآن، وإذا تركنا الحبل على الغارب ستستمر إلى يوم يبعثون. أين هي العلّة إذاً مادام الجميع متفقون على أن الأوضاع بحاجة إلى الإصلاح، وما دام الأمر كذلك، من المسؤول عن إيقافها وجعلها أمراً واقعاً!؟ . وإذا عدنا إلى واقع الحال وتقسيم المسؤوليات، فمن هي الجهة المسؤولة عن التشريع والمراقبة والتنفيذ غير البرلمان والحكومة والقضاء!؟ ومن له الحق في تشريع القوانين وطرحها للمناقشة والتصويت عليها غير البرلمان!؟ . ومَن ومَن غير البرلمان والحكومة والقضاء من يتحمل ما وصل إليه الحال من تردي وبؤس وفاقة وإنعدام الأمن والحفاظ على أرواح الناس التي لم يعُد لها ظهير ونصير. مسؤولية ما يحدث تتحملها الحكومة والبرلمان والقضاء لا غير وبكل مؤسساتها، إذاً هنا تكمن العلّة التي أشرنا إليها سابقاً. وإذا ما تظاهرت الجماهير في كل ربوع الوطن ضد هذه المؤسسات ورفعت من سقوف مطالبها لا يجب أن تُلام عليه لأنها صبرت طويلاً دون جدوى، وأن دخولها إلى المنطقة الخضراء والذي لم يكن بالأساس مخططاً له من قِبل القوى المدنية لا يجب أن تُحاسب عليه، لأن نهجها السلمي واضح، فنبذت العنف والمساس بالأملاك العامة والخاصة والإعتداء على أي من البرلمانيين والعاملين في مجلس النواب ، لكن الذي جرى كان خارج نطاق السيطرة وهذا ما يحدث عموماً في كل الهبات المليونية التي لا يمكن التأثير عليها وضبط إيقاعاتها بسهولة .

وحول التفجيرات الأخيرة لا بد من التساؤل، هل أن هذه التفجيرات  المستمرة التي تستهدف الناس في كل شبر من أرض الوطن هي خالصة لداعش وأعوانها وحدها، أم أن هناك معها أطراف أخرى تريد العودة بنا إلى أيام الإقتتال الطائفي الذي حدث قبل عقد من الزمان، والمعارك الطائفية السقيمة بين الأديان والمذاهب التي تغذيها جهات تتربص الدوائر بالعراق أرضاً وشعباً .

المناطق الشعبية في العراق مستهدفة من كل الأطراف المار ذكرها لأنها مناطق غير محصنة (لا صادود ولا رادود) ، راح فيها ضحية الفقراء والمساكين والعاطلين عن العمل وعمال المساطر وحتى الأطفال والنساء والشباب والشيوخ. أيام مأساوية دامية تجري يومياً تقريباً، ويبدو أنها سوف لن تنتهي على المدى القريب ولا حتى البعيد. ولدينا من التأريخ  أمثلة ساطعة عندما فجر الإرهابيون  مرقدي الإمامين العسكريين الخالدين (علي الهادى وحسن العسكري) في سامراء عام ٢٠٠٦ والذي أشعل فتنة طائفية راح ضحيتها المئات من المواطنين الأبرياء، وإكتوى بنارها الجميع وكادت أن تؤدي إلى خراب البلد أكثر فأكثر .

إن أمثلة بعض الشعوب حيَّة ، ففي الهند مثلاً جرى تأليب الإقتتال بين المسلمين والهندوس بطرق خبيثة فعمد البعض زمن المستعمرين الإنكليز إلى خلق فتن دائمة بينهم بذبح بقرة ووضعها في الطريق لتأليب الهندوس الذين يعبدونها على المسلمين الذين يأكلون لحمها .

هل نحن سائرون في نفس الطريق!؟ . الطريق الذي ضيعنا فيه بوصلتنا  وأضعنا فيه هيبة الدولة .

 

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.