اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

• السماء تعود إلى أهلها ( رواية ) - صفحة 2

 لم تجب على سؤاله، بل راحت تشير بإصبعها إشارة استخفاف تعقيبا على قوله عن الذين يكتبون عن الأوطان:

- الوطن كالسرير، كلما اهتزّ أكثر لملمك في حضنه، بشرط أن تمحو من جبينك كلمة شرف.

اكتشف دموعاً حبيسة في عينيه وهو يجيب السيدة :

- والله يا سيدة راوية لطالما تمنيت لوطني أن يرحل من هذا الوطن قبل أن يصبح قشرة بصل.

 

ـ للأسف الشديد. (متعجلا)

 

ـ للأسف أصبحنا قشرة بصل.

 

شعر بضيق أصابها، لم يلتحق بها وهي تنزوي على كرسي في زاوية بعيدة من المعرض. رأت من مكان جلوسها وليداً يشرب قهوته ببرود، تذكرت برود صديقة لها أمام ما كان يجري من أحداث، جملة وحيدة كانت ترددها:

 

ـ (المهم آنه آكل واشرب، ومستورة الحمد لله والشكر).

 

كانت تلح عليها لارتداء الحجاب، وتذكرها يومياً بعقاب القبر وعقاب الآخرة، وحساب الله على كل شعرة مكشوفة من شعر رأسها. كانت تجاملها وتصمت، إلا أن الكيل طفح بها، فزعقت في وجهها:

ـ الدين علاقة خاصة بين الفرد والله، ليس الدين شَعراً يُستَر أو مسبحة أو سجادة. الدين انتصار العفة على الرذيلة، انتصار الحياة على الضعف، الفضيلة على السجادة.

ولطالما كانت تتهمها بالشيوعية، وتعتقد أن الذي لا يمارس طقوس الدين هو شيوعي.

 

الذي أرجعها لصديقتها القديمة وجود شابة في مقتبل العمر قربها، ترتدي بنطالاً من الجينز الأزرق وبلوزاً من القطن بلون بنّي، تدلـّى صليب فضي على رقبتها ، كانت مثالاً في الحشمة واحترام الذات، والآخر.

بحبها للفن تمايلت على صوت وحيدة خليل (نزهة والبدر شاهد علينه، والعذيبي تنسّم)، ومن كلمة مرحبا، عرفت راوية أنها من مدينة الموصل، أما الشابة، فالمصحف الصغير في رقبة راوية جعلها تتطفل وتسألها متقرّبة في فضول شبابي:

ـ من أين حضرتك؟.

أجابتها السيدة مبتسمة:

ـ أنا من البصرة، وأنتِ من الموصل، هذا واضح من لهجتك.كم سنة لك في لندن؟.

ـ (أنا جئت مع أبي وقت كان عمري سبع سنين، أنتِ مسلمة ما هاكذ؟)

ـ نعم،مسلمة.

ـ (الإســلام عنيف، واحنــا دينـّه   يعلمنا المحبي والسلام ، يمكن إنتي هم ماغشيمي عن  ديننا أشقلتي  بالله؟؟)

أجابتها السيدة راوية:

ـ نعم لكن كل دين يختار لنفسه طريقة تقرّبه من الله وطريقة حسابه وعقابه، ومثلما لكل دين حسناته فلكل دين أخطاؤه.

ـ ( لا ما هاكذ، لما غحتُو للكنيسة، وكنتو بوقته كلش زغيري، ما سمعتُونو للقس يقول يسّوع على خطأ، ليش انتم أشكان يقلكم السيّد؟.)

ـ يا بنتي هذا حوار عقيم، استمتعي بالمعرض، هذا المكان لا يتحمل حواراً بالدين، تفضلي خذي راحتك.

 

بين الفينة والأخرى تتابع انفعالات وحيد ومحمود، امرأة تحب رجلاً لا يحبها ورجل تثيره امرأة لا تحبه، ومن أجل إثارة الصورة النهائية لرجلين يغيبان حول جملة فارغة. ليت وليداً يعرف كيف استوطن في قلب عيناء، وليت عيناء تشعر بوجودها في قلب محمود.

  الزمن يثأر من محمود على تصرفه مع (لبنى) التي تعلـّقت به حدّ العبادة، واعتبرته ملاذها وحضنها.. لكنه تركها تلوك أيامها بعد أن نال منها ما يريد، بينما الأغاني التي يؤلفها الرجال تُبرز إضافة لجمال الإناث خياناتهن وألاعيبهن، حتى ضاعت مفاهيم الخيانة ابتداءً من الجسد وانتهاء بالوطن.. لم نعد نعرف تنقل الرجل من امرأة الى أخرى أهو أحقية له وحده منحتها له رجولته أم هي طبيعة البشر؟. كيف لامرأة قدرة على هوى عدة رجال في آنٍ واحد، أتُجمَع الرجال وتكدَّسهم كتكديس المجوهرات؟ آدم وقت خالف ربه هل أراد أن يصبح خير مثال لبني جنسه؟ أم كان يدافع عن حقه في الحرية؟ وتعدّدت الحريات والزنا واحد.

 

جلست تعاقب وتحاسب الرجال، وهي تنتظر قيامةً وانطباق الجدران على الجدران، يوم نشور الكلمة، رنت بمسامعها أصوات المومسات في رواية تولستوي ( الانبعاث ) ، وكشاعرة وروائية كانت تسمع أصوات الكلمات والفضاء العام للمباني والإهانة التي تتعرض لها البغي على يد الشرطة للحصول على بطاقة رخصة البغاء، عدالة عرجاء تحبك التدمير.

 

في غمرة الكآبة والقرف ودونية المجتمع ومومسية المخابرات في تجنيدها لنساء مومسات وإعطائهن شرف الدفاع عن الأرض والدولة، علاقة الرئيس بالمبغى العام، السمسار لمومسية الحروب يرشد ضحالته للوحل الكبير والمبغى العام، الابن اللاشرعي للخطيئة الكونية التأريخ..   عذرت الحروب الخاوية وعلامات التذكير والتأنيث في اللغة، وعذرت لوليد براعته في تجسيد إرثه على قماش الكنفز، ركضه ولهاث فحولته ساعات وساعات يملأ بياضاً لم يتعوده على لوحة الحياة، بعصارة التكوين الهش لعشق شقرائه

  كان يقبـّلها قبل أن تكتمل في يديه، يقبـّلها حين يبدأ وحين يكل، كيفية تسليط الضوء، كيفية تسليط العتمة، اختلاط الضوء بالعتمة على ثوبها الأصفر؛ بينما أنين امرأة من تكوينه عشقته من اللمسة الأولى من النقطة الصفر، شكوكها وتودّدها، ثورتها وانتظارها، غضبها الصامت وصمتها الغضوب، الاحتياطي من الصبر الذي استنفدته في خلق أعذار لخطيئته، قهوته الباردة، سيجارته بنصف احتراقها ، أصابعه المصفرّة من الدخان والتبغ، رائحة عرقه، انهياره، سكره، عربدته، الأعتدة الفاشلة لمن خانهم المبغى العام، القصائد التي يتلوها، أسماء الرسامين والأدباء..

حفظتهم من خلال أنفاسه اللاهثة والمتقطعة والخافتة ساعة اندماجه باللاوعي الفني، استعادته لوعيه، نومه، صحوته، خروجه من دورته الدموية في مدحه شقراء ذات قلب عاقر لا ينجب حباً كحبها.. حفظت معه أسماء الفائزين بجائزة  نوبل، وتساؤلها لخيبتها، أما كان الأجدر للجنة التحكيم أن تمنحها الجائزة، اشتداد الحزن والتصاقه في قلبها، في أي وقت من أوقات تغزله بعشقه الوحيد.

كان يسمعها قرآنه، يتلو آيته الوحيدة، هو لم يؤمن بالتوحيد ولم يعرف الله، لم يعرف غير لوثته بعشق يشرب عصير دمه. وقفته مبهوراً بفضائل الجمال والطيبة لشقرائه عليه، حيثما يذهب وحيثما يعود يُسمعها آيته؛

ـ الله يا شقرائي.. أدفع عمري كله، مالى، سعادتي، رضاي وزعلي، نومي ويقظتي من أجل نظرة رضا من عينيك..

كم شكرتْ السجن ورجال التعذيب على إخصائه وإلاّ لحمّـل الرجولة عذاباً كعذابها، الصرخة لا تخرج إلا من أعماق المخذول، ولكن ليس المخذول برجولته.

تمنّت أن تفوز بجائزة نوبل للقهر لتتبرع بها للقلوب المخذولة، ولتطرق أبواب البيوت المغلقة على نسائها وتفحتها بيتاً بيتاً.. وأعطت نساءها حصةً من فوز ألمها، ابتسامته لها من وراء قدح الخمر، قبولها بفراغ كأسه واحتساؤها ثمالة الحب، تجاهله رعشتها وهو يضع لمساته على رقبتها، شراعها المنعطف نحوه، مسحه حافة قدحه بعد فراغه، شعورها بالضآلة في تلاوته عليها آيته الوحيدة، طرحها أسئلة دون أن تجد جواباً من صمتها:

ـ لماذا رسمنى في لوحته؟.

تبهجها أية كلمة منه ، لكن تصرفاته تقتلها باليوم عشر مرات لعله يوقول في سره كيف تريدين موتك؟.

يطاردها خياله حتى حين يغلق نور الغرفة ويترك الألوان مبعثرة على الأرض، لتحلم به وتتمنى أن تكون حقيقة وليست صورة، هو من رسمها، هو من جعلها ممتلئة وصبغ شعرها بالسواد كما صبغ قلبها، هو خالقها وخالق مفاتنها، هو خطؤها إذن، وهو ذنبها وغفرانها.

 

وضعت راوية رجْلاً على رجْل هاربة من تفاصيل تعتبرها كشرارة الجذع المحترق، سمعت عجوز بقبعة حمراء وطقم أحمر فالتفتت اليها وقت رددت: ما أعمق هذه النظرة.

 

ـ الله يا عيناء.. حتى الآن لم يتعرّف على دمعتك التي لم يسعفك الوقت لمَسحها ساعة رجوعك المرسم، ها هو يفرح بفوزه متوهماً أنه حبا كطفل الى عينيك وجسّد نظرة إعتراها الألم. أنت صاحبة الفوز.   جائزة المعرض وإعجاب الوافدين أنت مَن يستحقهما، لا هو ولا صديقته القديمة  سما، التي جاهدت للتقرّب منه كامرأة ورجل ولم يصل جهدها الى جدواه. كل ما فعلته بعد مهاتفته لها بدعوتها حضور معرضه، هو اتصالها بأصدقاء لها يعملون بالصحافة.

ها هو يقف مطمئناً هادئ النفس، يستلم من الجيوب المنتفخة ثمن فنّـه وثمن تزييف الواقع المادي، دمى آدمية، وزبائن تشترى نظرات تطلـّعت باتجاه واحد وجمدت إرضاءً لثرائهم، بؤرة رخام تبتلع كل شيء حتى غرور عادل في هذه اللحظة.

 

في الضفة الأخرى قرأت راوية في مفكرة حياتها أول يوم لها في امتلاكها ذاتها واستردادها بعضاً من آدميتها، وهي تطأ أرض لندن، استعادتها لأنفاسها النقية، خوفها من أيام تجهل كيف سترتب لها المشهد القادم وتخطط لها حياتها القادمة، احتياجها لقلب بعد أن طردها قلبها، احتياجها للمسة حنان حقيقية.

 

على مرمى من الخديعة، من حرية لم تتحرر من صدور أصحابها، تعرفت على شوارع المدينة، على الوجوه العربية والآسيوية، على العيون الزرق والقوام الرشيق، على العجائز الأنيقات، والعجائز البدينات.. على الفرح المعلب، القهر المستورد والتلف المعبأ بالقناني العربية في واجهات محلات  أجورد رود، على الجميلات بتنوراتهن القصيرة وكعوبهن العالية.

سيقان عارية، وسيقان ملتحفة بعباءات سود، وجوه سمراء بمساحيق وعدسات لاصقة، عرب، كرد، هنود، أفارقة، إيرانيون، طقوس عزاء حسينية في الـ(هايد بارك)، رجال الشرطة المحيطة بالموكب حماية له، رائحة النفط في (أجورد رود)؛ تمنطق خارطة ثرائها بشرب الشيشة في المقاهي، رشوة للوقت، رشوة للمطر ولهواء عذب.

 

على الضفة التائهة نفسها التقت بعيناء، وقت عودتها من ديوان الكوفة، بعد انعقاد ندوة حول ديوان أدونيس (تنبأ أيها الأعمى). خلال المحاضرة كانت تتخيل العميان، المبصرين الذين يناشدهم الشاعر، وتتساءل:

ـ ماذا لو تنبّـأ العميان، هل ننال المقصود؟ أم يسوقنا القطار الى دوّامة جديدة..؟؟.

وتخيّلت كيف يتنبأ كل أعمى على طريقته الخاصة وعلى مستوى وعيه الفكري ونضجه الثقافي وفهمه لما كان يدور خلف نظارته السوداء.

 

فُـُتحت ستارة المسرح،  المشهد الأول: عشرة عميان يسيرون باتجاه معاكس على خشبة المسرح، المكان قاتم بلا أنوار، لفتة إيحائية من المخرج بتصوير العمى للجمهور، تزداد حركة الرجال بازدياد إيقاع الموسيقى المصاحبة للعرض.. يتخبطون بالسير، يصطدم بعضهم ببعض، كلما احتدمت الموسيقى زاد الردم، تدخل نساء مسرعات بنفس سرعة الإيقاع، سكارى، واعون، أميرات، أمراء، عبيد، حاشية، رجال يحملون كتباً، مومسات، باعة صحف، نغمات تتوالى بسرعة دخول وتوالي أمثلة الحياة على الخشبة، واحتشاد المكان بالعماء..

دخان يتصاعد من جهة واحدة، يصبح المكان ضبابياً، الاختناق يبدو على الوجوه، الرقاب تتدلـّى إعياءً، شخير الاختناق يعلو على صوت الموسيقى، تنشقّ الخشبة لنصفين، يخرج من الشق عميان جدد، يفور المكان ويدور حول ناسه، تتشقق كل أجزاء الأرضية، تتهاوى من سقف المسرح أحجار البنايات والبيوت، أصوات رعد وصيحات.

فجأة يسوّر المكان بالصمت.. يُضاء المسرح.. يعلو تصفيق الجمهور، يحني الممثلون رؤوسهم تشرّفاً بالتصفيق، يستمر العرض. استعمل المخرج أسلوب الإنارة والظل، ظهرت خلفية المسرح كشاشة عرض، ظلال لبشر مكبلين بالحديد، أحمال ثقيلة على أكتافهم ولكن بتفاوت، أثقال خفيفة من السهل حملها، أثقال أوقعت أصحابها أرضاً، أثقال بصناديق خشبية كبيرة يجرها شخص واحد، أثقال تجرجرها جماعات مجنزرة قيودهم ببعضها.

انشقّ المسرح على شكل نهر بضفّتين، مراكب ورقية ترسو، مراكب خشبية، في الضفة الأخرى، عينا ماء منفصلتان، يباعد بينهما نهر عميق.. واحدة تفوح منها رائحة المسك، يدور حولها صبيان وصبيّات يرشون عليها ماء الورد، من العين الثانية فاحت رائحة أبخرة ماء مغلي.. رجال ذوو عضلات مفتولة يرمون فيها أسياخاً من الحديد، الممثلون المجنزرون بالسلاسل بعد أن تفتّحت عيونهم يفقدون الذاكرة، لا أحد يعرف اسمه.

صاح رجلان دخلا مع ثالث أكبر منهما سناً:

ـ كيف سنعقد المحكمة؟.

أشار لهم الرجل الوقور، وهو يتوسط الجلسة الى دفتر كبير معهم:

ـ لا داعي للحيرة، أمامكم كل شيء. فقط صيحوا بالاسم وزنوا الثقل، وينتهي كل شيء.

ـ لكن يا سيدي نحن مَن أنسيناهم أسماءهم.

أما الشخص الرابع الذي دخل قبلهم، فقد وقف وقفة المتفرج. مطّ رقبته وفرد طوله، تكتّـف ووقف يستطلع.. أحد الرجلين يرتدي جلباباً واسعاً بنيّ اللون، يفتح أول صفحة من دفتره، وينظر الى الرابع الذي كان يهزّ رأسه هزّة العارف:

ـ ونعرفهم واحداً واحداً.

دوّت مطرقة الرجل الوقور: محكمة.

أعاد المخرج فكرة التلاعب بالإضاءة، أنوار خافتة جداً، بالكاد تبدو الظلال على خلفية المسرح. موسيقى صاخبة، ثم أطبق الصمت بعدها على جو المسرح. أدرك الجمهور أنه المشهد الأخير، تهيأت الأصوات والأيدي للتصفيق والإعجاب والتعظيم.. أضيئت الإنارة على المسرح والقاعة كلها.

الصناديق والأثقال مركونة على الضفة القريبة من المحكمة، لا أحد على المسرح غير الرجل الطويل الذي تفرّج فقط، ورجل في نهاية المسرح، يهزّ رأسه بحركات تعاكس بعضها، خرج في هذه اللحظة رجال من عين الماء، وبخروجهم عبق المكان برائحة المسك وماء الورد، قدّمت لهم الصبايا مناشف بيضاء معطـّرة، التحفوا بها وجلسوا على سجادة خضراء، صبيان قدموا لهم أطباق الفاكهة، ووقفوا وقفة المطيع.

نفخ صدره بانتصار، وراح يتلمس الصناديق، ويفتل شاربيه متلذذاً بانتصاره، تضاحك بخبث، ونادى الرجل الواقف في نهاية المسرح:

ـ تعال.

ـ أنا سيدي..؟؟.

ـ لم أستطع أن أكون سيدك.

ثم سأله عن كتاب بيده: ما هذا الكتاب؟.

ـ إنه كتاب اشترته لي صديقة، اسمه (تنبأ أيها الأعمى ). وطلبت مني أن أحاضر به، قادتني الى هذا المسرح. لكن كيف سيدي، كيف أحاضر عن كتاب لم أقرأه؟.

ـ لماذا لم تقرأه، ألست مسؤولاً عن المحاضرة؟.

ـ كان بودّي.. (واقترب منه مشيراً الى فتحتين غائرتين في وجهه) :  - انظر سيدي، أنا بلاعينين أصلاً، وكلمة أعمى تـُطلق على الذي كانت له عينان وفقد متعة البصر. لذا حين عنون الشاعر ديوانه لم يجد لي اسماً في قاموسه من كلمة واحدة مثل  أعمى، ومن أربعة أحرف لآخذ نفس المساحة على كتابه.لا ادري سيدي لمَ َطلبوا مني انا بالذات أن احاضر بهذاالكتاب ، لربما عرفوا اني أستاجر قارئا اعتمد عليه .

 

صفـّق الجميع، وصفـّقت راوية معهم. سمعت صديقاً اتخذ له مقعداً قربها:

ـ هل أعجبتك المحاضرة؟

ـ أية محاضرة؟.

ـ عجباً.. شاهدتك تصفقين بحرارة، علماً بأنني لم أفهم من المحاضر كلمة واحدة مثلما لم أفهم شعر أدونيس.

ـ أنا بصراحة (والتقطت حمّـالة حقيبتها من الأرض) أنا دخلت مع أدونيس عالمه غير المرئي للجميع.

 

المسافة بين شقتها وديوان الكوفة ليست بعيدة، رغم ذلك فضّلت صعود الحافلة رقم (7) الأشياء لا تتفجر مصادفة، ولا تتدفق إلا إذا وجدت ما يدفقها. لاحظت راوية أن عيناء تدس أصابعها في محتويات شنطتها اليدوية، وتخرج فارغة. أغلقتها وأعادت فتحها ثانية، وبنفس التوتر سألتها فيما إذا كانت بحاجة الى مساعدة؟.

أجابتها؛ شكراً، لقد كنت أبحث عن حبة مهدئ للصداع.

رجل عربى يرتدي نظارة طبية، أكرش تفوح منه رائحة الخمر، تسمّرت عيناه على صدر عيناء وراحتا تلتهمان مفاتنها.. نظرة التلصص تسير حيثما يسير العربى، عرضاً وطولاً، من تختّله بين الأشجار، من السطوح والنوافذ، من الثقوب الاسمنتية. ويد التحرش تهاجر معه لترتعش باكتساء آخر، وتتلـّمس رقة اللحم الأبيض، بعد أن كانت تخترق العباءات السود وقت العزاءات الحسينية، أو تستقر على الصدور البارزة في الأسواق.

وتصدح الحناجر المهتاجة ( فدوة أروح لهلعيون ) ، ويتدارى الغضب الأنثوي بين اللذة والخجل .

 بعد أن امتدت يدالرجل الى ظهر عيناء، وتحركت هي بدورها غاضبة،ردّ عليها :

 

- ( اشدعوى دادة..عيوني ليش شنو سوّينة)..؟؟.

 

عرفت راوية أنها في المكان الصحيح، في الموكب العاشوري ذاته، أو في الأسواق المكتظة ببضاعة النساء، بادرتها بتصرف يقيها حرجها، وفسحت لها مجالاً قربها:

ـ تفضلي قربى.. هنا أفضل.

في تلك اللحظة ولد الكلام بينهما، وبعد ابتسامة ودعابة دارت بينهما، اطمأنت عيناء وأخذت تبتسم بعض الشيء لابتعادها عن العاصفة.

 

طلب محمود من المصور الخاص بالصحيفة التي يعملان بها، أن يلتقط له صورة تذكارية قرب لوحته المفضلة، أخذ وقفته المعهودة بفتح ساقيه وميـّل وسطه جانباً وابتسم، ثم طلب صورة أخرى على أن تكون قريبة جداً، ورغب أن يكون وجهه ووجه ذات الرداء الأحمر لصيقين. أسرع وليد اليهما وطلب هو الآخر أن تكون لديه صورة تذكارية مع الجميع، بعد أن وقف من الجهة الأخرى من اللوحة.

استدركا تصرفهما الطفولي، وقدّما اعتذارهما بصوت واضح للسيدة راوية: عذرك سيدتي، تصرفنا غير مقصود.

أجابتهما: لاعليكما، لكل منكما صراع داخلي ترغبان أن تجسّداه في صورة تذكاري، أما أنا فصراعي في ثمن الكرامة، هل بمقدور مصور تجسيده في صورة؟.

شعر وليد بحرج واعتبر كلام السيدة موجهاً اليه، ترك محموداً على وقفته ووقف قرب السيدة: لم أدفع كرامتي ثمناً لإبداعي، لم ولن يكون هذا في أي يوم.

بعد أن وضعت يدها على كتفه، هزت رأسها: أعرف يا وليد، أعرف، لكن في مختبر الحياة تكون النظرة معكوسة دائماً خارج المنطق.. كم تدفع، كم تقدم تنازلات، ولو فعلت أي واحدة مما قلت ستجد سرب الحشرات يركض وراءك، إنه التواطؤ مع الشذوذ، وما علينا إلا أن نكون خارج الفراغ. صدق محمود درويش حين قال؛

(ما أضيق الأرض التي لا أرض فيها للحنين الى أحد).

وأنا أقول ما أضيق الأرض التي لا أرض فيها للشرف.

 

ارتدّ وليد الى نفسه كطفل مرتبك، واعتذر آسفاً على فوات وقت الغداء دون أن يجلب ولو شطائر أو معجنات لسدّ الرمق، أنا لم أذق الطعام منذ ظهيرة أمس.

ـ لاعليك (ردت راوية) في عالمك الجميل لسنا في حاجة لمعدة. إنه الجوع المخلـَّد، غداً سيذكر التأريخ عن جوعنا وشبعنا الإبداعي، وسيقول: ثلاثة مبدعين جوعى ممتلئي البطون، وسيتخرج آلاف الأساتذة في علم التأريخ وينالون شهادات الدكتوراه بشرح وتحليل مفردات كهذه.

 

فتحت حقيبة يدها لتدوّن ما قالته، سقطت ورقة على الأرض، التقطتها بسرعة، ردت اليها كلمات سبق أن كتبتها، وعاينت في وجه وليد:

- أنا مثلك أرسم على الورق، الورق هو ستري وغطائي.

ابتسم محمود: ما أرخص الورق في أيامنا هذه، تركتها منشورة في غرفة نومي، دوّنت عليها حتى اللحظات العابرة.

قاطعته راوية:

- هل قرأت نفسك فيها؟ هل سبق لك أن استيقظت من نومك مذعوراً ودارت حولك كلماتك تجسد شخوصها أمامك، حادثتهم مثلاً؟.

ـ لا سيدتي، وإلاّ لـجُننت.

ـ ما رأيك بالذي يجالس ويحادث أبطال أعماله؟ هل تسمّي هذا جنوناً؟ (وأكملت): أنا آكل معهم، أتنزّه معهم، أدخل شذوذهم وسكرهم، خياناتهم وذكورتهم، ممارساتهم الخاطئة وخذلانهم، أدخل زنزانات توزّع حبوب منع الحمل على أوطانها، أدخل شوارع متكررة لها صورة واحدة وإن تعدّدت أسماء الأوطان، سورية، العراق، فلسطين، مصر، مرآة زائفة أرى فيها رجالاً يركضون خلف نصفهم الأسفل. أقرأ المنطق المقلوب، فأرى النظرية النصفية، أقصد السفلى. أضف الى نظرياتك يا وليد (التنظير السفلي).

رفع محمود يديه مستجيراً:

- الله الله، كل شي ولا تترك كاتباً يتحدث.

ردّ عليه وليد: كن صبوراً أو تهادى كالجمل.

ضحكت راوية حتى سالت دموعها على خديها:

ـ وأنتم على الجمل، لا تنسوا أنكم كائنات تتحرك بشبقها النصفي، وتركتم النصف العلوي تستخفّ به أمريكا.

حاول وليد استمالتها اليه :

- لم نقرأ لكِ أشعاراً في الصحف اللندنية؟.

أجابت بعد أن احتقن الدم في وجهها: لأني لا أتعامل بمنطق النصف.

محمود: بالله عليك فسّري لنا كيف تتحاورين مع أبطال أعمالك، هل تأكلين معهم حقاً؟ أهذا يُعقل؟.

ردّت: ولمَ لا.. مرة طرأت لي فكرة زيارة إحدى المقاهي، شعور خامرني في محاورة إحدى بطلاتي وهي تقرأ الصحف في مقهى. اقتربت منها حيث كانت تدخن الشيشة، كانت وقتها لا تعرف ماذا تقرأ، فالصحف كلها سواسية، الكذب على واجهات الصفحات بالعناوين الكبيرة، وبما أني أطلقت عليها اسم عيناء بعد أن وجدتها بلا اسم في الحافلة، أخذت تسألني عن معنى اسمها، وحين شرحت لها أن العيناء هي ذات العيون الواسعة السواد فرحت وقالت لي: إنه يترجمنى، كلانا كانت على عجل، وكأن الريح تحتها.

طلبتُ منها أن تحتسي القهوة بسرعة كي نخرج لنتمشى قليلاً، جمعنا أعضاءنا المتناثرة وأخذناها (كعّـابياً) ، سألتني وقتها:

- الى أين؟ ثم ضحكت وبدت أسنانها البيضاء المتراصفة كأنها حبات لؤلؤ، يبدو أن قولي المقاهي للكسالى أثلج صدرها، وأدخل بعض بهجة عليها.

في سيرنا كنّـا نعدّ الكنائس التي نمرّ بها، كثرتها جعلتني أقارن بينها وبين عدد المساجد في بلداننا العربية.. إذا كانت الموسيقى ترافق صلاتهم وفنّ الرسم والحفر يملأ كنائسهم، فنحن لنا فن الزخرفة والمنمنمات  حيث أعطى مساجدنا خصوصيتها.

أذكر أني دخلت المسجد مع أبي مرة وأنا في الثانية عشرة، بعد أن طلبت منه ذلك سألني فيما إذا كنت طاهرة، استفزّني سؤاله فسألته :

ـ وهل أنا نجسة يا أبي؟.

ـ لا يا ابنتي، أقصد، أقصد..

استدرك قصده في دهشة وجهي، وعرف بأني لم يمرّ علي طقس المحيض. رحت معه يوم الجمعة، وأدخلني الى مكان ذي ستر مخصص للنساء.. كنت أبحث عن روح الله في ساحة المسجد.

 

ـ لمَ توقفت سيدة راوية؟.

ـ تعال، نسأل وليداً عن سعر ثالث لوحة بيعت اليوم.

 

اقتربا من وليد، وجداه غير مسرور، فمازحه محمود:

ـ ستصبح برجوازياً، هذا ثالث رجل أعمال يشتري منك، من أين وفدوا؟.

ـ صديقة قديمة لها معارف كثيرون، وعلى ما أعتقد هي وراء كل ذلك. (ثم واصل): لغة رجال الأعمال لا تضع النقاط على الحروف في لغة الفن.

 

وفيما هم يتبادلون الأحاديث دخل مصور يحمل كاميرا تلفزيونية وبرفقته مذيعة، ترتدي تنورة ضيقة وقصيرة من اللون البيج، وقد تركت قميصها الأحمر مسدلاً على جانب التنـّورة، بينما باقي أطراف القميص عقدتها وتركت العقدة مربوطة من الأمام، وقد زرّت ثلاثة أزرار سفلية فقط من القميص.

بعد أن ترجرج نهداها، وتمايل خصرها الممتلئ بعض الشيء، سألت عن وليد. أسرعت إليه وقتما حدّدوه لها من بين الجمع الغفير، مشطت شعرها الأسود بأطراف أصابعها، وأشارت الى المصوّر (أن اتبعني) وقالت:

ـ لو كنت غير متزوج لخطبتكَ، مرحباً سيد وليد. وعذراً، هذه طريقتي في الكلام؛ لا أحبّ التكلـّف والتصنّع.

ارتبك وليد وهو يجاملها :

ـ أبداً، والله أنتِ لطيفة جداً وعليك السلام، هل من خدمة أقدمها لكِ؟.

ـ أنا مذيعة من تلفزيون (ARB) وأرغب بإجراء حوار معك، هذا إذا لم تمانع.

ـ بكل سرور.. لكن اسمحي لي، مَن أخبرك عن معرضي وكيف عرفت مكانه؟.

ـ اتصل بي الأخ محمود قبل ساعة.

ـ آه. فهمت. تفضلي، كيف تحبين، أنظلّ واقفين أم؟ (تطلـّع الى الكراسي الأربعة فوجدها غير شاغرة، فأكمل) : الوقوف أفضل.

ـ لن أسألك عن بداياتك وحياتك الخاصة، إنه سؤال مهترئ يتداوله المذيعون السذّج.. سيد وليد، الجزء البسيط من حياتنا أُعلن عليه التلف، حتى عواطفنا بتنا نخاف عليها من بخار الدمع، كيف تستطيع كفنان أن تحتفظ بجزئكَ البسيط أو بما تبقى لديك؟.

ـ يقول (نيتشه) :

- إن إرادتنا خير مَن يهدم القبور. عواطفنا ومبادئنا الحقيقية هي الشفاء لبؤسنا، فليعلنوا الحرب كيفما شاؤوا.

ـ هذا يعني أنك لا تخضع للمقايضة؟.

ـ يا سيدتي.. (وراح يتحسّس ذراعه).. أنا يا سيدتي حتى عند حافة الموت أحمل صليبي وأمشي على تلك الحافة. أما ترينني أقف بيد واحدة، أصافح أصدقائي وهذا الحشد الذي اختارني هو ولم أبذل جهداً للوصول اليه؟.

- سمعت، وأرجو المعذرة، سمعت أنك مقطوع من شجرة.. أي لا أحد لك، فلمَ العزلة إذاً؟.

احمرّت وجنتاه بحرج سؤالها، وعرقت جبهته، تردّد في الإجابة، ثم انطلقت الكلمات من فمه مسرعة:

ـ الابتعاد أو العزلة كما تسمينها هما أول نقطة الجريان.

ـ جريان ماذا؟.

وطلبت بطرف عينها من المصوّر أن يقترب منه أكثر.

ـ جريان النهر، أي نهر يبدأ من نقطة، ثم قطرة.

قالت بعد أن عقدت حاجبيها:

- من خلال نظرتي السريعة للوحاتك وجدت أنك في صراع مع الظلام.. مرة يتغلب عليك، ومرة تنتصر عليه بتسليط الضوء، اليس كذلك؟ أم إنّ حدسي الفني قد خانني؟،.

ـ لقد أصبتِ.. أحياناً تعتريني فرجة أمل، فأبعد الضرير عني وأتحرش بالضوء.

ـ قبل قليل سيد وليد كنت تردّد مقولة نيتشه عن الإرادة، وردك الآن على سؤالي يظهر شخصية غير متوازنة الكفتين. هل أنت من الرجال الذين يكون منطقهم عكس تصرّفهم؟. بصراحة إني أجد تسعين بالمئة من الشرقيين والعرب تحديداً متناقضين، أين تضع نفسك؟

 

عن بعد كانت راوية تسترق السمع، لربـّما يردّ وليد على سؤال يتحدى به نفسه. وحين وجدته (نيـﮔتف ) لكل الصور، اتخذت لها كرسياً فرغ للتو، وراحت تعيد ترتيب الصور والأحداث.

 

فاجأتها صورة عيناء الباكية، ووجهها يرسم طفولة منكسرة، وتذكرت أنها طلبت منها أن تكفّ عن البكاء، وتتصبّر.

الخروج من عتمة الألم هي أن تتذكر ساديـّة العصر، وتنظر للتلفاز، قالت لها:  افعلي شيئاً من أجلك أنت لا من أجل رجل لا يعجبه غير فحيحه الذكوري، ثم يطلق عليك طلقته ويمنعك من الانضمام الى عالمه.

وتابعت شعرها الأسود خصلة خصلة، خصرها الذي أطبق عليه ورك شرقي وجعله كغصن يلتوي من ثقل ثماره، تتبعت كل أجزاء جسدها، كلها تنبض عشقاً، سقطت على خدها دمعة دون قصد منها، هكذا خرجت نافرة من حرارة جفن ظليل، حتى كادت راوية أن تشمّ رائحة تلك الدمعة، لم تكن دمعة نافرة بل طفلة في حضن العمر. طبطبت على كتف عيناء قائلة :

ـ الحب هو ترياق الحياة، حفنة من رماد الحب تحيي القلب، حالتان لا يمكن العيش دونهما، الحب والحرية.(وواصلت الحديث) لكن يا حبيبتي، حزنك روّضيه، ومخاوفك من فقدان رجل تعبدينه لا مبرّر لها، مَن يراه وهو يتعطـّف عليك بابتسامة أو نظرة من خلال ألوانه المجنونة مثله، يتمنى أن يخنقه.

ـ دخيلك ست راوية، لا تكوني قاسية عليه، تركته يفعل ما يريد، إنها طريقتي في الحب ، يكفيني صوته ورائحته. (ثم استطردت بعد أن وضعت المشط في وسط فرشاة للشعر): أنا يا ست راوية أنظر اليه من زاوية أخرى، فمثلاً عندما يهزّ رأسه طرباً وهو يتغزل في شقرائه أمامي ويذكر محاسنها ومميزاتها، أعطف عليه لأنه بعين واحدة ومريضة. فنظره باتجاه واحد، لا يستطيع تحريك عينه يمنة أو يسرة، ولطالما وضع شقراءه نصب عينه لا يرى غيرها .

- إذن؟

ـ كيف تعشقين رجلاً أحادي النظرة؟.

ـ هذا أعذب عشق.

ـ قرأتُ مرة يا عيناء لـ(شمس الدين التبريزي)  ، (لا تكلـّف نفسك في الذهاب الى البستان، انظر الى وجه العاشق) وأحادي النظرة خاصتك لم يكلـّف نفسه حتى النظر اليكِ.

ـ لا بل ينظر لي، وإلا كيف رسمني؟.

ـ ليست العين هي التي ترى، بل القلب، القلب يا عيناء. العين ما هي إلا ساعي بريد بين القلب ومن نحب، إنها الثقب الذي نُدخل اليه نهارنا وجراحنا.

 

في محاولتها لإعادة ترتيب الأشياء، وإعطاء البداية أحقيتها بالظهور على مسرح ذكرياتها، بلغ سمعها آخر سؤال وجهته المذيعة الى وليد:

ـ لماذا لا ترسم الموت والمقابر الجماعية في بلدك؟.

فرحت وقتها لجوابه:

- لأني لا أجيد تعظيم القتلة. ثم.. ثم.. (تلعثم) هل هناك ما يكفي من اللون لرسم الدم؟.

عدّلت راوية من جلستها، ومن خلال ثقب عينيها أدخلت شريطها، وراحت تستعيد كل ما فعلته الكتابة على أوراقها.

 

 

الفصل الثاني

فكرة اللون

 

أنتَ طائر نفسك

وفخّ نفسك

وصدر نفسك

وأرض نفسك

 وسماء نفسك.

(جلال الدين الرومي)

 

في جهة العمر، تعبر حفنةٌ من السنين، بلا هوية تتحسس قيدها في اختصار الهواء، تشرب قهوتها كطائر غالبه النعاس.

لوحة مخدوشة لفنان معتزل الحياة، تشاركه عزلته منفضة سجائر، ضباب يترنح بسكرة الذبح، من المدن والشوارع والأرض، لوحة خشبية نُقش عليها (شقة رقم 202) كان من المفترض أن تـُدق على باب الشقة من الخارج. وبملل طريد تكوّر الوقتُ على شكل دائرة، وعجز وليد عن إضافة لمسة فنية لشقة فقيرة الأثاث. بقيت لوحة رقم الشقة مرمية على الأرض و منذ شهور، بالتكرار اليومي الممل وإيقاع رتابة أكثر منه مللاً يقضي وليد معظم وقته، ويعدّ على أصابعه احتمالات أيامه الباقية في كأس الحياة.

موكيت أزرق باهت اللون لقدِمه، كنبة

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.