اخر الاخبار:
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

• العربانـة- ج1– رواية ( الفصول 1 و 2 و 3)

 

حميد الحريزي

العربانـة- ج1– رواية ( الفصول 1 و 2 و 3 )

 

 

الفصل الاول

العمـل

ماذا عساه  ان يفعل مظلوم بعد ان سدت بوجه كل أبواب العمل في دوائر الدولة وبكل العناوين الممكنة (حارس،فراش، شرطي، عامل بلديه) بعد ان ترك القرية هربا من ظلم الإقطاع وسنوات عجاف عاشها مع عائلته بسبب غلق نهر الفرات ...و...و

فبدا كئيبا حائرا وكأن الظلم والقهر والحرمان والبطالة والشقاء أصبحت تلازمه كأسمه وأن لا فكاك له من الظلم.

ـ امسك مظلم شباك ضريح الامام علي (ع) باكيا  متأوها وهو يقول :- وينك يا بالحسن يا حامي الجار مو احنه اجنيه بحماك،موراح يكتلنه الجوع،وأنت تدري احنه ما نحمل الذل ولانكَدر نجدي لو نموت !!،اشو كل بيبان  الحكومة انسدت  بوجهي.

عمي ما تكَلي شبيك ضايجه ألدنيه بعينك، هسا انته اله  تشتغل عد الحكومة ،ماتشوفلك شغله ثانيه وتاكل من وراه خبز.

هذا ماقاله احد الزوار كبار السن لمظلوم بعد ان  سمع شكواه وألمه.

ماتكَلي حجي اهيه ألشغله آني لاجيه او داير وجهي عنه؟؟

 وروح أبوك يوميه أغبش للمسطر وأظل اتمصكَل"1" للظهر محد يجلب سلعتي ويكَلي امش وياي للشغل  كلمن يأخذ ربعه.

زين عمي شنهو رايك إذا أطيك عربانه  تفتر  تبيع بيه ((لبلبي"2"،باكَله)) لان آني بعد مااكَدر  افتر بيه بالشوارع،والمحصول انه وياك بالنص.

حجي  اولهيله آني  ما عندي ولا فلس اشتري بيه (لاحمص ولاباجله) والثانيه،ما عرف  اشلون  او وين يبيعون ومنهو  يشتري اللبلبي والباجله.

سأل الحاج ((مظلوم)) عن اسمه،فأجاب:-

عمي آني اسمي ((مظلوم)).

أبني((مظلوم)) ألعربانه وفلوس ((الحمص والباجله)) عليه  و((البريمز))"3"  و((الكَدر))"4" والمواعين  والخل و"البطنج "5"كله مني..بعد شتريد.؟؟

عمي رحمه الله والديك وأظن انته هتفك  ابو الحسنين  ألي، يالله عمي  نتوكل على الله.

ـ زين مظلوم  يالله توكل امش وياي للبيت  اتغده وياي وحتى أسلمك ألعربانه والأغراض وأعلمك  شلون تطبخ وشلون تبيع  وين تبيع.

وهكذا  حصل استلم مظلوم العربة  وأدوات ومستلزمات بيع الباقلاء والحمص  ومقدار (2كيلو باقلاء) وذهب لأهله دافعا ألعربه أمامه،وهو يتلفت يمينا ويسارا محاذرا ان يسقط  ((عكَاله ))"6"من رأسه وهو ينحني لدفع العربة وكما انه اخذ يتعثر بأذيال ((بشته))"7" وقد غرق في تفكير وحيره كيف سيخرج صباح غد لبيع الباقلاء.

استقبلته عائلته باستغراب وتساؤل عن ألعربه ،من أين أتى بها وماذا سيعمل بها؟؟؟.

أجاب باقتضاب عن كل الأسئلة والاستفسارات وابعد الأطفال وحذرهم من صعود العربة،ثم أودعها الباب وسلم ((الباقلاء)) والبريمز والقدر والمواعين لزوجته وافهمها ماذا تفعل.

خرج فجر صباح اليوم التالي دافعا  العربة أللعمل عندائرا كيف يمكنه ان ينادي ((باجله  باجله لوز)) يبلغ الناس وخصوصا الأطفال في الشارع لشراء الباقلاء،وما هي الكمية التي سيضعها  بواسطة (الﭽمﭽه))"8" في الماعون، وهل يمتلك القدرة  بان لا يلبي للأطفال  طلباتهم إلا بعد دفع (5) فلوس او عشرة فلوس وهو الذي كان يستنكف من بيع السمك او الطيور او التمور او الخضرة في السوق.

إيه والله زمان يمظلوم وين صار  مضيف اهلك  المفتوح للخطار الغريب والجريب، هساه أتبيع باجله عله الزعاطيط"9"!!! او غمك من وكت.

-الله يساعدك خويه ابو الباكَله ،ما تكَلي انته وين رايح،وانته من يا عمام .

هذه أسئلة طرحها عليه احد العمال الخارجين للعمل  عند الصباح.

-خويه ما تشوفني ومظلوم وردتي طالع عله باب الله أبيع باجله، ظل ما تكَلي شلك شغل بعمامي، شنهي انته تطلبك احد بثار وتدور عليه، يصير مشتبه بيه؟؟؟

-ضحك العامل بوجه مظلوم  ورد على  أسئلته:-

-لا خويه إني أشوف كلش زين،ولا عندي  ثار ويه احد واني مثلك هم طالع للشغل على باب الله. لا كن  شوف أحزامي وشوف أحزامك!!!

أسالك أبروح  جدك  اكو واحد طالع أيبيع (باجله) وهو متحزم بخنجر ((عفﭽاوي))"10" خويه انته بولايه خاف أيشوفك شرطي وياخذك للحبس!!؟؟

رد عليه مظلوم  مستغربا:-

خويه  جاليطلع للشغل غير يتحزم، وهذا آني حزامي من اطلع للشغل بالكَاع بسلفنه، جاماتكَلي بيش أحتزم،هسا ((الحد ره))"11" وعكَالي  ذبيتهن بطن ألعربانه، شلون أظل بغير حزام،ولكم  والله  هاي محنه، شلون بيه وشلون راح أدبره ويه أهل الولايه؟؟؟.

--خويه((مظلوم)) الولايه غير السلف هنا ممنوع تشيل وياك سلاح  .

تفك ((الخنجر)) وذبه بطن ألعربانه وظل محتزم  بس(( بالسفيفه))"12".

يالله أمودع بالله  الله يرزقك، وألف نعله  عله ابو الوكت وعله ابو الكَطاع الوصلنه  الهلحال.

عمل مظلوم بتعليمات أخيه العامل الذي بدا متكيفا مع وضع المدنية وعاداتها، حتى  أن مظلوم  ألقى بالعصى التي كان يحملها على ظهر  العربة ليهش بها الكلاب الذي  كان يظن إنها قد تهاجمه في الطرقات بعد ان اخبره العامل حينما سأله عنها:-خويه مظلوم ﭽلاب الولايه  ما تعض  مثل جلاب الريف ، لاﭽن  دير بالك تعضك بعض الناس الصاروا  أﭽلاب  يحرسون  أهل الفلوس مثل اﭽلاب الكَصاصيب ما تعرف  تتعارك إلا  مابيناته على  عظام الكَصابه!!

وهكذا وجد مظلوم نفسه في عالم آخر لم يألفه ولم يعتاد عليه وغالبا ما كان يقف محتارا  لا يعرف ماذا يفعل للرد على الكثير من مشاكسات وشيطنة ((فروخ))"13" الولايه، وضحكاتهم هم  وآبائهم وأمهاتهم وهم ينادونه

-ها ابو المعيد"14" اشجابك للولايه، ((باجله لوز،باجله لوز)) طيط..طيط.

وقد كان بعض الأطفال يخطفون ماعون الباقلاء في غفلة من  مظلوم ويفرون هاربين مستـفز ينه ليلحق بهم لإعادة الماعون، وعندها تهجم  زمرة  أخرى متربصة على العربة للاستحواذ على بعض مواعين الباقلاء من على ألعربه. مما يضطره لترك ملاحقة الطفل الهارب  ليعود الى عربته كي يهش عنها الأطفال ويحميها من الفر هود وسط ضحك وعبثية ((الشياطين)) الصغار،وأحيانا يتعاطف معه بعض الناس طاردين هؤلاء الأطفال.

ولكم((نغوله))"15" شلكم عله هل المسكين الكاسب الشارد من الضيم  .

فيردون له بعض مواعينه،وقد يضع البعض منهم خمسون فلسا او مئة فلس لتعويضه عن خسارته عطفا على حاله.

-ولك مظلوم هاي وين  ﭽانتلك ألمذله وعيشة الكَشره،صارت الزعاطيط تلعب عليك والوادم  تترحم عله حالك،ربي شنهي ما تشوفني  بعينك التشوف بيه الزناكَين، شنهي سايج بايج وتعذبني بنارك بالدنيه كَبل الآخرة، ما تشوف هل الظّّلام تطشر بالفلوس تطشر أهل ألربا و((الخضر))"16"  و((العشره اربعطش))"17" و((الملاليچ))..ما تكَلي ويامن انته..موش كلنه خلكَه وحده يو هذوله ربهم وحد  وحنه ألنه غير رب؟؟؟!!!

استغفر الله ربي..استغفر الله...ولكم عمي والله الفكَر يكفر بنادم.

استمر مظلوم عل هذا الحال وقد كان يعاني ،بمراره عندما يعود عند المساء ليضع محصوله أمام الحاج صاحب ألعربه، ففي اغلب الأيام يظهر خاسرا جزءا من(( الصرمايه)) ناهيك عن الربح ، إما لعدم دقة قياسه لكمية الباقلاء فيجزل العطاء دون حساب للكلفة او نتيجة ما يسرقه الأطفال..او رفضه ان يأخذ مقابل ما يقدمه للعمام والجيران والمعارف من  باقلاء، فليس من المعقول ان  يأخذ منهم ((فلوس)) مقابل استضافتهم..وأحيانا تتعرض الباقلاء للتلف ((تنمرد)) وتنهرس بسبب استمرار نار ((البريمز))تحت القدر طوال الوقت؟؟

غالبا ما يعود الى داره متعبا مرهقا مأزوما مفلسا  لا يملك حتى كلفة أقراص خبز ((البربر))"18" وكثيرا  ما يتفجر هذا الإحباط غضبا وعراكا مع زوجته وأطفاله،وأحيانا ينفرد بنفسه في احد زوايا الدار بعيدا عن عيون أطفاله لتنهمر دموعه وآهاته على ما وصل إليه من حال،  كان يجد متنفسا لتفريغ  همومه نحيبا مسموعا تحت منبر  قاريء الحسين المقامة في المدينة او عند احد الجيران فيشعر بعدها بالراحة،ويردد بحماس مع القاريء دعاء((اللهم اكشف هذه الغمه عن((مظلوم)) بدل ان يقول  اللهم اكشف هذه الغمه عن هذه ألأمة وينسى نفسه وهو  يردد ((أمن يجيب المضطر إذا دعاه ويكشف السوء)) فينبهه الحاضرون ان مجلس العزاء قد انتهى فما باله وكأنه في عالم آخر، فيضع مظلوم  في فمه سيكارة ((مزبن))"19"  ليشعلها ويأخذ منها نفسا عميقا  ويقول:-

ولكم عمي وعيت عله ﭽدي وأبوي وهم يدعون هذا الدعه بلاكت رب العالمين  لا يستجاب اشو واحد يسلم الفكَر للثاني وفوكَه ﭽماله.

- بويه هاي شمالك  رحمة ربك أكَرب من حبل الوريد ..عمي تعوذ الشيطان ((يمظلوم))  واصبر والله ويه الصابرين؟؟

يختنق ((مظلوم)) بحنقه وغضبه ويكتم غيضه..ويستغفر الله ثانية وثالثة .

وفي ظهيرة احد ألأيام التموزية حينما كان  واقفا خلف عربته  مستظلا بظلال جدران احد البيوت،أومأت له  امرأة بعد ان  فتحت الباب الذي  قبالته  ونادته:-

- داده ابو الباكَله فدوه جيبلي   كَد ربع دينار باكَله

فطار مظلوم  من الفرح حيث ان كل ما تبقى لديه من باقلاء قد لا يعادل الربع دينار فجمع كل ما في القدر  ووضعه في ماعون كبير مع البطنج والخل ثم أطفأ ((البريمز)) وذهب صوب الباب وهو مذهولا  من مقدار  الطلب  ومن الصوت الملائكي النسائي الغنج الآسر،طرق الباب  فأتاه الجواب  من الداخل:-

- أتفضل عيني أتفضل.. انه بالمطبخ ما أكَدر اطلعلك داده.

ـ وبعد تردد وخجل من دخول دار ناس غرباء ردا على طلب امرأة..

ـ هاي وين صرت خش داده  خش البيت بيتك..قالت ذلك وهي تكاد تلتهمه بعينيها الكحيلتان الواسعتان...قوامه الممشوق ((مرصوص رص)) وهو يفيض فحولة وحيوية وقوه  ووسامته الباهرة وهي تقول:-

ـ مثل هذا  يدوجن بالشموس وكاتله الفكَر  ومثل ((معيوف)) ابو كرش ابو ((الضراط))  يلعب بالفلوس لعب والله الله مايقبل!

ـ دخل مظلوم الدار محرجا وبيده يحمل ماعون الباقلاء وبحزامه معلق كيس نقوده أملا ان يضيف إليه  ربع الدينار ؟؟!!

ـ طأطأ رأسه غاضا بصره وهو  يرى فتاة كحور العين ،شبه عارية لا يلف جسمها سوى رداء  خفيف((اتك))"20" من البر لون الأحمر قصيرا كاشفا  عن ساقيها  البضان البيضاوان كبياض حليب النوق  ومبرزا مكوراتها الأمامية والخلفية الرجراجة بما لا يحلم بمثله مظلوم طوال حياته.

ـ هاي شبيك داده..أوي انته شكَد خوش ولد  متكَلي  شسمك فدوه هل الطول.

ـ مظلوم خويه آني اسمي مظلوم.

ـ سوده عليه داده..نعله  عله ابو ألظالمك ولو آني هم مظلومه ولو أسمي ((غنوده)) الاسم ((قند)) والروح ((حنظل))..دهاك هاك برد كَلبك بهذا ((كَلاص))"21" شربت الزبيب.. فدوه لهل الجهامه وهل الشوارب ولهلعيون الحلوه؟!!

ـ افرغ مظلوم كاس الشربت  البارد في جوفه وأردفه بالثاني من يد هذه الحورية ،غير مصدق هل هو في حلم او يقظه مرددا مع نفسه يا قند  يا عسل   ولج أنتي حوريه  لا والله حورية الحوريات؟؟!!!

داده مظلوم شدسولف  ويه روحك ؟؟ تعال اكَعد يمي وساعدني بتفليس الباكَله مو دا أريد أسوي  زقنبوت  لمعيوف  ابو كرش اليوم مشتهي  عشه مطبگ  بيكَله.

جلس بجانبها  وقد سرت في كل جسمه  قشعريرة  وفي رأسه خدر عجيب عندما لامس جسده جسدها واشتم عبير شعرها وعطرها الفواح فاغرا فمه غارسا نظراته في حمرة شفتيها الممتلئتين ونهديها النافران شبه المكشوفان وهما ينطان من تحت ((الأتك)).

ولك هاي شنهو  يمظلوم اشو راسك ثكَل ولك انتعلوا اهلك شنهو هاي الحورية الحاطه راسه بحضنك ولك شنهو هاي النهود وهاي الشفا يف وهاي الخدود   جنه فرط الرمان والله لأنعل ابو الباجله لابو الباع الباجله..وقد بهره  بياض  ساقيها  وهي  تحاول  عامدة  رفع الأتك  عنهما  مرة تلو أخرى

هاي شنو شبيك  عيني  أشوفك دايخ..شو خل اغسل وجهك.

نهضت  ورشت الماء لبارد على وجهه ،قادته الى غرفة نومها ،ممسكة برأسه بين كفيها ثم طرحته وألصقت شفتيها بشفتيه الظامئة في قبلة أذهبت له رشده.. صار يدور معها حيث تدور  ملتهما جسدها بكل حواسه  حتى غاب عن الوعي ولم يصحو الا وهو مضطجعا على سرير نومها شبه  عاري وقد قارب الوقت المغرب.

قفز ((مظلوم)) مذعورا وكأنه انتزع من أحضان حواري الجنان بعد  ان رشت  وجهه بقليل  من  الماء البارد.

اكَعد عيني اكَعد  بلله بعمرك هم مفلس هيچ باكَله

ثم رمت عليه دشداشته  وهي تضحك غنجه بصوت عالي وتقول((باكَله لوز)) بعد ان ارتوت  تماما من فتوته وفحولته التي لم تعهد بمثلها من  معيوف ابو كرش ومن يتردد عليها معه من تجار المدينة.

ارتدى مظلوم دشداشته وانسل  شبه هاربا  كاللص من باب الدار الذي فتحته له غنوده بعد ان تأكدت من خلو الشارع من المارة.

الحمد لله العربانه بعده مﭽانه،ولكن ....  صخام وﭽهك  مظلوم وين ﭽيس الفلوس ،عاد مسرعا  طرق ألباب :-

أجابته غنوده من خلف الباب:-

هذا منو بالباب؟؟

عيني أني (مظلوم) نسيت يمكم الماعون والدخل بلﭽي اتناويشنياه بروح ابوچ.

هاي شنو ولك ابو المعيد  يا ماعون يادخل شنهي انته سكران؟؟

امشي سربوت لا اطلعلك واكسر راسك بالقبقاب ولك آني  وين شفتك وين شفت ﭽيسك وين شفت باكَلتك أم الذبان؟؟؟!!.

عيني غنيده خلي الربع  يولي فدوه الچ بس أطيني  الﭽيس بيه كل الدخل الصايه والصرمايه وهاي  فلوس الوادم موفلوسي.

ولك كتلك امشي (زفر))  لا يجيك  حجي معيوف ويشوفك بالباب ويكَص لوزتك.

عاد أدراجه خائبا.. ولك هاي شلون مصيبه ..هسا شكَل لهلي  شكل للحﭽي وين الدخل وين الفلوس ..منين اشتري خبز للفروخ وأمهم؟؟؟

ـ حجي مصيبه شكَلك.. بطني كتلتني اليوم ..خلفللّه على  بت الحلال فكتلي بابهم وطبيت ((لتواليتهم)) .. ومن كثر ما متوازي حليت حزامي وكَع جيس  الفلوس أبلوعة المرافق...وراح كل الدخل وحتى الباجي  البلعربانه فرهدته  الزعاطيط وانه بالتواليت أدور عله الﭽيس!!!

حﭽي يشهد الله آني كلش مستحي منك والتفصله عليه آني البسه حتى منا وهيج أطيك الدخل كله لمن  أوفي   البركَبتي. بس هل المره حﭽي خل أبيع لبلبي من حيث اللبلبي ما ينرادله تفليس مثل الباجله.

 

معاني بعض الكلمات الواردة في النص بلهجة ابناء الفرات الأوسط في العراق

********************************************

1-   الانتظار الممل دون جدوى.

2-   حمص.

3-   أداة  قديمة تستعمل للطهي وتعمل  بالنفط الأبيض.

4-   القدر.

5-   نبات البطنج يطحن ويرش فوق الباقلاء  كمقبلات بالإضافة للخلّ.

6-   العقال  هو الزي العربي  على شكل طوق مزدوج   اسود اللون  يصنع من الوبر وهو رمز من رموز العزة والشرف  والكرامة لابن الريف العراقي.

7-   عباءة مصنوعة من خيوط صوف   الأغنام، ويكون أثمن وأكثر  قيمة كلما  كانت خيوطه ارفع.

8-   أداة لغرف الباقلاء من القدر ووضعها في الماعون.

9-   الأطفال الصغار.

10- نوع من أنواع الخناجر ويكون معقوفا وهناك أنواع  أخرى مثل((الكَديمي،الباله))

11- أداة راضه على شكل قضيب   من الخشب الصلب  يحشر برأسه  شكل بيضوى  من البرنج الأصفر اللامع يستخدمها ابن الريف في العراك.

12- شريط يحاك  من خيوط الصوف بعرض  يقارب الخمسة سنتمترات يحتزم بها  القروي  ويلفها حول  خنجره وحدرته او ((مكَواره)) وهذا يختلف عن الحد ره كون راسه   على شكل كرة من القير والذي يطلق عليه  ((مزعاط)) اذا كان عوده  من الخيزران الرفيع  ورأسه صغيرا.

13- الأطفال الصغار في الريف، بينما لها معنى معيبا في المدينة ويطلق على الشواذ جنسيا((مثيلي الجنس)) من الأطفال والصبيان الذكور.

14- مصطلح يطلق على ابن الريف في المدينة في الوقت الذي هو لا يخص غير  مربي الجاموس  وبائعي اللبن  والروية والقيمر في  الاهوار،  وهو مرادف  لمعنى التحقير والتصغير وعدم الاحترام والغباء والسذاجة وهو خلاف الواقع.

15- شتيمة وكنية لأبناء الزنا، وهي قد لا يحاسب عليها في المدينة  ولكن حساب من  يقذفها أو ينعت بها  طفلا في الريف حسابا  عسيرا.

16- الخضر بيع  محصول  الشلب العنبر وهو لم يزل  عيدان خضراء لم تنضج  بثمن بخس يضطر  لها الفلاح في العراق لسد حاجته لحين  نضج الزرع.

17- (العشرة اربعطش) فهي  احد أنواع الربا حيث  يطالب المستدين  بأربع عشر دينارا مقابل  العشرة دنانير التي يقترضها من المرابي.

18- خبز التموين المدعوم من قبل الدولة  في الخمسينات والستينات  من القرن الماضي خاص بالفقراء وهو رديء النوعية كان يباع  الرغيف منه بأربعة فلوس مقابل عشرة فلوس  لرغيف الخبز الأبيض التجاري.

 

19- احد أنواع السكائر رخيصة الثمن توزع في المآتم الحسينية.

 

20- من الملابس الداخلية الناعمة  الشفافة التي  ترتديها المرأة تحت ملابسها او في  سرير الزوجية.

21- كلاص- كأس .

 لقراءة الفصل الثاني على الصفحة الثانية – اضغط التالي ادناه


 

(( العربانــه)) (2)

المـعلم

 

عند الفجر امتزجت أبخرة ورائحة (اللبلبي)(1) المنبعثة من القدر المثبت في بطن ألعربانه مع عطر وشذى ((غنوده)) في يومه المشهود وقد ازدحمت المشاهد والصور في خياله المحموم بين عذوبة لا تنسى ومرارة لا تطاق.

دفع عربانته أمامه لترتقي بصعوبة مرتفعا يتوسط الشارع المتموج الذي يقوده صوب مستقره قرب احد مدارس الأطفال في المدينة كمن يدفع خيالاته ليجلوها عن صدره  المهموم متحملا هذا العناء في دفع ألعربانه ليتجنب المرور في شارع  ((غندوه)) شارع المتعة والألم شارع الشهد والحنظل، وما ان تعتلي ألعربانه قمة المرتفع حتى تأخذ بالانزلاق  مما يتطلب منه جهدا غير قليل ليشدها إليه خشية ان تتدحرج سارحة في منحدر الشارع المتعرج والملتوي،يعيش ((مظلوم ))حالة الدفع والجذب بشكل متوالي طيلة  الشارع حتى وصوله  المدرسة.

كعادته أشتري رغيفين خبز ((بربر)) حار من الخباز((هاشمي)) ،يجلس  في مقهى ((شدهان)) وهو من أخوال والدته، يزدرد الرغيفين ألخشنين بدفعات من الشاي الحار كوجبة إفطار مقابل كاسة من ((اللبلبي)) يناولها للخال شدهان، ثم  يقف خلف العربان لتمشية طلبات العمال المبكرين للعمل بعد تناولهم كاسات من اللبلبي الحار مصطبحين بوجه مظلوم قبل طلوع الشمس كعادتهم يوميا  في مثل هذا الوقت وبعد ان ينصرف العمال والكسبة الى إعمالهم يتوجه مظلوم بعربته لتلبية طلبات الأطفال وباعة الخضروات والمتسوقين من ((اللبلبي))  الحار منجذبين لصوت مظلوم الشجي وهو ينادي((لبلبي يلبلوب لبلبينه يداوي الكًلوب)).

السلام عليكم.. الله يساعدك ((مظلوم)).

صباح الخير... هاي شنو انته هنا تبيع لبلبي.

تفاجأ مظلوم برؤيته أستاذ((منير)) الأفندي الذي  يمر  به يوميا راكبا دراجته الهوائية يشتري منه ((كيسا من اللبلبي)) ويعامله بمحبة وعطف مميز.

         صباح الخير والصحة والسلامة  إستاد((منير)) ..وياهله بهل الصباح   هذا مارد به ((مظلوم)) على تحية ((معميله))(2)  وصديقه الأفندي منير سائلا إياه:-

ها إستاد شنهو انته  جاي  إلهاي المدرسة؟؟

      نعم مظلوم انه جاي نقل جديد  للمدرسة ومنا وهيجي أشوفك الصبح والعصر واستمتع بأكل  اللبلبي الطيب من أيدك الحلوه.

-         الله يطيب خاطرك إستاد والله انته طبيت كًلبي الله يطول عمرك ويسعدك بالدنيه ولاخره.

-         تشكر منه أستاذ منير بعد ان أعطاه ثمن كاسة ((اللبلبي))  واستمع منه الى بيت من الابوذية والدرامي العراقي، الابوذية التي كان  أستاذ منير يحبها كثيرا ومظلوم  يحفظ ويؤلف منها الكثير، ثم دخل المدرسة عند سماعه رنين الجرس.

لا يعود مظلوم  الى داره إلا عند الغروب وبعد ان يسلم أستاذ منير وجبته المسائية  من اللبلبي ثم يذهب لتسليم ما حصل عليه خلال اليوم من النقود الى مالك ألعربانه الذي يسلمه فلسان لا تكاد تسد رمقه وأطفاله من  خبز البربر ومركًة((جتال حاجم))(3) الخالية من اللحم كالعادة وكما تتندر والدته لترد  عمن يسألها عن اللحم  ،يمه اللحم ((ماكله البزون))(4)

هذا ((الجتال حاﭽم)) الذي  ترحم عليه  ((مظلوم)) حاسدا إياه لتطليقه الحياة وتخلصه من  المركًه اللعينه التي ابتلي بها ((مظلوم)) من بعد حاﭽم.

هاولك شنهي المصيبه هاي الوادم  عليمن فازعه عله هذا البيت، يا ساتر يارب((شنهو حريج  غريج)) اللهم سترك يارب.

هذا ماقاله  مظلوم عند عودته مساءا الى داره مدحرجا ((عربا نته)) أمامه ولمح  جمع من الناس صغارا وكبارا شيوخا وشبابا وأطفالا وهم يحاولون اقتحام احد البيوت فاستل ((حدرته)) بيد و((سطل)) الماء المخصص  لغسل  كاسات اللبلبي  الذي أنتزعه  من يدة ألعربانه  وهو يصيح :-

حيهم..حيهم ..أخوتي أولاد علي الحكًولهم..الحكًولهم أهل ألغيره، قال له احد المتدافعين عند باب الدار:-

عمي شنهو انته  مسودن اشبيك جاي هاد بحدرتك تريد تترس السطل ((تمن وقيمه)) والناس ماتعول  اتحصلله ماعون تتبرك بيه.!!!

شلون ..شلون... شنهي ولك تمن ومركًة قيمه؟؟ ، شنهو ماعون ؟؟ماتكًلي انتم عليمن ملتمين وتدافعون  وتريدون تكسرون الباب؟؟..هذوله الوادم مو محترجين وتريدون اتطفونهم .. متعارجين وتريدون  أتفكونهم؟؟ .. شو توخروا عني وخل أدفر الباب ألعاصيه عليكم وشوف  شنهو ألقصه  ؟؟!!!

ولك عمي لا متعاركين ولا محتركًين هذوله عدهم عزيمه ((تمن ومركًه قيمه"5")) ثواب  لباعبدالله الحسين(ع) وحنه جايين  ناكل ونتبرك. افتهمت لو أتظل معيدي  كًلبك ثخين؟؟

         فغر مظلوم فمه  وبحلق عينيه متعجبا وهازا يده مستغربا لا يكاد يصدق ما يسمع!!

ولكم انتم واحد راﭽب عله الثاني ونعلكم امكًطعه وباطكم امشلعه وتريدون اتشلعون باب الوادم علمود لكًمة  تمن ومركًه.. من سود الله وجوهكم وطيح الحسين حظكم..ولكم هذا ياثواب..ياحساب.. ولكم هاي هرفله وجلة حيَه، الرجال الحترمكم وعزمكم  هﭽي تسوون بيه.. ولكم الحسين بعد عيني ضحه بدمه بسبيل الناس وانتم واحد يسحك بطن الثاني ويدوس بطن أخوه وأبوه حتى ياكله لكًمة زقنبوت  يلكًفه من أيده حتى يحطه ابحلكًه !!!

كل هذا وتسمونه ثواب..والله يعمي هاي علامات طلوع (الصاحب)"6"؟؟

         قال هذا ثم قفل راجعا الى عربته دون ان يسمع كلامه او يهتم به احد، استمر مظلوم على هذا الحال وهو يبيع ((اللبلبي)) وقد توثقت علاقته  بأستاذ ((منير)) معلم المدرسة كثيرا واخذ يسمع منه كلاما لم يسمع بمثله من قبل وكأنه وجد بين يديه وفي مضامين كلامه مفاتيح مغاليق كل اشكالياته ومشاكله وجوابا للعديد من  أسئلة ((دوخة راسه)) عبر معاناته  اليومية في الريف والمدينة قائلا  مع نفسه (ولك هذا  عبالك عِليَّ آل صويح)(7).

تلقى منير حزمة من هذه الأسئلة وحل الغاز الصور والإشكاليات التي يتعرض لها  ،استغرب مظلوم ان تظهر أمامه صورة المرأة أم (( البوشيه))"8"

أحاه  يل مهبول ولك هاي شلون ضاعت عليك وشلون ما عرفت هاي المره المبوشه التﭽي كل يوم تشتري منك  كًدر (100 فلس)لبلبي وهي مبوشه،وكل يوم ذابتله  حﭽايه عليك وتصﭽمك  وﭽنه تعرفك وتعرف ماجره عليك،ولك شلون ما فهمته من كًالتك ها ابو(( المعيد))  يظهر تفليس الباكًله ما عجبك  حولت عللبلبي أو نزول حتى نزول

((اليدري يدري والمايدري -لا هل مره حفنة لبلبي مو- كَضبة عدس))"9"

!! ولك  هاي غندوه ألف نعله عله والديك  لحكًتك لهنا  بعد شتريد منك؟؟؟.

في غروب احد الأيام وقبل ان يأتي أستاذ منير لأخذ حصته من ((اللبلبي)) مثل كل يوم، قبل ان يذهب لتسليم الدخل للحجي كالعادة كان مستغرقا في دوامة أفكار يحس خلالها بالظلم والغبن الكبير الذي يلحق به فهو الذي يدفع ويطبخ ويبيع ويجول في الشوارع ويتحمل الأذى  ولكنه لا يستلم إلا فلسات لا تغني ولا تشبع من جوع ولا تكسو من عري، ولكنه  يكتم استياءه وإحساسه بالظلم لأنه لا يجد بدا من هذا العمل ثم للحاج فضل عليه فهو صاحب ((الصايه)) وال((صرمايه))"10 " مثل ما يكًولون. وحينما كان منهمكا ومستغرقا في هذا الهم لفت نظره عند زاوية الشارع قبالته مجموعة من الشباب يلعبون ((اللكَو))"11" وقد شاهد ان بعضهم يحصل مالا كثيرا دون متاعب وعندما وقف يراقبهم دعوه للمشاركة فقد اغتنى الكثيرين من هذه اللعبة مقابل مبالغ  تافهة((من يركبه الحظ ويجي وياه أللنص)) وبعد تردد ونعله للشيطان قرر ان يشترك على ان لا يعود للعب بعد ان يحصل على المال الكافي لشراء عربانه وكمية من اللبلبي والمواعين ليتخلص من  استغلال ((ألحجي)) ابو ألعربانه ويعمل لنفسه. باشر باللعب حيث تبرع احدهم ليضع خبرته تحت تصرفه ويوجهه في اللعب مدعيا انه من ابناء قريته ومن  ابناء عشيرته  وانه متأكد بأنه سيكسب لأنه إنسان بسيط وعله نياته وسيحالفه الحظ، فربح في المرة الأولى والثانية ثم  تبعتها خسارة بسيطة  ومن بعدها ربح ثم توالت الخسارة وهو يضع بتشجيع من  ابن عمه للاستمرار بالعب، آملا في الربح وتعويض خسارته مما استنزف الدخل بكامله...فساوم على المواعين ثم على القدر و((البريمز)) ثم على العربة بكاملها دون جدوى واخذ يردد مع نفسه بألم مرددا المثل القائل (( جزنه من العنب ونريد سلتنه))"12" فقد خسر كل شيء.

لمس مظلوم غمز ولمز وعلامات نصب  وتآمر عليه من قبل هؤلاء بمن فيهم نصيره(ابن عمه)) المزعوم ، وشاهدهم يقتسمون المال فيما بينهم وقد دحرج ((ابن عمه)) ألعربه أمامه فقد صارت من حصته، عندها فارت دمائه وبلغ به الحنق أشده والغضب منتهاه لمدى وضاعة وقردنة وثعلبة ((ابن عمه)) وزمرته فاستل  ((حدرته )) من حزامه التي لم يعد يمللك غيرها لأنه    من المعيب ان يبيع او يقامر المرء  بعرضه وسلاحه،فانقض عليهم وهو يقول:-

انه ابو مطشر ولكم مخانيث أهل الثريد(سياب) هﭽي تريدون تاخذون غلبي وتفرهدوني بهاي لعبتكم تقشمرون الوادم وتاخذون فلوسه.

أشهروا بوجهه سكاكينهم وقاماتهم المخبئة تحت  دشاديشهم ، فاشتبك معهم في معركة غير متكافئة ورغم ذلك اثبت بسالة وشجاعة فائقة وأثخنهم ضربا وسالت دماء بعضهم وخصوصا ((ابن عمه))،  أصابوه بساعده ورأسه ثم هربوا بما غنموا من المال  تاركين العربة تشتعل فيها النار فقد حطموها وأولعوا فيها النار بعد ان افرغوا عليها  نفط ((البريمز)) قبل ان يتمكن  المارة من  زجرهم وطردهم وحمايته من بطشهم فقد كان اغلبهم من مدمني الخمر والحشيش.

وكم كان أستاذ منير قلقا عندما لم يجد  مظلوم في مكانه  وشاهد بقايا ألعربانه المحترق!! فاستفسر  ممن كان في موقع الحادث ومن احد البقالين فأجابه:-

         هاي وين انته إستاد صاحبك أتعارك ويه ((القمرجيه))"13" وضربوه  سجين وحركًوا عربا نته وهل تشوف رماده كًدامك، وهو أخذوه أهل المنطقه للمستشفى!!

تلقى  منير الخبر بحيرة وألم  وغضب شديد  متأسفا ومتأسيا  على مثل هؤلاء الناس  اللذين يقتتلون فيما بينهم ويتركون عدوهم الرئيس ومصدر تشردهم وشقائهم يستنزف  قواهم بهذه الطريقة  ولكن...؟؟؟

فما  كان من أستاذ  ((منير)) إلا ان أدار وجهة  دراجته الهوائية صوب المستشفى في مركز المدينة وحينما وصل وجد ((مظلوم)) في شعبة الضماد وقد لف ساعده بالقطن واللفاف وشاهد بعض الشدوخ في وجهه ورقبته وآثار دم متخثر  في فروة راسه

الحمد لله على سلامتك ابو ((مطشر)) هاي شورطك ويه هل السفله وشجابك عليهم؟؟

-هاي هيه استاد صارت، و مثل ماكًال ابو المثل:-

 (( رادله كًرون كًصوا أذانه))"14"؟؟

ابو مطشر ما تعرف احد منهم؟؟

إستاد شعرف منهم أهم هذوله الهم أصل فصل حتى ينعرفون اشو ((خضير ابن معجونه، وفرهود ابن الدلاله، وصبر ابو دكَه وابو الركًع...)) ماتكًلي اشيلزم  الواحد منهم.

والله صدقت يا ابو مطشر هذوله  يطب واحدهم للسجن مظلوم  يطلع ظالم، يطلع ضيمه وحيفه من اهله ويعوف  من ظلمه، صدق من وصفهم ب((حثالة البرولتاريا))!!!

إستاد آني هم ما قصرت وياهم ونعلتلك سلفه سلفاهم بس آني شنهو ماعرف هذي اليسمونه ((كلات))"15" مثل مناطح الصخول آني اعرف أعارچ بالخنﭽر والحد ره و((المكًوار))"16" و((التوثيه))"17"!!

المصيبه إستاد هسه شكَل لبو  ا لعربانه ،((مظلوم)) ضيع الصايه والصرمايه بالقمار!

شنهي هلحظ ياربي اطلع من مصيبه اطب بالثانيه والوادم ابتلت بيه وهو يردد بيت الدرامي (( ﭽبتيني للظيم اشمالچ ييمه اشبيچ  ﭽبتيني للضيم    شو بس علي دنياي تمطر بلا غيم)) ثم تلا ذلك بحسرة قائلا :-ولكم هاي ولاية بشر يو ولاية حيايه وعجارب   ومخانيث، والله انعل ابو هيچ اولايه من حشى  الامام والطيبين...

ابو مطشر لا تظل أتلوم  بنفسك ألصار صار والولايه بيه الزين  والشين وهاي تجارب يمر بيه الإنسان ويتعلم منها، هسه أهم شي صحتك وسلامتك ،ولعربانه و((الصرمايه)) والمواعين خليه عليه.

اصطحب  منير ((مظلوم))  الى دار الحاج مالك ألعربانه ملخصا له ما جرى مع مظلوم واعدا إياه ان  يسدد له ثمن ألعربانه والغراض واللبلبي كاملة يوم غد.

فتألم الحاج لما حل بمظلوم متأسيا له وشاكرا للأستاذ نخوته وجهوده ومناصرته ل((مظلوم)) وأمثاله مخاطبا إياه:-

أستاذ  (منير) هاي ألفزعه والغيره على ((مظلوم)) وأمثاله  موجديده  عليك وانته من أهل المعروف وآني من ناحيتي ذاب   ربع الفلوس لخاطرك وخاطر مظلوم وجهاله.

تشكر الأستاذ  ومظلوم للحاج  تفهمه لوضع مظلوم وتنازله عن قسم من المبلغ ، ثم اصطحب  أستاذ منير مظلوم الى  داره واضعا بيده شيئا من المال وكيسا من الفواكه له ولأطفاله قبل توديعه.

إستاد ما تكَلي انته شمشكل  نفسك وياي،ومنين راح أجيب الفلوس للحجي،والله ما ادري شلون راح اكًدر أوافيك وبيمن أﭽازيك هذا ماقاله ((مظلوم))  لأستاذ منير.

ابو مطشر لتشيل هم احنه عدنه جمعية وآني حاﭽيلهم عن وضعك او واعدوني يساعدونك، خله عليه وروح هساه ارتاح  وريح اهلك وعمامك ،وكًللهم خل يردون لهلهلم والشغله ما تحتاج  فزعة عشاير وبعد ما تصير زين آني أمر عليك بلكن نشوفلك غير شغله .

شكر مظلوم  أستاذ منير مرددا كعادته بيتا من الدار مي:-

((مايلحك عله الطاح فزع الكًرابه    بعد الفزع شيفيد للمضه أصواب))

صدك ألدنيه بعده بخير  مودع بلله إستاد .

هكذا ودع ((مظلوم)) أستاذ ((منير))محتضنا إياه ودموعه تترقرق في عينيه.وبعد ان مرت ثلاثة أيام طرق ألباب  أستاذ ((منير)) على ((مظلوم)) ومعه كيسا من الفواكه والحلويات ولأطفاله مطشر وإخوانه،مطمئنا عليه  ومطمئنا إياه  بتسديد المبلغ للحاج مع تحيات أصدقائه في الجمعية وأمنياتهم له بالشفاء العاجل.

 واستدرك أستاذ منير قائلا:-

-    بالمناسبة ((ابو مطشر)) لكًيتلك  شغله مريحه ومابيه دوخة راس

اي والله إستاد رحم الله والديك،بس شنهو هاي ألشغله؟؟

شوف مظلوم اكو واحد  طيب من ربعنه ((حايچ عبي))"18" يريدله واحد يساعده بالشغل،وآني كًلت هم تعيش وهم تتعلم مهنه تفيدك ويمكن تكًدر تتعلم القراءة والكتابة عن طريق الاخ الحايچ لأنه عدوا لدودا للامية.

-         فز مظلوم مذعورا كمن لدغه عقرب قائلا:-

لالا إستاد كلشي ولا حايچ ،إستاد بس يسمعون أعمامي يطلجون مرتي ويفصلوني من العشيرة يا بويه أدور حايچ، ورحمه من الله يتباهون  عمامي  ((بشوتهم))"19" حياﭽة مظلوم ابو ((مطشر)) والله نعمه!!!.

- تبسم أستاذ ((منير)) وبدا كمن يراجع بعض الثوابت لديه متفهما ردود فعل ((مظلوم)) على مقترحه باعتبار مهنة الحياكة مهنة معيبة وفق  الثقافة الإقطاعية السائدة وخصوصا في الريف العراقي.

-خلص..خلص  ابو مطشر لا تغث نفسك ،ايبين انته أصبحت مدمن على بيع اللبلبي يلبلوب وازدياد المعجبات والمعجبين  بصوتك  الحلو  وانته  تصيح  لبلبي يلبلوب ،واني هم ماكًدر استغني عن لبلبيك الطيب فقد أصبح  ((مزتي))"20" المفضلة،العفو عشاي المفضل، وراح اوصيلك على عربانه ممتازة ((عروسه)) من ((فورميكه))"21" ايسويه مخصوص إلك اخوي النجار "ابو ماهر" فهو من محبي لبلبيك أيضا.

وهكذا كان، عاد ((ابو مطشر)) مغردا  وراء عربانته الفورميكا الجديده ، مسطر على سطحها كاسات الفرفوري الملونة وبطالة  الخل  والليمون المرصوفة  رصفا جميلا  عل صدر ألعربانه،وأخذت شهرة  لبلبي مظلوم  تزداد يوما بعد يوم حيث اخذ يطعمها حسب نصيحة أستاذ منير  ب((الكسور))"22" والدجاج ليكون طعمها أطيب  وتكون بقايا الكسور والدجاجة  وجبة عشاء دسمة له ولعائلته عند عودته للبيت ليلا بعد ان تنفذ كمية ((اللبلبي)) المعدة للبيع  كل يوم.

ولكن الذي حدث في  فجر احد الأيام وعلى حين غرة طوقت زمرة من الشرطة ((مظلوم)) وعربته  وطردت المشترين وطلبت منه ان يتنحى جانبا بعد تفتيشه تفتيشا دقيقا ثم فتحوا أبواب ألعربانه واخرجوا كل محتوياتها من اللبلبي والبريمز والقدر والنفط والخل والملح والحامض،وثقبوا صفائحها الجانبية بحراب بنادقهم ومظلوم ينظر إليهم  متألما مستغربا يكاد يفقد أعصابه ولا يعرف ماذا يفعل وبأي شيء متهم هو وعربانته وهل أصبح بيع ((اللبلبي)) ممنوعا وهو لايعلم؟؟

ولكن احد أفراد الشرطة همس في إذنه ((ابن عمي عدنه إخباريه اكو بعربانتك مناشير  معاديه للحكومة)) هذا بعد أن عرف انه من ابناء عمومته (آل هلكان)

ولك خويه آني وين والمناشير وين شنهو آني أبيع لبلبي يو اشتغل  نﭽار، ظل شنهي السوته المناشير وصارت   تعادي الحكومه،انشالله باﭽر تطلع المساحي والﭽواكيچج والكراكه  معاديه للحكومه.

ولك هاي شلون مصيبه وين ما تحطه يمظلوم سوده امصخمه.

هز ابو(( إسماعيل))"23" يده مستهزاءا ومستغربا  بسبب عدم فهم مظلوم لما اسر به له:-

-         ((عرب وين طنبوره وين)) (( اليحﭽي هندي وليسمعون أهل الﭽر يبات))"24"،ولك عمي  يا نجاره ياطياره ياجواكيج مناشير يعني ورق مكتوب بيه حﭽي موزين عله الحكومه افتهمت، من طاحظ  اللوكًي  إلي جاب هذي الاخباريه البايخه.

-         (( محضر ضبط ..تم تفتيش  المشتبه به مظلوم وعربانته وجه وكًفه ولم يتم العثور إلا على  بريمز عدد واحد متروس نفط وجدر لبلبي حار وعشر مناﭽيس فرفوري وخمس بطاله خل وكيلو نومي حامض

توقيع

  العريف مزعل راضي

 ريس المفر زه          

 توقيع

 المشتبه بيه 

مظلوم  دايخ

 أنقفل المحضر.

قرأ  العريف المحضر على  مظلوم طالبا توقيعه على المحضر وإقراره بنتائج التفتيش والمواد المضبوطة في ألعربانه ولكن  مظلوم رفض التوقيع قائلا:-

جناب العريف اشو ما جبت ذﭽر للدﭽاﭽه الﭽانت  بجدر اللبلبي شنهو الدﭽاﭽه طارت يو ما مشموله  بإلقاء الغبض؟؟؟

إيه الدجاجه  طارت صارتله جناحات وطارت، ثم نادى على الشرطي(( سعود)) الذي يدعي انه من عمام ((مظلوم)) كًله لبن عمك شلون طارت الدجاجه!!!

-         مظلوم  ((الحد ره والخنجر ))  صارن اجناحات وطيرن الدجاجه من  المحضر وإلا ﭽان  كتب العريف  انه ضبط في ألعربانه أسلحة  جارحه وأسلحة راضه وﭽا رحت بيه ((سبعه ماي))"25"!!! اسكت  ابن عمي وقع وقع واسكت احسلك!!

 

معاني المفردات  الشعبية  الواردة في  القصة:-

************************************

1-   الحمص.

2-   عميل او مشتري متكرر.

3-   نوع من أنواع القرع  يكون اصفر اللون عند النضج،يروى ان احدهم أكل منه كثيرا ظنا منه انه بطيخ مما أدى به الى الوفاة!!

4-    أكله القط.

5-   مرقه مشهورة  في مدن جنوب العراق وخصوصا النجف وكربلاء تعمل من اللحم والحمص المهروس جيدا يقدم في الولائم في المناسبات الدينية وتقدم كوجبة عشاء في الأفراح  كالختان والزواج.

6-   المهدي المنتظر.

7-   احد الشخصيات الشعبية الواقعية في جنوب العراق ((مربي جاموس)) اشتهر بحكمته ورجاحة عقله وفطنته وذكاءه،وقد كان من المقربين جدا من الشيخ ((حمد آل حمود)) أمير عشيرة الخز اعل ألمعروفه في العراق.

8-    حجاب من القماش الأسود يغطي وجه المرأة.

9-   مثل شعبي عراقي يدل على ماهو مستتر خلف الحدث الظاهر.

10-     العراك عن طريق نطح الخصم بالرأس وهو عراك  يبرع فيه  بعض المشاكسين  من سكنة المدن.

11-     المال الموظف في العمل من قبل ألكسبه.

12-     مثل شعبي عراقي يضرب في خسارة كل شيء الطموح وما قبله.

13-     لاعبي القمار

14-     مثل شعبي عراقي يراد به خسارة الإنسان ما كان حقا يملكه ناهيك عن عدم تحقيق طموحه.

15-     الصدم بالرأس وهي طريقة عراك يجيدها  ابن المدينة فقط.

16-      آلة راضه(قضيب من الخشب او الخيزران الصلب توضع في احد نهايته كرة من القير)

17-     عمود من الخشب الصلد يستخدم في العراك.

18-     حائك العباءة العربية.

19-      عباءة  لا يكتمل بدونها الزي العربي في العراق.

20-     أكل خفيف يصاحب شرب الخمر.

21-     نوع من الخشب الصقيل الملون.

22-     عظام خاليه من اللحم تطبخ مع الحمص.

23-     لقب الشرطي في العراق  في حين يسمى (ابو خليل) الجندي العراقي.

24-     أمثال شعبيه عراقيه يراد بها عدم فهم المخاطب لما يقال له.

25-     أمر محقق.

*الرسم التخطيطي من ابداع الفنان الصديق حسن شبع

 لقراءة الفصل الثالث على الصفحة الثالثة / اضغط على التالي ادناه


 

رواية ((العربانه)) الجزء الأول

                    الفصل الثالث

السـجن

حميد الحريـزي

 

 تحركت سيارة الشرطة المسلحة، تشق طريقها بصعوبة وسط حشد الناس الذي أثار اهتمامهم طرافة منظر  عربانة اللبلبي في المسلحة وقدر اللبلبي يرسل بخارا شهيا/، ترجل العريف في باب مركز الشرطة أمرا شرطته  بإنزال مظلوم وعربته وإدخالهما المركز، نفذ الشرطة  الأمر بفضاضة مع مظلوم/ وبعناية كبيرة مع العريانة حرصا على اللبلبي...                              

-    نعم سيدي المتهم حاضر ..أمره المفوض بإدخاله عليه/ ادخل مظلوم على  المفوض أنت ((مظلوم دايخ))...

-    - نعم حضرت المفوض

-    أمره بوضع كيس نقوده على ((الميز)) الذي كان معلقاً في وسطه بواسطة الحزام الذي يشد ظهره... فعل ((مظلوم)) دون مقاومة ... ثم أمر الشرطي بإدخاله النظارة ...

-    اقتيد إلى النظارة دفع داخلها دفعا من قبل الشرطي ..

-    استقبله الموقوفين باستغراب خصوصا ((القمرچي)) الذي سبق وان تعارك معه مظلوم خارج السجن ، كما أثار فضولهم تجمع الشرطة بما فيهم العريف حول قدر اللبلبي ... اقتسموا اللبلبي فيما بيتهم بعد عزل حصة السيد  المفوض مع نصف الدجاجة لتكون مزة شهية لجنابه هذه الليلة..

 

-    كان مظلوم يراقب المشهد وقد ادلهمت سحنته بسحابة الغضب والألم وهو يرى  الشرطة قد اقتسموا اللبلبي وركلوا القدر بأحذيتهم..

-    لا يامناعيل الولدين ولكم ياظلام النفس  ... هسه الجدر شعليه هم شوعي ... فرهدتوا اللبلبي والخل والحامض والدجاجه ، الجدر ليش تخسفون ... من ألف نعله عله بهاتكم .. ولا بو ألشرطكم علينه.

-    قدم له احد الموقوفين سيكارة غازي ... أخذها وقد لفت نظره وجود القمرچي مع ألموقوفين ...

-    ولع سيكارته ... دافعا دوامة كثيفة من الدخان من منخريه ملأت الغرفة ... سائلا القمرچي...

-    ها ابن عمي شنهو انته هم توزع مناشير شوعيه/ لو هم نصبتولكم على فقير  مثل حالي باللكَو...

-    والله تراهي مصيبه الحكومة من صفحة وانتم السرسرية والنصابة من صفحة ثانيه وين أيولي الفكَر يارب لعالمين؟؟؟؟ ودور طلابة الشوعيه..

-    بادره احد الموقوفين بالسؤال

-    كَلي  خويه شسمك بالخير ابومن؟؟؟

-    مظلوم اسمي مظلوم دايخ أبو ((مطشر))..

-    والنعم والسبع تنعام عاشت الاسامي أبو مطشر

-    اكَول خويه أبو مطشر ما تكلي شنهو هاي الشوعيه أم المناشير الجايبينك بسببه للحبس.

-    والله ياعمي  ومان الله مالي كل عرفه بهل المره لامن جريب لا من بعيد.. مالي كل عرف بيه... حتى ما سامع بسمه بت الحلال هاي  ولا شايف مناشيره..

-    أجاب احد الموقوفين قائلا بتهكم ... عمي يكَولون هاي علويه  جديدة وشارته باليد...

-    قال مظلوم :- عمي  من چان هچي داخلين بخته نريده تاخذنه حكنه من كل ظالم ... و نشوف شارته بالتاهمينه وياه  ظلم .. بجاه كلمن عنده جاه... ولكم عراض الوادم لعبه يا ماعدكم....

-    قال آخر لاعمي يكَولون الشوعيه ما تعرف الله ولا رسول الله والشوعية شرابت عرگ  ويحبون الملاهي والنسوان... فرد عليه الأول:- بويه لونه مثل ما تگول ماچان الحكومه حرست الملاهي  وبيوت القمرچيه واالبارات وهل تشوف العرگ ينباع وين ما چان ... بلا كت همه معادينه لأنه تريد أتساوي بين الفقير والزنكَيين .. وتنصر المظلوم عله الظالم...

فقال أبو مطشر :- عمي يمين عليّه إذا طلعت من الحبس سالم لو ديله بيرغ او واهليه وچيس  حنه ...

ضحك الجميع بين مصدق وبين متهكم  ((عارف وخايف))  كما يقولون

 

مظلوم  .. مظلوم دايخ ... هاي إلك أمانه من الهانم.

اشرأب عنق مظلوم نحو باب الموقف مستغربا من نداء الشرطي والهانم؟؟

عمي ياهانم ... ياطركاعه ولكم آني ما عندي غير أم  ((مطشر)) وهي ما تندل باب الحوش .

رد الشرطي قائلا:-

ولك هاي أمانه إلك من الهانم ((غنوده)) مرة ألحجي ((معيوف)) وتسلم عليك تكَول  ليدير بال أبو مطشر ....

استلم مظلوم عدد من الأكياس  من الشرطي  وكانت مليئة بأرغفة الخبز الحار والكباب والفواكه وسجائر الغازي واللوكس وشخاط أبو ألنجمه....

ولكم شنهو هل المصيبه / هاي من چاب غنوده  لهنا.. وشمدريه بيه محبوس / يصير كَال اله اخو أستاذ منير يو شدهان الكَهوچي ... يصير...  لا لا بويه استغفر الله..

-    لكزه احد الموقوفين((أبو مطشر)) لا تظل تسولف ويه روحك رزق وجاك ... أيبين  ليلبيك امغزر بالهانم ... ضحك الجميع فيما فتح أبو ((مطشر)) الأكياس داعيا الكل للمشاركة في الأكل حتى ((القمرچي)) قائلا مع نفسه

-    "البات فات واليوم احنه بالمصيبه سوه كلنه بالقلق ، القمرچي والعربنچي))

بعد وجبة الأكل الدسمة  والفواكه الطازجة  ، وقوري الشاي الذي جلبه لهم الشرطي على حساب الهانم ، وزع عليهم السكائر والشخاط .. فتراكمت سحب الدخان في سماء الغرفة وسط ثرثرة السجناء كل عن قضيته وسبب سجنه وتوقعاته عن مستقبله وماذا سيحل به ، إلا مظلوم فهو لا يعرف لماذا هو مسجون ومن   هو المشتكي عليه وما هي تهمته...... وضع رأسه على البلاط واخذ يدندن مع نفسه ببعض أبيات الابوذية لينفس عن  حاله  ويبدد حزنه ... فعم الصمت القاعة  مصنتا لصوت مظلوم الشجي  حتى أبكى اغلب الموقوفين ... اللذين تعلقوا بمظلوم  وطالبوه بالاستمرار بالغناء  ،الصق الشرطي إذنه بباب الموقف لسماع غناء أبو مطشر وقد  اغرورقت عيناه بالدموع......

أحس  بالتعب فاسلم نفسه للنوم وسط هذا الحشد من الموقوفين بين سارق او قاتل او مشتبه ب هاو  او ....

عند الصباح اقتادوهم لدورة المياه / حسب الدور في ممارسة لم تكن  تخطر على بال مظلوم يوما .... بعد عودتهم للموقف...

سمع شرطي ينادي:-

((أبو مطشر)) عمي ((أبو مطشر)) مظلوم دايخ ...

استغرب مظلوم  من الأمر  وخصوصا لهجة الشرطي المحترمة  والمؤدبة  وعمي أبو مطشر ... سبحان مغير الأحوال  ، مرددا مع نفسه " إيه ولك  اچاك الموت بمظلوم .. والله هسه يودون چلدك للدباغ، ولو اهو مدبوغ  من كَاعه ، مثل ما كَال  المفوض / ولك ياعمي يابو مطشر .. اليوم أتصير أبو مكسر"

أعاد الشرطي نداءه  هاي وينك عمي أبو مطشر مو السيد المفوض يريدك .. هاولك جنه صدگ بمظلوم وهذا المفوض طلع سيد يجوز  كَرايب العلويه الشوعيه/ ونتخالي ....

إيه إيه صار صار جناب الشرطي

خرج مظلوم من باب الموقف متجها ناحية  غرفة المفوض والشرطي يسير خلفه هذه المره وبدون لكزات او  وعيد وتهديد بصلخ الجلد .....

استعد الشرطي باب المفوض... نعم سيدي هذا عمي أبو مطشر ، تفضل عمي تفضل  أستريح..

ما إن اطل برأسه على غرفة المفوض حتى تفاجأ ب ((غنوده)) جالسة بجانب المفوض  كأنها عروس في ليلة دخلتها ...

ولكم شنهو هل المصيبه هاي أجابها اهنا وشتريد من  مصلوخ...

استقبلته  غنوده بابتسامتها المعهودة  .. ها أبو مطشر  سحولوك هذوله الظلام، شافوك فقير وما لك احد، ما حصلوا غيرك  يتهمونه حطوه ابراسك ... والله والله لابهذلك أحوالهم...

قالت ذلك وهي تنظر للمفوض الذي لزم الصمت دون أن ينبس ببنت شفه...

نعم  .. نعم سيدي عدنه سيدي ... اشتباه سيدي هاي إخباريه كاذبة من المخبر السري المتهم اسمه ((مظلم دايح مو مظلوم دايخ)) ... التريده أيصير سيدي اعذرنه سيدي ..التامر بيه أيصير أنذب المخبر بالسجن وعمي مظلوم  يطلق سراحه فورا..

ولك هاي  طلعت حكومه مو غنوده ولكم هاي  بهذلتهم اتبهذل ونعلت سلفه سلفاهم .... دخيلچ  يعلويه شوعيه  هاي انتي الوديته إليه ...

 وضع  سماعة الهاتف وهو يتصبب عرقا ... والتفت مخاطبا ومعاتبا ((غنوده)) هانم ليش توصليه للباشا .. احنه فد يوم راديلچ طلب ...

قالت غنوده:-

مفوض ((حردان)) هسه  تطلعون مظلوم من الحبس وترجعوله فلوسه وفلوس اللبلبي  والدجاجة والكدر المخسوف والمواعين المكسرة... يو والله والله وراس العباس  أبو راس الحار اخلي كل واحد منكم  تحت نجمه..

أمرج هانم أمرج ... شتكَولين أيصير ولا تزعلين  انتي والباشا علينه ... شرطي ردوا لبو مطشر كل غراضه وعربانته حطوه بالمسلح هودوه كدامه لبيته ...  عمي أبو مطشر هاي بوسه من راسك  ... وهايفلوسك وچيسك  وفلوس اللبلبي الكلناه وفلوس المواعين .. وهاي من عندي جم دينار  فوكَه عن الحلال والحرام... وهسه أتفضل روح  ويه الهانم مع ألف سلامه...

خرج مظلوم يسير خلف غنوده والمفوض الذي أوصلها إلى باب المركز حيث تجمع أهل مظلوم وجيرانه بانتظار مقابلته منذ فجر اليوم .. جالبين له معهم الأكل الملابس والفواكه والسكائر ... مع أم مطشر ومطشر  وأبو صيريه العربنچي، وعارف البايسكلچي، وأبو فاطمه البقال وآخرين من نساء ورجال... تحملوا الكثير من الاهانات والكلمات البذيئة  والطرد من الشرطة وهم يتوسلونهم لإرسال حاجياتهم لابو مطشر دون جدوى...

((أي بمظلوم هاي تاليتك تشفعلك مره  عد الحكومه وتطلعك من السجن / هاي ألردته بالولايه/ ولكم مو احنه اچينه دخاله على أبو ألفقره أبو الحسن والحسين ، هيچي اتسون بينه / شردنه من حبس الملاليچ وقرابيچ عبيدهم  طحنه بحبوس الحكومه وقرابيچ شرطته ، والله أنعل أبو هل الوكت الطايح حظه"

ثم يرد على تساؤلاته"ولك عمي تستحمد ربك وشكره .. ولك يمكن بخت العلويه هتفلك غنوده وطلعتك من الطاموره"

احتشد أهل المحلة بباب المركز مستبشرين بإطلالة أبو مطشر  وإطلاق سراحه من الحبس ... لم ينتبه   ((أبو مطشر)) حتى قطعت عليه غنوده  استرساله  بأفكاره حين  أمسكته من كتفه قائلة:-

أبو مطشر هاك هل الچم دينار دبر بيهن حالك وعيالك / وهسه روح ويه ناسك وباچر امن الصبح أريدك تمر عليه الي وياك شغل مهم... الله وياك

فتح لها السائق باب السيارة التي كانت تنتظرها في باب المركز ... ودعها  أبو مطشر بارتباك شديد وهو يلاحظ نظرات أم مطشر والجيران ....

استقبله الجيران بلاحضان مباركين له خروجه من السجن وخلاصه من التهمة الباطلة الخطيرة ... اركبوه مع أم مطشر ومطشر في ربل أبو ((صبريه)) ليأخذه الي دارهم ، أما هم فقد استأجروا ((ربلات )) أخرى  ولحقوه ... ليكملوا معه بقيت النهار  وسط الفرح والزغاريد  وتناول وجبات الطعام المعدة من قبل نساء المحلة  للاحتفاء يابو مطشر......

بعد إن انفض جمع الجيران واختلى بأم ((مطشر)) بحبيبته ((حياة)) سألها عما يقلقها  ويجعلها حزينة    بدلا أن تكون فرحة ومستبشرة بمثل هذا اليوم... فاضت عينيها بالدموع المشبعة بالكحل وقد أسندت رأسها على كتفه منعشة  روحه  برائحة الحناء التي  كانت قد خضبت  ضفائر  حية  التي  تشاكس  مكوراتها  ...  لاثما شفتيها  التي أضفى عليها ((الديرم)) سحرا  شهيا عذبا... مما جعله يستذكر ايام عشقهما   الأولى  ولقاءاتهما   السرية بين ثنايا   النخيل  وشتلات العنبر وو... يتذكرها حين كانت  ترأس ((الشدة)) للحديثات ((المنيسنچيات)) وهن  محتزمات بأحزمة  منسوجة  بخيوط الصوف الملونة  ، ويرددن أناشيد  الحصاد  الجماعية  لبث  روح العمل  والتواصل بين الفلاحين  والعاملات لنقل أكداس المحصول  الي البيدر حيث تتم دراسته بواسطة  دوران الحمير  فوقه... كانت  جذابة القوام  ساحرة الصوت ذات قابلية لقول الشعر الغنائي  وإسماعه  إياه عن بعد ....

دموعها أعادت إليه  وعيه مسح دموعها بطارف يشماغه ... قبلها  بلهفة  وشوق قائلا:-

((حياة)) حبيبه شلون تبچين ومظلوم موجود،  انه او مطشر  من يبچي حياة وانته عايش ... گليلي أم مطشر شنهو القضيه تره بعد ما استحمل أكثر...؟؟؟

والله يبو ((مطشر)) شگول .. وصلنه خبر اليوم الصبح يگول ابن عمك ((جسام)) كتل واحد من آل ((رطلان)) تعاركوا عله الماي .. وهسه  آل ((رطان)) يدوون عليكم حتى ياخذون ثارهم  ولهسه ما اخذو منهم((عطوه)) .... والله يبو مطشر مدري منين تلايمت علينه المصايب / مدري شمسوين ... اشو لا  چاتلينه سيد ولا گاطعين الصوم ولا الصلاه  ...

هاي هم اله حلال يم مطشر .... تعالي تعالي  يلحبيبه ... لثم  فمها كعطشان  ليروي غليله من شهد حبيبته  ... التصق جسميهما  توغلت  نتوءاته في أعماق منحدراتها ووداينها  باذخة الدفء والعذوبة  والسحر ... تهامسا تلامسا  تلابسا  تأججت نيران الحب والغرام  فاضت ينابيع الرغبة والهيام تفجرت براكين  العشق ... وهكذا  كان الحال حتى  بانت تباشير الفجر  ... حين غطى في نوم  عميق... لم يستيقظا إلا على صوت مطشر  وقد جلب خبز ((البربر)) الحار من الخباز ...نهض  مظلوم  غسل قدر اللبلبي وضع فيه الماء  واضعا إياه فيما يسمى بالحمام  استتر بقطعة القماش  على الباب لييغتسل من يوم العمل والسجن وعرق  الغرام...

خرج منتعشا  اقبل على إفطاره  من البيض والخبز والشاي ... ارتدى ملابسه المعطرة برائحة صابونة اللوكس والجمال المخبأة بين طياتها في صندوق أم مطشر  ... وضع بشته  أبو نص ربع على أكتافه  ، وضع في يد أم مطشر  بعضا مما حصل عليه من المال من المفوض ومن  غنوده ... وأبقى الباقي في جيبه تحسبا للطوارئ ... فبدى  باهر الأناقة والفتوة ... تنظره ((حياة )) بانبهار وإعجاب داعية ربها أن يحفظه من ((الهافي والمتعافي)) ومن عيون ((الطامعات والحاسدات))... قبلها  قبلة خجلة بمرآي  مطشر ... وعدا أيها أن يجلب لها الرمان الذي طلبته  فهي  لازالت تتوحم  بمولودهما المرتقب....

خرج من الدار وهو بأبهى مظهر ،  سفكت الماء ((حياة)) خلفه من باب الدار ، سلك طريقا متعرجا صوب بيت ((غنوده) قائلا مع نف " الزلم ما تنحجر دير بالك بمظلوم   وامشي بغير الطريج  ما كل يوم" بعد أن استطاع  أن يقنع  أم ((مطشر )) بصعوبة بعدم الذهاب معه للتشكر من ((غنوده)) بنت الحلال التي وقفت الي جانبه وأخرجته من السجن ، واعدا إياها مظلوم بأنه  سيطحبها  لزيارة العلوية ((شوعيه))  ليوفيا بنذرهما جزاء  إطلاق سراحه ...

طرق باب ((غنوده)) فاتاه صوتها غنجا وهي تفتح الباب :-أتفضل عيني أتفضل ((شياع)) من ح لهل الطول الحلو...

وقف ((مظلوم)) مترددا ...دو أنها على موعد مع شخص آخر  اسمه ((شياع)) وان دخوله كان خطأً ، وقفها

-    ((غنوده)) عيني يمكن آني جاي بالغل ، أنه موشياع ، انه مظلوم ، حاول أن يستدير ليعود أدراجه ... ولكنها  مسه من ذراعه بقوة ، رمت بجسدها البض عيه ، جسدها الذي كان يشع دفئا وينث عطرا ، لثمته برشقة من القبل الحرى ... ارتخت مفاصله وأصابه الخدر ..لك عيني هاي شبيك انته مزاجك حامي ... هاي غلطة لسان/ انته شكَد غوار .. فوت يمعود  دفوت ، دفعته امامها وهي مبهورة بحسن قوامه وجمال هندامه وفتوته الطاغية...

-    جلسا في غرفة الاستقبال الفارهة وثيرة الفراش والرياش ، المزينة بالثريات الكريستال التي لم يشهد مظلوم مثلها إلا في   أضرحة الأولياء

أجلسته خلف منضدة معدة مسبقا ، تغط بأنواع الفواكه وأنواع الكرزات وقناني الويسكي الانكليزي الفاخر،  ومكعبات الثلج  وووو

نزع ((أبو مطشر )) بشته وعقاله ويشماغه ، مطيلا النظر فيما حوله وأمامه ... .. خرجت غنوده من غرفة نومها بأكمل زينتها لا يسترها إلا ((اتك)) من الحرير الشفاف تعاركه مكوراتها المتفجرة شهوة  من  الأمام  والخلف ومن الجوانب ،  وصدر كبياض الحليب ونعومة الحرير ، عطر فواح ، شعر ذهبي  يشاكس وركيها، ملأت كاسين  بالزبيب  الانكليزي كما تقول ، تتراقص فيه مكعبات الثلج ،جلست في حضن مظلوم  سقته بيدها ودعته ليرويها بالكأس الثاني ، لم يرفعا أيديهما حتى  افرغا الكاسين في جوفيهما ، ارتشف مزته من شفتيها المكتنزتين، تأججت الرغبة ، وحلاوة العناق ، أحس بما يشبه التيار الكهربائي يسري في جسده من ملامسة  راسي لنهدي النافرين لصدره   الذي  فكت أزراره  غنوده ، انتصب  شراع زورقه بفعل الحرارة الفوارة تزيده نارا اشتعالا تأوهاتها وحركتها الرحوية الطاحنة في حضنه... توالت الكؤوس والسكائر الروثمان وحبات الفستق والقبل الماصة الراصة .. حتى كادت  أن تحطم الأنهار سدوها والبحيرات ضفافها... اضطجعا على سجاد   ارتفعت الشرعة البيضاء فاتحة ينابيع   الرغبة ، فكان لتحام عاصفا ، اغقلت كل الفتحات قطعت كل الاتصالات  بالعالم الخارجي ، فار تنور الشهوة تدحرجت الأقداح ، ، صاحت الديكة، طارت الطيور ،اقتلعت السدود،  زمجرت الرعود / أمطرت السماء ... حين بلغ المد منتهاه ... اغرق الزبد سدود الجسد ... هدأت العاصفة وتراخت  المجاديف وأنزلت الأشرعة...نهضت حورية البحر وعيونها لازالت  تومض بالرغبة والشبق  العارم ... أطبقت شفتيها على شفتيه ... وهي ترتجف  مكللة إياه بغابة شعرها المعطر مفجراً براكين الرغبة..

ولك عيني ((اشياع )) ما اشبع منك ... مـا اشبــع ما اشبع أنتفض مظلوم كالملدوغ ، انقلبت غنوده على قفاها ، تدحرجت الكؤوس وتناثرت حبات الفستق والفواكه  وكريات الثلج على طول وعرض الغرفة... ذهب الخدر  عادت صحوته وانتباهه  استقامة قامته  حال سماعه لكلمة شياع ... هم بلبس ملابسه  وهو يرتجف غضبا... حاول أن يصفعها لولا إن أمسكت بذراعه بكل قوتها وأمطرته بوابل من القبل .. ودغدغت مواطن ضعفه ... حاصرت منخفضاته بمرتفعاتها اللدنة ... فاح العطر من ثناياها ...

-    لك عيني هاي شبيك ... هي حجايه وطفرت عله لساني ....

اسمعي ((غنوده)) آني بعد ما اكعد ولا دقيقه وحده إلا  ما اعرف شنهو سالفتچ ويه ((شياع))  وشنهو علاقتچ وياه...

-    زين عيني زين / ناولته كأسا مترعا ، أفرغها في جوفه مرة واحدة عسى أن تطفأ نيران غضبه وغيرته الطافحة ... أشعلت له سيكارة ولها الأخرى ثم أخذت تقص عليه حكاية شياع :-

-    " أنا غنوده غجرية الأصل ولا تربطني بمعيوف أية رابطة ، لم أكن اهتم إلا بالرقص والغناء والتنقل بين أحضان الرجال ، طلبا للمال، وهذا هو حال كل الغجر، كأننا آلات  لا تعرف الحب ولا الغرام ولا  كرامة للجسد الذي هو بضاعتنا الرئيسة ، وكذلك كان حالي إلى أن جاء ((للفريج)) شاب عليه علامات العز والترف والثقافة وجمال المظهر، كان صوته شجيا وغناءه معبرا، مشبع بالإنسانية والصدق  والجرأة ، يعامل الكل بلطافة وحلاوة  واحترام ، لم يستجدي عطف احد ، ولم يكن مبتذلا رخيص المشاعر كغيره من زبائننا/ كنا نسمع منه كلاما لم نسمعه من احد قبله ، في معنى الحب والحياة  ، الحرية والانعتاق ، تحرر الروح والجسد من عبودية المال ... وبمرور الأيام غزى قلبي وهيمن على كل مشاعري فلم اعد استأنس حديث ولا مجلسة أحدا غيره، ولا احضر حفلات الرقص والغناء إلا بحضوره، لم اسأله منه هو ولا من أين أتى ولا عن سبب  مجيئه للفريج  ، وماذا كان يكتب ويرسم  ،   أحسه كالعطر اخشي أن يتبخر ويتطاير حال فتح غطاء قنينته ،  أصبحت اسكر بصوته وجمال روحه ومظهره ... صار محط أنظار كل الغجريات وحتى الوافد ات  المؤقتات ... قبل ظهوره في حياتي كنت محظية إقطاعي كبير وشيخ عشيرة مشهور يدعى الشيخ ((عربيد)) الذي اخذ يتضايق  ويغار كثيرا من ((شياع)) بعد  أن عجز عن منعي من مجالسته  رغم ما بذل من مال  وهدايا  ثمينة ...استحوذ ((شياع )) على قلوب اغلب  غجر الفريج من النساء والرجال... وذات ليلة  مشئومة بلغ بعربيد السكر والغيرة والغضب مداه   لأني لم استجب لدعوته  ولم احضر مجلسه  ... فما كان منه إلا أن يصوب نيران مسدسه الي راس ((شياع)) مفرغا  شاجورا كاملا  برأسه  ... فتناثرت عظام جمجمته  في الخيمة ..... ... مما جن جنوني فهجمت عليه في الحال وبصقت في وجهه وأسقطت عقاله .. مع وابل من السب والشتم ، كدت أطبق  على رقبته وخنقه لولا تدخل حمايته من العبيد اللذين أوجعوني ضربا  وخلصوه من يدي.. كاد أن يقتلني لو  لم يكن شاجور مسدسه فارغا من العتاد، وتدخل عائلتي  وتوسلاتهم بالشيخ وحاشيته للعفو عني.. حضرت الشرطة الفريج اجروا تحقيقا شكليا واخبروا الشيخ إن ((شياع)) شيوعي خطير  هارب من احد السجون  ، وهو لم يزل مطلوبا للحكومة ... استغل ((عربيد))  هذه الخبرية  وشهد له الشهود  من عبيده ، بأنه كشف أمره وأراد أن يسلمه للسلطات ولكنه  حاول قتله مما  اجبره للدفاع عن نفسه وقتله .... سجل لأمر دفاعا عن النفس .....

-    بعد الذي حصل  لم تفارقني صورة ((شياع)) فعزفت عن الرقص والغناء وأهملت نفسي ، بلغ مني القرف حدا لم اعد أطيق ((الفريج)) فقررت الهرب  للمدينة .. فذهبت لمتجر  ((معيوف))  الذي كان يتررد علينا  ويتودد لي ويقدم العروض المغرية لمرافقته للمدينة دون جدوى... لم يصدق معيوف نفسه حين أخبرته باني قد قررت أن أعيش معه وهجرت ((الفريج)) نهائيا.. فأصبحت  محضيته   لأكثر من سنتين مضت .. احيي حفلاته وسهراته مع كبار المسؤولين والتجار اللذين يظهرون في الليل ويتوارون في النهار.. الباشا  ،المدير العام ،والوجيه، والمرجع ووو أفندية  ولباس عربي و عمائم وكشايد ووو... أذلاء تتحكم بهم غرائزهم، متهتكين شواذ  خلاف ما يتظاهرون به من  الرفعة والعفة والوقار خلال  النهار....

-    هذه حكايتي مع شياع يا ((أبو مطشر)) إما علاقته بك فمنذ إن شاهدتك لأول مرة خلف  العريانة وسمعت صوتك ن أعدتني الي صورة ((شياع)) سبحان الخالق الصانع .. الطول الشكل الصوت الشارب ، الفتوة....

-    لا كن تريد ألصدگ ... شياع  كان حچه مدري منين يجيب السوالف .. يگولون الشوعيه ناس مرفوع عنهم الحجاب  يقرون الماضي والحاضر والمستقبل ... دار راسي خلاني أشوف الدنيه بغير شكل ... ... صرت ما راضيه على عيشتي ....))

-    كانت ((غنوده)) تتحدث والدموع المشبعة بالكحل تسيل مدرارا ... السيكارة لا تفارق فمها ... كان مظلوم ينصت بانتباه شديد لما ترويه له  من قصة حب مؤلمة وحزينة لاستطيع ان  يفهمها إلا من عاش نار الحب وألم الفراق... هدأت أعصابه وشعر بالتعاطف مع ((غنوده)) معجبا بوفائها لحبيبها المغدور...مسح دموعها براحته واضعا رأسها في حضنه متحسسا أنفاسها وضربات قلبها الصادقة .....

-    عمل لها وله كاسين من ((الزبيب)) قبلها  وسقاها بيده ، عادت نيران الحب تدب في جسديهما ، تدانت الأعضاء ورميت الكؤوس ، تداخل الجسدان  ، غابا عن الوعي بفعل نيران الهوى ... فاضت ينابيع الرغبة ، نهضت غنوده وهي ممتلئة بالنشوة ورائحة الشبق الفياض ...

-    عيني أبو ((مطشر)) خلينه هسه نتغده ، وآني محضرتلك شلون سمچه تلوگ لهل الحلگ...

-    انتقلوا لغرفة  الطعام ... كانت السفرة تغص بأنواع المأكولات والعصائر والمقبلات وسمك القطان المحشي من العيار الثقيل ..اقبلا على الأكل بشهية كبيرة  مصحوبا  بكؤوس من  الويسكي الفاخر المخفف بعصائر البرتقال والرمان  والتفاح .....

-    " ولك شنهو هل النعمة ي ((بمظلوم)) ولك انته أبو زريده ما شبعان ، ومن التمر ألزاهدي  ،مو كگطان أبو حگتين ... وهذا هذا الشربت الينغمش الروح ويفتح العيون ويطرد المستحه ... ولكم وين انه بچنه .. حوريه وطعام ملوك وفواكه ما بعد عايزه غير الفروخ المخلدين وآني  ما أحب الفروخ برد حيلهم....

-    تلاحظ غنوده شروده واندهاشه مما هو فيه ن فتعيده إليها بقبلة ومداعبة...

-    - هاي وين عيني ... وين رحت أبو مطشر ... نحن هنا .. ما أريدك تروح الي أي مكان وانته يمي ... حبيبي أموت عليك .....

-    ما إن أكملوا غذائهم وشربوا أقداح الشاي المهيل ... وتبادل سكائر الروثمان المذهب " ولك هاي مو جكاير هاي دهن حر ، ولك مظلوم وين لاجيه أبو المزبن"

-    سحبته غنوده إليها .. دخلا الحمام الذي لم يحلم بمثله ((مظلوم))... أنواع الصوابين والشامبوات والعطور.. دلكته ودلكها . تبادلا نوبات من الحب .. تفتحت صنابير الرغبة ،كصنابير الماء الدافق من حنفيات الحمام المزين بالصور الداعرة والمرايا وووو..

-    رمت إليه بأنواع من المناشف المعطرة لم تراها عيونه ولا حلمت بها نفسه .....ولك شنهو آني بحلم  بعلم  ولكم شنهو  هاي  الوادم وين احنه وين ....؟؟؟؟؟

-    أعاد إليه الحمام توازنه .. متذكرا انه يجب أن يذهب  للقاء الاسطه ((نوماس)) النجار شقيق أستاذ منير ... ارتدى ملابسه على عجل .. وضع في كل جيب من جيوبه   علبة سكائر ... معتذرا لغنوده لعدم قدرته على العمل  حدقجي  او مسوكجي  عندهم كما اقترحت عليه  غنوده... استأذنها ودعته بسيل من القبل  .. على أن لا يكون اللقاء الأخير...

-    توجه نحو محل نجاريه ((نوماس)) وجده على وشك غلق المحل والتوجه لداره، رحب به  كثيرا ، مباركا له  سلامته وتمتعه بحريته ... داعيا الذهاب معه للبيت ، فوافق على الطلب

-    أي والله لا باس لان آني عندي حچي هواي أريد اسولفه  لك ..

-    أهلا وسهلا أبو مطشر واني مشتاق جدا لشوفتك ولسوالفك  وابوذياتك الحلوه..

-    بعد أن قدم له مراسيم الضيافة الماء البارد والشاي ... اخرج مظلوم علبة سجائر ((الروثمان)) وقدم لتوماس واحدة ووضع الثانية في فمه ... فالتفت إليه نوماس

-    ها أبو مطشر  أمورك صايره بالعالي مثل  ما نكول صاير ((برجوازي)) تدخن روثمان .....

-    أي والله اسطه نوماس عمي هاي الجوازيه   تخبل ، عمي هاي سلطنه اشمواچيل  اشمشاريب  اشروايح .. عمي خليه سكته ينوماس ... خويه تگول مو غنوده،  لابويه سلطانه ...

-    بالعافيه عليك أبو ((مطشر)) عسانه بختك .. كون كل الينحبس هچي يسووله چان الوادم كله راحت للحبس...

-    ضحك الاثنان  وتبادلا الأحاديث  الحميمة دون تكلف ...

-    نعم أبو ((مطشر)) كلت عندك سوالف تفضل

-    ثبت مظلوم مجلسه على بساط الغرفة ، ولع سيكارة ثانية واضعا علبة الروثمان أمام البسطة ثم قال:-

-    اسطه  آنه  أمر هل الأيام بوضع غير ا آمن فقد قتل ابن عمي شخصا من آل  رطان وهذوله يطالبون بثار ابنهم ، مما يستدعي أن نتوارى عن الأنظار في هذه  الفترة لحين اخذ((عطوة)) من  آل ((رطان)) وعليه أصبح متعذرا عليه الاستمرار في عملي وبيع ((اللبلبي)) في شوارع المدينة ، لذلك قررت إن أعيد لكم ((العربانه)) لأنها ملكا لكم يعني ((حلالكم رد لكم)).

-    هذا الموضوع الأول إما الموضوع الثاني ، أريد  أن يتم إخبار الأستاذ  ((منير)) وضعي عسى أن يجد لي عملا  بعيدا عن المدينة...

-    قال اسطه نوماس :-

-    أبو مطشر انته صرت واحد من عدنه ، وليصير عليك أيصير علينه ، وأستاذ منير وصانه ببك ، لكن اهو الآن مختفي لان الحكومة تاهمته بتوزيع المناشير اللي انته انحبست بسببه ...

-    بالنسبه للعربانه  فاني اقترح عليك تبيعه وتستفاد من فلوسه لمن يجي الفرج...

-    ضرب أبو مطشر يدا بيد مولعا سيكارة جديدة قائلا:-

-    (( اسطه نوماس)) العربانه لا يمكنني  بيعها ، كما لا استطيع أن أبيع ((مطشر)) ، هي مصدر رزقي وعيشي وأصبحت جزءا من حياتي وحياة أطفالي، نحن في الريف العراقي نختلف عنكم في المدينة في عدة أمور ومنها :- إن أدواة عملنا " المنجل ، والمسحاة، المرواح والدكره ...الخ" بالإضافة للحيوانات  حتى الكلاب .. يكون لكل واحد منها اسما خاصا ، واني أتذكر ما ذا حدث لنا حين قرر  والدي بيع ((الحولي أبو غره)) ... فاقيمت في الدار مناحة للنساء والأطفال حتى والدي اخذ يبكي معنا وكأنه سيبيع واحدا منا وليس  الحولي ابوغره"

-    في حين انتم في المدينة تقتنون الحيوانات والأشياء لغرض بيعها فلا يحزنكم فراقها...

-    اظهر الاسطه تفهما وتعاطفا كاملا  مع مشاعر أبو ((مطشر)) مستذكرا ما حصل لهم حين باع  جدهم ((الجومه))  حين هجروا الريف  وارتحلوا للمدينة ...

-    بعدما طمأنه الاسطه نوماس ، ودعه على إن يزوره فور  ورود  جواب الأستاذ منير ...

-    في اليوم التالي التقى اسطه نوماس برفاقه عارضا عليهم حال صديقهم  ((مظلوم)) الذي  صار جميعهم يعرفه لأنهم شاركوا في كلفة عربانته  وعلموا بقصة سجنه ... ثم طلب منهم رأيهم  بمصير ((العربانه))

-    قال  احد الرفاق (( هسه هيه "عربانه" يو ((الطراد اوررا )) يو المدرعة ((بوتمكين)) سنعرضها بعد الثورة في المتحف  لان عربانة مظلوم ساهمت في انتصار الثورة من خلال قذائفها اللبلبية الساخنة ضد قوات الأعداء..

-    ضحك بعضهم في حين صمت البعض الأخر لصمت الرفيق ((نوماس)) الذي وجد صعوبة في وصف مشاعر ابن الريف وتعلقه بأدواته وحيواناته وتماهيه معها وما يعانيه من الم لفراقها سواء ببيعها او موتها او ضياعها ...فقرر أن يكتب بالأمر الي اللجنة الأعلى للبت في الموضوع بالإضافة للاستفسار حول إمكانية لقاء ((أبو مطشر)) بالرفيق  ((منير))...

-    بعد عدة أيام وردهم الرد الأتي:-

الرفاق الأعزاء

تحية رفاقية

بخصوص الصديق  (()) يمكن لقاءه بالرفيق ((  )) وفق خطة اتفق عليها مع  حامل الرسالة . وأما بالنسبة ((للعربانه)) يؤسفنا إنكم لم تستوعبوا بعد  فكر حزبكم بشكل جيد ، فتحن لا نأجر وسائل العمل، يمكنكم أن تعطوها لأي شخص بحاجة إليها، سنرسل لكم بعض الكراريس ذات الفائدة لتعميق وعيكم  بمثل هذه الحالات... تحياتنا ودمتم للنضال)).

ذهب اسطه نوماس لزيارة أبو مطشر ، واخبره بان أستاذ منير سيلتقيه ويتدبر أمر عمله وسكنه في بغداد ...  طلب منه إن  يعمل ولده مطشر  في ورشة النجار ليتعلم مهنة ويحصل على  أجرة  ليعيل نفسه ووالدته ويستمر في مدرسته .. فسيكون  برعايته ه  وأمه  وسيعاملهم كأحد أفراد عائلته ... عليه ن يجهز نفسه للسفر بعد يوم غد بمرافقة احد الأصدقاء كي يوصله للأستاذ ((منير)) ...

تناوب الفرح والحزن على  محيى أبو  ((مطشر)) متسائلا مع نفسه " هاولك  مظلوم  شردت من الريف  للنجف  .. وهل التشوف ولاية النجف بعد متضمك ، الدور لبغداد لهناك مره وحده ... بغداد الماشايفه بعمرك انته المشهد جا ضعت بيه ادور بغداد .. لكن  لا  انه بأمان لازال  أستاذ ((منير)) قريبا مني)).

سأله (( اسطه نوماس)) بعد أن ارتشف  شايه وولع سيكارة ((المزبن)) من يد مظلوم

ها خويه شقررت..

 والله يسطه هاي هيه والكاتبه الله يصير ، نتوكل على الله ونروح  ونشوف تاليه ويه هل الوكت ، باچر راح  اجيبلك ""مطشر" مثل ما اتفقنه .. مطشر سبع أبو العايله وراي....

ماسحا راس ولده مطشر الذي كان جالسا بجواره .. والذي أبدى حماسا للعمل مع عمه  ((نوماس)) والاستعداد لتحمل المسؤولية خلال غياب والده.....

رواية ((العربانـه)) ج1 الفصل الثالث ((السجن))

 

 انتهى الفصل الثالث  وسنوافيكم بالفصل الرابع شاكرين متابعتكم لمظلوم  وعربته سبق وان نشرنا الفصل الاول بعنوان ((العمل)) والفصل الثاني بعنوان ((المعلم))

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.