كـتـاب ألموقع

آخر قصة من بغداد!// نيسان سمو

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

نيسان سمو

 

عرض صفحة الكاتب 

آخر قصة من بغداد!

نيسان سمو

 

لا سياسة ولا إسلام ولا قوميات اليوم (نحن في رمضان وحرام التحرش بالآخرين)!

 

لكل عراقي قصة لا يمكن ان تُنتسى من مُخيلته إن لم يكن للبعض عشرات القصص والحكايات المحزنة والمآساويه في بعضها الآخر . وهذاحصل معي ايضاً وقصص كثيرة لا يمكن ان تمحوا من جمجمتي ( الفارغة ) ولكنني سوف لا أكون متشائماً كثيراً في هذا وسنتطرق الى قصة لا ترتبط لا بالسياسة ولا المذاهب ( كذاب ) ولا القوميات ولا الاحزاب المتناقضة . لا حكومة اليوم . حتى يمكن اكون قد ذكرت هذه القصةسابقاً ولكنني لا اتذكر اين ومتى !

 

حاولت أن ألم ما استطعته لملمته من رأس المال الذي صفى به الدهر في جيبي ونحن في  نهاية حرب تحرير الكويت ( اقصد تحرير بغداد )  ! بعد الرجوع من الدوام العسكري والذي قضيته في بغداد ( يعني لا حاربت ولا شاركت ولا قاتلت بس كُنا نختبأ اثناء القصف الامريكي الكويتي ( إي مو كان قصف مشترك ) كُنتُ ازور قريب لي يملك معملاً صغيراً او محل للألمنيوم ( كان سوقَ الشغلة ماشي لأن اغلب الدوائر والمؤسسات الحكوميةكانت بلا شبابيك ) وفي الصدفة تعرفتُ على شخص هناك إسمه نعيم وعن طريقة لشاب مصري إسمحه محمد ( حتماً ماراح يكون إسمه سرجون  ) ومن هنا وهناك فاتحني الصديق بنيتهم لتأجير معمل لذبح الدجاج ( يعني معمل للدجاج العراقي المجمد ) . والمعمل كان يقع في اطراف بغداد(  خلف سيطرة من سيطرات بغداد ) ولأنهم كانوا محتاجين لمبلغ كبير لتأجير المعمل اقترح الصديق نعيم بأن اشاركهم بربع الحصة او جزء من الحصة والارباح تتقاسم حسب المبلغ المدفوع .  وبعد الإلحاح والتطمينات ولأنني كُنت لا املك اي مهنة حقيقية للعمل فيها وكسول نوعاً ما وافقت في النهاية على مشاركتهم . ولكن طلبتُ منهم الضمان مقابل المال الذي سأضعه في المشروع . في المقابلة الثانية جاء المصري ومعه ما يزن النصف الكيلو من الذهب على شكل محابس وقلاده ثخينه جداً وامور اخرى وقال : اخي نيسان هذا ذهبي الخاص دعه معك كضمان للمبلغ الذي ستشاركنا فيه ! وهذا المصري لم يكن ليخرج من جامع ومسجد للصلاة إلا ودخل الآخر ( كان تقياً مؤمناً حتى النخاع ) نظرتُ الى الذهب فوجدته بأضعاف ثمن المبلغ الذي سأشاركهم فيه . وافقت على الفور ودون كتابة اي عقد شراكة او ضمان خطي . وضعتُ الذهب في البيت وطلبتُ من أم البيت ان لا يتم إخراج هذا الذهب او تسليمه لأي شخص ألا بورقةمكتوبة بخط يدي وتوقيعي عليها ( حتى توقيعي توقيع معقد مثلي لا يمكن  تزويره ) . 

 

استمر المعمل بالإنتاج وبدأت الكميونات المحملة بآلاف الدجاج الحي يصلنا من مزارع لتربية الدجاج وبدأ الذبح والتجميد والخزن والتسويق لفترة تعدت الاشهر  . وبدأنا نحصل على بعض الارباح والشغلة صارت رسمية . كنا نأخذ كل يوم من بغداد اكثر من عشرين عامل وعاملة للعمل في المعمل . بدأ المصري يتمشى في الشوارع وبين الاصدقاء ومعمل الالمنيوم وهو يحمل في يده كل يوم كيس مختلف عن الآخر ( ومن الحجم الكبير ) مليء بالدنانير العراقية . كان الرجل يحب التباهي والتكابر بشكل غريب ( الله يقصف عمره كما قصف الامريكان المخابرات العراقية وبدالة العلوية ).

 

غضب منه القريب صاحب ورشة  الالمنيوم ، ويقال بسببي لأنه ابعدني عنه وهو كان يعزني كثيراً ( يمكن لأنه كان غبياً ! اكو واحد يعزني آني) ! وفي ليلة من ليالي شهر  رمضان ( المبارك طبعاً ) ونحن عائدين انا وهو بكميون من الحجم الوسط محملين بأكياس الدجاج المجمد لتوزيعه على اصحاب المحلات ، اوقفتنا سيطرة بغداد وحضر ملازم ثاني وبعد الاستفسار الروتيني طلب من المصري إعطائه كيس من الدجاج . رفض المصري في بادىء الامر فقام بفتح كيس وإعطائه عدد من الدجاجات ولكن الضابط تحجج وأمر المصري بالنزول من الكميون فبدأ بضربه ضرباً مبرحاً وهو يسحبه الى مقر النقطة والذي يبعد اكثر من خمسون متراً عن نقطة التفتيش . المصري يبكي ويصيح انا صائم ، والله العظيم صائم والضابط يلعنه ويضرب بشدة اكثر  ويلعن الصوم معه الى ان ادخله المقر . ليش اوراقك مو كاملة يا كلب ! طبعاً كانت العملية كُلها  عبارة عن إخبارية ودسيسة ووشاية من احد المعارف لأسباب خاصة لم اعلمها الى الآن .

 

امرنا الضابط انا والسائق بالتحرك ! وصلنا الى بغداد واتصلتُ بصديقنا نعيم ورويتُ له الحادثة فقال دعه الى الغد ولنرى ما سنستطيع فعله وبكل دم بارد قال روح نام والصباح رباح . ضميري لم ينمْ  ( الغبي يبقي غبي ) فأخذتُ معي على الفور كيس كبير من الدجاج وتحركت مسرعاً الى السرب الخاص لطياري صدام حسين والذي كنتُ أخدم فيه وقصدتُ احد الطيارين الاصدقاء وهو النقيب مظهرالناصري ورؤيتُ له الحادثة وما حصل لشريكي وكانت الساعه بحدود الحادية عشر ليلاً !  الرجُل لم يكسفني فقام بإرتداء ملابسه العسكرية وتوجهنا الى السيطرة المذكورة واعتقد كانت الساعه قد اقتربت الثانية عشر ، وعند دخولنا مقر السيطرة واستفسر النقيب عن المصري ردّ عليه ضابط السيطرة : سيدي الواقعه حصلت قبل اكثر من ثلاثة ساعات والمتهم قد تم ارساله الى مركز التسفيرات في بعقوبة والموضوع خرج من يدي . خرجنا وقال لي النقيب اخي نيسان المسألة فيها تسفيرات وهذا القرار من السيد الرئيس فلا يمكننا ان نتدخل . في وقتها كان الرئيس العراقي قد اصدر امراً بتسفير كل اجنبي ( يعني عربي ) يقوم بمخالفة الى بلده فوراً . عاد النقيب الى وحدته العسكرية في ابي غريب وانا إستأذنته بمنحي إجازة في اليوم الثاني لزيارة المصري وما نستطيع ان نفعله ! وحصلت على ذلك .

 

في صباح اليوم الثاني اتصلتُ بصديقنا الثالث للقيام بزيارة المصري ( صاحب المعمل الرئيسي ) فطلب مني نسيان الامر وعدم القيام بتلك الزيارة وإن كل شيء قد إنتهى وهو سيتم تسفيره وليس هناك اي شيء بإسمنا وانت معك الضمان فإنسى الموضوع نهائياً ولا تقوم بتلك الزيارة ! جَن جنوني وسألته اكثر من مرة كيف سنتركه ونحن الى الامس كنا اصدقاء وشركاء ! الامس كان الامس واليوم هو اليوم كان رده !

 

لم يهدأ ضميري ( الناقص ) وقمتُ بزيارته في مركز شرطة بعقوبة وعندما وصلت واستفسرتُ عنه وطلبوا مني الهوية فأمر الضابط بإعتقالي مباشرة ووضعوني في غرفة النظارة ! وبعد برهة جائني ضابط وسألني هل تعلم لماذا انت في التوقيف ؟ فقلتُ له لاء ، لا اعلم ! ردّ لان صديقك المصري قد قدم شكوى  رسمية ضدك يدعي بأنك سرقتَ ذَهَبهُ من مكتبهِ ! وعلينا حسب القانون ان نتركك كم يوم معنا لمعرفة ملابسات الشكوى ! طبعاً لم أكن املك ثقافة الدفاع والخداع ولا طلب المحامي ( كلهم كانوا في السجون ) وحتى لم يخطر ببالي بأنه لا يملك اي دليل على ذلك ولم اتعلم الإنكار ولا غيرها من هذه الامور ( يعني غشيم قانونيا وضميرياً ) . شرحتُ بالتفصيل والصراحة قصة الذهب للضابط ! فسألني الضابط إن كان بمقدوري إرجاع الذهب ! قلتُ نعم واذا سمحت لي بورقة فسوف اكتب للبيت وترسل احد الجنود وسيأتي به . حصلت على ذلك وأرسلنا الورقة مع احد الجنود الى البيت وبعد حوالي اكثر من ساعه كان قد عاد ومعه كيس الذهب . فأتى الضابط بالمصري وسأله إن كان هذا ذهبه وإن كان كاملاً ! فرد عليه المصري ، نعم سيدي هذا هو وهو كامل ( همزين طلع غبي مثلي وماقال للضابط إنه غير كامل وينقصه كذا وكذا ) ! نعم سيدي هذا هو ذهبي الذي سرقه نيسان من مكتبي ، كررها رجل الجامع والحُسينيات ( لعد ليش عبالكم أحب الاديان كل هذه المحبة ) !!!!!!! طلب مني الضابط الخروج والعودة للبيت وعندما سألته عن مصير شريكي المصري ردّ بقولهِ إنه في قائمة التسفيرات وسيتم تسفيره اليوم او غداً فإنسى امره !

 

عدتُ الى البيت وانا كالثعلب المهزوم ! وطبعاً لا اعلم ماذا حصل للمصري بعد ذلك ولا اعلم إن كان الذهب قد تمّ سحبه منه من قِبل الشرطة او أخذه معه الى مصر ! فطس المعمل كما فطس الدجاج الحي الذي كان ينتظر  الذبح ، وعدنا نحن الاثنان الى مواقعنا بخفي الحنين . بين الفترة والاخرى كُنتّ اسمع بأن نعيم واقع بين الدائنين والمديونين لنا وانا اصبحت خارج تلك المعادلة !

 

منذ ذلك اليوم تمّ تسميتي من قبل الاهل والاصدقاء بأسرع وافشل رجل اعمال ! وانا كُنت ازيد واقول لاء ، اكبر اثول في العراق ! بعد اكثر من سنة من تلك الحادثة التقيت بنعيم فكان اول كلامه لي هل اعاد لك ضميرك نقودك ! ألم اقل لك  اترك ضميرك جانباً ولا تقوم بتلك الزيارة ! كان الذهب الذي معك خمسة اضعاف حصتك ، لقد طار وطار معه دينارك وضميرك معاً !

 

اغلب القصص والحوادث التي حصلت معي في العراق في قيد النسيان إلا هذه القصة فلا يمكنني التخلص منها ! ولهذا اكرر دوماً مقوله العراقيون : الغبي يبقى غبي !

 

بعد أن تركنا بغداد والوصول الى بر الأمان توقعتُ بأنني سوف لا اقع أو افشل مرة ثانية ونحن في بلد لا يوجد فيه لا رمضان ولا دجاج ( المذبوح على الطريقة الدنماركية ) ...

 

المصيبة الاكبر هي إن فشلي الثاني وسقوطي اللولبي في الغرب المتحضر كان أكبر وأعظم من سقوطي في الدجاج أو التجارة . فسقوطي الثاني وفشلي المريع  في السياسة والكتابة ( خاصة في المنبر الحر  ) ،  كان أعظم من سقوطي في تجارة الدجاج ( معقولة يكون العَيب من الدجاج وليست مني ) والله فكرة !!! . في بادىء الامر توقعنا بأننا سنقوم بحللة بعض المسائل المتعلقة بالمذاهب ونرفع الغشاوة عن العيون ونقوم ببعض اللملمة والتقريب والتلحيم والترقيع وسنقوم بتصفية القوميات والطوائف العنصرية وكل ما يتعلق بها ولكننا في الاخير أضحينا نحن من اكبر المتشددين للقوميات ، سَقطنا ، إنهزمنا وفي النهاية إستسلمنا وخسرنا كل شيء ( الموقع هو الوحيد الذي نجحَ ) ،  لا بل اكتسبنا عنصرية ستصاحبنا للنهاية . توقعنا بأننا سنرسم طريق علمي نتقيد ونسير به للمستقبل ولكننا لم نكن غير كذبة نهارية . حَلمنا ( الحلم مو عيب ) بأن هناك فرصة للوصول بأهلنا الى العالمية ولكن طار الاهل اسرع من طيران دجاج المعمل . لم تبقى لنا دجاجة واحدة نتحدث معها ( قلتها قبل سنوات ، فقدت وسأفقد كل الاصدقاء ( أل .......  ) بعد دخولي هذا الموقع ) ! في هذا الجانب نجحتُ وبإمتياز .

 

طبعاً لا يمكن لنا أن نتهم الجمهور ( شوية لاخ جنت اقول الدجاج ) بأنه لم يقترب من نقطة الصفر ولم يستوعبها ( شنو معقولة كل الجمهور أشول ) بل يجب أن نقر بأننا كنا الفاشلين في تربية الدجاج ولم نصلح لذلك العمل . أو عليّ أنا البدأ من نقطة الصفر ! والله فكرة ! إذاً العيب ليس في الجمهور بل في المعلم ( الجمهور واضح ومعروف الفكر والعقل والتوجه وإن لم يتم ترويضه فالعيب يقع على المروّض ) !! يقول المثل ما ناقشتُ متعلماً إلا وغلبته وما ناقشتُ ............................... !! مالها قيمة بعد !!!

 

لهذا ها انا اليوم اقر بذلك واعتذر من كل شخص تطاولنا يومناً عليه او تجاوزنا الحدود بسبب هَيَجانُنا وحرصنا وللجميع الموفقية والنجاح  ( باجر راح أسوي نفس الشيء ) ...

 

لا يمكن لأي كاتب الإقتراب من النجاح  إن لم يبدأ من نقطة الصفر ! هَم فكرة !

 

نيسان سمو 08/05/2021