اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

ألمكتبة

مسرحيات مخـتارة// تأليف يـوسف زرا

 

مسرحيات مخـتارة// تأليف يـوسف زرا

الـقـوش

2012

 

       الإهــداء  :

إلى كل مَـن يـؤمن

أنّ الخبز والمسرح رديفان للحياة

                                    ...........  المؤلف

      

التقدمة

باسل شامايا

إن واقعنا الثقافي في حراك دائم بالرغم من الظروف القاهرة التي يشهدها الوطن خلال هذه الفترة العصيبة فقد برهنت شريحة المثقفين هذه النخبة المتميزة التي حملت لواء الثقافة في بلدتنا إنهم يتحدون الصعاب التي تحد من نشاطاتهم وإبداعاتهم وتقف حجر عثرة في طريق الانجاز فنجد مع كل ذلك دؤوبين متواصلين لا يثنيهم شيء عن العطاء بل نراهم ماضين في تحقيق هدفهم السامي رافدين ثقافتنا بنتاجات جديدة وإغنائها محلياً بشكل خاص وعراقيا ً بشكل عام ... ويستمر زورق إبداعهم قويا صلدا ً لا يتهاوى متحديا ً تلك الرياح العاتية التي تعصف به بين فترة وأخرى محملا ً بأولئك المبدعين الذين نذروا أنفسهم للثقافة فتجاهلوا الأزمات والعثرات وولجوا إليها متسلحين بالعزم والإصرار ومحملين بعصارات الفكر والإصرار. إن الكتابة هي جزء لا يتجزأ من الثقافة ، كيان متطور تعرف عليه الإنسان منذ سنين طويلة وبعد تطوره تطورت معه الكتابة ، واليوم باتت مرآة تجسد وتعكس واقع الحياة بكل تفاصيلها وتداعياتها ممزوجة بشيء من الفانتازيا والخيال لتكون مستساغة لدى القراء . إن ما قرأته وأطلعت عليه من جهد فكري للكاتب يوسف زرا على صفحات كتابه الأخير الذي يحمل عنوان (مختارات مسرحية) هذه المجموعة المتواضعة حجماً والغنية بمحتوى خطاب عقلي بلغة تتسم بالوضوح دون ضبابية، انه نتاج جهد مبذول ليقدم للغالبية من شرائح مجتمعنا العراقي وبالأخص أولئك الذين عانوا من قساوة الواقع المرير الذي أفرزته لهم السنون الغابرة. انه يحتوي على سبع مسرحيات تم توظيفها من قبل الكاتب لينقل بأمانة ومن خلالها ما يتحسسه الإنسان من هموم ومعاناة ... إنها صورة لغوية تأخذ شكلها النهائي حينما يستثمرها المخرج وبرؤى متنوعة لتؤدى على خشبة المسرح وبواسطة عناصر التجسيد (الممثلون) ليتلقاها المتلقي المتابع لأحداثها المشوقة.. وامتازت من هذه المختارات السبع ما عرضت على خشبة المسرح في بغداد وشاركت فيها ممثلا ً ولاقت استحسان الجمهور منها مسرحية (التضحية) التي أوغل الكاتب بأحداثها إلى أعماق التاريخ وكذلك مسرحية (الغربة) التي تناولت بقيمتها موضوع الهجرة هذه الظاهرة الاجتماعية الخطيرة التي طغت على سطح الواقع بشكل غير طبيعي والتي كان يفرضها الآباء على أبنائهم بالإكراه وهذا ما حدث في مسرحية الغربة من قبل أب جشع لا يهتم بمستقبل ابنه بقدر ما يهتم بجني المال حتى وان كان ذلك على حساب تعاسة ابنه. وفي الختام لا يسعني إلا أن أقول تمنياتي الصادقة لكل من يشعل شمعة بولادة كتاب جديد يضاف إلى أرشيف الثقافة وتمنياتي بشكل خاص إلى الكاتب المبدع يوسف زرا والى المزيد من النجاح والتألق في انجازاته وعطاءاته لإغناء الحركة الثقافية عموما والمسرحية خصوصا في عموم العراق.

*************************

 

المقـدمة

إذا كان التجمع البشري منذ القدم قد خلص بتركيبه الاجتماعي، نفسيا وفكريا، اقتصاديا وإداريا، سياسيا وعقائديا، بأنه وليد التناقضات الحية للمفردات اليومية الحتمية له .

فأن المسرح في كل زمان ومكان كان وسيبقى تلك المرآة العاكسة للحقيقة المطلقة لتلك المفردات الحية، كمكونات اجتماعية أساسية لقيام ذلك التجمع وتواصل تطوره والى الأبد .

وإذا كان الأديب الروسي الكبير ((مكسيم غوركي)) قد قال، أعطني الخبز والمسرح وخذوا مني ما في الحياة . فانه قد عبر بكل صدق وأمانة وشفافية عن قيمة وجوهر المسرح في مسيرة الإنسان الطويلة .

وإذا كنت قد كتبت قرابة عشرة نصوص مسرحية قبل حوالي أكثر من عشرين سنة. فأنها في نظري تمثل جزءاً بسيطا من تفاعلات بيئة ذلك التجمع الرومانسية والتراجيدية كمسرح جاد .

المؤلف

 

1  -  الكـنـز

الكنز :- مسرحية اجتماعية شعبية تدور أحداثها في بلدة قديمة، تتحكم فيها بعض الروايات والمعتقدات 1ذذلكثير من الأساطير الاجتماعية ذات العمق التاريخي المتداول بين العوائل والأفراد، مترجمة من أصل نص لي باللغة السريانية ، كتبت عام 1998 في بغداد .

وان كلمة الكنز تعني حسبما تروي الرواية والتي تقول فيها، إن كثيراً من الدور القديمة والتي حالت إلى خرائب وإطلال، يوجد فيها ثروة مادية ثمينة مطمورة تحت أرضية بعضها. وان هذا الكنز غير معلوم مكوناته المادية، قد تكون قطعا ذهبية أو فضية أو نقود معدنية لأزمنة غابرة من تاريخ البلدة. والتي غالبا ما هجرها غالبية سكانها لسبب الاعتداءات المستمرة عليهم من قبل أقوام غريبة عن المنطقة، وطمرت تحت أرضية غرفة أو دهليز مظلم فيها .

وان هذه الأسطورة تقول إن كثيرا من هذه الكنوز مجهولة الموقع وليس من السهل العثور عليها. بل تبقى مدفونة تحت أنقاض بعض الخرائب مدة طويلة لحين قد يتنبأ احدهم من أهل القرية بأن تكون من نصيب رجل بأوصاف معينة، وحتى أحيانا تسمى باسمه ومن سلالة نفس العائلة للدار القديمة .

وهكذا تدور الأحداث في هذه المسرحية إلى أن تحلم امرأة حلما بهذا المفهوم، ويكون احد الكنوز من نصيب شاب باسم ( ﮔليانا – أي جليل ) وشابة باسم (يوما) أي ( شمس ). ومغزى المسرحية يفضي بتحويل الكنز من مادي زائل إلى إنساني معنوي خالد غير قابل لتغيير قيمته وثمنه ...

 

 أبطال المسرحـية  :

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1-   مريم        ....      امرأة عجوز صاحبة الحلم

2-   سـليمان      ....     شماس مفسر الحلم

3-   حـنا الحائك   ....    صاحب الجومة – آلة الحياكة القديمة

4-   سـميرة     ....       طفلة حفيدة سليمان

5-   أسوما      ....       زوجة حنا الحائك

6-   بـطرس      ....     احد الجيران

7-   شـمس      ....      بطلة القصة – ( مظلومة لاحقا )

8-   يوسف       ....     مختار القرية

9-   رفـقة        ....      بنت عانس

10-  اسـطيفو     ....     شقيقها الأول

11-  الـياس       ....     شقيقها الثاني

12-  اسحق        ....    ابن عم حنا الحائك

13-  يورا        ....      ابن شماس كوركيس ، يتقدم لخطبة شمس 

14-  جـليـل ( ﮔليانا ) .... ابن اسحق

 

                  =======================

الفصل الأول

المشهد الأول :

سليمان: رجل كبير السن، يظهر على المسرح جالسا على أريكة خشبية قديمة

          وبيده كتاب تاريخي يقرأ فيه ويقول آباؤنا كانوا يتحدثون بينهم بان

          قريتنا كانت غنية جدا قياسا لقرى أخرى صغيرة في المنطقة وفقيرة.

          كل عائلة كانت تملك زوجا من البغال مع فرس كحيل .

سميرة : طفلة بعمر عشر سنوات قابعة على كرسي صغير قرب جدها سليمان 

          تقول :- جدي ( سليمان )... ماذا تعني إن قريتنا كانت غنية جدا ؟

سليمان: يا بنتي .. كان أهلها جميعهم فلاحين كبار ويملكون من المال الكثير.

سميرة : إذن لماذا غالبية دورها قديمة وقسم منها خرائب ؟

سليمان: يهز رأسه ... ماذا أقول يا ابنتي ... كثيرا ما اعتدي عليها من قبل

          أقوام غريبة عن المنطقة ....

سميرة : كيف يأتون من مناطق بعيدة ويعتدون على قريتنا .... ولماذا ؟

سليمان: إي بنتي إي ( مع شهقة عميقة وطويلة ) بسبب آبائنا والى هذا اليوم

          كانوا يرفضون أن يحنوا رأسهم أمام المعتدي والظالم .

سميرة : جدي بيوت جديدة بنيت خارج القرية.

سليمان: كيف لا والقرية تتوسع وتعج بالشباب والشابات يوما بعد يوم

سميرة : ولماذا لا يبنون فوق الخرائب والبيوت القديمة ؟

سليمان: يا بنتي ... بعض الخرائب والبيوت القديمة أهلها ماتوا وبعضهم

          هاجروها إلى قرى من زمان ... يتوقف قليلا ويهز برأسه ويقال إن

          بعض الخرائب والبيوت القديمة يوجد كنوز

سميرة : جدي ... ما هي الكنوز ؟

سليمان: يا بنتي عندما كان الغرباء يهجمون على قريتنا ... كان أهلها يخفون

          ما لديهم من الحلي الذهبية والفضية ومن النقود المعدنية تحت أرضية

          زاوية معينة من غرفة ما لكل بيت

سميرة : متى كان يخرجون هذه الحلي جدي ؟

سليمان:الذي يعود بعد فترة طويلة إلى القرية يبحث عن ماله المدفون ويخرجه

سميرة : جدي .... إذا حفرنا تحت دار ما قديمة هل نعثر على شيء ؟

سليمان: أناس كثيرون حفروا في بعض الخرائب وعثروا على بستوكة فخارية

          أو سطلة نحاسية فيها الكثير من هذه الكنوز .

مريم   : امرأة عجوز تدخل فجأة وتقول :-

          السلام عليك يا شماس سليمان

سليمان: أهلا بجارتنا مريم .. ادخلي .. ادخلي واجلسي

مريم   : أخي .. جئت لتفسر لي حلما عجيبا حلمت به ليلة أمس

سليمان: أي حلم يا مريم ... ما أكثر أحلامك العجيبة دائما .. تكلمي

مريم   : حلمت بالعثور على خزينة من المال تحت دار ( آل بطرس رئيس )

سليمان: وما هي الخزينة التي عثروا عليها ؟

مريم   : جمع كبير من أهالي القرية كان هناك ... قالوا ... هوى سقف غرفة

          قديمة فوق رأس شاب من القرية كان هناك

سليمان: هوى سقف ... وثم ماذا ... ؟

مريم   : نعم وأثناء محاولة رفع الأنقاض لإنقاذ الشاب المذكور عثروا على

          سطلة نحاسية مغلقة مملؤة بقطع من الحلي الذهبية والفضية ونقود

          معدنية بعد فتحها .

سليمان: يا مريم ... حقا حلمك عجيب ... يمكن أن يحدث شيء كبير في

         القرية. مد يده إلى دولاب خشبي صغير بقربه وتناول كتابا ً قديما منها  

         .. وبدأ يقلب بأوراقه .. إي مريم إي .. حدث كبير سيحدث في القرية

         بعد فترة قصيرة

مريم   : يا شماس... ماذا تقول (وهي في حالة قلقة) وأي حدث كبير سيحدث

          في القرية ؟

سليمان: الكنز الذي ظهر في حلمك سيكون باسم شاب قوي البنية ونظير

          الطلع ووسيم الوجه ... يتوقف بعد أن يقلب بكتابه اسمه ... اسمه ...

          يمكن سيكون جليل

مريم   : واسمه جليل ... ماذا تقول ؟

سليمان: وسطلة النحاس المملؤة بالكنز ... هي عروس جميلة وشعرها اصفر

          مثل الذهب ... ووالدها قد يكون حائكا في القرية .

مريم   : وما الجمع الكبير من أهالي القرية قرب الحادث ؟

سليمان: هم المدعوون لعرس الشاب جليل يا مريم .

سميرة : تصغي بلهفة وشوق إلى حديث الجد ومريم ... وعلامات التعجب

          تظهر على وجهها كل لحظة .

مريم   : يا شماس ... تأكد جيدا مما تقوله وتقرأه من الكتاب فرحت كثيرا ...

          الله يفرحك .

سليمان: هكذا مكتوب بالكتاب ... والدة البنت وهي صغيرة ... امرأة جميلة

          تموت بحادث في الجبل

مريم  : ما هذا يا شماس سليمان ... علامات الحزن تظهر عليها وتقول ليتني

          لم احلم بهذا الحلم .

سليمان: هكذا يفسر الكتاب حلمك ... وليس برغبتي ما قلته لك .

مريم   : تخرج متألمة جدا وتهز رأسها وتودعه ... وداعا يا شماس .

سليمان: هيا يا صغيرتي سميرة هيا ... حان موعد صلاة الرمش في الكنيسة 

           ( يسمع قرع الناقوس بالمناسبة )

                       =======================

المشهد الثاني :

حنا   : يظهر جالسا وراء الجومة ينسج قماشا صوفيا وينادي زوجته :

     ــ  أسوما .. أسوما .. أين يمامتي .. لا لا هي كالقبج وأجمل ... قامتها  

        طويلة ورشيقة .. ووجهها كالبدر المضيء .. شعرها اصفر مثل الذهب

       ... ثم ينادي بصوت عالي أسوما ... أسوما .

أسوما : حنا ... حنا أنا قادمة ... كنت انسق خيوط النسج .

         كبوبات بالدولاب الدوار للنسيج الجديد .

حنا   : حقا الله يحبني كثيرا وبعث هذه الزوجة لي ... تساعدني في كل شيء

        .. يتوقف قليلا ويلتفت إلى الجمهور .. أخاف امدحها كثيراً .. أخاف .

أسوما : تقترب من حنا وتسلمه بعض الغزل وتقول.. هذه خمس كبوبات غزل

       من الصوف الأبيض وثلاثة أخرى مصبوغة باللون النيلي وحسب طلبك

حنا   : شكرا شكرا أسوما ... الله يحفظك لا تتعبي كثيرا، يبتسم ويلاطفها ...

        تعالي ... تعالي اقتربي مني واسمعي ما يقوله قلبي لك .

أسوما : حنا ... إلى متى تبقى تمازحني وكأنك أمس خطبتني .

        الله رزقنا بطفلة وكأنها شمس وقمر وترفرف كالحمامة ...

حنا    : أسوما... يقترب منها بحذر... نحن لوحدنا في الدار... والنول يعمل

         ذهابا وإيابا لوحده ... ونسج قطعة القماش كلها .

أسوما : يا الله ... حنا أنا فرحة بك ... فقد أنسيتني حتى والديَّ وإخوتي وكل

        الأقارب ... ماذا تعمل أكثر من ذلك لي ...

حنا   : (صوت طفلة تبكي)..اعتقد طفلتنا شمس تبكي تفقدّيها وارضعيها قليلا.

أسوما : تحمل الطفلة وتعرضها على حنا وتقول ... انظر إلى ابنتنا كم هي

        جميلة ... اعتقد تريد أن تنام .

حنا   : حلوة وجميلة ... ويدغدغها ... حلوة مثل أمها التي حبيتها منذ اللحظة

        الأولى التي رأيتها ... يغازلها ويمد يده لخديها ها أسوما ماذا تقولين ...

أسوما : ازداد حبنا لبعضنا بعد ولادة صغيرتنا شمس ... دع حبنا غذاءً لقلبينا

         ولا تجهر به أكثر .

حنا   : ولماذا نخفي حبنا... السنا شرعا زوجا وزوجة وكل الناس تعلم بذلك؟

أسوما : دع حبنا يعيش معنا...كي لا نصاب بعيون الحاسدين وإلا حياتنا تكون

         قصيرة جدا .

حنا    : أسوما ... ماذا تقولين ... قلبي يرف ببطء وروحي انكمشت ؟

أسوما : حياتي ... أنا لا أتمكن العيش بدونك يوماً واحداً ... حنا !

حنا    : ليحسد الحاسدون ... وسوف اغني لك أغنية ... فأسمعي :-

          قـلبـي كالـنـول يـدور     ولـوجهك كل لحظة يـزور

          ولجمالك يحن ويثـور     فكيـف لا يـكــون مسـرور

          حـبنــــا دُرر وبــذور     دؤوب وفي الدرب صبور 

          حسنـك يشـع وينــور     كـقمــــر بـــدر البـــــــدور

          أليفة كأجمل الطيـور      وهادئة كالحمام والعصفور

أسوما : تشهق وتمسح دموع الفرح وتقف كالصنم وتقول حنا ... حنا الحياة بلا

          حب ... موت بعيون مفتوحة وسعادة الدنيا مطرزة بطفلتنا ... مقابل

          كل مال الدنيا .

حنا    : لا يمكنني الفراق منك دقيقة واحدة ... وطرزت بيتي بشمس الشموس

         الصغيرة.

أسوما : إنها نائمة ... اخفض صوتك قليلا ... انظر حنا انظر لوجهها كأنها

         ملاك وتبتسم لحالها .

حنا    : صدقت ... صدقت يا أسوما .

أسوما : شكرا لله الذي وهبنا هذه الطفلة ... إنها ثمرة حبنا .

حنا    : أسوما ... جهزي نفسك بعد أن تنهض شمس من نومها لنذهب إلى

         السفوح القريبة ونجني كمية من بصلة تقوية النسيج الصوفي أفضل من

         النشأ العادي .

أسوما : وأين تبقى طفلتنا ؟

حنا    : نأخذها معنا ... سوف لن نتأخر أكثر من ساعتين أو ثلاث ساعات

          وتكون في حضني .

أسوما : ماذا تقول يا حبي ... كيف اجلب شمس معنا إلى الجبل ؟

حنا    : حسناً ... ماذا تقولين ... أبقيها لدى جارنا .!؟

أسوما : سأكون قلقة عليها وأخاف أن تزعج جارنا بيت العم بطرس ؟!

حنا    : أسوما ... ليست المرة الأولى ... بيت العم بطرس يحبونها مثلنا .

أسوما : تحاول حمل الطفلة وبعض حاجاتها وتقول :-

      ــ  لتكن أمنا العذراء في حمايتك...هيا حنا كي لا نتأخر كثيرا أنت جهّز

          عدة قلع البصلة وحقيبة صغيرة ... سأرضعها قليلا ثم نرحل ...

حنا    : أسوما بعد رضاعتها خذيها إلى بيت عم بطرس ... وأنا بانتظارك

          خارج البيت ... ويخرج معه العدة المطلوبة .

                     ======================

المشهد الثالث :

          يظهر حنا مع أسوما في صعدة جبل لجني البصلة ....

أسوما : صدقني حنا ... أنا قلقة على ابنتنا ... قد يحتار بيت عم بطرس بها

          إن بكت .

حنا    : لنسرع بجني البصلة ولو بكمية قليلة كي لا نتأخر عليها ؟

أسوما : حنا ... اشعر بشلل في يدي وقلبي يدق كثيرا .

حنا    : سأكون قلقا أيضا أسوما ... كفى قلق على شمس .

أسوما : حنا ليست أول جولة لنا في هذه المنطقة ... وأنا خائفة من الحلم ...

         الذي حلمت به ليلة أمس .

حنا    : كفى ... كفى أسوما ... ستتقطع أنفاسي وتظلم الدنيا أمام عيني ... لا

          تصدقي الأحلام ؟

أسوما : قلبي ضعيف حنا ... لعل شمس تبكي ونحن بعيدون عنها !

حنا    : يحاول ان يغير الجو .... يبدأ بمغازلتها :

       ــ ها لماذا تبتعدين عني .. اقتربي اقتربي لتسمعي صوتي جيدا وأنا كي

         اسمع صوتك أيضا .  

أسوما  : حنا ... لماذا تحتك بي ... أنسيت نحن في صعدة جبل لجني البصلة ؟

حنا     : تذكري الأيام الماضية ... أسوما تذكري تذكري ؟!

أسوما  : أية أيام ... أيام ما قبل الزواج ؟

          كنت صباح كل يوم الأحد تقف في زاوية دار هرمز النجار ... تنتظر

          خروجي من الكنيسة وتتبعني وتكلمني ... أتذكر حنا أتذكر ؟؟!!

حنا    : ها أسوما ... ابتعد ممن ابتعد ... أم اقترب أكثر ؟

أسوما : أتذكر يوم قدم والداك رحمهما الله معك لخطبتي ... حنا حنا

          لن أنسى هذا اليوم حتى الموت. ترفع رأسها وتشهق شهقة الفرح

حنا    : هيا أصغي لقلبي ... هو سيخبرك بكل شيء

أسوما : ولعلمك ... لهذا فأنا محسودة من بنات المحلة كلما ذكرت اسمك

حنا    : أسوما اعلم كم تحبينني ... يدنو منها ويحاول أن يقبلها

أسوما : الله يعزك ... دعنا نحوش الأبصال ونعود للبيت بالسرعة

حنا    : حقا تقولين ... أنسى نفسي عندما أكلمك .

أسوما : آخ ... آخ حنا ... ألحقني ... أسرع شيء ما لدغني برجلي

حنا    : أسوما ... أسوما .. ماذا تقولين ... ماذا لدغك

أسوما : حنا . ها هي حية . حية ، كبيرة ( وهي ماسكة بكعب رجلها اليمنى )

حنا    : حـيّة حـيّة ( وبيده قالعة البصل الحديدية ) أين الحية أين هي ... لا 

         تتحركي ابقي عندك .. ينهال على الحية بضربة قوية ليهشم رأسها

         يرفعها من ذيلها حتى تراها أسوما, ويقول أسوما لا تخافي قتلتها قتلتها

أسوما : وهي في حالة خوف شديد وتقول :-

         حنا ... حنا خذ الحذر لا زالت تتحرك ... انتبه عزيزي كي لا تلدغك

         أنت أيضا ... حنا اشعر بشلل أصاب جسمي !!

حنا    : تعالي واتـّكي على كتفي ... لنسرع إلى القرية ؟؟

أسوما : حنا ، تيبست أطرافي وبصري ضعف ، قطرة ماء حنا ، نشف حلقي .

حنا    : يسحبها على ظهره ويقول ... فـلنتـّكل على الله ونمشي ونصل إلى

         صادق الحكيم وحالا يشفيك .

أسوما : غاب النور أمام عيني ، ونفسي كاد يتقطع وقلبي سيتوقف حنا ؟!!

حنا    : لا أسوما .. لا تقولي هكذا .. يصرخ بأعلى صوته ويحاول أن يحبس

         الدمعة في عينيه وهي على ظهره ...

أسوما : حنا ... وداعا ... وداع ..  شمس بنتنا بعهدتك وأمانة برقبتك ..

حنا    : أسوما .. أسوما .. اسودت الدنيا أمامي وهلك بيتي .!!!

         أسوما شمس بالقماط بماذا اخبرها .. هل ابشرها بوفاتك  

         أسوما .. أسوما .. ؟؟؟!!!

= = = = = = = = = = = = = =

المشهد الرابع :

يظهر حنا ممددا فوق أريكة خشبية متألما وحزين ... يدندن مع نفسه بصوت كئيب ويقول : ــ أسوما .. ها هي طفلتنا تناديك ... ماما .. ماما .. هل اخبرها برحيلك ..

  ( يتوقف قليلا ً كي يحبس دموعه ) ويقول :-

يا رب لماذا خطفت أسوما مني .. ألا تحن قليلا على هذه الطفلة التي كانت ترضع منها .

يبدأ يصرخ بشكل هستيري ...

أسوما .. أسوما .. حظي أسود أسود .. أسود ..

ثم يبدأ يغني بصوت خافت وحزين ويقول :-

هـا هـي شمس بانتـظارك       لترضع الحليب من صدرك

وصلها الخبر الغدار عنك       كــــيـف  ابـلغـها  بغـيـابـك

                     * * * * * * * * *

 يتوقف قليلا ويمسح دموعه المحبوسة .. ثم يعود يغني

 لــم  يعـد  لـلبـكاء  فـائـدة         ودمعـة من الـعـيـن شـاردة

 والأيام  تبقى  لي  جاحدة         ومظلـومـة لـلحـنـان فـاقـدة

                      * * * * * * * * *

 نـاديـتـك  أيـتهـا  الـسـمـاء        ومعك كل الرجال والنساء

 حُضني لأسوما صار فناء        هـــــلا ّ لــحــالــــي جــلاء

                      * * * * * * * * *

 أيــــن  الــخـبـر  الــبــار         أسّـــومــا  تعـود  لـلــدار

 عــرس  لـــكـل  الأعمار         ولــيـس  ســواها  خـيـار

 ثم بصوت يائس وحزين يقول :-

 وداعا ... وداعا أسوما ... وداعا ... وداعاً

 بطرس  :   احد الجيران يدخل عليه فجأة ويقول :-

              السلام عليك يا أخي حنا ... سمعت غنائك الحزين من بعيد  :

              حنا ... لا فائدة من الحزن ... إنها إرادة الله .

حنا     : ( بصوت حزين يرد السلام )

          وعليك السلام ... وأهلا بالجار بطرس ... يتوقف قليلاً ... بطرس .

          كيف لا احزن لوفاة أسوما .

بطرس : وأي خبر سمعت حنا ... ماذا تريد ان تعمل ؟

حنا     : أخي بطرس . بعد وفاة أسوما لم تعد للحياة قيمة عندي في القرية التي

          ولدت فيها . سأبتعد ... سأبتعد عنها .

بطرس : لا ... لا تقل هكذا ... نحن جميعاً حولك ... والطفلة شمس ابنتنا .

          فلن نسمح لك بخطوة واحدة خارج القرية !.

حنا     : يغلبني المستحى منكم جميعا .. لما قمتم به بوفاة أسوما.. ولكن يا أخي

          بطرس ... أصبحت حياتي في هذا البيت عذاباً وأسوما تحت التراب .

بطرس : ليكن لك الصبر والسلوان يا حنا ... انه أمر الله ولا لنا قوة ولا حول

           إلا به .

حنا     : الإنسان يولد مرة واحدة ويموت مرة واحدة . فلا قيمة لها ان أصبحت

          تافهة ... كرهت نفسي ولا يمكن البقاء هنا ..

يوسف : مختار القرية واحد شيوخها سناً يدخل فجأة ويسلم السلام عليكم .

بطرس : وعليك السلام يا ابا يعقوب ... الهل قادك إلينا في هذه اللحظة...

           وقطعت الطريق علي ...

يوسف : حنا ... ما بك ... انك رجل ... حديث يتناقله أهل القرية عنك ...

          بالرحيل عنا ليكن إيمانك بالله قويا ً أيها الرجل !.

حنا     : أهلا بعمي يوسف وأهلا بقدومك ... حقا كلكم كالآباء لي ولهذه الطفلة

         ... ولكن لم يعد بإمكاني العيش في هذا البيت.

يوسف : كلنا في عونك يا حنا ... كل بيوت القرية أمامك لا تفكر أبدا بالرحيل

          عنا خطوة واحدة.

بطرس : حنا ... اسمع ما يقوله أبو يعقوب ... كلنا أبناء هذه القرية ويجب ان

          نتحسس مصائبنا جميعا .

حنا     : شكرا لجميعكم.. لقد أقسمت بقبر أسوما لأرحل الى قرية أخرى.. كي

          أنسى ما حل بي ... ولن أنسى أحدكم .

بطرس : توكل بالله وكن مؤمنا به ... لأجل هذه الطفلة وثم لأجلك .

يوسف : الطفلة الصغيرة طفلتنا وبنتنا ... ستأتي أم يعقوب وتأخذها كإحدى

           بناتنا الصغار ولا تفكر بها أبدا ...

حنا     : عمي يوسف... لكم كل الاحترام عندي... اطلب الموت ولا العودة من

          القسم الذي قطعته لاسوما بسبب وفاتها

يوسف  : إذا أقسمت على الرحيل من القرية ... دع الطفلة عندنا حتى تكبر

بطرس : أبا يعقوب محق بقوله ... الطفلة بالقماط ولا يوجد من يعتني بها

           ويربيها ...

حنا    : كأنكم طعنتموني بخنجر مسموم في قلبي يا عمي يوسف ويا بطرس

          لن ابتعد عن القرية خطوة واحدة ومن الطفلة إنها نور عيني ونبضات

          قلبي ... لا لا يمكن ان اتركها أبدا .

يوسف : بطرس أيضا محق بذلك ولا يريد أذيتك .

بطرس : لم يسبقك احد مثلك وترك القرية وعيب علينا جميعا .

يوسف : كل أهل القرية يشاركك الأحزان ولا احد يجبرك ضد رغبتك إذن ...

          نودعك بمعونة الله ورحمته ولك الصبر والسلوان يا حنا ... والمثل

          يقول ... بعد العسر يسرٌ .

بطرس : وداعا لك يا أخي حنا ... وإن شاء الله تصل بسلام والطفلة معك .

حنا     : بعد أن يرد عليهم الو داعية ويعانقهم بحرارة ويقول :-

          وداعا لكم جميعا وبعدي عنكم ومن قريتي موت آخر لي. وداعا وداعا

          ثم يعود ويجمع بعض حاجات الطفلة وهي في حضنه وقبل أن يخطو

          خطوة واحدة . يجول ببصره في كل زاوية من البيت وزقاق وشوارع

          القرية ثم يبدأ بترتيل أبيات من الشعر ...

           وداعــا ً يــا قـريـتي            بعدي عندك حصرتي

           لبسي نسيج الجومة             رمــز لـمــوت أسّـوما

           لــن أنـاديـك بــاسـم             نـقية ٌ بالروح والجسم

           مـوتـك قـاس وظالم             لــي  ولـك  كــالــسـم 

           ودعـتِ الشمس لـي             أمـانــة  ً مـنـك  لـــي

وداعا يا يمامة السلام

 

الفصل الثاني

المشهد الأول :

الراوي : بعد موت أسوما رحل حنا إلى قرية بعيدة مع الطفلة شمس وزاول مهنة الحياكة فيها... ومنذ وصوله إلى القرية الجديدة سمى اسم ابنته شمسا باسم مظلومة... انقطعت أخباره... مرت سنين ويظهر حنا على المسرح وهو يغني بقريته القديمة وباسم زوجته أسوما وعلامات الكبر تظهر على وجهه ... ويقول : 

بـأرض غريـبةٍ وطـأت قدماي       قرية أسوما غربتها عيناي

صـوتــك ِ  فـي الـبيـد  يـنـادي       مـتى  وأيـــن  وكـيف آتـي

صوب اليمين وصوب الشمال       فلم اعثر غير عتمة الليالي

نـاديت طفـلتنا وبـقـربي تعالي       مظلومة لا جواب لــسؤالي

مضت الأيام بلا شكوى لحالي       لأجل مظلـومة  لـم  أبــالِ ِ

غرباء ولا مجيب احد لسؤالي       أين الأقارب وأ ُنس الليالي

                   وبصوت مبحوح ينادي ابنته

         يا مظلومة ... أين أنت يا أبنتي ... وماذا تعملين ؟

مظلومة: شابة ابنة خمسة عشر ربيعا ً ذات قوام طويل ورشيقة وشعر طويل

           اصفر ووجه يشع نورا .

          أبي ... بدون عمل لن يمضي النهار ... مللت عزلة البيت !

حنا     : أي بنتي أي ... لا أمنعك من العمل ...

           ينظر إليها بقلب مجروح ويشهق دون أن تسمعه ... ويسألها

      ــ : أراك ِ تخفين عني شيئاً ما ؟ ... ماذا بك ؟

مظلومة: أبي .. لا أتذكر عند مجيئنا إلى هذه القرية لأني كنت صغيرة وأحبوا

          على ركبتي ... قبل ذلك أين كنا ... ولماذا جئنا إلى هنا؟

حنا     : يا بنتي قبل خمسة عشر عاما جئنا إلى هذه القرية. وأنت كنت صغيرة

          كما قلت .. يتوقف قليلا متألما ويقول .. نصبت آلة الجوما هنا والعمل

          جيد ... قبلها ما كان أحد يسأل عن نسيجي

مظلومة: كل الغزل الرفيع وضعته جانبا على شكل كبوبات وجعلتها عشرة

          بواسطة الدولاب الدوار ( والدولاب قريب منها – ( مصربس ) ) .

حنا     : مع نفسه وبصوت خافت وحزين ...

           أسوما ... أسوما ... شاطرة وكفوءة مثلك مظلومة ...

مظلومة: أبي لم اسمع جيدا ماذا قلت ؟

حنا     : إي بنتي إي ... البركة بك ... بسرعة تعلمت انجاز كل الأعمال التي

           تخص الحياكة مثل أمك الله يرحمها.

مظلومة: أبي ... دائما تذكر أمي وعملها وجمالها ... وأنا لا أتذكر شيئا منها

حنا     : بالفعل كما قلت .. كنت صغيرة تحبين عندما جئنا إلى هذه القرية ..

           لا تهتمي ... ولا تحزني الحياة كلها كد وعمل شاق ولا راحة فيها.

مظلومة: نعم أبي ... أنا أحب العمل ... فلا تحزن أنت !.

حنا     : اعرف .. اعرف كم أنت جدية وبكل شيء .. العمل ضروري للحياة .

مظلومة: أمس أخبرتني بأنك ستنسق خيوط النسيج الجديد في بيدر العم شبيرا

          ... أأهيئ جميع العدة والخيوط ؟

حنا     : كم أناس هذه القرية طيبون ؟

مظلومة: أبي أرى لهجتهم تختلف قليلا عن لهجتنا ؟

حنا     : كلنا إخوة يا ابنتي ولغتنا واحدة وقديمة .!!

مظلومة: حقا أبي تقول ... كثيرا يحبنا أهل القرية  ؟!!

حنا     : وأيضا أنا احبك كثيرا ... لأنك شاطرة وتقابلين كفاءة حائـِك قدير .

مظلومة: كثيرا تمدحني وتجعلني خجولة من نفسي ... أنا اشتغل لبيتي .

حنا     : يا ابنتي ... لا ارغب أن تكوني حبيسة الدار ... بل اخرجي وزوري

           صديقاتك كلما لم يكن عمل ضروري لك .

مظلومة: أبي ... التقيت يوم الأحد في الكنيسة مع بعض الصديقات من عمري

           واكبر، وهن يسألونني عن والدتي وجدي وأقاربي !!

حنا     : هذا الصحيح ... ليكن لك صديقات بهذه القرية ... يتجنب ذكر الوالدة

           والجد والأقارب ... ويواصل الكلام :

           لا ارغب بان تكوني أسيرة جدران هذا البيت .

مظلومة: أبي ... هلا تقبل أن انسج بدلا عنك ... فمن صغري علمتني النسج ؟

حنا     : كم أنت ذكية وجادة في العمل ... ليت لي بابنة أخرى مثلك ؟

مظلومة: أي طلب يطلب أبي . ليت لي أخا اكبر مني معي ... لكـُنا أكثر سعادة

           تظهر عليها علامات الحزن وتحن رأسها وتقول :

       ــ  لا أخا ... ولا أختا ... ولا أما لي ... تكاد تبكي ...

حنا     : يا ابنتي.. لا تحزني السعادة ليست على الشفاه بل في القلوب فأنا سعيد

           بك ... يسمع صوت القرع على الباب الخارجي ... تفقدي بنيتي من

           الطارق على الباب ؟

مظلومة: تفتح الباب ... أبي خالة رفقة جارتنا ... تفضلي ... تفضلي أنا وأبي

           في الدار .

رفقة    : السلام أليكم ... بلكنة أثورية ... بدون أن تلفظ حرف العين .

مظلومة: أهلا ً أهلا ً بالخالة رفقة ... كيف جئت إلى بيتنا ( علامات الفرح

           عليها ) .

رفقة    : أردت أن أأتي إندكم قبل ثلاثة أيام ...

حنا     : أهلا ً ... أهلا ً بالجارة ... ومرحبا بالطفل الصغير الذي معك

رفقة    : شمؤون الصغير ابن أخي اسطيفو ... لا يفارقني دقيقة واحدة .

مظلومة: ماذا في كيسك خالة رفقة ؟

رفقة    : كم كبوبة من الغزل ... كي تنسج مئزرا ً منها لي ...

حنا     : مئزرا .. مئزرا .. صدقي جارتنا العزيزة ... أقسمت أن لا أنسج أي

           مئزر لأحد .

رفقة    : لن أرضى بأي حائك في القرية ... اُطلب ما تريد حق نسجه

حنا     : لقد تعلمت لهجة أخوتنا الاثوريين ؟

مظلومة: يا أبي ... لا تجعل خالة رفقة حائرة ... إنها جارتنا وأنسج لها

           مئزرها ... وأنا سأنسقه للنسيج وكما تريد        

حنا     : لا يمكنني رد طلب بنتي مظلومة ... يأخذ الغزل ويفحصه ... الغزل

           لا يكفي للمئزر ... ينقص كبوبة أخرى أيضا ً .

رفقة    : شكرا لك والله يحفظ هذه الشابة الجميلة وشبابك سأجلب ما طلبته من

           الغزل قريبا ً.

حنا     : غدر الزمان بي ولم يعد لشبابي معنى بعد وفاة أم مظلومة .

رفقة    : الله رهيم ... ولا بد أن يبدلها لك ... في أمان الله .

حنا     : ( بعد خروج رفقة ) يلتفت إلى مظلومة ويسألها :

       ــ  من أين تعرف هذه المرأة اسمي وتعرفك أيضا يا ابنتي ؟

مظلومة: أبي .. إنها بنت غير متزوجة وكبيرة في العمر ... ماتت أمها وبقيت

            تخدم إخوتها الصغار ورفضت أن تتزوج     

حنا      : حقا إنها ابنة أصيلة. حرمت نفسها من الزواج لأجل والدها وإخوتها

مظلومة: قامت بواجبهم حتى كبروا وتزوجوا ... ( تتوقف فجأة وعلامات

           الخجل على محياها ) ...

           أبي . أبي . أريد أن أقول لك شيءً ( تبتعد قليلا منه ) أنا استحي منك

حنا     : أبنتي ... إذا من والدك تستحين ... فلمن تبوحين بسرك ؟

           هيا هيا ... قولي ما تريدين لي ؟

مظلومة: والد رفقة توفي قبل أسبوع وإخوتها جميعهم تزوجوا وخرجوا من

           البيت ورفقة لوحدها بقيت فيه

حنا     : الله يرحم والدها كان أنسانا ً طيبا ... التقيت به عدة مرات

مظلومة: تبتسم ... رفقة لوحدها في البيت وعمرها تجاوز الثلاثين عاما .

حنا     : يا بنتي ... لا بد أن يرزقها الله بابن حلال زوجا صالحا لها

مظلومة: يا أبي ... لماذا لا نطلبها لك ... وأنا سأحسبها كأم ٍ لي .

حنا     : يا عزيزتي ... أقسمت اليمين بعد والدتك امرأة غريبة لا تدخل بيتي

مظلومة: اعتقد إن خالة رفقة قادمة ومعها الغزل المطلوب .

حنا      : لتدخل ... وخذي الغزل منها

رفقة    : السلام أليكم يا جيراننا الطيبين .

حنا     : أهلا ... أهلا ... يرحب بها وكأنه غير مهتم بمقدمها

مظلومة: أهلا وسهلا بمقدمك يا خالة رفقة ... تلتفت إلى والدها جانبا ً مئزرك ِ

           سينسجه والدي بعد ثلاثة أيام .

حنا     : بعد أن انسجه ... افحصيه إن كان يرضيك أم لا .

رفقة   : كل الناس تمدح بحياكتك ... كم هو حقك لأدفعه مقدما ولك الشكر

          والصحة والعافية ... تحاول الخروج

مظلومة: أراك مسرعة بدفع حق المئزر قبل نسجه والخروج من عندنا ...

           توقفي قليلا ً ... لي سؤال لك يا خالة رفقة

رفقة    : اسألي بنتي اسألي ؟

حنا     : يجول بنظره بين مظلومة ورفقة خلسة ً وكأن الأمر لا يعنيه

مظلومة: متى سكنتم هذه القرية ... كنت استحي أن أسالك سابقا ً

رفقة    : صدقيني .. أبي من قرية أخرى .. وأمي الله يرحمها من قرية أخرى

حنا     : يتدخل فجأة .. أيضا جئنا لهذه القرية وكان عمر مظلومة شهرين ومن

           قرية أخرى.

رفقة   : قرية والدي اسمها – رومتا – وتزوج أبي هناك وعند مجيئنا إلى هذه 

          القرية كنت صغيرة وبدأت أتكلم

حنا     : مندهشا ً ينهض من مكانه وبدون وعي يسأل بصوت عال قرية رومتا.

          رومتا ... هل أنت صادقة بقولك ؟

رفقة    : جدي كان كبير القوم في قرية رومتا، وكان يدعى مرقس ابن كيوركيس. 

حنا     : رفقا .. ينظر إليها جيداً .. ماذا تقولين .. رومتا قريتي وقرية أجدادي

رفقة    : نعم أيها الجار نعم ... والدتي اسمها مكو وإخوتها جوكا وبحو

مظلومة: أبي أراك ساكتا ومنطويا على نفسك ... لماذا لا تتكلم ؟

حنا     : يا ابنتي ... يقال إن الدم لا ينقلب إلى الماء والقرابة لا تضيع رفقة

          الجارة .. رفقة هي ابنة خالتك .. والدتها مكو وأمك أخوات .. أخوات

مظلومة: ( في حالة هيجان شديد من فرحها ) ... تعال ... تعال يا أبي

          لأحضنك وأقبلك ... ها هي والدتي ولدت من جديد بمعرفة رفقة

          ابنة خالتي مكو .. تنسحب قليلا إلى الوراء وتقترب من والدها

          وتقول ... أبي ... الله جل جلاله أرسل رفقة لي ولك

رفقة    : ما هذه البشرى ... لأسرع وأبشر إخوتي بهذه المعجزة .

حنا     : مرت سنين عديدة ونحن جيران لبعضنا ... كان أبي يذكر اسم أسوما

          صغيرة إخوتها ولم يعرف بمن تزوجت أختها الكبرى مكو .

مظلومة: ها ... ها أبي... رفقة بنت خالتي... توقفي يا ابنة خالتي ولا ترحلي

          تلتفت إلى والدها وتقول :-

          ما رأيك أبي برفقة إذا دخلت دارك ... كأن أمي قامت من القبر ...

حنا     : يا بنتي لقد أقسمت ....

مظلومة: تقاطعه .. مهلا ً أبي .. أقسمت اليمين بامرأة غريبة لا تدخل دارك،

           رفقة ليست غريبة .. تلتفت إلى رفقة وتقول ماذا تقولين ...

           أترغبين بأن تكوني أما ً لي يا بنت خالتي .

رفقة    : يسيطر عليها الخجل وترتبك ولا تقوى على الكلام حال خروجها

            صاحت :

         ــ  إذا وافق أخوتي !! إذا وافقوا !  فأنا موافقة موافقة  وداأتكم السلامة.

المشهد الثاني :

 

           تظهر مظلومة على المسرح مع والدها ورفقة معا ً

مظلومة: أبي ... حال دخول ابنة خالتي رفقة إلى بيتنا ... انبهرت كل زاوية

           به ... وكان سابقا مظلما وكئيبا ً كما اعتقد .

حنا      : يا عزيزتي ... كم قلبك طاهر ونقي ... الله أرسل رفقة لك ولي

رفقة    : تعالي يا بنتي .. من أول يوم رايتك قلبي أمتلئ فرحا ً وحبا ً لك قبل

           أن أدخل دار أبيك ...

مظلومة: هل لا تسمحا لي أن ابشر صديقاتي بهذه الفرحة الكبيرة التي حلت

           في بيتنا ... ما رأيكما ...

حنا     : اذهبي ولا تتأخرين ...

رفقة    : أريد أن أخبرك بشيء يا حنا

حنا     : كما ترغبين ... هيا ما الأمر

رفقة   : مظلومة أصبحت شابة وليس من السهل أن تمشي في أزقة وشوارع

          القرية لوحدها ...

حنا     : ثم ماذا ... ما المانع من ذلك .

رفقة   : كثير من الشباب ينادون عليها من بعيد وقريب .. فتاة حلوة وجميلة .

          وهي خجولة كثيرا ً ... فتعود للبيت مسرعة

حنا     : رفقة .. عندما بلغت مظلومة سن المراهقة .. لم تعد تخرج كثيرا من

          البيت من مستحاها إن لم تكن معي .

رفقة    : ها هي مظلومة عادت ... لا زلنا بانتظارك لتناول الغداء معا ً

مظلومة: من فرحي نسيت نفسي مع رفيقاتي ... في حديث عنكما

حنا     : ها ... ما الخبر أراك صافنة بعد لحظة من مجيئك هل احد أزعجك .

رفقة    : عزيزتي ... كنت بأشد الفرح حال عودتك ... تكلمي ما الأمر ؟

مظلومة: جميع صديقاتي يعيبون اسمي كثيرا ً ... ويسألونني ... ألم يكن

           تسميتك بغير اسم مظلومة ...

حنا     : تعالي ... تعالي يا ابنتي وأنتي رفقة أجلسا بقربي

مظلومة: ( منشرحة ) ماذا تريد أن تقول يا أبي ... قل قل ونحن نسمع

حنا     : يا ابنتي .. من يوم ولادتك .. نادتك أمك الله يرحمها باسم ( شمس ).

          لأنك حقا ً كنت كالشمس جميلة .. وقف متألما برهة .. وبعد وفاتها

         المر ّ لي ... وأنت صغيرة جئنا إلى هذه القرية وأسميتك مظلومة ...

         لأني لم أتمكن أن أنسى صوتها الحنون تناديك يا ابنتي شمس .

رفقة   : إذن من هذا اليوم أُناديك باسمك الصحيح شمس إن قبلت حنا

حنا  : مبارك اسمك الجميل شمس كما نادتك أسّوما أمك وكما قالت رفقة أيضاً

شمس  : الله يطّول عمرك يا أبي ... تعانقه بكل شوق وحنان

رفقة   : حنا ... هل تسمح بمقترح ...

حنا    : تفضلي ماذا تقترحين يا رفقة ؟

رفقة   : أي يوم يكون ونزور به قرية والدتي وخالتي ؟

حنا    : تعالي يا ابنتي شمس ... ( يقبلها من جبينها ) ... اسمعن ... اسمعن

شمس : تقاطعه ... اعتقد ستبشرنا بفرحة كبيرة جديدة يا أبي

حنا    : ها هي أعياد الميلاد ورأس السنة قادمة..ما رأيكما نقضيها هنا وبعدها

         نرحل جميعا لقرية الأعمام والخالات ورفقة معنا ؟

رفقة  : شكرا لك لهذه البشرى ... منذ ثلاثين سنة وأنا صغيرة لم أرَ أحدا

         من أقاربي

شمس : أبي ... وأنا أريد أن أقول شيئاً

حنا    : تفضلي يا بنتي

شمس : لماذا لا نسافر حالا ونقضي أيام العيد في قرية أعمامي وخالاتي

حنا    : أنت كبرت ِ وأصبحت شابة جميلة ورائعة ... كما ترغبين سنرحل

          ... سنرحل .

شمس : أبي من قال لك ذلك ؟

رفقة   : أنا عزيزتي قلت له ذلك ... ولا بد أن نقدر مرحلتك. 

حنا    : حبيبتي ... عمك اسحق له أبن وأصبح شابا وواعيا أيضا ً كما اعتقد

         وهو ينتظرك ... ماذا تقولين ؟

شمس : تنسحب جانبا ً تفرك براحتيها ... هل أزعجتكما وترغبان بزواجي

         سريعا ً ؟

حنا    : لا ... لا يا ابنتي ... حلم العجوز مريم الله يرحمها قبل ولادتك .

شمس : تقاطعه ... أي حلم أبي ؟!

حنا    : فسّر حلم العجوز مريم .. شاب ٌ طويل القامة أسمه جليل من عائلة

         بطرس من أل كيوركيس ... تكون خطيبته فتاة جميلة وأباها حائك.

رفقة  : طوبى لهذا الحلم وطوبى لك خالتي أسوما بحملك بنتا ً جميلة شمس

         هناك من يطرق على الباب كما اعتقد  ...

شمس : نفتح الباب ... وبصوت عال .. أولاد خالتي أسطيفو والياس يا آهلا ً

          وسهلا ً بهما ... كيف حدث مجيئهما عندنا ... مرحبا بهما

أسطيفو: السلام عليكم .

رفقة   : آهلا ً بإخوتي ... حنا لا تعاتبهما لانشغالهما طول النهار

اسطيفو: حنا ... صدقني ... بزواج اختنا رفقة كنا كالتائهين بهذه القرية ...

          تعرفنا لبعضنا بواسطتكم

الياس  :  كما قال أخي اسطيفو ... فرحتنا بكم كبيرة جدا ً

شمس  : لو عرفت بأنكما أولاد خالتي ... لكنت خطبت رفقة لأبي من أول يوم

حنا     : ها ... اسطيفو أصبحنا عائلة واحدة .. وسابقا ً في قرية واحدة أيضا ً

الياس  : اعتقد أن نسافر جميعا صباح غد بسيارة واحدة أفضل لنا

شمس  : تهتف من فرحتها ... ثم تدور حول نفسها برقصة رقيقة :

         يعيش أبي حنا ... تعيش أولاد خالتي ورفقة معهما

رفقة   : فرحة شمس لا حدود لها عندي

حنا    : إذن تهيأوا غدا ً ومنذ الفجر وبسيارة بطرس تكفينا جميعا ً يلتفت إلى

          شمس ويناديها ... يا ابنتي ... هناك من يطرق على باب البيت

شمس : تفتح الباب ... يدخل شاب من أهل القرية ويقدم التحية ويقول :-

         سلام إليك ( بلكنة أثورية ) يا مام خنا

حنا    : أهلا ً ومرحبا ً بهذا الشاب ... تفضل ماذا تريد ... ومن أنت ؟

يورا   : أنا يورا ابن الشماس كيوركيس بن بولس

حنا    : ها ..ها.. ابن شماس كيوركيس جارنا.معذرة لم أتعرف عليك من قبل.

يورا   : جئت أؤدي التحية والسلام لكم ... أريد قرابتكم

حنا    : يرحب به بلهجة بسيطة :

         أهلا ً بابن أخي كيوركيس ... كيف حال والدك ... اجلس ... اجلس

يورا   : شكرا ... والدي يسلم ويسأل أنك ... وأراد أن يأتي إلا انه غير قادر

         على المشي ... يلتفت إلى حنا وهو واقف ويقول ...

         مام خنا ... جئت اطلب يد ابنتك مظلومة لي

حنا    : مستغرب من مبادر الشاب يورا ... يلتفت إلى شمس والى رفقة ورفقة

         تنظر إلى حنا والى شمس مستغربة أيضا ً .. ثم يقول حنا يا أبني يورا

         أنا لا يمكنني أن أجيبك على طلبك

رفقة  : أيها الشاب ... نحن على وشك السفر إلى قرية أخرى غدا حال عودتنا

         ستأخذ الجواب من والدها

حنا   : يقف حائرا ً وقلقا ً من الأمر ...

         وإذا بأصوات هلاهل مصحوبة بالفرح على الطبل والمزمار يدنو من

         البيت ويقول ... يا رفقة ما هذه الأصوات بقرب البيت ؟

رفقة  : تفتح الباب وبعد دقيقة تقول :

         حنا ... إنها هلاهل وطبل ومزمار أمام البيت مباشرة ً

أسحق : يفتح الباب من غير إذن ويدخل ومعه شاب وامرأة ويقول السلام

         عليكم يا أهل الدار جميعا ً

حنا    : واقف مندهشا ً من رؤية أبن عمه اسحق ويقول ...

         يا مرحبا ً وألف مرحبا ً بابن عمي اسحق وبكل من معك يعانقان

         بعضهما عناقا ً طويلا ً وحارا ً ... ثم يواصل الكلام من هذا الذي

         دخل بيتي ... اسحق .. اسحق ابن عمي

اسحق : يا أخي حنا ... حلم مريم حان أوانه كي يترجم إلى حقيقة يقف لحظة،

          ثم يقول :- ها هو جليل ... جليل ابني البكر وكما جاء بالكتاب ...

          جئنا نأخذ أبنتك شمس له ... ماذا تقول ؟

حنا    : جليل .!. جليل .!. ماذا تقول جليل ابنك جاء في حلم مريم وخطيبته

          شمس ابنتي ... أية أعجوبة ومعجزة هذه، يلتفت إلى شمس والى يورا

          أبن القرية .. ويقول .. ها ابنتي شمس ماذا تقولين ... الكلمة ألان لك

يورا  : مام خنا ... ما سمعته منك انه من الله ... أبن عمك جاء من قرية بعيدة

         ليخطب ابنتك شمس ... أنا أنسحب

اسحق : أبني ... إذا شمس تحبك ... نحن كلنا مسيحيون وقوم واحد ولا فرق

          بيننا

شمس : أبي ... يورا شاب طيب وابن القرية التي كبرت فيها هو بمثابة أخ

          لي وأكثر

اسحق : حنا ... سمعنا جميعا الكلمة الأخيرة لشمس

حنا    : تمت فرحتي بهذه اللحظة يا ابن عمي اسحق

رفقة   : مبارك كلاكما يا أبنتي شمس ويا أبني جليل

اسحق : حنا ... الكنز الذي تحدث عنه آباؤنا ... موجود في دار بطرس كما

         قال الشماس سليمان ... وهذا الكنز هو شمس وجليل

حنا    : تعالي يا ابنتي شمس ويا أبن عمي جليل ... لتكونا مباركين لبعضكما

         كنز المال ... وان كان أكواما ً من الذهب والفضة ينتهي ويزول ولكن

         كنز الإنسانية لا نهاية له ولا يمكن تقييمه بأي ثمن.     

اسحق : هلموا جميعا ً إلى الطريق ونعود إلى قرية آبائنا وأجدادنا ونعمر بيتا ً

         جديدا ً لشمس وجليل ... وبيت أخر إلى ابن عمي حنا وزوجته رفقة

         التي حلت مكان أسوما لشمس كآم لها وأكثر

حنــــــا واسحق والياس  : هلموا نمض ِ ونمض إلى قريتنا .... نعم إلى قريتنا

                    جميعا وهم يحضنون بعضهم كرجل واحد وبقلب واحد ...          

                    ويهتفون من المسرح مع تواري أصوات الطبل والزورنا .

*****************       بغداد / 1998

لتكملة القراءة انتقل الى الصفحة التالية (2)


 

 

2 - لـن تـنضب الـينابـيع

مسرحية بمشهد واحد

مسرحية اجتماعية سياسية ذات طابع جاد وتراجيدي، تحاول رفع معنوية الفرد في المواقف الصعبة وضرورة تجاوز الأزمات بروح متفائلة وبتحدي موزون.

أهم الشخصيات :

1ـ   سارة    :   امرأة شابة في العقد الثالث من عمرها

2-  سليمان  :   شيخ تجاوز الثمانين عاما

3-   حميد    :   طفل بعمر خمس سنوات

4-   سمير   :   شاب في العقد الثاني من العمر

                          __________________

سارة  : تظهر على خشبة المسرح حاملة جرة ماء وعلامات التعب تغطي   

          وجهها تنزل الجرة من كتفها ببطء شديد وتقول :-

          لم يعد أحد يسأل عنا لا زلنا في فصل الربيع .. الينابيع وشلت والآبار

          نضبت والصيف قادم الناس في صحراء قاحلة أفضل منا

سليمان: قابع في زاوية شبه مظلمة ، مسندا ً رأسه على يده اليمنى ... يرفع

          نظره صوب سارة ومع حسره طويلة يقول :-

          أي يا بنتي أي ........... ولماذا تأخرت ِ كثيرا

          يهز رأسه وبصوت حزين يعاود الكلام

          الآبار نضبت ولم يعد للدلو فعل. والعيون وشلت . سدت الينابيع سدت

حميد  : جالسا ً القرفصاء بجانب أمه ... جل بصره وانتباهه صوب جده

         سليمان وفجأة يسأل جده ويقول :-

         جدي. لماذا سدت الينابيع ولم يعد في الآبار والعيون ماء  لماذا يا جدي

سليمان: يا ولدي ... أين أهل الشهامة ... أين رجال الغيرة ... سابقا

         كانت الآبار ومجاري الينابيع والعيون تنظف سنويا ... يقف قليلا ً ...

         ويهز رأسه ويردد مع نفسه بصوت خافت ليت أمي لم تلدني ... لأرى

         ما أرى ... نشرب الماء بالقطارة .

سارة  : أنت صادق يا أبي ... لم يعد في القرية غير الكهول والشيوخ أمثالك

         وأطفال قاصرين ... ونحن النساء .

حميد  : ماما ... ماما ... أين الرجال ... ماذا جرى للشباب

سارة  : أي يا ولدي ... أيه ... ماذا أقول لك غالبيتهم هجروا قريتنا لأسباب

         مجحفة ... دون أن يهتموا بمصير الباقين .

سليمان: يا ولدي ... والدك هرمز أدار ظهره علينا مرغما بسبب الحرب

         الأخيرة. وعمك ياقو مقعد بسبب بتر ساقه اليمنى أيام الحرب الإيرانية    

سارة  : تتظاهر بالبكاء وبصوت مبحوح وتقول :-

         أين أنت يا هرمز . أين ؟ آه قرية كبيرة .. أهلها بلا راع .. بلا مسؤول

سمير : يدخل فجأة وعلامات القلق والإرهاق توشح وجهه ويصرخ ... عمي

         سليمان ... عمي سليمان ... يحاول أن يختفي في زاوية ما ... الجميع

         يقفون مبهورين وخائفين .

سليمان: يقف بصعوبة على قدميه ويقول :-

         سمير ... سمير ولدي ... ما الأمر ... ماذا حدث

سمير  : يبقى مرتبكا ً ولا يستقر نظره وقدميه ويقول :-

         ماذا أقول يا جدي ... ماذا أقول ...

سليمان: يقترب منه ويضع يده على كتفه محاولا ً تهدئته ويقول لا تخف يا

          بني لا تخف ... قل لي ماذا حدث

سمير  : هربت من المدرسة ... يمسح جبينه وعينيه وبصعوبة يواصل الكلام

          عصابة كبيرة مسلحة طوقت المدرسة وأرادت أن تلقي القبض على

          الكثير منا وتسوقنا الى ساحة الحرب .

سليمان: اهدأ يا ولدي أهدأ ... حسنا عملتم جميعا ً ولا تخف ... وبصوت

         خافت ومسموع ... هؤلاء مثل جاندرما العوصملي وأبشع جرما .

         يظل يمشي بخطوات ثقيلة ذهابا ً وإيابا ً على خشبة المسرح يضرب

         كفاً بكف ويقول :-

          أي ظلم ٍ هذا... ما خطيئتنا... سمير لا زال طفلا ً يريدون أن يقاتل...

          من يقاتل ... طفلا ً لا عدو له ... لا عدو له .

سمير  : جدي ... علمنا إن جميع المدرسين ومدير المدرسة سيقوا أيضا ً .

سارة  : ترفع يدها إلى السماء وتقول :-

         قليلا ً من الرحمة ... قليلا ً من الشفقة ... يا الله خلصنا من هذا العذاب

         ومن هذا الظلم .

حميد  : يحاول أن يحتمي بأمه خوفا من المشهد ويمسح دموعه، دون أن يبكي

         ويقول :-  حينما اكبر لأقتل كل ظالم يا أمي .

سليمان: لا ... لا يا ولدي ... لا تقل هكذا ... هذا ليس من أخلاقنا قتل أحد الله

         سينتقم من هؤلاء... يقف في وسط المسرح كأنه يستعيد طاقته الشبابية   ويقول :- أين الذين هاجروا قريتهم وابتعدوا عن الوطن ؟

         أين الذين أداروا ظهورهم على أبائهم وأجدادهم وأمهاتهم وزوجاتهم

         وتركوا أطفالهم كاليتامى مشردين ؟

         اسمعوا ما قاله الطفل حميد ... رجل المستقبل قادم

سارة  : تهلهل فوق حميد ... وتمسح دموع الفرح والحزن معا ً وتحضنه هي

         الأخرى وتقبله .

سمير  : يقف كالصنم بجانب حميد وكأنه أصابه سهم في قلبه ويصرخ :-

         حميد... حميد أسكرني بدون خمر...حميد كوى قلبي بجمرة كبيرة

         يلتفت إلى الشيخ سليمان ويقول : -

         عمي سليمان لن تفرغ القرية من أهلها ... سنحميها ونحمي أهلنا

         ونحمي الوطن بدمائنا .

سليمان: يا ولدي سمير ... بصوت هادئ

         القرية عزيزة على أهلها... والوطن اعز... والإنسان أثمن من كل

         شيء ... يتوسط المسرح ويعاود الكلام :- المثل يقول

         الكرمة بلا ناطور .......... يوم عرس الثعالب

         وقطيع الغنم بلا راع .......... يوم عرس الذئاب

سمير  : وبشكل حماسي ....

        عمي سليمان ... ما قيمة الإنسان ... بلا عزيمة ... بلا إرادة ... وبلا

        شهامة وفي طريقه للخروج من المسرح وبصوت عال ٍ يقول :-

        مع السلامة يا عمي سليمان... ويا أهلي وأبناء قريتي سأعود... سأعود

         ولن اهجر قريتي ...

سليمان: أبنتي سارة من هو هذا الشاب .

سارة   : يا أبي انه سمير أبن يونس الحايك .

سليمان: الله يرحمك يا يونس ... ها هو أبنك قد أستلم الأمانة منك ... نم قرير

         العين ... يلتفت صوب خروج سمير ويقول :- 

         يحفظك الله يا بني سمير .

سارة   : يا أبي ألا تتذكر عندما جيء بأبيه ليلاً مقتولاً في الجبل كان والده

         يونس مع الثوار في شمال الوطن وكان أبنه سمير بعمر عام واحد فقط

سليمان: أقسم اليمين المرحوم يونس إلا أن يلتحق مع الثوار ويقاتل كل ظالم

         كل متجبر ... مات شهيدا والشهداء خالدون

حميد  : يقترب من أمه وينظر إلى جده نظرة ثقة وتأمل ويقول :-

         غدا ً أكبر ... وأنطر الكرمة وأحمي قطيع الغنم

         يدخل فجأة مع جمع من الشباب رافعين المساحي والمناجل وبصوت

         واحد ينشدون :

                     كلنا ننطر الكرمة

                     كلنا نحرث الأرض

                    ولن تنضب الينابيع ولن تجف الآبار

        ينضم الطفل حميد محمولا على الأكتاف وفي مقدمة الموكب الشيخ

        سليمان والى جانبه سارة ينشدون :

                لن تجف الآبار

                لن تنضب الينابيع

                نحرس الكرمة ... نحمي القرية ... نحمي الوطن ...

                نحمي الوطن ..

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

3 -  كُــنـفـا ( الحقيبة )

مسرحية اجتماعية واقعية تقع أحداثها ضمن عائلة تكاد تكون القيم والأعراف

          الإنسانية الاجتماعية السائدة مفقودة لديها ، والزواج بنظر الوالدين

          متعة غريزية فقط ، يعاني الأولاد كجيل ثان ، ماسي ومحارم منذ

          الطفولة من تقاليد وقيم وأعراف بعيدة عن مطامح الإنسانية في

          مفهوم العائلة المقدسة ، والتي هي نواة وبذرة الحضارة الاجتماعية

          الأولى للإنسان وأساس المجتمع .

وكلمة .. كُنفا – باللغة السريانية المحكية هو الكيس المخاط من القماش حافظاً

          للكتب المدرسية للأطفال في مرحلة التمهيد والابتدائية ، والذي كان

          موجودا في قرى الشمال عامة ً والمسيحية خاصة ً إلى أواسط القرن

          الماضي . والذي يمثل حاليا ً – الحقيبة الجلدية – المعروفة لدينا .  

          والمسرحية ذات طابع تراجيدي ورومانسي في آن واحد .

 

شخصيات المسرحية :

  1-   سلمى   :  امرأة شابة متزوجة في مقتبل العمر

  2-   يونس   :  زوج سلمى شاب في العقد الثالث من العمر

  3-   حامد    :  شاب في العقد الثالث من العمر – أبن عم يونس

  4-   سعدية   :  شابه في مقتبل العمر زوجة حامد

  5-   ثامر     :  طفل في العقد الأول من العمر أبن سلمى ويونس

  6-   كامل    :   

  7-   جمال    :         طفلان بعمر ثامر /  إخوان 

  8-   سليم     :  طفل بعمر كامل وجمال

  9-   جبار     :  زوج سلمى الثاني

  10-  مريم    :  امرأة في وسط العمر

  11-  يعقوب :  زوج مريم هو الآخر في العقد الرابع من العمر

  12-  سليمان :  معلم مدرسة ابتدائية

  13-  إبراهيم :  رجل مستطرق

  14-  عمار    :  رجل مستطرق

  15-  سالم     :  رجل آخر مستطرق الأب المتبني للطفل ثامر

  16-  سليمة   :  زوجة سالم – امرأة في وسط العمر

 

الفصل الأول

المشهد الأول :

          تظهر على المسرح امرأة بعمر ستة عشر ربيعا وهي حامل تتحرك  

          ببطء شديد خشية أن يصاب حملها الأول بأذى وتقول  :

سلمى  : لا أعلم أين بقي يونس لحد الآن ... لا أتمكن من الذهاب إلى السوق

          لشراء بعض البصل الأخضر وباقة من الفجل للغداء ... لماذا تأخر ؟

يونس  : يدخل فجأة ويقول :

       ــ ها عزيزتي ما الأمر... سمعت تنهداتك من البعيد هل تشكين من ألم ؟

سلمى  : تضع إحدى يديها على بطنها والأخرى على خاصرتها ونبرة خافتة

          شاكية تقول :-

       ــ عزيزي ... لم أتمكن من أن اخبز ولو عشرة أرغفة خبز للغداء هذا 

          اليوم أشعر بتعب شديد ... يا يونس .

يونس  : حبيبتي دعي الامر لي... سأذهب حالا ً الى السوق وأجلب لك حضنا

          من الخبز والبصل الأخضر والفجل الأحمر الكركولي .

سلمى  : مضت أيام دون أن تسال عنا عمتي ولا إحدى أخواتك .

يونس  : أنا هنا ... قد يكونون مشغولين في أمور مهمة .

سلمى  : من الأيام الأولى لحملي .. خالتك جميلة لم تعد تتردد كثيرا عندنا أيضاً

يونس  : عزيزتي...أتعرفين لماذا ..؟ أرادت أن تزوجني زبيدة أبنة أخيها خليل.

سلمى  : تغلبها الغيرة ... وأنا أيضا كثير من الشباب تقدم لخطبتي ... وكان  

          والدي يرفض .. لأنك أبن عمي .. وبصوت خافت. وزبيدة فتاة طيبة

          وجميلة .

يونس  : هل من تقدم لخطبتك كان أكثر نفوذا ً عشائريا ً أو شبابا ً مني .

سلمى  : عزيزي ... ماذا تريد ... لقد تزوجنا وخلفتنا قادمة .

يونس  : صحيح كما تقولين ... ولكن أريد أن يكون أول مولود ولدا... ولدا ...

          ولدا ً ... ليكبر بسرعة ويساعدني في العمل .

سلمى  : أوعده يا يونس ... ان جاء ولدا ً ... عليه بالدخول الى المدرسة

          وبمواصلة الدراسة حتى ينال وظيفة محترمة ويتعلم الكثير عن الحياة

         ... لا مثلنا جهلاء .

يونس   : هل يكون أفضل مني... وماذا ينقصني .. أبن عشيرة كبيرة وشباب.

سلمى   : كلانا لا نقرأ ولا نكتب ... وأنت لا عمل معين لك وبدون بركة

يونس   : ماذا أعمل ؟ اخرج منذ الصباح الباكر ولا أرجع حتى مغيب الشمس

           يوميا ً .

سلمى   : يا يونس ... المولود قادم ولا يملك في هذه الدنيا أي شيء بسيط من

           الملابس والفراش ومهدا ً ولو خشبيا ً

يونس   : دبري الأمر من ملابسك وملابسي القديمة... ما العلاج لا عمل لي .

سلمى   : لا عمل إلا لك يا يونس. والنهار بطوله خارج البيت غالبا ً تعود بعد

          منتصف الليل... تحاول استعطافه.. حبيبي أراك نائما ً على الأرض

          ورائحة كريهة تفوح منك .

يونس  : غاضبا ً ... ما هذه التهمة والمراقبة يا سلمى ، أتقصدين أعود فاقد

          الوعي من شدة السكر ... وتائها في الأزقة كالخمار .

سلمى   : عزيزي... حاشاك لم أقل ذلك... بل رأيتك عدة مرات تدخل مترنحا

           وبخطوات مرتبكة وتسقط مغشياً على الأرض .

يونس  : لا تجعليني عصبيا ً وشريرا ً معك يا سلمى ، هل أقعد القرفصاء

          أمامك ناطورا ً أم خادما ً لك ؟

حامد   : يدخل فجأة ويقول :-

          السلام عليك يا أبن العم ... ما بك عصبي المزاج وصوتك يسمع من 

          البعيد .

يونس  : (يوميْ إليه بإصبعه بعدم التكلم عن أي شيء خشية الفضيحة ويقول)

          المرأة وكل النساء وسلمى بالذات تريد أن تسلخ جلدي وتلبسه لأنني

          بدون عمل .

سلمى  : أبن العم ، لست غريبا ً .. مضى على زواجنا سنة كاملة ولم يقدم

          يونس لي حتى زوج نعال أو ثوباً جديدا ً بسيطا ً واحدا ً .

          كيف يقول ذلك (تمسح دموعها) أنه زوجي وأنا زوجته أحبه على

          كل حال .

حامد   : تعلمين يا زوجة أبن عمي ... زوجتي تشكو مثلك تماما ً أيضا ً .

          يلتفت إلى يونس ويقول :

          هيا يا يونس نخرج قليلا ً وننسى هذه العبارات الفارغة .

سلمى  : عزيزي يونس... أين تذهب ... أشعر بألم شديد في بطني ...

           لا تتركني لوحـدي.

يونس  : أرسلي بطلب أختك أفضل ... ماذا أعمل لك .... المرأة أدرى بحال

           النساء من الرجال يلتفت إلى حامد ويقول :-

           هيا يا أبن العم نخرج ونقضي هذا المساء في ركن منزو ٍ وهادئ .

سلمى   : الله يحفظ شبابك لا تتركني وحدي ( حاولت أن تمسك بيده ) ...

           أختي مشغولة بعائلة كبيرة ... وزوجها غريب عني .

يونس   : لا يمكنني البقاء ... لا يمكن .

سلمى   : هات بوالدتك فهي ذات خبرة جيدة بحال النساء .

يونس   : هل تزوجت وابتليت ... كنت حرا ً بلا زوجة ... لا آمر ولا مأمور.

سلمى   : تنهض ببطء وتقف بجانبه وتقول :-

           يونس ... عزيزي ليس لي في الدنيا غيرك بعد الله وراضية بحالي .

حامد   : سعدية زوجتي ستأتي حالا ً وتبقى معك حتى نهاية الولادة بسلام .

* * * * * * * * * *

المشهد الثاني :

          تظهر سلمى وبجانبها طفل مقمط ممدد على الأرض إلى جانبها

          الأيمن وسعدية واقفة معها .

سعدية  : شكرا ً لله على سلامتك يا أختي ولما رزقك بهذا الطفل الجميل ...

          كأنه يبتسم مع نفسه وليكن مبارك لك .

سلمى  : إني مدينة لك يا أختي سعدية ... وأشكرك جدا ً على الخدمة التي

          قدمتها لي .

سعدية  : خدمة بسيطة من أخت لأختها .

سلمى   : أدعو الله أن يعوضك بطفل لا بل توءَمين ولدين جميلين ولن أنسى

           فضلك .

سعدية  : حال قدوم يونس زوجك ... سأبشره بولده .

سلمى   : منذ مساء أمس خرج مع حامد ولم يعد أحدهم .

سعدية  : بعض الرجال قلوبهم من الصخر ... حتى وان ماتت الزوجة ...

           فلن يتوانوا لحظة للزواج بأخرى ... وهذا السائد في مجتمعنا وقريتنا

           أيضا ً ...

           يدخلان يونس وحامد فجأة وهما في حالة سكر شديدة ويغنيان معا ً.

يونس  : أين دلالي ... أين دلالي ... أين ...

حامد   : ها هي دلالي ... ها هي دلالي ... ها ...

يونس  : في السوق تمشي ... في السوق تمشي ...

حامد   : قح .. قح .. قح ودلالك في السوق .. غن .. غن ...

          ها هي يا مغفل دلالك على السرير وبقربها دلالي .

سعدية  : ما هذا ... تفاجئ ... ماذا جرى لكما

           وأنت يا يونس ... ألا تسال عن زوجتك

يونس  : وبكل برود ... ما بها ولماذا نائمة ... وما هذا المقمط بجانبها .

سعدية  : أبشرك ...  رزق الله لك ولدا ً جميلا ً ... ما هي خلعتي لهذه البشرى

حامد   : محقة ابنة عمي وزوجتي سعدية ( يحاول أن يقترب منها ويقبلها )

          ويقول مازحا ً :- أنا أيضا ً أستحق الخلعة .. مبارك ابنك يا يونس

يونس  : يحاول الثبات على قدميه ويقول :-

          خلعة ... تريد سعدية زوجة أبن عمي خلعة

          ( يخرج قنينة صغيرة من جيبه ) ويقول :-

       ــ  خذيها ... خذيها ... إنها عزيزة علي كثيرا ... هذه خلعتك ِ

حامد   : دعيه سعدية ... أبن عمي طفح سروره بولده ... وهو يمزح أيضا ً

          خلعتك سأقدمها لك وأخرى لسلمى أنا ... أنا

          يلتفت إلى سلمى ويقول :-

       ــ  مبارك ولدك يا زوجة أبن عمي ... وشكرا ً لله على سلامتك ِ .

* * * * * * * * * *

المشهد الثالث :

سلمى  : تظهر على المسرح سلمى تداعب طفلها وتحتضنه وتقبله وتقول :

       ــ لأجلك يا ولدي الصغير ويا وحيدي أتحمل كل صعوبات العيش ،        

          وقساوة تصرفات والدك يونس ... وها قد مضت سنة على ولادتك .

يونس  : يظهر على المسرح وكأنه توا ً نهض من نومه ويقول :-

          سلمى ... سلمى رأسي سينفجر من شدة الألم ... وأشعر بالدوخة .

سلمى  : يونس ... كيف يصح أن تعود يوميا ً الى بيتك بعد منتصف الليل

           فاقدا ً الوعي والسيطرة على المشي ... وعاطل عن العمل ؟

يونس  : بلا سخافات ومواعظ فارغة منذ الصباح الباكر ...

سلمى  : يا يونس ... أصبحت أبا ً ... أنظر إلى طفلك يريد أن تحتضنه إلى

          صدرك قليلا ً .

يونس  : انظر إلي جيدا ً... انا هذا... وسلوكي هذا... وطلبك منذ زواجنا الى

          هذا اليوم يدق في قلبي ويمزقه .

سلمى  : يا يونس ... أرغمت على الزواج بك ... ولم تجبر أنت على ذلك

          وتعلم جيدا ً انك أنهيت على خطبتي لغيرك عدة مرات بحجة أبن العم

          أحق من غيره بابنة عمه ... ورضيت بك .

يونس  : أرغمتك على الزواج بي ... ولم يكن لك الخيار بذلك ... ثم ماذا أنا

           يونس أبن حميد ... أشرب وأسكر كما يحلو لي وبدون عمل ها هي

          الجدران الأربعة ... انطحيها برأسك .

سلمى  : هذا ظلم يا يونس واعتداء صارخ علي وعلى أبنك الصغير الوحيد .

يونس  : وما أنت لكي تكوني معتدى عليها ومظلومة .

سلمى  : ابنك من صلبك ومن رحمي ... وأنا إنسانة ... يجب أن يكون لي

          حقوق والعيش بكرامة ... وحق ابنك كذلك .

يونس  : إنسانة ... إنسانة ... أي إنسانة أنت ... فقط زوجة وكحاوية ملح متى

          ما نفذ ما فيها سقطت فارغة . 

سلمى  : هل نحن الزوجات عبيد ؟ ... هل ماتت الرحمة في قلبك وفي قلب

          أمثالك من الرجال ... أين الإنسانية نسيت ... نسيت ... كنت تناديني

          عزيزتي حبيبتي في البدء... والآن أصبحت عبده وحاوية ملح فارغة.

يونس  : كفى طول اللسان واحتجاجا ً ..... وإلا كنست الأرض بك سحلا ً

          وسحقا ً لعظامك .

سلمى  : تعودت على ذلك ... وبدون سبب تطوف بي ذليلة والطفل في حضني

          يصرخ ويبكي دون أن ترحمه هو أيضا ً .

يونس  : أنت وطفلك في ألف جحيم وجحيم.. ( ينهال عليها بالضرب ) ويقول:

       ــ ها هو الباب مفتوح ويسع جملين لك ولأبنك ... أخرجي . أخرجي ..

          يدفعها صوب الباب بقوة أرحلي لا أريد رؤيتك ثانية ً ... لن تكوني

          زوجة لي بعد اليوم ... لن تكوني أرحلي إلى أي جهنم شئت ومعك

          طفلك ... أرحلي ...

سلمى  : تخرج وهي مضرجة بالدموع والدماء وتقول :-

         سينتقم الله منك يوما ً ما ... لا بد أن ينتقم ... ظالم ... ظالم أنت

         ترفع يديها ورأسها إلى السماء قبل أن تخرج وتقول ليسمع الله دعائي

         ... وصراخ أبني الصغير ...

الفصل الثاني

 المشهد الأول :

         ثامر, طفل شرير يتسكع في الطرقات والأزقة ليل نهار، يشاكس

         المارة والقادم من الأطفال بسنه واكبر منه ، يظهر في منعطف زقاق

         متمدد على الرصيف صباحا ً .

         كامل وجمال إخوان في طريقهما إلى المدرسة يحمل كل واحد منهما   

         حقيبة كتب على ظهره فجأة يتوقفان قرب ثامر مستغربين .

كامل  : أخي جمال ... ما هذا الطفل بعمرنا نائم على الرصيف في هذا البرد

         القارص بلا فراش ولا لحاف ؟

جمال  : أخي كامل ... يبدو انه غريب عن هذه المنطقة ... لحظة لا تمش ِ لقد

         تحرك كأنه غير نائم .

كامل  : قد يجوز خرج من دار والده مساء أمس وتاه في شوارع وأزقة

         منطقتنا وغفي ليلا ً على هذا الرصيف .

جمال  :هيا نسأله ... لماذا هو نائم هنا وأين أهله ؟

         أخي كامل.. لا تتحرك ولا خطوة.. ها هو قد نهض وينظر ألينا بحذر.

كامل  : ما هذه الثياب الرثة والقذرة عليه ... ومعه كيس من القماش وبوسخ

         أكثر من ثيابه ... أيا مسكين ما هذه الحالة . !  

جمال  : دعنا نقترب منه ونسأله ... قد يكون جائعا ً وليس لديه نقود يشتري

         رغيف خبز بها .

كامل  : حسنا معنا علبة بسكويت وقطعة من النستلة .. سوف أعطي التي معي

          وتكفينا ما لديك للمدرسة ... ماذا تقول يا أخي ...

جمال : أخي ... سمعت مساء أمس أبي يقول لامي عن طفل بهذه المواصفات

        ... رآه نائما على الرصيف في المنطقة ثم شخص أخر رآه وهو يطلب

         رغيف خبز من المخبز القريب

كامل  : (يقترب منه) السلام عليك يا أخي ... ثم يقف ينتظر الجواب

ثامر   : يتظاهر بعدم سماع التحية ... ويرفع رأسه محملقا بسخرية يتأمل ...

          ثامر محاولا ً الوقوف على قدميه ...

جمال  : ( يتراجع خطوة إلى الوراء ) ويقول :- أخي لماذا تنظر إلينا وكأنك

         غاضب ؟ رأيناك وأنت نائم على الرصيف ونحن في طريقنا إلى

         المدرسة ... حزنا كثيرا ً وأنت طفل مثلنا ...

كامل  : ما أسمك يا أخي ؟ ... دعنا نساعدك إن كنت قد أضعت بيت والدك

ثامر   : ( يصرخ بهم ) ماذا تريدون مني ولماذا تسألون عن أسمي وعن دار

         والدي ... أقول لكم دعوني وانصرفوا ... وإلا سأمزق كتبكم .

سليم  : طفل أكبر منهم سنا ً وفي طريقه إلى المدرسة أيضا ً يدخل ويقول :-

         ما هذا الطفل الفقير ... أبن من يكون ؟ ... ولماذا هو في هذا الحال ؟

ثامر   : لماذا تجمعتم حولي كالذئاب ... أنا أتجول في أزقتكم نهارا ً وأوي الى

         إحدى الخرائب ليلا ً ... أو أنام على رصيف ما ...

سليم   : يلتفت إلى كامل وجمال مندهشا ً ويقول :- ماذا يقول هذا الولد ...؟

كامل  : اخبرنا إن كنت جائعا ً أو تحتاج نقوداً ... هاك البسكويت والنستلة كل

         قليلا ً ...

ثامر  : يخطف القطعتين من يده بسرعة البرق ويحاول التهامها مع الغلاف ثم

         يقول :- كلكم تحملون على ظهوركم حقيبة المدرسة ... إلا أنا ...

         يحاول أن يمد يده إلى داخل حقيبة أحدهم .

جمال  : اسحب يدك يا أخي ... إنها كتبنا المدرسية التي نقرأ بها ونتعلم منها

         الحساب والقراءة وغيرها .

سليم  : انظر إلي يا أخي ... نحن في طريقنا إلى المدرسة ... أردنا مساعدتك

         لأننا مثلك أطفال ... فلا تؤخرنا رجاءا ً .

ثامر  : يخرج قطعة خشبية من كيسه ويهدد بها ويقول ... إن لم تعطوني كتبا ً

         ... سأمزق حقائبكم ...

جمال  : تعقل يا أخي ... لا ننوي الشر لك ... نرجو كل الخير والمحبة من

          قلوبنا كلنا .

ثامر   : مستهزئا ً ... كل خير ... كل محبة ... ما هو خيركم وما محبتكم ...

         إذا أبي وأمي لا يريدان الخير والمحبة لي ... فمن تكونون أنتم ... أنتم

         غرباء مني ... وأنا غريب منكم ...

كامل  : يبتسم ويقول :- الخير هو إذا صادف إنسان سواء كان طفلا ً صغيرا ً

         أو شيخا ً كبيرا ً وهو في وضع يتطلب مد يد العون والمساعدة له ...

         هذا هو الخير .

ثامر   : يقاطعه ... وينظر إليهم جميعا ً نظرة الحقد والكراهية ويقول :-

          أنا لست من الصنف الذي يضحك عليه، تتكلمون عني وكأنكم عقلاء,

          أنتم لكم من يحميكم ومن يسأل عنكم .. ( مصحوبة بحسرة ).. أنا

          أرفض نصائحكم .

سليم   : أخي ... نحن لا نضحك عليك لأننا كلنا أطفال مثلك .

ثامر   : لا أريد أن يسأل أحدكم عني ... هنا أنام .. ويبدأ بالبكاء والنحيب ...

          ليت الموت قادم ... إذا تريدون أن تعرفون من أنا ... هلموا معي

          وأسمعوا وشاهدوا قصتي كما وقعت ...

**************

المشهد الثاني :

      تظهر على المسرح الأم وأبنها ثامر بعمر ثمان سنوات وطفل في القماط.

ثامر   : أماه متى أذهب إلى المدرسة ... ها هم أطفال أصغر مني بسنتين

         يحملون حقائبهم على ظهرهم يذهبون إلى المدرسة صباحا ً كل يوم . 

سلمى  : دعك من هذا الكلام ولا تكرره خشية أن يسمع جبار ويغضب عليك

         فقد تحمل مسؤولية إعاشتك طيلة هذه المدة ، أمثالك يشتغلون منذ

         شروق الشمس حتى المغيب بشتى الأعمال ويسلمون ما حصلوا من

         النقود للأب أو للأم .

ثامر   : عمي جبار يحبك كثيرا ً ... ولا يمكنه رفض طلبك إن أردتي .

سلمى  : هل أكرهك ... ليس بيدي أي شيء ، جبار رجل خير ... وإلا ما

         تحمل مسؤولية إعاشتك وملبسك ... بل كان قد طردك من بيته .

ثامر   : لم أعد اشعر بحنانك بعد أن ولد أخي الصغير من زوجك العم جبار .

سلمى  : يا مقطوع اللسان كفى هذيانا ً... لا أغضب زوجي بسببك ... أنا أحب

         جبار وهو يحبني كثيراً، وأشعر برعايته الكبيرة لأبني عزيز الصغير.

ثامر   : سأكلمه أنا بخصوص المدرسة وما أحتاجه من الكتب والملابس لها .

سلمى  : من أين يشتري لك الكتب والملابس الجديدة للمدرسة ... لماذا لا

         تذهب إلى والدك ، ليشتري لك كل ما تحتاجه ... لك كل الحق عليه .

ثامر   : أمي ... قبل أن تتزوجي بعمي جبار كنت تحبينني كثيرا ً ... وبعد أن

         تزوجت به وجاء أخي الصغير لم تعد نظرتك إلي كأم إلى ابنها .

سلمى  : تسكت وإلا رميتك خارج البيت ، دع هذا الطفل ينام قليا ً ... عزوز

          الصغير له أب يعمل مثل جبار يكد ليل نهار ... اذهب إلى والدك

          وليشتري لك كل ما تشاء ... زوجي جبار غريب عني ... بينما كان

          والدك أبن عمي ..

جبار   : لماذا تصرخين عزيزتي سلمى ... ما بك ، أتشكين من شيء

سلمى  : ثامر يأكل في قلبي ليل نهار .

جبار   : من هو ثامر أبن أل ... ما أنت وماذا لك عندي ، ها قد ربيتك إلى أن

          أصبحت فتى .. لم يعد بإمكاني أن أقدم لك أكثر من هذا .. ارحل من

          بيتي إلى بيت والدك ... فهو والدك الشرعي وليس أنا . 

ثامر   : لو كان لي أب ٌ شرعيا ً لما كنت في بيتك يا عمي جبار .

جبار   : ارحل ... إلى أي مكان تشاء ... فلم يعد لك مكان هنا .

ثامر   : أماه ... الست أبنك ومن بطنك كما هو أخي الصغير الذي في حضنك

         ... الأم حنون لجميع أولادها ومن أي رجل كان ... لأن البطن واحد .

سلمى  : لماذا لا تقل هذا الكلام إلى والدك يونس حميد وأنت من ظهره كما

          هو عزيز من ظهر أبيه جبار .

ثامر   : أي قلب قاسي لك أماه ... لا أعلم بمكان أبي ولربما هو الآخر متزوج

          بامرأة أخرى ... وخلف منها أولادا ً ونسي حتى أسمي وإلا لماذا لا

          يسأل عني ؟

جبار   : أنت لست أبني ولن تكون أخا ً يقاسمني الميراث ... أرحل ... أرحل

          وأبحث عن أبيك وهو مكلف بمعيشتك ( يرفع يده ليضربه ) طولك

          شبر واحد ولسانك شبران .

ثامر   : إلاهي أي ظلم هذا ... ما هي جريمتي لأعاقب هكذا ... لا أبا ً لي ولا

          أما ً ولا أخا ً كبيرا ً ولا أعماما ً، يا عمي جبار.. إن غدا ً طلقت أمي

          أو هجرتها... ما مصير أبنك عزيز طفل عاجز مثلي... أيبقى شريدا ً

           في الشوارع والأزقة ؟

سلمى  : أبوك يونس مجرم بحقك ... وعمرك سنة واحدة تركني ... لا أهل لي 

          ولا أقارب ... الله يحاسبه على ظلمه لي والى أبنه . 

ثامر   : أماه... أنت تزوجت برجل آخر أصبح راعيا ً لك... من يكون لي أبا ً

          يرعاني ... وعمي جبار لم يعد يرعاني .

جبار   : أنا لست عمك جبار ( عمي جبار.. عمي جبار) تعلمت تسريح اللحية

          لو كان والدك إنسانا ً كان يبحث عنك وان كنت فوق غيوم السماء، أنا

          لست عمك ولا خالك ، لم يعد بإمكاني رعايتك أكثر من ثماني سنوات

ثامر   : يا عمي جبار.. ( وبوجه كئيب وحزين ) دعني اقبل يديك وقدميك .

          دعني أعيش معكم بصدقة الله وصدقة أخي عزيز الصغير ... لا زلت

          كأفراخ الطيور بلا ريش لجناحيها ...

سلمى  : لن تبقى معنا في هذا البيت ... ولا دقيقة واحدة ... كرهتك بصورة

          والدك ولما قاسيته منه ... حتما ً ستكبر وتكون مثله ... أرحل ...

          أرحل عنا ...

جبار   : عزيزتي لا تصرخي...ولا تتألمي...ولا تذكري الأيام السود أنسيها

          أنسيها وأنت يا ثامر.. هذه آخر كلمة أقولها لك... اجمع ما لديك من

          الحاجيات، وهاك دينارا ً واحدا ً واخرج ، أخرج، اخرج لست أبني.

ثامر   : يبدأ بلم ما لديه في حقيبة من القماش مستهلكة ويقول ...

          يا أبي ( مصحوباً بالبكاء الشديد ) أين أنت ... أتسمعني ... أتسمعني

         ... أنت السبب بكل ما حل بي ... أسمعني يا أبي .. أبي ... أبي .

******************

الفصل الثالث

المشهد الأول :

           تظهر على المسرح عائلة يعقوب الأب ومريم الأم والأولاد .

يعقوب  : مريم ... كامل وجمال لا زالا نائمين وتخلفا عن المدرسة هذا اليوم

           ما السبب ؟

مريم   : أمس ، حال رجوعهما من المدرسة تحسست علامات انزعاج عليهما

           وسمعت كامل يشاور أخاه ... بأن غدا ً لن يذهبا إلى المدرسة لغياب

           أحد المعلمين .

يعقوب  : هكذا قالا لك ؟  في المدرسة أكثر من عشرة مدرسين ... هل كلهم

           سيتغيبون عن الدوام ؟

مريم   : لم يكذبا سابقا ً مطلقا ً ولأي سبب كان يا يعقوب ... لربما أحد

          المدرسين قد عاقبهم بسبب إهمال احدهم أو كلهم الدرس المعطى لهم

         ... ويتحججا بذلك ؟ 

يعقوب : لينهضا من النوم لاقف على حقيقة الأمر ... إذا كان ذلك صحيحا ً

           ونوبخهما كلانا ... لأن المدرس محق ... ويريد فائدتهما .

كامل   : يدخل ولا زال النعاس في عينيه ويحاول التظاهر بالتعب .

يعقوب : أبني كامل ... ما سبب تأخركما عن دوام المدرسة هذا اليوم ؟

كامل   : أبي ... مدرس الرياضة اخبرنا بأن لا دوام لنا هذا اليوم .

يعقوب : اذا غاب مدرس الرياضة ... هل سيغيب جميع المدرسين ؟

كامل   : لا يا أبي ... لم يبلغنا غيره بذلك

جمال   : يدخل ويشعر أنه وأخاه أمام مشكلة المدرسة ... ويحاول إصلاح

          الموقف ... ويقول :- أبي قد نخسر درسا ً واحدا ً هذا اليوم ... بعد

         تناولنا الفطور سنلحق حالا بالدرس الثاني ونعوض ما فاتنا من زملائنا

مريم   : ( تحاول أن تقف إلى جانبهما ) ... أحسنت يا ولدي ... هيا أسرعا

           وتناولا الفطور وأذهبا مع والدكما يوصلكما بسيارته ...

يعقوب : سوف أقابل مدير المدرسة وأستفسر منه عن هذا المدرس الذي يغيب

          عن الدوام ويبلغ التلاميذ بعدم الدوام والغياب هم أيضا ً .

جمال  : لا يا أبي ، ليس هناك ضرورة بأن تأتي معنا إلى المدرسة فهي قريبة

          جدا ً ومسار دقيقتين لا أكثر .

مريم   : دعهما يا يعقوب يذهبان لوحدهما .

كامل   : لا نريد أن نضيع عليك الوقت يا أبي ( يهمس في أذن جمال ) سوف

        نغير طريقنا إلى المدرسة لكي لا يعارضنا ذلك الطفل النائم في الطريق

 يعقوب : بماذا تتهامسان فيما بينكما ؟

سليمان : مدير المدرسة وصديق يعقوب ... يدخل فجأة بعد أن طرق على

          الباب ( ويغفل سليمان الجواب من الأولاد عن سؤاله ) السلام عليكم.

يعقوب : وعليكم السلام وألف مرحب ... ما هذه الزيارة غير المتوقعة ... يبدو

          أنك أيضا ً غائب عن المدرسة . 

سليمان : حال سماعي من مدرس الرياضة بعدم قدوم الأولاد ... سألت نفسي 

           لربما هنالك سبب هام حال مجيئهما... لهذا قررت المجيء إليكم

           لذلك يا صديقي يعقوب .

مريم   : تتدخل وكأنها عرفت أن الأولاد كذبوا عليها وعلى يعقوب وتقول ...

          حفظك الله يا أستاذ سليمان ... الأولاد يقدمون كل الثناء لك ويذكرون

          إدارتك للمدرسة بكل تقدير واحترام .

يعقوب : المدير القدير والحريص على واجباته ... هو كالراعي الأمين إذاً

          فقدت شاة من قطيعه جاب الدنيا للعثور عليها سليمة ، يلتفت إلى

          مريم ويقول ... يا مريم أين الأولاد ... أين اختفوا ؟  

مريم   : تعلم جيدا ً يا يعقوب ... أنهم في أشد المستحاة من مديرهم الأستاذ

          سليمان .

سليمان : أنا مسرور جدا ً من تربية الأولاد ... وأشكركم على الخلق الرفيع

          لأولادكم وعلى آدابهم العالية .

مريم   : هيا يا أولاد . أستاذ سليمان بانتظاركم . لا تنسوا حقائبكم المدرسية.

سليمان : يودعهم ومعه الأولاد ... أودعناكم ...

يعقوب : يا مريم ... أصبحت على يقين من أن الأولاد قد أخفوا عنا شيئا ًما .

مريم   : تحسست ذلك يا يعقوب .. إلا إنني واثقة من أن الأولاد لا يكذبون .

          ولكن هناك سببا ً لعدم ذهابهم اليوم إلى المدرسة .

يعقوب : غالب الأولاد الذين ينحرفون في سلوكهم لهم آباء وأمهات بالاسم فقط

          لا يبالون بظواهر سلبية بسيطة في سلوك أولادهم وهم في سن مبكر

          من الطفولة ... بسبب فقدانهم الحنان والرعاية الكاملة لهم .

مريم   : هذه رؤية تربوية صحيحة يا يعقوب .

يعقوب : الإنسان كأي شتلة إن لم يلاحظ الفلاح اعوجاجها في صغرها لا

          يمكن استقامتها بعد كبرها .

مريم   : كمال وجمال هما الآن في المدرسة ... يجب أن أصل إلى حقيقة

          الأمر لكي لا يتكرر ذلك عندهما ... ويجب أن يصدقا في الكلام .

يعقوب : دور الأم هو المؤثر في حياة الطفل منذ الصغر ... ها أنا نسيت نفسي

          ولا بد أن أكون في الدكان بعد ساعة مع السلامة .

 

المشهد الثاني :

          يظهر ثامر في الأزقة والطرقات حاملا ً معه حقيبته البالية، يحاول أن 

          يبحث عن والده من المارين به بدون سابق معرفة،أول رجل يصادفه.

 ثامر   : عمي ... أسأل عن بيت والدي في هذه المحلة ( وعلامات

          الحزن والمستحاة واضحة على وجهه ) وليس لي أحد سواه ...

ابراهيم : ( رجل مستطرق ) ما هذه الكآبة على وجهك يا بني ... ولما أنت

           حزين قل لي ما أسمك ... ولماذا تركت بيت والدك وما أسمه .

ثامر    : يقف حائرا ً أمام الرجل ... بماذا يجيبه ... لا يذكر أسم والده ...

          ويبدأ يردد أسم أبي ... أسم أبي ... عمي أبي تركني وعمري

          سنة واحدة ... لا أذكر أسمه ولا حتى وجهه .

ابراهيم : أين والدتك ... هل تركتك هي الأخرى وأنت صغير أيضا ً .

ثامر    : يشهق طويلا ً وينظر إلى السماء ... ثم يخفض رأسه ويقول :-

           أمي تزوجت برجل ثان ٍ ورمياني في الشارع كما ترى .

ابراهيم : كيف ترمي الأم طفلا ً بهذا العمر بدون ذنب كبير ؟

ثامر    : يا عمي ... لم أرتكب أي ذنب ... صدقني

ابراهيم : لا بد أزعجت أمك وزوجها بكثرة مشاكساتك في البيت وشكاوي

          المعلمين في المدرسة عليك كثيرة أيضا ً .

ثامر    : ( يبدأ بالبكاء ويمسح دموعه بكم قميصه ) ويقول بصوت مبحوح :-

           أي مشاكسة وأي مدرسة ومعلم يا عمي ... لقد طرداني لأني طلبت

           منهما أن أذهب إلى المدرسة ومعي حقيبة وكتب مدرسية وملابس

           جديدة بسيطة .

ابراهيم : يا بني ... أنا غريب من هذه المحلة ... ولا يمكنني ... يتنهد قليلا ً

           لا يمكنني مساعدتك بالبحث عن والدك .. خذ هذا الدينار .. ثم يتركه

           بهزة رأسه .

ثامر   : يلتفت يمينا ً ويسارا ً لعل يصادف شخصا ً يدله بدار والده، وبدأ القلق

          يشتد عليه .. وفجأة تذكر مرة أمه قالت له ( يتكلم مع نفسه ) .. أذهب

          الى والدك يونس حميد وأطلب منه أن يشتري لك حقيبة وملابس

          للمدرسة ... بدت ابتسامة مع الحزن على وجهه ... ويستمر ما قالته

          أمه عن أبيه وبصوت متقطع ومبحوح والدك هذا يونس قضى كل

          عمره يلعب القمار نهارا ً وينتقل بين الحانات ليلا ً .

          يظهر شاب ذو هندام وهيبة رجل كامل الشخصية ويقف ثامر في

          الطريق ليسأله :

ثامر    : عمي أريد أن أسألك سؤالا ً واحدا ً .

عمار   : أسأل ما تريد يا بني .

ثامر    : هل تعرف رجلا ً بعمرك أسمه يونس حميد ؟

عمار   : يونس ... يونس ... ماذا يعمل ؟

ثامر    : حائراً وعلامات الخجل بادية عليه تخونه الشجاعة، (يفرك براحتيه)

عمار   : قل يا بني ... أيعمل قصابا ً ... بقالا ً ... ( يتأنى قليلا ً ) أم معلما ً ؟

ثامر    : أبي ... أبي كان بدون عمل ( يمسح دموعه براحته ) ... أبي ما كان

           يعرف غير لعب القمار وشرب الخمر .

عمار   : لا تبك ... لا تبك يا بني ... هناك شخص قادم بمشية بطيئة ... قد

           يكون مريضا ً أو ثملا ً ... أسأله لربما يعرف والدك .

ثامر    : يقف مشخصا ً الرجل القادم وهو يترنح بمشيته . يتقدم نحوه خطوتين

           ويقول .. عمي أرجو أن تسمعني ... أرجوك ... لي سؤال واحد .

          يونس الأب : يحاول الثبات على قدميه ويتكئ على الحائط ويقول

          بصوت أجش ومتقطع ... ماذا تريد ... هيا تكلم ليس لي وقت ...

          أريد الذهاب إلى البيت .

ثامر    : هل تعرف رجلاً بعمرك اسمه يونس حميد

يونس  : يقف منتصبا ً بكل قواه ... وكأن الكلمات نزلت عليه كالصاعقة ...

          ماذا تريد من يونس حميد ... وماذا يخصك ... ومن أنت ... وما هو

          أسمك ؟ .. قل ...

ثامر    : أسمي ثامر وأنا ابنه .

يونس  : ثامر ... ثامر ... ما أسم أمك وأين هي ؟

ثامر    : أسم أمي سلمى ... أنها في غير محلة ومتزوجة برجل آخر وزوجها

          يدعى جبار ... طردني من داره .  

يونس  : يتحرك ببطء ويقول .. اذهب .. اذهب لا أعرفك ... أنا يونس ... أنا

          يونس حميد ( تغلبه الهستيرية وبصوت عال ٍ يصرخ ) اذهب وابتعد

          عني أنا لست والدك .. اذهب إلى أمك سلمى يقف مواجها ً لابنه ثامر

          ويشير إلى نفسه بيده ويقول ... انظر إلي جيدا ً .. هل أنا والدك .. لا

          لا لن أصلح أن أكون والدك كم أنا مسرور بتعاستي هيا يا ثامر ... يا

          ثامر ... أبحث عن والدك يونس الحقيقي ... ثم يختفي .

ثامر   : وقف مندهشا ً وصامتا ً كالصنم .. خائر القوى أمام هول ما سمعه من 

         أبيه الحقيقي يونس .. وبدون وعي بداء يتكلم مع نفسه ... قيمة الحياة

          بقيم الإنسانية . لا طعم لها بدون مفهوم أنساني لها الموت أفضل للذي

          فقد هذه القيم كالذي يركض وراء السراب ونحو صدى الأصوات ...

          يرى السراب ولا يلمسه ويسمع الصدى ولا يجسه كالذي يريد تسلق

          جبال من الغيوم .

سالم    : رجل في وسط العمر قبل ولوجه إلى الموقع سمع الحديث الذي جرى

          بين يونس الأب الثمل وبين ابنه ثامر ... ظل واقفا ً في زاوية من

          الزقاق .. وكلمات ثامر تحرق أحشائه عطفا ً عليه .. يتقدم نحو الطفل

          ثامر ويقول :

     ــ   سمعت ما دار بينك وبين والدك يونس ، دعني وأسمح

          لي أن أناديك يا بني ... لأنك في نظري أصبحت رجلا ً كاملا ً أن

          كلماتك ليست لطفل بعمر ثماني سنوات .. كبرت في نظري يا بني ..

          ولدت الإنسانية مع الإنسان ... وهي قيم وأعراف حية فأن ماتت هذه

          القيم والأعراف ... ماتت الإنسانية ... الإنسانية رسالة المحبة بين

          الناس ، الإنسانية تنادي كل ذي عقل ووعي سليم وتقول له ... أنا هنا

          ... أنا هنا .

ثامر   : من أنت ومن تكون من أرسلك إلي ... وكأنه غير مصدق ما سمعه .

سالم   : هيا يا ولدي ثامر ... أنا سأكون أبا ً لك وهناك في البيت أم غير أمك

          سلمى تنتظرك ... نعم تنتظرك .

ثامر   : ما هذا ... أأنا احلم ... أم أصابني الجنون ... أهي الحقيقة ؟

سالم   : نعم إنها الحقيقة يا ولدي ... أنت أصبحت ابنا ً لي ، سأكون لك الأب

         يونس الحقيقي الذي ذكرته وعمرك سنة واحدة ... لا يونس الذي رأيته

         قبل دقائق ، وسلمى أمك بعمر سنه واحدة أيضا ً لا سلمى التي أنكرتها

         حاليا ً ، هيا أدخل بيت والدك وأسعد معنا ... ها هي سلمى ( تظهر

        على المسرح وبيدها حقيبة مدرسية مطرزة وبدله جديدة ) .

سلمى : هيا يا ولدي ... تلك هي مدرستك وأبوابها مشرعة لتدخلها والحقيبة

         على ظهرك مع زملائك الأطفال .. كمال .. جمال وسالم، ( يظهرون

         على المسرح ) .

سليم   : يحضنه ويعانقه وبكل قوة يحتضن ثامر سالم وسلمى ويقبلهما.. ويعلو

         صوت لن تموت الإنسانية ... لن تموت الإنسانية .......................

بغـــداد ١٩٩٧ ...............

  لتكملة القراءة انتقل الى الصفحة التالية (3)

     


 

 

4 – الذبيحة

 مسرحية مترجمة من نص سرياني للمؤلف بعنوان(حزوه) تدور أحداثها في 

       وسط حضاري قديم ، عبر أجيال نقلت أحداثها ، كقصص وروايات ،

      عن مواقع أثرية مجهولة المعالم الداخلية حاليا ً ، وقائمة كأطلال لها صلة

      بالماضي السحيق .

تمر أحداث هذه المسرحية عبر حلم لشخص من أهل القرية القديمة التي تقع

       تلك الأطلال فيها ، يتراءى له ، وكأنه في مكان وزمان غير الذي  

       يعيشه ، ويفقد الصلة عبر الحلم بواقعه الحالي . إلى أن يصحو من

       نومه ويقص على زوجته وأولاده ما حلم به . ثم تتداخل الأحاديث

       والتعليقات بين أفراد العائلة . وأشخاص آخرين إلى أن يتوصلوا ويتأكد

       لديهم ، إن الحلم هو معجزة لما رآه الأب ، مرتبط الماضي المندثر

       بالحاضر المعايش ، وكل ما شاهده من الأماكن ، هي شخوص

       حضارية غير واضحة المعالم حاليا ً .

وهكذا تتواصل العائلة إلى اكتشاف الذات الحضارية عبر الارتباط بين التراث

       الماضي وأرضه ، وبين ما لدى الإنسان في هذه القرية القديمة من

       الأصول والأعراف الاجتماعية ذات الصلة بذلك التراث القديم . 

والمسرحية المترجمة من اللغة السريانية المحكية ( سورث ) إلى اللغة العربية تتكون من ثلاثة فصول .....

 

الفصل الأول

يشمل الشخصيات التالية :

1-  نابوسين   :     كاهن الهيكل

2-  شابو       :     شاب في وسط العمر

3-  صادوقا    :     خادم الهيك                 المشهد الأول

4-  بيليت      :     أم صادوقا 

5-  دنوبال     :     شقيق صادوقا

6-  منصور   :     الأب

7-  سارة      :     زوجته وهي بيليت في المشهد الاول

8-  دنو        :     الابن وهو دنوبال في المشهد الاول        المشهد الثاني

9-  سادونا    :     الابن وهو صادوقا في المشهد الاول 

 

الفصل الثاني

المشهد الأول :

1- منصور    :        الأب

2- نابوسين    :        الكاهن

3- بيليت       :        زوجة منصور

4- جمع من الكومبارس

5- شاب مجهول الاسم ويعـلن نشوب حريق

 

المشهد الثاني :

1-  نابوسين   :        الكاهن

2-  منصور   :        الأب

3-  بيليت      :       الزوجة

 

الفصل الثالث

1-  منصور    :       الأب

2-  سارة       :       الزوجة

3-  سادونا     :       الابن الأكبر

4-  دنو         :       الابن الأصغر

5-  يوسف     :       المعلم

***********************

1997

الفصل الأول

المشهد الأول  :

          يظهر على المسرح منصور وهو بزي فلاح وبيده مسحاة ، وفجأة         

          يصادفه شاب طويل القامة، عريض المنكبين مفتول العضلات، وهو

          بزي (كابوي) يحمل على كتفه آلة تصوير (كاميرة ) ويضع على

         عينيه نظارات شمسية اسمه ياقو. يقف ياقو ويتكلم بلهجة غريبة .

ياقـو    : هلو ... هلو عما منسور هلو كيف حالك

منصور: ( مع نفسه مستغربا) ( هلو ... هلو ... منسور ) يلتفت يميناً ويساراً

           لربما غير معني هو بالتحية وبلفظة منسور .

ياقـو    : يمد يده بسرعة، كأنه يريد أن يصافحه على طريقته الخاصة ويقول :

          هلو ... هلو ما بالك يا عما منصور ... لماذا تنظر حائراً ... أنا جاك     

          ... جاك ابن بيتر جيرانك في المحلة السابقة .

منصور: جاك ابن بيتر ... جاك ... بيتر ( من يكون ... يقف برهة ) ثم يقول

          ايها الولد  الست أنت ياقو ابن بطرس ... لم يمض عاماً على رحيلك   

          من قريتك .. جاك .. بيتر ما هذه الأسماء .

ياقو    : يا عما منسور أراك لا زلت تفكر بالفعل القديم لابن قريتي إلى الآن .

          كل شيء في العالم انقلب على رأسه وأنت تشد على ما هو بال وقديم   

        ... بطرس ... جاك ( مستهزئا  ... بطرس )

منصور: اذا كان كل شيء انقلب على رأسه في العالم . فلماذا لا زلت تمشي

          على رجليك ولم تنقلب أنت وتمشي على راسك ورجليك إلى الأعلى.

ياقو    : انظر انظر جيداً إلى قيافتي وهندامي، وسترى ماذا ارتدي من الثياب

          واحمل على كتفي الكاميرة وعلى عيني زوج من الاوبتكل البراق .

منصور: الذي يرحل إلى بلاد متقدمة أكثر من بلده ، لا بد أن يتعلم ما هو

          مفيد وجيد ويأتي به إلى بلده ...

شابا    : ( يدخل فجأة ) ويقول .. ما بك يا عمي منصور ولماذا هذا الصياح

          ولماذا ( يلتفت إلى ياقو ) ومن يكون هذا الولد .

ياقو    : انا جاك (من غير ان ينظر اليه) جاك جاك أنت أيضا لم تعد تعرفني 

شابا    : مع نفسه جاك . جاك ( ومستغرباً ) تذكرت تذكرت . الست أنت ياقو

          ابن عمي بطرس رحمه الله ... ماذا يقول لو نهض من بين الأموات 

          ورآك بهذه الحالة الغريبة وباسمك الجديد

ياقو    : ( يصرخ بهم ) ظلوا وابقوا جميعكم في هذه العقول الجامدة يا أنت .

          هيا هيا اخرج معي إلى أمريكا ، استراليا ، ألمانيا سترى غير ما هو

          موجود في هذه القرية القذرة والتي لا مستقبل للإنسان فيها

منصور: صه يا مقطوع اللسان .. كيف تتجرأ وتقول انها قرية قذرة .

شابا     : بالله عليك الذي ينكر أباه أو أمه أو يقذفهما بعبارات غير لائقة. مثلك

           ... هل هو ابن شرعي لهما . قريتنا هي الأم وهي الأب هي التي

           أنجبت الكثير من الرجال العظماء والشهداء ... تتفاخر الأجيال

           بانتسابهم إليها ... وأنت تقول إنها قذرة

ياقو     : إني قدمت إليها لأتجول بحريتي ووفق مزاجي ... وجيبي مليء

           بالدولارات ... ولن أرضى أن أعيش معكم والجوع والفقر قد ملأ

           بطونكم الخاوية ولا عمل لكم .

صادق  : ( يدخل ) ويقول ... أبي .. أبي سمعتك من بعيد وأنت في حالة

          عصبية لماذا ..... ( يلتفت إلى شابا ) ويقول من هذا الفتي يا شابا

           ولماذا يصرخ على والدي .

شابا    : صادق أخي دعه وشأنه (مشيراً إلى ياقو) لا قيمة له. هذا احدهم من

          الذين أداروا ظهرهم وتركوا قريتهم ووطنهم ... وقد عاد بدون حياء

          وبدون أخلاق .

ياقو     : لن اسمح لكم باهانتي هكذا .

شابا     : إذا كانت قريتك قذرة لماذا دخلتها ثانية، ألا ترى انك ستصبح قذراً

           مثلها .

منصور: أنت ودولاراتك لقذرون حقاً ... اسمع ما أقول ... فقير الحال

           والثري بالمال كلاهما يدفنان بقبر واحد كفنهما ذراعان من الخام

           الأسمر.. يتوقف قليلاً.. قيمة الإنسان ليست بالمال ولا بما يلبس أيها

           المغفل الجاهل ... قيمة الإنسان بعقله وأخلاقه وشرفه. 

ياقو     : ( يهز يديه ورأسه ) ومستهزئاً يقول .. أخلاق.. شرف.. عقل.. ما

           هذه الكلمات الفارغة ... المال ... المال ... الدولار هو الشرف وهو

           الأخلاق وهو العقل .

صادق  : انك بلا شرف .. هيا اخرج من قريتنا ... ابتعد ... ابتعد عن وطننا .

          آباؤنا وأجدادنا سكبوا دماءهم على هذه الأرض لن نتركها، لن نتركها

ياقـو    : يرفع يده  ويحاول الاعتداء على صادق ويقول : اسكت أنت ووالدك

           وإلا قصمت ظهركما .

منصور: ابني ... ابني ... صادق ... يقع مغمى على الكرسي .

شابا     : يصيح ... عمي منصور ... عمي منصور ...

صادق  : أبي ... أبي يحمل والده على ظهره ويخرج ومعه شابا

ياقـو    : ينزع النظارات من عينيه ويولي هارباً .

          تظهر على المسرح  بيليت امرأة عجوز تتكئ على عصا غليظة ،

          تئن وتصرخ بصوت مبحوح تتقاطر مجموعة رجال حولها وهم

          بحالة هيجان وحيرة من صراخها وتقول .

بيليت  : يا أهل القرية ، يا رجالها ويا شبانها الشجعان، اخرجوا كلكم، أين هم

          ذوو الغيرة والشهامة، هلموا جميعاً على الهيكل، ها هو العدو يقترب

         من القرية، ها هو العدو الغادر يريد أن يقتل أهلنا، لا بل إبادتنا جميعاً.             

        يزدحم المسرح بحركة من الرجال بجميع الاتجاهات مع سكون ورهبة 

بيليت  : أيها الرجال هذا هو اليوم الذي يؤكد فيه البطل الصنديد الشجاع منكم

          ويظهر من هو خائب جبان ثعلب حقير .

          منكم من يكون الأسد الجسور يحمي السور والقرية.

          ومنكم من سيدير ظهره للسور وللقرية ويرحل خائباً من غير رجعة.

          هيا جميعا نطلب من الإله سين بان يمنحنا القوة والشجاعة لنفدي

          أرضنا ونحمي قريتنا من بطش الأعداء البرابرة.

نابوسين: الكاهن يظهر فوق المسرح في وسط الهيكل على اثر الصراخ

          والجموع محتشدة أمامه وهم في قلق شديد من الأمر . يصرخ فيهم

          ويقول أراكم قد تجمعتم لأمر هام . وأنا نابوسين اقرأ من وجوهكم ما

          تريده الآلهة وفق تعاليمها وطقوسها التي أهملتموها ، وهي غاضبة

         عليكم أصغوا إلي جيداً يا عبيد هذا الهيكل .

شابو   : شاب جريء وشجاع . ينتصب في وسط الهيكل ويقول .... يا كاهننا

          الموقر ، أجدادنا القدامى شيدوا هذا الهيكل من حجارة جبلنا . ما كانوا

          ولا آباؤنا عبيداً له ، ولن نكون نحن عبيداً لأحد، إنما أجدادنا وما زلنا

          نعبد الآله سين العظيم لحد ألان .

نابوسين: أأمرك أيها الفتى يا شابو ، أن لا تقاطعني ولا غيرك ثانية ، وإلا

           سيغضب الإله سين منكم جميعاً وما بوسعي أنا، إلا أن أغادر الهيكل

           وأترككم عائداً إلى كهفي ذي ينبوع الماء، والذي يقع في صعدة

           الوادي شمال هذه الهيكل ( يدب الفزع والرعب بين الحاضرين مع

           الضوضاء والصخب )

صادوقا : خادم الهيكل يحاول تهدئة الكاهن ويقول :-

           يا كاهننا المبجل ... يا نابوسين

           كل هذه الجموع من أهل القرية رجالاً ونساءً كباراً وصغارا شباناً

           وشابات. كلهم قادمون إلى هذه الهيكل ليسمعونك كلمة توحي بها

           إليهم وما تريده الآلهة من خلال تعاليمهم ونواميسهم ، التي تقول إننا

           أهملناها نريد منك أن تسمعنا ما هو مهم ... يجب أن لا تغضب منا ،

           نحن البشر ضعفاء في هذه الدنيا (صوت من عمق الهيكل يجلجل

           ويقول )

        ــ أصغوا إلى هذا الكاهن ... أصغوا إليه ولا تغضبوا الآله سين .

نابوسين: اسجدوا ... للإله سين ، وسبحوا لإلهة السماوات في العلى .

           حركات عبادة برفع الأيدي إلى السماء ثم الانحناء مع الجسم حتى

           تلمس الأصابع الأرض ، يواصل الكلام أيها القوم :

           لن اكرر عليكم كلمة واحدة مرتين ، يجب أن يعم السكون وتنتبهوا 

           لإرادة الآلهة ، وتطيعوا تعاليمها .

بيليت  : ( امرأة جاءت لتقدم القربان والذبيحة للإله سين ) وتقول ... أيها

          الكاهن الموقر .. ارجوا منك أن تقبل هذا الثور، وتقدمه أنت، قرباناً

          وذبيحة لإلهنا سين كنت عاقر ولمدة خمس سنوات، ونذرت له ثوراً

          إن وهبني طفلاً. وها هما صادوقا ودنوبال ولداي الشابان هبته التي

          لا يمكنني إلا أن أسدد ما بذمتي بعد هذه الفترة الزمنية الطويلة.

شابو   : والنذور والقرابين، مقررة من أزمنة أجدادنا القدامى وعلينا ان نحترم

          ذكراهم وما قرروه .

نابوسين: لقد سمع إلهنا سين كلامك وقبل نذرك قبل أن تنبس به شفتاك يا

           بيليت.

           صوت من الهيكل يعلو ... ( مبارك أولادك مبارك أولادك )

الجموع : سبحانك يا سين سبحانك يا سين .( مع حركة عبادة )

نابوسين: إلهنا سين ، ينظر إليكم من فوق العلو ويقول يجب أن تقدم ذبيحة

           واحدة قرباناً لهذا الهيكل ، بسفك دم شاب منكم أمام هذه الشجرة

           المقدسة. إن البرابرة نوت على إبادة أهل القرية وحرق بيوتها وإزالتها

           من الوجود. وأجدادكم منذ القدم ، دافعوا عنها وصدوا الأعداء بدمائهم

           الزكية ، كنذر عليهم ، والإله سين سحق الأعداء وأبادهم في عقر

           دارهم ، وبقيت قريتكم مع أهلها شامخة كطود من الجبل من ذلك

           الزمان وحتى الآن .

صادوقا : أيها الكاهن الجليل . أنا أقدم نفسي قربانا ً وذبيحة لإلهنا سين ... إن

            قريتنا عزيزة علينا جميعا ً ويجب أن نفديها بدمنا . فأمر جلادك بأن

            يقطع رأسي بسيف ويسفك دمي أمام هذه الشجرة المقدسة .  

دنوبال  : لا أيها الكاهن ... ها أنا أحق من أخي صادوقا الأكبر مني وأقبل بأن

            يسفك دمي أمام الشجرة المقدسة ... والتي هي رمز الحياة لنا

صادوقا : يتقدم نحو الشجرة ويقول ...

           لن أخطو خطوة واحدة إلى الوراء حان موعد سفك دمي ... ليحمي    

           الإله سين قريتنا وأهلنا من بطش البرابرة الظلام ... وداعا ً يا أبي .    

           وداعاً يا أمي الحنونة التي علمتني كيف أحب قريتي وكيف أدافع عن    

           ترابها النظيف. وداعا يا أهل قريتي وأصدقائي وخلاني ها أنا اليوم    

           سعيد ويغمرني الفرح بأن أكون فداء لقريتي وذبيحة لإلهنا سين .

بيليت   : يا اله سين اقبل ولدي البكر الذي وهبته أنت لي قربانا لك وبكل    

           تواضع مني أمام قدسيتك

دنوبال  : يرثي أخاه بقصيدة هذه أبياتها ويقول :

           وداعا وداعا يا أخي

 أناديك ودمك المسفوك

 ذكراك صوت يسمو

 ورب القرية يناديك

 أنت وسام ساطع

 قبب السماء تحييك

 أنت في الذرى

 شموخ الشجرة من شموخك

 نم قرير العين

 لن تغيب ذكراك

وداعا وداعا يا أخي

ليتني رافقت خلودك

نابوسين: أيتها الأم مبارك حملك ... اله سين يقول ... سيبقى صادوقا ابنك

            رمز القرية الخالد .

         أصوات تعلو في الهيكل  ...

            كلنا صادوقا ...

            كلنا صادوقا

     سبحانك يا سين ...

     سبحانك يا سين , يا عظيم ( مع أداء الحركات العبادة ).

تسدل الستار

 

الجزء الثاني :

منصور: يستيقظ منصور من نوم عميق مذعوراً وهو يصرخ ويقول ولدي ... 

          ولدي سادونا أين أنت ولدي سفكوا دمك سارا ... دنو ... سارا

سارا   : تدخل فجأة على اثر الصراخ والمناداة ها أنا يا منصور ها أنا بجانبك.

          ما الأمر ... بالله عليك ماذا حل بسادونا ابني .

سادونا  : يدخل مذهولا وبحالة فزع ويقول :-

          جئتك يا أبي ... ها أنا هنا ... أنا ابنك سادونا .

منصور: دعني أراك هيا يا ولدي هيا ... يمد يده نحو رأسه ورقبته .

دنو     : يدخل وهو يرتجف من الخوف ... ويقول :-

          أين أبي ... ما بك أنا هنا يا أبي .

منصور: يتكلم مع نفسه بصوت خافت وعلامات الخجل على عينيه ويقول   

          شكرا لك يا الهي ... أين كنت وبأي زمان ومكان كنت وكلهم كانوا  

          معي ... لماذا أصابني الفزع .

سارا    : بماذا تتمتم يا منصور ... نحن هنا معك سالمين عن أي مكان تتكلم .

سادونا  : عن ماذا تتكلم مع نفسك يا أبي ولماذا تبحث في رأسي ورقبتي

          علامات التعب واضحة عليك .

منصور: لا  لا  يوجد أي شيء.

سادونا  : يا أبي ها هو الجهد والقلق قد غطيا وجهك ... أتشكو من شيء اخبرنا

          يا أبي .

سارا   : لابد أن شيءً وهو نائم قد أزعجه كثيراً .

سادونا : لابد إن أبي متألم من حلم حزين .

دنو    : يا أبي كنت تتكلم مع نفسك وأنت نائم ولهذا أنت في حالة قلق وتعب

         شديدين .

منصور: ( تأكد لهُ إن الأولاد والأم لا يشكون بأنه كان يحلم حلماً غريباً )

         أولادي الأعزاء ، أقول لكم إن في هذه الدنيا ما هو عجيب وغامض،

         يصعب على عقل الإنسان تفسيره أو تحليله ، وقد يصيب المفكر بها،

         بالجنون والمس . ولكن لا يمكن لأي إنسان أن يجمد فكره ، لأنه

         يجب أن يتحكم بما هو حوله .

سارا  : كم من قبلك قد سبقوك ولم يتوصلوا إلى شيء . ما تركوا لنا أجدادنا من

         المعارف تكفينا وجهد التفكير لا يوصلنا إلى هدف .

سادونا : لا يمكن للإنسان أن يوقف تفكيره وهو حي يرزق، ولا أن يضعه في

         قفص كطير صغير .

دنو    : أنا أصغركم سناً، ولكن كثيراً ما افقد الوعي بسبب التفكير ببعض

         الأمور العجيبة .

سارا   : ما هذا المنزلق الذي أوقعت أولادك به، من جراء الحديث عن عجائب

         الدنيا، أخيرا ً نسقط في التيه جميعاً ونخسر ما نحن توصلنا إليه .

منصور: أحيطوا بي يا أولادي ، وأنت يا سارا تربعي أمامي سأقص لكم ، ما

          سمعتموه مني وأنا نائم ، كان حلماً عجيباً .

سارا    : وهل كان حلمك رؤيا أم معجزة من المعجزات الخارقة للعقل .

سادونا  : يا أمي دعي والدي يقص علينا ما حلم به ، لا تقاطعيه خشية أن ينسى

         بعضاً منه .

منصور: أمكم سارا لا تصدق أي شيء ما لم تره بعينها وتلمسه بيدها .

سارا    : قل ... قل ما تشاء ، لنرى كم من المنجمين سيفسرون حلمك .

منصور: يا سارا ... أصغي قليلاً على ما سأقول ، وتحلي بالصبر . لا سابق

          لحلمي في عالم الأحلام .

سارا   : سمعا وكما تريد .

منصور: وجدت في حلمي وكأنني مولود في مكان غريب جداً مضت سنون    

         كثيرة وانتم معي في مجتمع لا يمت بأية صلة إلى مجتمعنا الحاضر،

         بعاداته وتقاليده، وشرائعه الدينية . يعبدون عدة آلهة لأشياء في

         الطبيعة، وبأسماء مصطفاة وكأننا في زمان ومكان لما قبل آلاف

         من السنين ، ولكن كثيرا من الأسماء لتلك الآلهة ، معروفة لدينا حاليا 

         وبدون وظيفة دينية ، كما كانوا يولونها من مكانة مقدسة .

سادونا : لأي مكان وزمان ستنقلنا يا أبي . يا ليتني وأخي دنو معك فيه .

دنو    : منذ قديم الزمان ، كثيرا من الفلاسفة والحكماء ، يقولون إن العالم قديم

         جدا ، وقد حصلت صراعات وحروب بين مجموعات بشرية ، بسبب

         سطوة الملوك والحكام وأطماعهم بأرض بعضهم البعض .

سارا   : أصبحت اشعر إنني أسيرة كلمتك، ها أنا أصغي إليك بكلتا أذناي يا

          منصور .

منصور: أنا حذر يا سارا من أن تفقدي توازنك بسبب فقد الوعي من شدة

         الإصغاء ، وتطيرين عاليا إلى مكان حلمي (يلتفت إلى الأولاد ويقول)

         في يوم ما رأيت نفسي وانتم معي أمام هيكل عظيم ببنائه وعلو سقفه

         الشاهق ، مع حشد كبير من الرجال والنساء لمختلف الأعمار . وهم

         جالسون على الأرض ، وبسكوت يشوبه الوجل والوقار .

المنادي: وفجأة نهض شاب من بين الجمع وصعد إلى وسط الهيكل ، ونادى

         بصوت جهوري ... أيها الجمع المحتشد هنا في هذا الهيكل المقدس ،

         نحن بانتظار رجل ذي لحية ثلجية كثة ، مرتديا ً ثوبا ً طويلا ً حتى

         أخمص قدميه ، وبيده عصا طويلة من جذع شجرة البلوط أنه كاهن

         الهيكل الجليل نابوسين، عم السكون والرهبة ، والكل توجهت أبصارهم

         صوب وسط الهيكل وهم بفارغ الصبر للقياه ، وبعد برهة وجيزة دخل

         رجل ذو قامة طويلة عريض المنكبين وبلحية بيضاء تغطي نصف

         صدره ، وبوجه مستدير وبجبهة عريضة زحف الشعر الأبيض إلى

         نصفها العلوي وبعينين جاحظتين ، مرتديا ً ثوبا ً وبيده عصاه كما قال

         المنادي .

سارا    : من هو هذا الرجل يا منصور ... وبهذا الوصف أهو ملاك .

منصور: يواصل الكلام ... غير مكترث لسؤال سارا ويقول ... وطئت قدماه

         المنتعلتان نعالا ً من جلد السمك ، وسط الهيكل وقف صامتا ً ، ثم رفع

         يده اليمنى القابضة على العصا تحية صامتة للجمع الكبير ، وعلامات

         وجهه تقرأ أن هناك حسابا ً وعتابا ً على كل واحد منا ، أليس من

         الأفضل أن ننتقل سوية ً إلى ذلك المكان والزمان ونشاهد لا بل نعايش

         الأحداث كما وقعت ، هيا بنا يا أولادي هيا ...

 

الفصل الثاني

المشهد الأول  :

       يظهر الكاهن نابوسين على المسرح في وسط الهيكل ، والكل في صمت

       عميق وبعد نظرة حاذقة بالحاضرين وقف وبصوت عال يقول :-

نابوسين : ذكر كبير الالهه أعمالكم المنافية والبعيدة عن الطقوس والتعاليم

       الدينية ، وتناسيتم تقديم القرابين الأربعة للآلهة سنويا ً ، كما جاء في

       الشرائع المقررة من مجلسهم كما ذكرت سابقا ً .

       ها أنا أبلغكم بغضب الآلهة عليكم ما لم تقدموا هذه القرابين والذبائح 

       في الزمان والمكان التي سأقرؤها مجددا ً عليكم.

       ( بلبلة بين الحاضرين )

       أصغوا إلي جيدا ً ولا تحدثوا أصواتا ً غريبة، الذبيحة الأولى تقدم فوق

       الجبل الأخضر، تنحر ثلاثة ثيران بيضاء، ويطبخون فوق نار من

       قصب البحر مشبعا ً بالبخور ، لتشم الآلهة رائحة المسك والعنبر وتحوم

       حول القربان وتباركه .

       تعلو أصوات من الجموع

       ( سنقدم القرابين ، سنقدم القرابين )

       ثم يواصل الكلام ويقول :-

       وأن اليوم الأول من شهر نيسان هو المخصص لتقديم هذه الذبائح ، لأنه

       يوم تحديد الزمن ، ويقام فيه احتفال كبير لأنه يوم اله المطر والزرع.

منصور: أيها الكاهن، إن الثور الأبيض غالي الثمن، والشعب فقير الحال،

       وخاوي الكفين، نطلب منك أن تجعلهما ثورين سوداوين، ونفي بوعدنا

       بتقديم الثيران البيضاء الثلاثة حال تحسن معيشتنا.

نابوسين: لا تغضب اله المطر والزرع .

       أصوات ً تنادي ( اله المطر والزرع رحيم رحيم )

بيليت: يا كاهننا الموقر ، اسمع الالهه أصوات الفقراء والمساكين ورجاءهم

      بقوانين أكثر رأفة بهم إن الجفاف والقحط وحشرة السونة هلكت مزارعنا

نابوسين: اله المطر والزرع رحيم بكم والزروع ستنمو

       فجأة يسمع صوت قادم من الخارج يصيح بصوت عال ويقول:-

       (يا أهل القرية، يا أيها المجتمعون ... الزروع تحترق الزروع تحترق)

نابوسين: ها هي خطاياكم تنتصب أمامكم ، اله النار يوقظكم لتنتبهوا إلى

        أعمالكم غير المرضية .

بيليت: يا كاهننا الجليل ... نتوسل إليك أن تطلب من اله النار ، بأن يرحم

       هؤلاء الأطفال والشيوخ والعجائز ويطفئ نيرانه ، فبحرق الزروع

       موت وهلاك لهم جميعا ً.

نابوسين: لينهض أربعة من شبابكم ويسقوا النار بالماء وينطفئ الحريق .

       هلموا وصلوّا معي ليغفر إلهنا سين ذنوبكم

       ( تبدأ الصلات الجماعية مصحوبة بحركات العبادة )

       ويقولون اقبل توبتنا يا منير      اقبل توبتنا يا قدير

       لك كل القرابين منا في المكان والزمان وكما تشاء يا نابوسين

نابوسين: ها هو اله النار قد رضي منكم وقبل توبتكم كونوا معي وأصغوا إلي

       جيدا ً ، الذبيحة الثانية هي ... أن تحرقوا ثلاثة أشجار للتفاح الأحمر مع

       ثمارها وأوراقها الخضراء ، وذلك فوق الجبل الأصفر ، وذلك في اليوم

       الأول من شهر تموز ، بهذا اليوم ارتكبت الخطيئة الكبرى ، ولازال

       الأحفاد يدانون بها إلى الآن.

منصور: يا كاهن هيكلنا ... أي خطيئة يرتكبها الأجداد ويدان بها الأحفاد عبر

       أزمنة بعيدة ... بسببها فقدنا جنة الخلد ، نحن أبناء البشر شقاة أيكره

       أحفاد الطيور والأسماك والحيوانات البرية بسبب أفعال أجدادهم ، وهم

       مخلوقات مثلنا ، ينعمون بنعم الأرض وبدون شقاء . ؟

نابوسين: ( يصرخ حانقا ً ) للإنسان العقل والتفكير ، وله الإرادة والخيار،

       يميز بين صالحه من طالحه ، بتفكيره وإرادته ، أما البهائم والطيور

       والأسماك ، هم مسخرون من قبل الإنسان وهم حاجته بدون إرادتهم،

       لأنهم لا تفكير لهم ولا إرادة في الحياة .

       هكذا تقول الآلهة . حياة الإنسان بلا قوانين.

       تعني بلا ضوابط ، بلا شرائع ، وبلا طقوس.

       القوانين توحدهم وتقودهم إلى العمل الصالح. 

       وتجنبهم الشر فيما بينهم ... كثيرون يحاكمون بخطايا صغيرة

       وقليلون قد يحاكمون بخطايا كبيرة ... أصوات ً تعلو وتقول :-

       ( صدقت يا كاهننا صدقت )

نابوسين: دعوني أصلي لوحدي في هذا المكان ثم أعود إليكم ثانية ً لأكمل

       الخطبة التي تملى عليكم قوانين الالهه .

 

المشهد الثاني :

يظهر نابوسين في وسط الهيكل وعلامات عدم الرضا على محياه ويقول :

       ها أنا أعود لأتلو عليكم ما يجب أن يكون القربان الثالث ، والذي هو

       نحر أسد واحد بلونين الأبيض والأسود ، ويحرق دمه بنار الكبريت

       وأوراق شجر الزيتون ، ودخانه يهب كالريح في أعالي السموات ليوقظ

       الالهه من سباتهم ، ويتداركوا الأمر للبشرية ورعايتها من انهيار

       المستوطنات التي قامت وفق الأنظمة والضوابط منذ البداية .

منصور: أيها الكاهن نابوسين يصعب الحصول على أسد بلونين في منطقتنا ،

       كما انه حيوان قوي بعضلاته ، وهو قادر أن يمزق ثورا ً كبيرا ً ، كما

       أنه يفتك يوميا ً بعدد من رؤوس الماشية ولا ينجو الإنسان من شر فكيه

       القويين .

نابوسين: إن الإنسان ليس قويا ً بعضلات يديه ولا فكيه ، إن سلطانه ينفذ إلى

       أعماق البحار وأعالي الجو ، وبعقله يحول الجبال إلى سهول . إن قوة

       الأسد العضلية لا تساوي شيئا ً أمام قوة عقل الإنسان التي يقهر الطبيعة

       بها ، ولا اكرر الجملة مرتين .

بيليت: أنا أقول لك بعقلنا سنقتل هذا الأسد ونقدمه ذبيحة وقربانا ً كما أمرت

       أيها الكاهن .

نابوسين: اقتربوا ... هيا اقتربوا مني جميعا ً ( يهدد بالعصا ) يجب أن تكونوا

       أقوياء بالعقل لا بالجسم ، لان قوة العقل قوة الالهه ولا تقهر .

       إنكم بحاجة إلى الالهه ، عليكم تأدية طقوسها كاملة هلموا أكثر قربا ً

       إليّ ، لتسمعوا جليا ً القربان الرابع والأخير ، والذي ستقدمونه في

       الوديان والسهول أينما وجدت وذلك في اليوم الأول من شهر تشرين

       الثاني من كل عام .

       وفي هذا اليوم يجب أن تدفنوا تحت التراب الرطب شابة عذراء وشاباً

       بلغ العقد الثاني من العمر وهما أحياء على أن تعلو الزغاريد والهلاهل

       منكم وبرفق المزامير التي تقول ..... سبحانا ً – سبحانا ً ... لإله المطر

       ... سبحانا ً لإله الزرع .

بيليت: تنهض فجأة وتقول ... سفكنا دم أعز شبابنا قربانا ً أمام الشجرة ......

       أيها الكاهن الفاضل – أتدفن الأحياء تحت التراب ، الست أنت أبا ً

       وزوجتك أما ً مثلنا نحن الآباء والأمهات . هل تسمح أن يقبر أبنك ومعه

       أبنتك تحت التراب أحياء ، إن الالهه رحماء في قلوبهم وأخيار وكرماء

       في عطائهم . ( صوت يجلجل في الهيكل ويقول ) :-

       ( قبلت قرابينكم ... قبلت ذبائحكم )

نابوسين: إن هذه القرابين رموز يجب أن تقدم في المكان والزمان المبينين

       لكم.. ليس لي سلطان ولا طاقة زائدة أكثر مما سمعتموه ، وما قدمته

       لكم ليس من عندي ، للالهه حق العقاب من المتمردين على قوانينهم 

       وطقوسهم أو إعفاؤهم منها ، وليس شيء آخر أضيفه لكم وما عليكم إلا

       الطاعة  للإله والى اللقاء ... إلى اللقاء .

 

المشهد الثالث :

           يظهر على المسرح منصور وسارا

منصور: كان من الصعب علي أن أخفي عليكم جزءاً من حلمي هذا ، فما

          رأيك به يا سارا .

سارا  : حقا ً انه حلم عجيب يا منصور ، يكاد أن يكون رؤيا لا بل في نظري

         معجزة ... ليتني معك في الحلم .

منصور: أين ذهب الأولاد ... أين اختفوا

سارا  : منذ اللحظة التي بدأت الكلام عن الحلم ، خرج كلاهما ولم يقولا إلى

         أين ... إلا أني سمعت سادونا يقول لأخيه دنو إن أصدقاءهم في

        انتظارهم في البيدر.

منصور: بهذا الجو الممطر والسماء مغلقة بطبقة من الغيوم السوداء ...

        سيمرضون من شدة البرد وغزارة المطر والذي بدأ يهطل كأنه

        مزريب لا ينقطع .

سارا  : ما بمقدوري أن أعمل ، أهم أطفال رضع ؟ دعهم وشأنهم

منصور: تابعت أثناء حديثي كيف كان سادونا مشدودا ً شد الطفل لصدر أمه،

        وكأنه في عالم آخر ، وقاطعني كثيرا ً .

سارا: لماذا لا تقول إن دنو ظل كالعاشق لحورية البحر، لا يعي أين هو الآخر

       ،يدخل سادونا ودنو، وهما بحال يرثى لهما، ثيابهم تعصر ماء ووجههما

        كأنها مطلية ملطخة بالطين .

سارا   : ما هذا يا ولدي ّ ، إنكم مبللون ومطينون من سمت الرأس إلى أخمص

        القدمين .

منصور: يا أولادي أبهذا الطقس الممطر والبارد تخرجون مع الأصدقاء إلى

         البيادر ، يا سارا هيئي لهم الملابس النظيفة واليابسة .

سادونا : أبي ما كنا في البيادر، وإنما كنا في كهف الماء القريب من القرية

         والذي في أسفله الربوة الترابية الكبيرة .

دنو   : نعم يا أبي ويا أمي .. لقد عثرنا على الكوات الموجودة في هذه التربة،

         والتي كان طير السنونو يدخل إلى الهيكل الموجود تحتها .

منصور: سادونا ... دنو ( بحالة تعجب ) أي هيكل أي سنونو عما تتكلمون

         ومن قال هذا ؟ 

سادونا : كنا في كهف الماء يا أبي ، وما ابتعدنا عن الكهف في طريقنا إلى

         البيت ، حتى هطلت من السماء أمطار غزيرة كالسيول .

دنو    : أسرعنا في المشي، وقرب الربوة، انزلقت رجل أخي سادونا وخسفت

         الأرض تحتها ، ولم يكن بإمكاننا ، لا العودة إلى الكهف ولا الحماية

         تحت صخرة ... فوجدنا في موقع الانزلاق فوهة دن كبير ، وكأن

         المطر كالمنخل فوق رؤوسنا ، فأخرجنا الدن بصعوبة بالغة وأفرغناه

         من التراب الناعم وعثرنا على هيكل لعظام الإنسان وقطع سوداء من

         الحديد .

منصور: أرني إياها ... يبدأ بتنظيفها من طبقة التراب ويقول انظروا ...                       

          أنظروا ... إنها ليست قطع من الحديد ، يبدو لي إني كنت في رؤيا

          حقيقية يا أولادي ويا سارا .

سارا    : ما هذه الرقائق يا منصور.

منصور: هاكم هذا الوجه يبدو براقا ... اقسم بالعظيم إنها كتابة كالتي كانت

         منقوشة في أعالي الهيكل، وكذلك الوجه الآخر ... إنها صورة لأحد

         الملوك في ذلك العصر ... يا للعجب ... يا للقدر.

سادونا  : أبي، كنت حقا ترى رؤيا لا بل معجزة حقيقية لا حلم .. سطح هذه

         الربوة تسمى ( فراش الحرامية ) وان الهيكل الذي رأيته في حلمك هو

         تحت هذا السطح لهذه الربوة .

دنو   : لقد قلت ان كاهن الهيكل، بعد أن أكمل خطبته عليكم توجه الى صومعة

         في كهف كبير فيه ينبوع ماء صغير ... يقع فوق الهيكل ...

منصور: أي يا ولدي أراك جادا ً بقولك بان الكهف الذي كان وسط غابة وسط

         الأشجار المثمرة ، هو نفس كهف الماء الموجود في أعلى الربوة ،

         أليس كذلك ؟ وا أسفاه عليك يا كهف الماء ، ماذا حل بك ؟

سارا  : إذن كلما شاهدته في حلمك من مكان في الماضي السحيق موجود في

         قريتنا .

منصور: لا بل هي بذاتها ، لأنها قرية قديمة جدا ً ، ونحن يوميا ً نصول

         ونجول في هذه المواقع ولا نعلم بان تحت الربوة هيكل عظيم ، وأن

         كهف الماء كان يوما مسكنا لكهنة هذا الهيكل .

سادونا : كان هذا الهيكل مشيدا ً باسم الالهه ( سين ) ، ولا زالت الأراضي

         القريبة من القرية جنوبا ً تسمى أراضي ( سين ) أي إنها كانت ملكا ً

         لذلك المعبد . وكذلك في قريتنا القديمة يوجد محلة باسم محلة سينا .

منصور: كم أنا مسرور ، وأي بهجة دخلت قلبي .هلموا معي جميعا ً وأنتم يا

         سامعيني دائما ً لنحفر ونكشف هذا الهيكل العظيم ، انه رمز أجدادنا

         القدامى ، رمز إيمانهم ومحبتهم بأرضهم وقريتهم .

سادونا : أبي القوانين الأربعة التي قرأها الكاهن عليكم ... ماذا تعني ... ؟

دنو    : لقد سمعت يا أبي من أحد أساتذتنا في المدرسة يقول إن السنة في بابل

         وأشور كانت تبدأ في الأول من شهر نيسان من كل عام .

منصور: نيسان ... نيسان . شهر الخضار وحلة ٌ من الورود الحمراء ، أي يا

          ولدي دنو وماذا أضاف أستاذك .

سارا   : كم أشتاق إلى أيام هذا الشهر الجميل ...

يوسف : المدرس يدخل فجأة ويقول :-

        السلام عليكم. سمعت يا عمي منصور بحلمك العجيب والكل يتكلم عنه.

منصور: وعليكم السلام بالأستاذ يوسف تفضل بالجلوس . كان دنو أبني يتكلم

          عنك ، يبدو إن الله أوعز بقدومك إلينا .

يوسف  : حام حلمك في جميع أجواء القرية ودخل كل بيت يا عمي منصور .

منصور: إن هذا الحلم جعل الجميع يفكرون ويسألون كيف تمكن أجدادنا من

         إقامة هذا الهيكل ونحت هذا الكهف .

         كم كان الإيمان والتضحية من أجل عقيدتهم قويين .

يوسف : ان نحر ثلاثة ثيران بيضاء فوق جبل أخضر وتقديمها قربانا ً لاله

         المطر والزرع هي رمز عطاء أشهر الربيع من الغلة الزراعية وأثمار 

         الأشجار الدائمة للإنسان كما يعم الفرح والوئام بين الناس وتتآزر

         المعرفة بينهم أن يقبل الكثير من الشباب والشابات على الزواج وتسود

         المحبة في المجتمع .

منصور: إني في غاية الفرح من تفسيرك هذا يا أستاذ يوسف .

يوسف : أما ثلاثة أشجار التفاح الحمر وحرقها مع ثمارها وأوراقها ، هي

         أيضا ً رمز الحكمة للإنسان بان لا تستهويه الألوان وينبهر بها ويفقد

         صوابه، على هذا الكائن العاقل أن يفكر بان الجوهر في لب الأشياء لا

         في قشورها ، أما الجبل الأصفر ، فأنه رمز لهذه الأرض التي نعيش

         فيها بشقاء وعذاب وبلا راحة بال لأننا نفتقر للعقول النيرة لكي تنظم

         حياتنا بشكل أفضل ، إن هذا الجبل الأصفر ذهب صافي يمكن أن ينال

         منه كل واحد ما يحتاجه وفق القسطاس ، وذلك الميزان الذي لا يبخل

         على أحد ولا يفرق بين واحد وآخر ولأي سبب كان ويعيش كل الناس

         سعداء وفي ظل السلام والمحبة .

منصور: انك من الحكماء يا أستاذنا المحبوب . ولكن أريد أن أسالك ما معنى

         نحر الأسد الأبيض والأسد فوق جبل احمر وحرق دمه ؟!

يوسف : الأسد بحد ذاته رمز القوة الجسدية بين جميع الحيوانات والذي لا

         ينصف أحدا ً عند استعماله لهذه القوة لأنها صادرة من عضلات وليس

         عقل مقتدر للتفكير والتمييز بين عمل الخير وعمل الشر وبه يضرب

         المثل (عندما يعتدي القوي على الضعيف وتسمى هذه الظاهرة

         سلوكية غير الإنسانية بـ ( شريعة الغاب).أما حرق الدم فوق الجبل

         الأحمر. فان اللون الأحمر يمثل الصراع القاتل بين الأجناس والدم

         يمثل أداة الصراع المدمر أي السلاح الفتاك الذي إذا لم يفكر الإنسان

          العاقل بالقضاء عليه ... حلت يوما ً الكارثة واختفت البشرية .

منصور: أيها الأستاذ المحترم ... ماذا يعني دفن شاب وشابة أحياء تحت

           التراب الرطب لقد حيرني هذا اللغز المحير .    

يوسف : انه رمز يمثل تلك الحبوب المنقاة التي يبذرها الفلاح على الأرض ...

           ينمو منها زرع ٌ ذو غلة وافرة غنية في مادتها الغذائية تسد حاجة

           الإنسان على السواء من دون تمييز أيضا ً .

منصور: أي شكر وأي تقدير أقدم لك يا أبا الحكماء ، هلموا يا إخوتي

           وأخواتي لننشد وبصوت عالي نشيد الوطن نشيد الأرض هلموا ..

حلمنا رؤيا           لوطن الزمان

مجدنا قبلة            لكل الأوطان

خيرات بلادي       عوناً للناس كان

ربيعه مـورق        وعامه نيسان

حلمنا رؤيا           لوطن الزمان

مجدنا قبلة            لكل الأوطان

عبر القرون          لم يستكان

أسد رابض           ملك التيجان

حلمنا رؤيا           لوطن الزمان

مجدنا قبلة            لكل الأوطان

للأرض والثرى     حارس يقضان

مـوثــق تاريخه      مرآة وجدان

حلمنا رؤيا           لوطن الزمان

مجدنا قبلة            لكل الأوطان

عداء الزمان         عداء الزمان

كالمهر يصول       صنديد لا يهان

حلمنا رؤيا           لوطن الزمان

مجدنا قبلة            لكل الأوطان

  لتكملة القراءة انتقل الى الصفحة التالية (4)

 


 

 

5 - حلم كوديا

مسرحية تاريخية ذات طابع ميثالوجي ( أسطوري ) تظهر على شكل حلم لأحد أشهر ملوك مملكة لكش وهو الأمير ( كوديا ) الملك الثاني من مجموعة السلالة الثانية والتي حكمت في لكش من ٢٣٤١ إلى ٢١١١ ق.م ، وكوديا الذي كان ملكا ً ورفض هذا اللقب وسمى نفسه بالأمير فقط ، حكم من ٢١٤٤ إلى ٢١٢٤ ق.م ، يوضح في حلمه القيم والطقوس والمراسيم الدينية التي كانت سائدة أواسط الألف الثالث ق.م ومدى تأثيرها على البنية التحتية لمجتمع مدينة لكش ورسوخ بعض شرائحه إلى طبقات ، منها الملوك والكهنة وانتسابهم إلى منزلة الآلهة التي كانت تعبد في العراق القديم زامنت الحضارة السومرية ثم الأكدية وامتدادها إلى البابلية والأشورية وبقاء تأثيرها حتى القرن السابع ق.م .

تتكون المسرحية من ثلاث مشاهد .

 

شخصيات المسرحية :

الراوي  :  وهو الشخص غير الظاهر ويروي بعض وقائع الحلم .

كوديا    :  الأمير .

ناتشية   :  الآلهة المفسرة للأحلام .

.... القــوش ٢٠٠٧

 

المشهد الأول :

         يظهر كوديا على خشبة المسرح قابعا خلف ستارة خفيفة يعكس ظلها  

         بوضوح بدون حركة وكأنه يحلم بتحرك بطئ مع صوت الراوي حال

         ذكره سلالة لكش الثانية ...

 

الراوي : تؤكد مخلفات الحضارة الرافدينية القديمة إن من عام ٢٥٧٥ حتى

         عام ٢١١١ ق.م ، قامت مدن كبيرة وعظيمة في وادي الرافدين من

         السومريين ، وحكم عدة ملوك وأمراء فيها عبر جيلين ضمن الفترة

         التاريخية أعلاه عدة سلالات ومن مدنها المشهورة مدينة لكش .

         ( توقف بسيط مع عزف منفصل للحن خفيف وهادئ ) ...

       أيها الجمع المبارك: لنسمع ماذا جرى باختصار خلال هذين الجيلين بدءاً 

         بالجيل الأول الذي امتد من عام ٢٥٧٥ حتى عام ٢٣٤١ ق.م ، حكم

         فيها ١٢ ملكا ً ، مدينة لكش كانت المدينة التي قام فيها عدة ملوك

         وأمراء حكماء وأقوياء ، آثار هذه المدينة واقعة في المنطقة الجنوبية

         من العراق الحالي قرب مدينة – الشطرة – ضمن محافظة ذي قار

         ( الناصرية ) .

         الجمع الكريم: مساحة مملكة لكش كانت قرابة ١٦٠٠٠٠٠ متر مربع،

         قامت فيها ( ١٧ ) مدينة أكبرها مدينة لكش ... الملك اوركيجان كان

         آخر ملك من الجيل الأول والذي دام حكمه ( ٢٤ ) عاما ً من ٢٣٦٥

         حتى عام ٢٣٤١ ق.م .

         ( توقف قليل مع عزف منفرد وهادئ ... يصاحبه ... تملل كوديا في

         سريره واستعداده للنهوض .. ) 

الراوي : الجمع العزيز ... ها قد وصلنا الجيل الثاني الذي بدأ في مدينة لكش

         من عام ٢٣٤١ حتى عام ٢١١١ ق.م فيها أيضا ً عدة ملوك وأمراء

         حكماء وأقوياء وأشهرهم الملك الثاني . كوديا الأمير – والذي دام

         حكمه من عام ٢١٤٤ حتى عام ٢١٢٤ ق.م بعد وفاة والده الأمير

         الأول – أور بابا – والذي دام حكمه من عام ٢١٦٣ حتى عام ٢١٤٤

         ق.م .أيها الجمع الكريم: أسم كوديا يحمل معنى ً خاصا ً عن باقي

       الأسماء في ذلك الزمان ... كان يعني ( الرسول ) باللغة السومرية

       وكان منسوبا ً إلى الإله – ننكرسو – كبير آلهة مدينة لكش ، كوديا

       الأمير اختير من بين ( ٢١٦٠٠٠ ) شخصا ً من وجهاء مملكة لكش ،

       تزوج كوديا الأمير من الأميرة ( نن اللا ) ابنة الأمير اوربابا أيها الجمع

       المحب ... قال الأمير كوديا ... أنا اله مملكة لكش ... ولكن رفض أن 

       يوثق اسمه كملك ... كما قام به ملوك مدينة أور الجيل الثالث من بعده ، 

       وكان والده وأمه يحملان الصفة الإلهية ، أمير كوديا كان ملكا ... وأبا

       إلا أن ينادى باسم الأمير كوديا . وهكذا يقراء التاريخ ... بأن أسم كوديا

       جاء باختيار الالهه ( ننكرسو ) لعرش مملكة لكش .

       وتقول المصادر التاريخية بأنه عثر المنقبون على الكتابة المكتوبة من

       قبل الأمير كوديا والتي يقول فيها :-

   ـــ ( أنا كوديا أبن الإله ننكش زيدا ) الإله الخامس لمدينة لكش ... والذي

       تزوج وفق طقس مقدس والذي كان يربطه الكهنة بين الرجل كرمز لإله

       الخصب وبين المرأة كآلهة الخصوبة، ترك كوديا أكثر من ثلاثين تمثالا ً

       له ... نحتت من الحجر الأسود والكتابة باللغة السومرية ... مبينا ً فيها

       ما قدمه من الأعمال الجليلة لمملكته وشعبه ...

الجمع العزيز :-

       أمير كوديا طيلة حكمه نشر الأمن والسلام في ربوع وطنه ذكر كوديا

       في كتاباته كل المدن التي تاجر معها القريبة والبعيدة حتى وصل إلى

       مدينة ( مكان ) وتسمى حاليا ً ( عُمان ) وكان يقدم الخبز والماء البارد

       لجميع آلهة المدن التي كان يصلها في فصل الصيف .

       الأمير كوديا ... أول رجل في التاريخ القديم ترك حلما ً له مكتوبا ً على

       أحد تماثيله وكان شعب الرافدين مؤمنا ً بأن الحلم من الإلوهية ... وكان

       يوجد آلهة تسمى ( ناتشيه ) تقوم بتفسير وقراءة الأحلام ... وكان يرمز

       إلى اسمها كبحيرة تعيش فيها الأسماك والحيتان .

 

مشاهدينا الكرام :

       هلموا كلكم معنا لنرى كيف سيبدأ أمير كوديا يتذكر ما رآه في حلمه

       وكيف ومن سيفسره له، لأنه عجز هو عن تفسيره. ركب أمير كوديا

       سفينته وقصد مدينة – سيرارا – التي تعيش فيها الالهه – ناتشيه –

       وفي طريقه زار معبد الالهه – ( تاتوم لوك ) وقدم له الخبز والماء

       البارد ، وبعد الصلاة واصل السير حتى وصل المدينة المذكورة ...

 

المشهد الثاني :    

       يظهر كوديا على خشبة المسرح بزيه الرسمي وعلامات التعب 

       والخشوع والطاعة بادية عليه وهنا تنعكس الحالة على أرضية المسرح

       بأن تكون الالهه ناتشيه داخل معبدها خلف ستارة خفيفة يظهر ظلها

       للجمهور يسجد كوديا أمام المعبد ثم بداء يخاطبها ويقول :-

       أقبلي يا ألهتنا ناتشيه قرباننا هذا المكون من الخبز والماء البارد يضع

       على منصة عالية رغيف خبز أبيض وأناء من الماء البارد .

ناتشيه : ضعه على المذبح المقدس ... وقد قبلته ألا َلههِ وكبيرهم ( ننكرسو )

كوديا  : إيه : يا ألهتنا ناتشيه كلماتك ذو بلاغة وحكمة

       إيه : يا ألهتنا الموقرة أنت مفسرة أحلام كل الالهه

       إيه:يا ألهتنا المبجلة أنت ملكة كل الدول أنت تقرئين الحاضر والمستقبل

       كوديا يطرق رأسه بكفه الأيمن ويقف خاشعا ً ونصف وجهه للجمهور

       ويقول :- أيتها الجليلة ... رأيت في حلمي رجلا ً عظيما ً في قامته

       كعظمة السماء والأرض رأسه رأس اله وبجناحين كأجنحة الطير –

       امروكود – وتعصف تحت قدميه ريح هوجاء ... ( يخيم على المسرح

       سكون تام ) ...ثم يعلو صوت عاصفة قوية ولعدة ثوان يتقدم كوديا نحو

       المعبد ( والذي هو عبارة عن قوس فوقه عمودان في الجهة اليسرى من

       المسرح ) ... وبخطوات بطيئة ثم ينحني أمام المذبح بكل خشوع ، ماداً

       يده اليسرى على صدره ورافعا ً اليمنى إلى الأعلى .

ناتشيه : اقرأ لي حلمك أيها الفتى كوديا .

كوديا  : رأيت في حلمي أسدين كبيرين أحدهما رابض يمين الرجل العظيم

       والآخر يساره أشار بأصبعه نحوي وأمرني بأن أبني مذبحا ً كبيرا ً ،

       أرجو المغفرة منك لعدم معرفتي ما كان يقصده ... يا صاحبة الوقار

       الكبير ... ظل كوديا يتخطى على أرضية المسرح ذهابا ً وإيابا ً ببطء

       شديد ويفرك بيده .

ناتشيه : أيها الفتى كوديا لماذا تخاف ... سمعت كل ما قرأته .

       أيها الشاب الشجاع والأمير المحبوب ... أفصح ... أفصح كل حلمك لي

       ... وقف كوديا جانبا ً متصلبا ً في مكانه كالتمثال صاغيا لكلمات الالهه

       ناتشيه وعلامات الاستقرار والراحة بادية على وجهه ويقول : -

        إيه يا إلهتنا المزهوة بعقلك

        رأيت شمسا ً مستبرقة في أفق بهي

        وامرأة شابة وجميلة ظهرت لي

        وللمرة الثانية أيتها الحكيمة ... أطلب منك المعذرة لعدم معرفتي بتلك

        المرأة والتي كانت تمسك بيدها اليمنى قلما وباليسرى لوحة معدنية رسم

        عليها عدة نجوم سماوية ، كانت بوضع التأمل والتفكير العميق .

ناتشيه : أيها الشاب المدبر حلمك سيكتب على تمثال كبير منحوت من الحجر

        الأسود ...

كوديا  : جاءت كلمات ناتشيه كشحنة كهربائية ملأت قلبه شجاعة ومعنوية

        عالية وظهرت علامات البسمة على وجهه وقال : -

        ليكن أسمك مقدسا ً بين الالهه ... وأستمر يقص حلمه ... رأيت في

        حلمي بطلا ً يحمل بيديه لوحا ً من حجر اللازورد ورسم عليه أسس

        لمذبح ما ... أصبحت قلقا ً من هذا الحلم المخيف .

ناتشيه : أنت رجل ... لا تخف ولا تحتار ... كن حكيما ً في تفكيرك في دربك

        تنال الخير ويعم السلام والأمن لشعبك ... ولا زلت أسمع كل ما تقوله .

كوديا : أيتها المبجلة ... أيتها المقدسة

        وضع البطل أمامي سلة صغيرة ... كقالب لصنع اللبن من الطين والى        

        جانبه كانت قد نمت شجرة صغيرة وجميلة ... وفوقها تغرد مجموعة

        كبيرة من الطيور ... أيتها الآلهة ... طال حلمي ... لا أريد أن أشغلك

        كثيرا ً .

ناتشيه : فرض علي القانون أن أسمع كل حلم قصيرا ً كان أو طويلا ً .

        انه واجبي واجبي ... أسرد كل ما لديك ... ولا تتأخر .

كوديا  : رأيت إلى جانب ألاهي حمارا ً كان يرفس الأرض برجليه الخلفيتين.

        تنهد طويلا ً, وقال :  إيه يا مفسرة كل أحلام الالهه. هذا مجمل حلمي

        والذي جعلني أركب سفينتي وأصل إليك لتفسريه لي أيتها المبجلة.

 

المشهد الثالث :

        بعد أن انتهى كوديا من سرد حلمه أمام مذبح الالهه ناتشيه ... أصبح

        مستعدا ً للإصغاء لكل كلمة تقولها ناتشيه وهي جالسة خلف الستارة

        مباشرة يبدأ فاصل من الموسيقى بلحن رخيم بوتيرة تعلو ببطء ثم تهدأ

        ببطء ثم يعم السكون والرهبة على وجوه الجمع .

ناتشيه : يا أمير كوديا ... أصغ إلي جيدا ً سأفسر حلمك ... فأستعد لذلك .

        الرجل الكبير الذي ظهر في حلمك ... جسمه بحجم السماء والأرض

        ورأسه رأس الالهه ... وجناحاه كطير – امروكود - ... وتحت جسمه

        ريح هوجاء ... وأسدان رابضان ليمينه ويساره ... بصوت جوهري

        وآمري ... وأعرف ... أعرف من هو هذا الرجل يا كوديا ...

        انه أخي اله – ننكرسو ... أخي الذي أمرك بأن تبني مذبحا له باسم –

        اينينو -

كوديا  : مستغربا ً ومندهشا ً...ننكرسو...ننكرسو اله مملكتي...أخوك أخوك ؟

ناتشيه : أيها الشاب كوديا ... لا تقاطعني دعني أفسر حلمك ...

        والشمس المستبرقة في أفق بهي ... وامرأة شابة وجميلة وفوق رأسها

        تاج زاه وفي يدها قلم ولوح معدني من نجوم السماء مرسوم عليه؟

        كانت بوضع التأمل وتفكير عميق ... يا أمير .... يا كوديا ... يا أخي

        كانت هذه أختي ... أختي – نسابا – نسابا أختي

        وضحت لك حظك كنجوم مشرقة لبناء المذبح .

كوديا  : سررت كثيرا لمعرفتي بأختي وأختك نسابا وكون حظي نجوم مشرقة

        سأبني مذبحا ً كبيرا ً ... سأبني .

ناتشيه : أصغ جيدا ً لتزداد فرحتك ... والبطل الحامل لوحا ً من حجر

        اللازورد ورسم المذبح عليه ... هذا البطل ... كان الإله – نندوبا –

        يأمرك ببناء مذبح ٍ كبير ٍ  له ثم قدم لك السلة الصغيرة لصناعة اللبن

        الطيني ... أسمع جيدا ً السلة ... لتنقل بها الطين الأحمر ... وقالب

        تقطع به اللبن الأحمر للبناء .

كوديا  : أيتها الالهه المقدسة ... كل ما تفسرينه سينفذ بكل إيمان وصدق .

ناتشيه : أقول لك.. الشجيرة الصغيرة والطيور المغردة فوقها. تقول لك، أن

         تبني مذبحا ً بدون توقف ليلا ً مع النهار وتسهر كل أيام البناء وأخيرا  

         أسمع ... إن الحمار الواقف بجانبك ، يرفس الأرض برجليه  الخلفيتين

        ... يا أمير كوديا أخي انه ... أنت ... أنت ذلك الحمار ، عليك أن تعمل

         وتكد وتجتهد وتصبر كثيرا ً هذا هو تفسير حلمك يا كوديا . يا أخي 

         الأمير أرجع لمدينتك ( كرمو ) وأفتح مخازنك وأصنع من الخشب

         الجيد عربة للملك الالهه – ننكرسو- . يجرها حمارٌ جيد وتزين هذه

         العربة بأحجار لازورد المعدنية الثمينة ، وتكون سرعتها . بسرعة

         ( السهم ) وبسرعة ضوء الشمس ويجب أن تصنع من الخشب رمزا ً

         للالهه – ننكرسو – مكتوبا ً أسمك عليها ووداعا ً يا أمير كوديا ...

         وداعا ً يا أخي.

الراوي : يعود الراوي لقراءة خلاصة المسرحية...ويقول أيها الجمع الكريم 

         يجب أن تعرف من هذا الحلم كم كان شعبنا في وادي الرافدين وصل

         علمه وسبق زمانه بآلاف السنين حين طلبت مفسرة الأحلام الالهه 

         ناتشيه من الأمير أن يصنع عربة يجرها (أي يقودها) حيوان (الحمار)

         بسرعة السهم وضوء الشمس...وهذا الحلم ليكن معلوما ً لكم كان قد

         كتب قبل 4144 سنة ومنذ ذلك التاريخ المجيد كان الإنسان يحلم أن

         يحيى حياة متقدمة تقنيا – والعربة المذكورة والسرعة المطلوبة لم

         يتمكن الإنسان إلى هذا اليوم تحقيق صنعها ...

وكان الإنسان منذ ذلك القدم ينشد السلام والمحبة بين الشعوب.

 

6 - حجارة الربــوة

مسرحية على شكل أوبرت بثلاث مشاهد ذات طابع فكري وبمسحة فلسفية، تنطلق من نظرة الصراع الأزلي الكائن في شخصية الإنسان بين صفتي ( الأنا – الشريرة الغامضة ) و ( الذات – الخيرة الواضحة ) وتبين كيف تختفي هذه الشخصية المتلونة أمام إصرار الذات الخيرة على التخلص من – الأنا – المزيفة، وتقف في مقدمة الحياة كساتر يحمي ويضحي من أجل الإنسانية ومستقبلها، نفض ما علق بها ( الشخصية ) من الترسبات والأوهام التي تعيق تقدم الحياة وانطلاقها إلى أرجاء المعمورة .

 

شخصيات المسرحية :

1-   صدى الصوت  : يمثل الأرض الطيبة

2-   لعازر            : شاب ممتلئ حيوية ونشاط وحب الحياة ( الذات )

3-   سوريش         : التاريخ والزمن

4-   قابوس           : الشخصية الخبيثة ( الأنا )

5-   الضبابة          : الخيمة – تكشف شخصية قابوس

6-   الصخرة         : القوة والثبات والتحدي

7-   أرموتا           : فتاة ( رمز الإقدام والتضحية وديمومة الحياة )

نيسان 2000  /   بغداد

 

المشهد الأول :

لعازر  : يظهر فوق تلة بين مجموعة من الحجارة بأحجام مختلفة وكأنه يبحث

          عن شيء ما .

صدى الصوت : من أنت ... وعن ماذا تبحث هنا أيها الفتى ؟

لعازر  : ( يفاجئ بالصوت ومصدره ) يلتفت يمينا ً ويسارا ً وقد سيطر عليه

          الرعب ويقول ما هذا الصوت ... أريد أن أعرف ... أريد أن أعرف

          من أين جاء ... وليس غريبا ً عني .

صدى الصوت : هذا الصوت ... أيها المغفل وقلبك يرتعب هلعا ً ... جاء من

          التراب المقدس الذي تحت قدميك .

لعازر  : هذا ترابي ... ترابي ... وأنا لعازر أبن الشماس يعقوب ... أنه مقدس

          عندي هذا التراب .

صدى الصوت : من يشهد لك بأنك لعازر أبن الشماس يعقوب ... لأن هذا

          التراب مبجل ... ولا يجوز لأي كان أن يدوس عليه .

لعازر  : من قديم الزمان وآبائنا وأجدادنا أقاموا هنا ولا زلنا نزرع فيه ونبني

          عليه بيوتنا ونحفر الآبار .

صدى الصوت : تزرع فيه كي تأكل من ثماره الطيبة ... وتبني البيت عليه

          لتحمي نفسك من برد الشتاء وحر الصيف. ومن الحيوانات المفترسة.

لعازر  : قسما ً بالحق ... قسما ً أيها الصوت الغريب ... نحب ترابنا وننطره .

صدى الصوت : اسمع هذه الأسئلة ؟

          أيوجد كرمة بلا سور ... بلا مالك ؟

          أيوجد حقل بلا حدود ... بلا سقي ؟

          أيوجد بيت بلا أساس ... ولا ينهار ؟

لعازر  : أريد أن أعرف من أنت ... وماذا تريد مني

صدى الصوت : دعني أوضح لك وأقول :-

          ها هو تراب الجنينة يقدم شكواه عليكم لأن سوره قد تهدم ... عليكم

          إعادة بنائه ثانية بناءً محكما ً .

لعازر  : ألا تدري منذ سنين المطر أنحبس في السماء والزرع مات ومياه الآبار

           نضبت وماشيتنا دب فيه المرض وأهلكه كله .

سوريش: ( شيخ مسن ذو لحية بيضاء سريحة على صدره وبيده عصا غليظة

          ... يظهر فجأة ويقول :-  ها هي شكوى حجارة السور تقول :-

         نحن كاليتامى منبوذون في هذا المضيق وذلك الوادي وفوق تلك الربوة

          وذاك التل .

لعازر  : أيها الشيخ الوقور ... الحجارة لا تنطق ولم نسمع بذلك سابقا ً .

سوريش: أيها الفتى لعازر ... أصغ  لهذه الحجارة التي تقول لك قبل أن

          أصل إلى هنا وقل لي ماذا سمعت منها ؟ 

لعازر  : سمعت صوتا من بين هذه الحجارة قبل أن تأتي أيها الشيخ الوقور

          نادى علي ولم أعرف ماذا يريد مني .

سوريش: قلت لك بصدى الصوت الصافي أناس غرباء ينهالون على تكسير 

          هذه الحجارة ... ويسرقون الغالي والثمين منها .

لعازر  : يا أستاذي ... حولي الكثير من الأحجار ... مبعثرة هنا وهناك منها

          قطع كبيرة منحوتة وعليها كتابات ... ومنها مهيأة للبناء وعليها بعض

          النقوش.

سوريش: لماذا تلك الصخرة الكبيرة مثبتة فوق تلك التلة العالية ؟

لعازر  : أيها الموقر. يوجد نقش منحوت على الجهة المطلة على قريتنا والكل

          يجهل هذا النقش، ومنذ متى هذه الصخرة أقيمت على التلة ، ولماذا ؟ 

سوريش: هذا النقش الذي ذكرته ... انه منقوش على جبينك ... أيها الشاب .

لعازر  : ماذا تقول أيها المبجل ... ويا أبَ الزمان ؟

سوريش: أنظر إلى جبينك وأقرأ نقشه جيدا ً وأخبرني بما قرأت .

لعازر   : كيف لي أن أرى وأقرأ جبيني .

سوريش: ما هو مكتوب على جبين صديقك هو مكتوب على جبينك أنت أيضاً

لعازر   : قال آباؤنا منذ قديم الزمان ... هناك كتابة على جبين كل إنسان .

سوريش: أنظر جيدا ً إلى جبينك ... ستخبرني بما قرأت حال أعود إليك ،

            سأعود – سأعود .

لعازر  : أستاذي ... أستاذي ... لا تتركني لوحدي في هذا البر وبين هذه

           الحجارة المخيفة ...

سوريش: اصعد إلى الصخرة العالية ... اصعد إليها وقدم تحياتي وسلامي لها

            أيها الشاب لعازر ... لا تخف من الحجارة ... سأعود ... سأعود .

 

المشهد الثاني :

         أصوات غريبة تقترب وتعلو من عدة جهات  وكأنها عواصف ورعود

         ورياح كاسحة ... لعازر ... يختفي هنا وهناك والخوف مسيطر عليه .

لعازر  : ماذا جرى ... أي زلزال يكون ... أهي نهاية العالم ؟

         أيتها الصخرة العالية ... أوقفي هذا الصخب ... هذا الإعصار

         أوقفي هذا الغضب ... أنت أمرت بذلك .

قابوس : ها .. ها .. سكون .. سكون .. لا رياح .. لا عواصف ولا زلزال

لعازر  : أي صوت سمعت ( ينظر إلى قابوس بريب وشك ويبتعد منه إلى

          الوراء )

قابوس : أيها الشاب لعازر سمعت صوتك ... ورأيتك ترتعش من الخوف

          وأمرت بسكون كل الرياح والعواصف ... والزلازل

لعازر  : يتقدم بحذر ويقول :- من أنت وما أسمك

قابوس : ألا تعرفني يا لعازر ... ها أنا قابوس ... أنا قابوس قابوس توأمك

لعازر  : صوتك ليس لإنسان ... قد يكون صوت ثعلب أو أبن آوى .

قابوس : يا أنت .. أنقذتك من الخوف .. من الرعب .. لعازر .. لعاااااااازر

          ... عاااااااااو ... عااااااااو ...

لعازر  : يقول المثل : إذا عوى كلب في الليل وابن آوى فوق ربوة عالية يعني

           أنهما قد رأيا ملاك يقبض روح إنسان شرير 

قابوس : لا ... لا ... لا تذكر أسم ملاكا ً ... عوووو ... عوووو ..

لعازر  : أنت لست إنسانا ً ... أنت روح شريرة .

قابوس : أنظر جيدا ً ... أنظر ألا أشبه الكثير من الناس ؟

لعازر  : قسما ً ... قسما ً أنت ثعلب ... ما هذه السدارة فوق رأسك .

قابوس : لا تخف مني ... أنا معلم ... معلم يضع فوق رأسه سدارة .

لعازر  : معلم ؟؟ معلم ؟؟ ... وما هذا الذنب الطويل يطوف خلفك ... وماذا

           تعلم ؟ 

قابوس : ذنبي ... ذنبي ... ذنبي ... وضعته لأهزه أمام إنسان قوي ومخيف

          ... وأعلم ... أعلم أولادا صغارا ً كل شيء ...

لعازر  : معلم الكذب والدجل ... أين مدرستك ... وأين دارك

قابوس : أنا أعيش في كوخ صغير ... لأنني بسيط ... وقد يكون شقا ً في جبل

          أو جحرا ً كبيرا ً في وادي أدخل فيه لأحمي نفسي من أعداء كثيرين

          ومدرستي وديان حول القرية .

لعازر  : معلم ... إنسان محترم في القرية لدى الصغير والكبير .

قابوس : ماذا أعمل ... ألاعب الأولاد الصغار وأضحكهم ... ويأتون إلي

          أحيانا ً بدجاجة واحدة أو بعدة بيضات .  

لعازر  : وما هذه الفروة على كتفيك ... إنها للوجهاء والحكماء لماذا تلبسها ؟

قابوس : حقا ً ذكي أنت وعقلك يعمل بسرعة .

         هيا ... هيا أقترب لي ... الآن عرفتني جيدا ً ... مدبرا ً مدبرا ً.

لعازر  : مدبرا ً ... قبل قليل قلت معلما ً ... متى أصبحت مدبرا ً .

قابوس : الحالة تفرض علي أن أتماشى مع الزمن ... أنا حكيم وأنا مدبر .

لعازر  : بالله عليك قل لي ... هل عندك صبغة بعدة ألوان تحملها معك تصبغ 

          نفسك كما تريد ... متى أصبحت حكيما ً وكيف ؟

قابوس : أعمل شغبا ً وفتنة بين عائلتين أو أكثر ... يتصارعون بينهم حد

          الاقتتال ... هنا الفطنة والدهاء والحكمة والتدبير المطلوب مني .

لعازر  : لعنة الله ولعنة الأرض المقدسة عليك يا عديم الضمير .

         انك بعيد عن الإنسانية وبعيد عن الخير والمحبة ...

قابوس : قح ... قح ... قح ... أسمع ما يليه من عمل الحكمة والفطنة .

          أتدخل بينهما وأسوى الأمر لصالح كل طرف وأخذ أتعابي وشكرهم

          لي.

لعازر  : وما هذه اللحية المسرحة على وجهك وصدرك ... يا نساج الشرور .

قابوس : لا تكن أحمق ... كن فطنا ً وداهيا ً مثلي وبدم بارد .

لعازر  : إذا ً ... أنت ... معلم ومدبر وحكيم ... وذو لحية ... ولا تسألني ...

       لماذا أنا لوحدي بين هذه الأنقاض .

قابوس : قل ... قل ... أريد أن أسمع ... هل أنت في ضائقة ومشكلة كبيرة ؟

         أنا قابوس ... مقابل ثمن وفي مقدمة .

لعازر  : أريد أن تصاحبني ونصعد معا ً إلى تلك الصخرة الكبيرة ... كيف لا

          تسقط من علوها وحقك حال وصولنا .

قابوس : لا.. لا.. حان موعد صلاتي. ولا يمكنني الوصول إلى موقع عال .

لعازر  : ها ... سدارة ... وفروه ... سدارة وفروه ... مُصل ٍ .

قابوس : هل أنت أعمى ... ألا ترى هذه اللحية الطويلة على وجهي .

لعازر  : ( يتظاهر بالتودد ) إذا ً دعني معك وعلـّمني الصلاة مثلك .

قابوس : لا ... لا ... صلاتي خاصة ومعبدي لـوحدي فقط .

لعازر  : يا أستاذي ... صاحب اللحية البيضاء ... إذا أنت إنسان تحب الله فأنا

          رجل ضعيف ... أريد أن أصلي معك وأرضي الهي ... ولا أملك من

          حطام الدنيا شيئا ً .

قابوس : إن صليت معي .. تقدم نذرا ً لله ولكبير المصلين وهذا قانون لا غير.

لعازر  : أنا إنسان فقير ... والله ليس بحاجة نذر من فقير مثلي .

قابوس : إذا ليس لك مكان معي للصلاة ... أذهب وصلي مع الفقراء أمثالك .

لعازر  : الإيمان واحد ... ولا يوجد الهب للفقراء وآخر للأثرياء .

قابوس : ولا خبز من السماء ... ولا عمل خير بدون مقابل وأكثر .

لعازر  : الآن أثبتَّ الحكمة ...

قابوس : يحاول أن يتظاهر بالانتصار ويقول ( ها ... ألست حكيما ً ) ؟

لعازر  : كل حسب أعماله يحاسب ... ما تزرعه ... تحصده ... هكذا قال

          أجدادنا .

قابوس : لي قدرة أن تعبر طريق الملكوت بدون صلاة ... وإذا رغبت طريق

          الجهنم أيضا ً وكل بقيمته وثمنه .

لعازر  : يقال إن طريق الملكوت بدون صلاة ... لا ترى بالعين ولا تداس

          بالأقدام .

قابوس : أنظر ... وأسمع جيدا ً ...  ( يهز كتفيه )

لعازر  : ما هذا الصوت من كتفيك أيها المصلي ، انه أصوات أجراس .

قابوس : صوت لمن هم بعيدون عني ... ليفسحوا الطريق لي .

لعازر  : يا أستاذي ... هناك أصوات تصادم أشياء مع بعضها ودحرجة

          صخور من أعلى الجبل .

قابوس : لا يكن عقلك صغيرا ً ... أنها الجان ومخلوقات سود تحت الأرض

          يخافونني ويعثر بعضهم ببعض هربا ً مني .

لعازر  : أين هم ... لا أرى شيئا ً أبدا ً ... لا مخلوقات بيضاء ولا سوداء .

قابوس : أنا أراهم بعين روحانية ... وهم يرونني ويبتعدون عني .

لعازر  : حقا ً ( مستهزئا ً ) حياتك طيبة ... جان ومخلوقات تحت الأرض

          تخافك لا بد أن يخافك الأسد ويفر بعيدا ً .

قابوس : لا ... لا ترفع صوتك ... كي لا يعرفك ولماذا أنت معي .

لعازر  : قل لي ... لماذا مخلوقات تحت الأرض سود ؟

قابوس : ألا تعرف ؟. لعنتها الشمس حين رفعوا رؤوسهم ليروها من زمن

          بعيد .

لعازر  : أستاذي ... أستاذي ... ما هذه الضبابة فوق الجبل ؟

قابوس : يا لك ... أسرع ... أسرع وأبتعد عني وأختفِ مثلي .

لعازر  : يا أستاذي ... أين أنت ... أين اختفيت ... لا تدعني لوحدي ...

          الضبابة غيمة ... قريبة من الأرض ... سترتفع الى السماء وتنزل

          مطرا ً غزيرا ً لتذوب الثلوج القديمة وتنبجس الينابيع وعيون الماء

          وتملئ السواقي .

قابوس: (يحاول أن يهرب ويتحرك بعدة اتجاهات وفي حالة فزع شديد ويقول)

         أنت أرسلت هذه الضبابة.. أنا خبيث، أنا ماكر (ويختفي من المسرح).

لعازر  : الضبابة تنزل مطرا ً كي تغسل وجه الأرض ويظهر كل شيء الخير

          والشر .

صدى الصوت : وينبت الزرع ... والبيادر تجمع الغلة فيها وتطفح الآبار

          والجداول والوديان والغدران بالماء . وتكسو الأرض بالازدهار  

          والورود وبحلة خضراء سندسية وينادي السور :

       ــ هيا هيا أيتها الحجارة أحكمي الإصطفاف .

لعازر  : ينشد هذه الأبيات :

          طـوبـى لـترابـنا المقدس     وطوبى للمطر الهاطل

          الموت لك شرير ودنس      والى الجحيم به نازل 

          سننطر البيت ... سنحمي الكرمة ... سنصون السور ...

..... تسدل الستارة .....

 

المشهد الثالث :

لعازر  : ها هي الضبابة كبرت وكبرت وعلت وتسلقت قمة الجبل وحيت

           الشمس وقالت .

الضبابة: ( مشهد ٌ يمثل أعلى المسرح أما على شكل بخار أبيض يقذف أو

           على شكل رسم غيمة معلقة في أعلى صدر المسرح ) وتقول :

           سررت بك أيتها الصخرة العالية وفوق الجبل شامخة عبر التاريخ

           القديم لي الشرف أن أغسل قدميك وأمسح وجهك البهي أحييك

           بصعودي أحييك.

الصخرة: يا رفيقة العمر ... تهتز الأرض من تحتي حينما تمر السيول وتلطم

           الأمواج ضفاف الوديان ووهدة الجبال .

لعازر   : يا بنت الزمن . أيتها الصلدة . لن تنال منك السيول ولا لطم الأمواج

الضبابة : لأن أقدامك تمتد تحت اليَمْ تمتد وتمتد ...

الصخرة: كان اليَمْ يوما ً يغطي حتى قمة الجبل ... كانت أمواجه تضرب

            قامتي وحتى صدري .

لعازر   : انسحبت مياهه بعيدة عنك ... ولن يبقى أي شيء في موضع واحد

            وأزلي أي لا خلود لأحد ...

الضبابة : أنا مجرد بخار مياه البحار وأعلو إلى السماء أسبح لأله المطر

           لأسقي الأرض وينبت الزرع ويورق الأشجار المثمرة والأزهار

            والورود .

الصخرة: ها  !. ها !. ذكرتني يا ضبابة بأيام الربيع وبراعم الأشجار ووردة

           السوسن كلهم ينشدون ويرقصون حولي .

لعازر   : أيتها الصخرة ها هي حروف حفرت تحت أقدامك وتقول :-

           أفرشوا أفرشتكم في المرج الأخضر. وظلالهم ستكون كخيمة فوقكم.

الصخرة: اقرأ ما هو منحوت على جبيني منذ عهود زمنية غابرة .

لعازر   : ما هو منحوت على جبينك يقرأ بجميع لغات البشر ... لأنه مكتوب

           على جبين الإنسان منذ ولادته الأولى .ولادتي منك أيتها الصخرة ...

           انك نصب لقامتي هناك قبل وجودي .

الصخرة: إننا توأمان في الولادة ومن أم واحدة ... وهي الأرض ... الأرض

سوريش: هيا كلكم يا حاملي أحمالا ً حديدية ... ويا محولي الجبال ... ويا

            ناطري الكرمة تعالوا ... وأريحوا ظهوركم من الأحمال الثقيلة ...

            واستريحوا قرب ينابيع المياه ... والوديان الجارية .

لعازر   : تعالوا نسن مناجلنا بأشعة الشمس لموسم الحصاد ... ونسقي معاولنا

           لتكسير الجبال ومحارثنا ليوم الزرع ، وعدة قلب تربة الكرمة وفأس

           الخضرة .

أرموتا   : ها هو على ظهري خرجٌ مليء بالطعام لحصاد الزرع. خبز التنور

            وماء بارد ولبن وزبيب الكرمة .

سوريش: أرموتا ابنة أرومة مقدسة ... تنمو في الجبال والسهول ،

           استقبلوها كلكم ... إنها تحمل الذبيحة بحضنها، تحمل القربان .

أرموتا  : اقبلوا مني هذه الباقة من سنابل القمح والذرة البيضاء ... حاصل

           أرضنا المقدسة ووطننا المبارك ، يفوح منه نسيم عليل ... من أعالي

           جباله حتى أسفل منحدراته وسهوله .

سوريش: أريج القرنفل والياسمين ... ونعناع الوادي ووردة الصفراء وشقائق

           النعمان في شهر نيسان .

أرموتا  : حناء ومسحوق السماق وأوراق الخطمية وزلال البيض.

لعازر   : ومخدع العروس ركن غرفة تزينها ألوان قوس قزح .

سوريش: ها هما غصنا شجيرة الدفلى على شكل قوس تعلوه ورود وردية .

أرموتا  : يا أستاذي ..... لا تنسَ أن تعقد الستر من زاوية الغرفة إلى الزاوية

           الثانية .

لعازر   : نسي ادم ليعقد الستر وينصب من غصني تلك الشجيرة قوس الزواج

            المبارك للعريسين فوق الباب .

           جاوزت الناموس المقدس يا ادم ...

سوريش: أيها الفتى لعازر ... لا ... لا ادم لم يتجاوز الناموس المقدس للجنة

           لان الجنة ضاقت وكبرت لعدم وجود زاوية فيها لعقد الستر كمخدع

           للعروسين ... ولم ينصب هيكل من غصني شجيرة الدفلى .

           لهذا السبب ادم لم يعقد الستر ... لم يعقد .

لعازر  : الذي لا يتذوق طعم مرارة شجيرة الدفلى ... لن يتمتع برؤية ألوان

           وروده الزاهية .

أرموتا : أيها الأب سوريش ... مضى زمن طويل ومخدع العروسين كبر

         وكبر حتى أصبح مزمورا ً مقدسا ً عظيما ً ويقول :

        يا مخدع العروسين بالستر محاط       للزواج المبارك أرض ببلاط

        من ركن إلى ركن شـــرعه رباط       قدس المحبـــة سـره القمــاط

        حكـــم الزمـــن للتــاريـــخ منــاط       رمــز الكلمــة قالهـا سقـراط

------- 

        كل حرف منه كنور شمس        صنعــة نحلـة بـسر مقدس

        من كل ورد وأريج سنـدس        لأعوام وقرون هو محبس

        يـا أبـن ادم هـبطت بملـبس        وعلى قامتك علامة هوس

--------

     

       يشهد قـلبك وجـفاف فـمك        بتحسس العقل يفرض عليك

       صخرة الربوة تبقى هناك        وفـوق الجبل رمز وجــودك

       كل إنسان ذو قـيمة لـديك        ودع الزمن يمض من بعـدك

--------

 

       يتقدم ثلاثتهم إلى حافة المسرح وأرموتا في وسطهم ... ويعيدون تلاوة

       البيتين الأخيرين معا ً بشكل حماسي وبحركات إيقاعية مصحوبة مع

       مقطوعة موسيقية مؤثرة ذات لحن هادئ متواصل ويرتفع مع الإيقاع

       وينشدون .

       صخرة الربوة رمز الوجود        وفـوق الجبل تناجي الجـدود

       كل إنـسان ذو قـيمة وَجـْـود        ودع الـزمن مُطلـق الـحـدود

       دع الزمن يمض ...

       دع الزمن يمض ...

       دع الزمن يمض ِ مُطلق الحدود . 

      لتكملة القراءة انتقل الى الصفحة التالية (5)

          


    

 

7 - الإغـتراب 

          مسرحية ذات طابع اجتماعي وسياسي، وعلاقة الفرد بالوطن كإرث

تأريخي، ودور الاغتراب بانفصال المغترب من هذا الارث التاريخي وانعكاسه على شخصية الفرد سلبا، ولـلاغتراب مبررات عديدة في مسار حياة الانسان .

 

شخصيات المسرحية :

ــــــــــــــــــــــــــــــــــ

1 ـ  يوسف

2 ـ  ابراهيم

3 ـ  جميل

4 ـ  جبرائيل

5 ـ  لورا

6 ـ  ود

7 ـ  بطرس

8 ـ أم يوسف

 

الفصل الأول

المشهد الأول :

        ابراهيم جالس في البيدر، ويظهر عليه القلق والى جانبه يوسف يقرأ ورقة، 

        ويبدأ مشاكسة جميل الجالس الى يمينه. جميل، يحاول ان يمد يده الى جيب

        ابراهيم الذي يمنعه .

 

ابراهيم: الى متى تبقى ساكنا ، يا يوسف ؟

جميل  : فقط ساكنا ، وباردا وسارحا بتفكير بدون معنى ــ يحرك بكتابه .

يوسف : ماذا تريد ؟

ابراهيم: ألا تعلم ماذا يريد ؟!

يوسف : ها هو جميل الى جانبك .

جميل  : دعه .. دعه ، فهو ليس معنا اليوم .

إبراهيم: إذا أنت أخي فقل لي ..

يوسف : هل تعلم ماذا سأقول لك ؟

جميل  : يلتفت الى يوسف .. سيقول لك لا تخرج .

          ثم يلتفت ثانية ويقول له : أخبره أبالجنة أو بالجهنم .؟

يوسف : جميل ، أنا أعرف جنتك في الخارج ، فلماذا لا تخرج ؟!

جميل  : بالنسبة إلي .. بس قل لعمي ربطني بك وهو ( ابراهيم ) يربط نفسه بك .

ابراهيم: صدقني يا يوسف ، خالتي أشعلت النار بيننا .

جميل  : ( باستخفاف ) ماذا تريد ؟ جاءت مقلية بطاو هلك ، مال وقصر وسيارة 

          وملكة جمال .

ابراهيم: لماذا لا تذهب بدلا عني ؟

جميل  : يا ليت .. ولورا ابنة خالتك تقبل ؟!

ابراهيم: اذهب وخذ لورا وسشواراتها والقصر والسيارة وخالتي ايضا .

يوسف : ماذا تريد اكثر من هذا .

ابراهيم: يوسف . من فضلك قل لي ماذا اعمل ؟ لنضع إيد بايد .

يوسف : وقلوبنا ؟ وطرقنا ستفترق عن بعضها .

جميل  : أي شيء يعملون بأيديهم وأقدامهم لا قيمة له في القرية مقابل دولار واحد  

          ولا أحد من شباب القرية سيبقى .

يوسف : هل ناغي سنين دراستنا وننسى وهده جبلنا ؟

ابراهيم: ورسالة خالتي ؟

يوسف : كل واحد ليرجع الى بيته ويفكر بحياته ولا يلحق بغيره .

جميل  : ها هو دخل بالفلسفة .

ابراهيم: دعه يتكلم .

جميل  : لماذا يتكلم ، تريد أو لا تريد سيخرج وابنة خالتك تنتظر .

يوسف : بنت الناس تحبه ويحبها .

جميل  : ماذا سيعطيها ؟ ( يمد يده الى صدر ابراهيم )

          أعطيني رسالة خالتك وصورة لورا .. دعه يراها .

يوسف : لماذا ؟

جميل  : إذا رأيتها .. سيسيل رضابك للسيارة والبيت الذي أمامها ولورا ..

          لا أقول أي شيء ( يوسف في مخاض مع نفسه )

ابراهيم: ( باستحقاق ) أنت لا تعرف يوسف.. ليس مثلك يبحث عن المال وشكل

          السيارة والقصر .

جميل  : لا أصدق .

يوسف : إذا ترى لورا كأنها من هوليود .

يوسف : عمك .. يا ابراهيم ليس بحاجة للخروج .

ابراهيم: لا يوسف ، وأنت تعرفها يا يوسف ، هل أنا محتاج .. ( يحاول أن يتجه

          الى يوسف ولكن جميل يقف بوجهه )

جميل  : دعه ليشعل نارا في بيت عمي .

يوسف : وما هي جريمتي ؟

جميل  : انك تسد الطريق علينا، دعنا نخرج، مهما كان بسيطا يعرف خروجنا انه

          الى الجنة .

يوسف : يعتقد انت ! أمس العم ججيكا ذاك المسكين والجاد ضحك علينا عندما

          سألنا عن الخروج .

جميل  : اخرس عندما قلت ان يعطيك ورقة واحدة (مئة دولار) ماذا تعمل

          بمنجلك؟

يوسف : قالت سيقولون صرتم رجال، وسكتت ومشت ومشى، وسكوته مليء

          باللعنات

جميل  : انت ابراهيم تبقى ساكتا ؟ صير رجل وامشي .

ابراهيم: جميل .. دعنا طريقنا ..ولا تأكل أكلة حارة ويحترق فمك .

جميل  : بالنار يحترق فمك والله انت مجنون .

يوسف : جميل ، دع ابراهيم يفكر ويعرف بنت خالته . ليعرف موضع قدمه .

          ( ويطوي اوراقه ويسير. يحاول ابراهيم ان يلحق ولكن جميل يمنعه )

جميل: ها هل سحرك ؟ ألست رجلا لتعرف طريقك . إن سد بوجهك هذا

         الباب .. لربما سوف لن يفتح باب آخر بوجهك .

 

المشهد الثاني :

          في دار ابراهيم

          جبرائيل جالسا يدخن .. يدخل جميل ويحييه .

 

جميل   : السلام عليك يا عمي .

جبرائيل: أهلا جميل .. أهلا  ( ينظر اليه بحدة ويجلس وكأنه يريد شيئا )

         : ها جميل ماذا يوجد ؟

جميل   : ابراهيم ليس هنا ؟

جبرائيل: لا .. ألستم معا ؟

جميل   : توقعت وجوده في البيت .

جبرائيل: ما الأمر ؟

جميل   : لا شيء

جبرائيل: لا يوجد شيء ( انتابته العصبية ) تكلم ما الامر ؟

جميل   : عمي ، انا اريد ان اسافر الى الخارج

جبرائيل: ومن الذي يمنعك يا بني ؟!

جميل   : بسبب امي لا تقبل وتقول الى اين تذهب وتتركنا وإخوتك لا زالوا 

           صغارا.

جبرائيل: محقة امك. السفر الى الخارج يحتاج الى الملايين. لماذا لا تبيع وتسافر؟

جميل   : ماذا ابيع ؟ جلال الحمير وعدة الحراثة ومناجل مزنجرة التي في

           الآخور!

جبرائيل: بع قطع الاراضي الزراعية التي عندكم .

جميل   : لا تقبل امي .. اخرج مع ابراهيم .. وأنا اعطيك كل ما تريد ،

           وآخذ اراضيك .

جميل   : وبس أمي ؟!

جبرائيل: ابني .. انا عمك .. غدا تصل وتشتغل وترسل لي المبلغ المطلوب وتعود

           اراضيك اليك .

جميل   : أصادق انت ؟! ( يتقدم يقبل يده .. يمتنع ) عمي لا انسى فضلك .

جبرائيل: أأنت مجنون .. ألست عمك ؟ وإبراهيم أخوك .

جميل   : ولكن اخبرك . العم ابراهيم انه يخاف من السفر .

جبرائيل: ابراهيم ابني هو اعرفه .. طول عمه خائف ، رماد بأسه .

           من يفتح مثل هذا الباب بوجهه ويخاف .. قل ماذا تريد وأين هي .

جميل   : تريد الصدق .. ابراهيم يتبع يوسف ابن عمه .

جبرائيل: ليوسف ..هذا الولد لا يشبه والده الله يرحمه . عنيد ورأسه قوي ، انا

           سأعرف عملي معه. أنهض وابحث عنه واحضره عندي.

           (يخرج جميل، وجبرائيل يتكلم مع نفسه )

           ها .. يوسف يلعب بعقله .. وأنت يا يوسف

           أفندي ، ماذا عندك ، ولماذا لا تسافر؟

           وإذا تخرجت من الكلية ماذا ستعمل ؟

           ماذا تصير ؟ .. وأراضيك لولا انا لكانت قد ضاعت لدى الغير .

  (هنا يدخل ابراهيم ويلاحظ توقف أباه عن الكلام ويعتكف في زاوية ويبدأ يقرأ )

جبرائيل: ها ابراهيم ماذا عملت ؟

ابراهيم : عن ماذا ؟

جبرائيل: ذهبت الى الكنيسة وأخذت الاسم ؟.

ابراهيم : لا بابا لا .

جبرائيل: لماذا ؟ وما هي نيتك ؟ وخالتك بانتظارك ؟

ابراهيم : الم تقل نفكر ؟

جبرائيل: بماذا تفكر ؟ الرزق وصل اليك .. وسماء فتحت لك بابا .

           ابني بماذا تفكر ؟

ابراهيم : كأنك منزعج مني وتريد ان تدفعني ؟

جبرائيل: ابني اخاف عليك .

ابراهيم : اذا انا هنا بجانبك وتخاف علي .. فكيف هنا بالغربة ؟

جبرائيل: قابل ابقى حيا لك ؟ غدا ان متت ....

ابراهيم : الله لا يجعل ... ولكن لست بحاجة لترسلني الى الخارج .

جبرائيل: كيف لست بحاجة يا ابني ! .. أتصدق كلام الناس باني املك عنابير من

           الذهب ؟

ابراهيم : الذي تملكه يكفينا .. دعني اكمل كليتي، بعد سنة أكون مهندس، اذا

           سافرت الان سوف اخسر كل دراستي .

جبرائيل: ( يتوجه نحو ابراهيم بعصبية ويأخذ الكتاب من ويرميه ارضا )كفى من

           هذه الكتب ، ارمها من يدك .. لا تعتمد على ثروتي ..( يضرب الكتاب

           بقدمه )لا تصدق احدا كلهم يكرهونني. مضى زمان التملق امامي عندما

           كانوا يقرضون مني بالفائدة ، وبهذه الدنيا صاروا أحسن مني .

ابراهيم : مالك من غيرك بابا .

جبرائيل: كيف ذلك وهم يكرهونني ويحسدونني .. عسى لا تشرق الشمس لأحد .

           انظر ماذا حل بحالي .. لست ذاك جبرائيل الذي يخافونه . وحتى رجال 

           الحكومة كانوا يدعونني خواجا جبرائيل .. وحاليا يضحكون عليّ .

ابراهيم : انت هكذا تعتقد ولست بحاجة لي .

جبرائيل: اتحسس اصبحت لا شيء .. لا شيء .

ابراهيم : اقول لست بحاجة إليّ .

جبرائيل: لم يعد لي قيمة ولا يحترمونني وليسوا بحاجة الى مالي .

ابراهيم : أتريد ان اسافر وأتركك لوحدك ؟

جبرائيل: بسببي ارحل .. وهناك كن سند ظهري ومدني بالدراهم بالدراهم .

           اذا كنت صاحب الغيرة .. لا تنظر أحدا وتقول لنفسك والدك مهان .

ابراهيم : لا تقل هكذا وتعذبني .

جبرائيل: لم يعد أحد يحترمني .. ألا تتذكر عندما كنت أمر في السوق من بعيد 

          كانوا يناجوني من البقالين والبزازين والقصابين (يشعل سيكارة بعصبية) 

         ماذا أقول ؟ اليوم ذهبت الى القصاب لأشتري كيلو لحم بثلاثة الاف دينار.

ابراهيم : ماذا تعمل .. هذا سعره اليوم ؟

جبرائيل: ثلاثة آلاف .. لا تعرف كم هي .. انا اعرف تعب ثلاث سنين وفائز .

           وبيادر وثلاثة قرى .. كيلو واحد لحم فقط تساوي ...

ابراهيم : ابي .. لا تقهر .. لقد جمدت دراهمك وجلست عليها ولم تشغلها .

جبرائيل: خفت عليها .. وها هي تطير وتهرب .. اسمع .. اسمع ..

           ذهبت الى بطرس القصاب ووقفت امام دكانه خائفا ومستحيا، ولم يظهر  

           علي، وكأنه لم يراني .. وقبلت وناديته ( ها بطرس كيف حالك ) توجه

           لي وقابلني بوجه عابس .

           فقلت له أوزن كيلو لحم ... وفي تلك اللحظة وصل حبوكا .. حبوكا

           المخبل كل عمره كان مدينا لي . وكان يدفع الاقصاد في موسم الحصاد 

           أو بفترة ندف الصوف .. وحال ان رأى بطرس القصاب حبوكا دار

           ظهره نحوي وصاح ، أهلا أهلا بأبو جورج ، هيـّا لدي أحسن لحم لا

           يستحقه إلا انت، وكانت رائحة البصل تفوح من حلقه. وقال اوزن ثلاث

           كيلوات لحم، ومن هذا الفخذ . فنساني بطرس ، وبدأ يقطع المعلاق

           وزوج من الكلية ويرقص والسكين بيده. ويقول المبلغ يكون أربعة عشر

           الف وخمسمائة دينار .. فقال حبوكا .. اضف عليها من العظام بمبلغ

           خمسمائة دينار اخرى للقطة .. وأنا واقف كالصنم عين تشوف وأخرى

           تبيض. ثم اخرج ربطة من الدنانير الحمراء. وأهملني بطرس القصاب.

           قل لي : اين أذهب وأرمي نفسي، ولهما في الخارج مجنونين وكل شهر 

           يرسلان ورقتان .. يقول لك يتكلم انكليزي جيدا ، أسمعت ؟.

ابراهيم : وما لنا والناس يا بابا ؟!

جبرائيل: لا تقل وما لنا والناس ؟ .. الطريق امامك مفتوح وخالتك تناديك.

           ( هنا يدخل جميل )

جميل   : ها متى جئت، سألت عنك الكثير .

ابراهيم : لما تسأل ؟ وماذا تريد ؟

جميل   : قل له يا عمي .. أتعرف لماذا انا فرحان .

جبرائيل: ها .. وماذا يوجد ؟

جميل   : حصلت على طريقة للخروج الى يونان من دون أي مبلغ .

جبرائيل: كيف دون دفع أي مبلغ ؟

جميل   : ودون الانتظار في الاردن .

جبرائيل: قل .. قل .. وكيف ؟

جميل   : بطريق المهربين تدفع عشرة أوراق وتصل الى اليونان .

جبرائيل: ها ابراهيم سمعت .. تعلم .. تعلم .. يا جبـ ...

جميل   : ليتني بموقعك .. كنت أذهب مشيا على الاقدام .

جبرائيل: تعلم .. يا .. تعلم ..

جميل   : عمي .. انا اعرف ابراهيم يرغب بالخروج .. ولكن يوسف يؤثر عليه .

جبرائيل: ما لك ويوسف ..؟

جميل   : أتعرف ماذا سمعت ؟ يمكن يوسف سيضحك علينا وسيخرج سرا بدون

           معرفتنا به .

ابراهيم : انت كذاب .. يوسف لا يخرج .

جبرائيل: يا انت .. لا تصدق .. يوسف ابليس .. ابليس .

ابراهيم : يوسف سوف لا يترك بيته والقرية .

جبرائيل: وما لك منه ... دعه وشأنه .

جميل   : أتعرف لينا يحبها ... وسوف نخرج .

جبرائيل: ها ... برهو ..أبق بعنادك .

ابراهيم : لا اصدق .. يوسف لا يكذب .

جميل   : وإذا يوسف لم يخرج .. أتخرج انت ؟

ابراهيم : ( دون تفكير ) أخرج .

جميل   : أسمعت عمي .. كأنه ظل يوسف .

جبرائيل: ( يوسف ) .. اذا فتح هذا الباب امام يوسف .. لباع عشرة مثلك وخرج.

ابراهيم : بابا .. يوسف لا يكذب عليّ ... يوسف ينوي ان يعمل بأراضيه .

           ( يقف الوالد وهو عصبي )

جبرائيل: اسرح .. اسرح بعقلك .

جميل   : عمي لا تقلق .. دع ابراهيم عليّ .

جبرائيل: أنا .. فكر جيدا .. وأنت يا جميل لا تخف يا ولدي .. انا بعونك من دينار

           الى مليون .. دع والدتك .. انا سأقنعها ( ويخرج )

ابراهيم : قل لي .. بأي لغة ولسان تتكلم مع ابيك ؟

جميل   : أقول لك لا تصدق يوسف . دعنا نخرج . أعلمك الطريق الى هوليود .

           والله سأجعلك ملياردير بالدولار .

 

المشهد الثالث :

            في دار يوسف ..

            يوسف يقرأ كتاب، وأوراق ويسجل، امه تراقبه. تحاول جذب انتباهه،

            تعطيه قدح ماء وتبقى واقفة فوقه .. ثم تجلب له الشاي . ولا يتفوه بأي

            كلمة .. وتحاول ان تجذب انتباهه ثانية .

أم يوسف: يوسف .. يا يوسف ..

يوسف   : ( دون ان يلتفت اليها ) ها .. ها . ماذا امي ؟

ام يوسف: ألم تذهب الى بيت عمك بتي ؟

يوسف   : أتريدين ان تقولي، ألم تذهب الى بيت لينا ؟

أم يوسف: ثم ماذا .. أعلم تحبها .. وهي تحبك .. ألم أقول أن أخطبها لك ؟

يوسف   : ( دون ان يرفع رأسه ) .. لم يحن وقتها . ( يعود الى قراءته )

أم يوسف: يوسف .. يوسف .. ألا تسمع .

يوسف   : ها أمي .

ام يوسف: سمعت ان لينا وأخوها سيذهبون الى الخارج .

يوسف   : الله معهم .

أم يوسف: يا يوسف .. أقول لينا ستذهب الى امريكا .

يوسف   : قلت الله معها .

أم يوسف: لماذا .. أعرف ان المسكينة تحبك انت .

يوسف   : وأنا مالي منها.

أم يوسف: قليلا انظر اليّ ( فأخذت الكتاب منه ) وأنا ايضا احب ان لا تخسرها .

يوسف   : أأنهبها ؟ ولماذا ... قلت اذا لم اكمل دراستي واستقر ... فلا اتزوج ...

            ماذا تريدين بعد ان تعرفي ؟

أم يوسف: دعني أقول لك .. اذا انت تحبها لنخطبها، لكي لا تخرج .. وأعرف كم

            امها طماعة، ستبيعها في امريكا .

يوسف   : والآن ماذا تريدين ؟

أم يوسف: لا أريد ان اتحمل خطيئة البنت وخطيئتك .. ماذا تقول لأعمل وان ابيع 

            نفسي .

يوسف   : لا تتعبي نفسك .. ليأخذوها، وإذا ترغبين بالخروج لا مانع لديّ، أنا لا

            أخرج ولن أتركك .

ام يوسف: ولينا .. اذا تريد الان اذهب الى ...

يوسف   : لا تتعبي وتجهدي نفسك ِ... التقيت بلينا وقلت لها .. انا لن اسلك طريق

            خروجك .. وبدأت تئن.. وأمي ترغب بذهابي، وأيضا أخي معي، وأنا 

            لست حرة. وانت ِ لماذا لا تخرجين ؟ وقد وضعتني امي امام طريقين.؟

            انا لا أخرج وهي راغبة بالخروج .

أم يوسف: ولكن لا أريد ان تقلق وتقلقني .

يوسف   : لا أمي لا أبيع نفسي وأبيع راحتي وسابقى هنا .

            ( وهنا يدخل الخال .. ويعود يوسف الى كتابة اوراقه )

أم يوسف: أهلا جبرائيل ، هيا اجلس واشرب قدحا من الشاي الذي تحبه .

جبرائيل : ها ، يوسف .. ماذا تعمل ؟

يوسف   : أهلا بخالي .. أني أقرأ .

جبرائيل : ماذا بك مع يوسف ؟

ام يوسف: بخصوص لينا بنت متي كما قلت لك سابقا .

يوسف   : أمي عندما ... ( يقاطعه جبرائيل )

جبرائيل : لماذا يا بني .. ألست خالك .. أعرف كل شيء .. إذا ترغب الان نذهب

            ونخطبها ، وسيجعلونها هدية لك حالا .

            ألست أقول . أعرف يوسف. إنه شبيه والده، الله يرحمه. صاحب كلمة.

أم يوسف: قلت نخطبها قبل ان يسفروها الى امريكا .

            اذا في نيتي اي انسان لي في امريكا. مائة كيوسف يبيعونه،

            ويوسف يحبها.

جبرائيل : ومن اين الدولار .. ليس لي احد في امريكا .

            لماذا لا يخرج يوسف ؟

يوسف  : انا يوسف لا يخرج .

جبرائيل: لماذا يا يوسف ألا تسمع ؟ ولماذا لا تتكلم ؟

يوسف  : ها خالي .

جبرائيل: لماذا لا تخرج ؟

يوسف  : لا أتمكن .

جبرائيل: اغذا الموضوع هو الفلوس ...

يوسف  : كيف ؟

جبرائيل: بع اراضيك (هنا يوسف ينهض ويرمي ما بيده على الارض ويصرخ)

يوسف  : لا خالي لا ... لا تقل هذا ... عظام ابي في قبره تغلي وتثور .

           تكلمي أمي ألا تتذكرين الكلمات الاخيرة لأبي وهو على فراش الموت :          

           ــ ( ولدي لا تنسى ترابك ولا تترك اراضيك )    

           بدمي انطر اراضي والدي .. يا خالي لا تتكلم بخصوص الاراضي .

جبرائيل: لا تبيعها الى الغريب ( مجنون ) بعها الى خالك !!

يوسف  : لا خالي .. لا تجعلني ارفع صوتي، أو لا احترم قدومك .

جبرائيل: براحتك .. براحتك مع خالك يا يوسف .

يوسف  : خالي ! بخصوص بيع الاراضي لا تقل شيئا ؟

جبرائيل: قلت .. اذا تريد فلوس .. آني أخذ الاراضي ومتى تخرج وتشتغل

           وتسددها ، بعدها تعود الاراضي اليك .

يوسف  : لا خالي لا . لا اريد الفلوس ولن أخرج .

جبرائيل: ماذا تعمل هنا ؟ والعالم يغرق ولم يبقى خبز لنا هنا . انظر الى فمي ،

           سقطت ثلاثة اسنان منه ولم تعد يداي تمسك بشيء .

يوسف  : ولماذا يا خالي ، ألا تملك المال ؟

جبرائيل: وأنت ايضا .. من اين ؟ راجعت طبيب الاسنان ، فقال كلفة السن الواحد

           بخمسة وعشرون الف دينار .. بس واحد بخمسة وعشرون الف ؟؟!!

يوسف  : إذن . بما تخرج ابراهيم وتخرج جميل ؟ وتخرج ..

           لا تجهد نفسك انا  لا أخرج .

جبرائيل : اذا انت لا ترغب بالخروج.. لا تخرّب غيرك .

            حماتي لا تقبل ابراهيم ان يخرج .

يوسف   : ابراهيم رجل وله حساباته وآراءه .

جبرائيل : وأنت تحرض على ذلك !

يوسف   : ليس لي سلطان عليه .. اذا ترغب بعدم التحدث معه .. سوف لن ادخل

            بيتك .. ( يخرج غاضبا  ). ولكن لا تتحمل خطيئة ابنك

جبرائيل : ( واقفا ) قف في مكانك .. أسمعتِ ؟ يقول لم أخربه !!!

أم يوسف: لماذا هكذا يا أخي ؟

يوسف   : ( يقاطعه دون أن يتكلم شيئا )

جبرائيل : يريد ان يغلق الباب في وجهنا . أيوج انسان يأتي الي شيئا كما تعمل له

            خالته ويرفضها .. وأنا اعلم ابنك سيخرج ويضحك على ابراهيم .

يوسف  : لا يوسف لا يكذب يوسف اقبض قلبه الجريح وظل ساكتا وأنت اذهب

            واخرج ابنك .

جبرائيل : سأذهب ( يخرج ) لهم قطعتين حقيرتين من الاراضي وهم خائفون .

 

المشهد الرابع :

            يوسف يسير مترددا بين وقت وآخر ينظر كأنه ينتظر شخصا، حتى 

         وصل ابراهيم حاملا حقيبتين .. يهجم عليه يوسف يحضنه وغيره يقبله.

 

يوسف : جيد .. جئت بهذا الطريق لأراك آخر مرة .

ابراهيم: عرفت ستنتظرني .. اعذرني .. ولم اترك الوالد بدون اعتذار .

يوسف : ارحل، الله يكون معك . وكن رجلا شجاعا ولا تنسى القرية والأقارب .

ابراهيم: اذكرني واطلب لي . واعتقد هنا ستعمل جيدا . ولا تبالي للأب فهو خالك 

           وصالحه .

يوسف : ارحل بسلام ، ولا تفكر بنا ، حين تصل أخبرني كيف اكتب لك

          ( هنا يصل جميل )

جميل  : لا زلت واقفا والجميع ينتظرك .. استعجل .. مع السلامة يا يوسف

          خسارة .. هيا الحق بنا .

يوسف : (وهو يسحب ابراهيم ) انا افكر فيك . علـّم نفسك الكمبيوتر وعلمنا .

الفصل الثاني

المشهد الاول :

         في دار ودِ ، وهم على المائدة وابنتها لورا تأكل واقفة وعلى عجل ...

 

ود ِ   : لماذا لا تجلسين لورا ؟ ابنتي الى أين ؟ كأنه يوجد ورائك عمل ينتظرك !!

لورا  : sorry mam .I'm harry , I'll not turn back till ten o'clock

ود ِ   : ماذا ؟!! لن ترجعي حتى العاشرة صباحا ؟ والآن الساعة التاسعة .

لورا  :no mamy , ten at night

ود ِ   : ساعة عشرة ليلا ؟ الى اين ذاهبة . ومع من ؟!

لورا  : with my friend

ود ِ   : ماذا ؟ مع الأصدقاء ومن هم ؟ أنسيت اليوم ؟؟

لورا  : what mam ?

ود ِ   : أنسيت اليوم سيصل ابن خالتك في الساعة العاشرة ليلا ؟

لورا  :o.k. mam I'll be here at six

ود ِ   : يا بنت ، لا يجوز .. والولد قادم من بعيد بسببك وأنت حبيبته .

لورا  :  please mamy

ود ِ   : ( تقف بوجهها ) أقول لن تذهبي . وإذا من أول يوم هكذا .. ففي اليوم الثاني 

         تهزمينه بسكينة .. ( صوت منبه السيارة ) تفقدي من هو ؟

لورا  :by mam .. he's uncle peter

         تقابل بيتر بالباب hello uncle 

         ( وتخرج بينما أمها تضرب كفا بكف، وتلتفت الى صورة زوجها ..

         بينما يقف بطرس بالباب يسمعها )

ود ِ   : ما العمل مع هكذا أولاد. لماذا رحلت وتركتني لوحدي؟ ماذا اعمل بالمال

         وماذا اعمل بشركة المخازن والسيارات .. هيا هيا تفقد أولادك !

بطرس: ما الامر ؟ ( تلتفت اليه منهارة وتقول وكأنها تبكي )

ود ِ    : ألا ترى .. وتسأل ما الأمر ؟

بطرس: ماذا اليوم ؟

ود ِ    : أولادي يتوارى امام عيني ولا أتمكن من عمل أي شيء. هيـّا أسألني اين 

         ابنك بن .. أقول لا اعرف .. أين ذهبت ابنتك لورا ؟

         أقول لا أعرف .. وقل ماذا يعملون ؟ أقول لا أعلم لا أعلم ..

بطرس: أعود وأقول انتم السبب، ( تقاطعه )

ود     : لا تقل انتم السبب كثيرا ما حاولت ان اعلمهم واربيهم كما يجب، كان  

         يمنعني أبوهم الله يرحمه .

بطرس: كنت أقرأ في آذانهم، ستفقدون أولادكم . كنتم تضحكون عليّ . لم تسمحوا

         بأن يدرسوا جيدا ولا أن يشتغلوا ويتعلموا منكم .

ود     : كان يقول ، لست بحاجة . لنعوض ما فاتنا وليفرحوا اولادنا . لمن كونت

         هذه الثروة .!

بطرس: وأنت الالم عشت في قرية عليك ...

ود     : ما كان يقبل .. ما كان يقبل .

بطرس: الله يرحمه انقطعت جذوره . وآني خائف على ولديك، بن إنهزم، ولورا،

          لا تتواجد في البيت ولا تعرفين ماذا تعمل واين تذهب .

ود     : ولكن لماذا أرسلت بطلب ابن اختي واستشرت بك . المسكين اليوم 

          سيصل، وكيف لا أقلق .

بطرس: اليوم  ؟!  ومتى  ؟

ود     : في العاشرة والنصف ستصل الطائرة ، وكنت بخصام مع لورا .

بطرس: جعلتني قلق عليه .. أيا مسكين .. حينما يصل ولا يشاهد خطيبته في 

         السيارة .

ود     : وماذا سأقول .. أدبر الأمر ؟

بطرس: جميعنا سنستقبله ونفرحه ونسر قلبه .

ود     : ولورا إذا ما وصلت ؟

بطرس: ما العمل أعلمك الكذب ؟ تحججي بشيء ما . وإلا ..

ود     : وإلا ماذا ؟ لا تخيفني يا بطرس !

بطرس: انا خائف، لربما ينهزم ابن اختك .

ود     : لست خائفة على مجيء المسكين ابراهيم ويرى صحة سعادة هذه الحياة.

بطرس: في الاكل والشرب ؟ بسيارات جديدة وبلبس الدولارات ؟

          لا ود لا ، وإذا قدم، فلن يبيع نفسه بالرخص ولا يقبل بسيرة لورا .

ود     : ماذا تقول ؟ ألا يغيرها الزواج ؟؟

بطرس: أخاف ان تغيـّر الولد نفسه .. أو أنه مجنون.

ود     : فإذا لماذا ارسلت في طلبك ؟ أوصي اولادك ليحيطوا حولي ويكوموا مع

          ابراهيم .

بطرس: والولد بن الى اين وصل ؟

ود     : لا اعرف .

بطرس: بن يمكن قد وصل الى المكسيك .

ود     : لا تخيف قلبي ماذا اعمل ؟ الله يحق امريكا .

بطرس: لماذا امريكا ؟! هي جنة وهم جهنم يمكن ان يعيش فيها كملاك أو كأبليس

          كل واحد. كثير من المهاجرين من القرى قد حافظوا على تقاليدهم .

ود     : ماذا جلبت لي امريكا ؟

بطرس: الله يكون في عونك ِ. كم انا خائف عليك ِ.

          كان زوجك يضحك علي ويسميني مستر بيتر . وأنت ِ يا  ود وصلت الى 

          بغداد وأصبحت وردا .. وهنا اصبحتِ مدام فلورا .. و و

          ( يرن جرس الهاتف .. تذهب اليه وتعود )

ود     : يطلبك مستر دانيال من الشركة ( يذهب، وبعد قليل يعود )

بطرس: خبر جيد من بن ابنك .

ود     : اين هو ( بفرح ) تكلمت معه .. انا ذاهبة ..

بطرس: لا ، لا  مستر دانيال يقول بن قد أخذ مبلغا من البنك في هاواي وصرف

          صك باسم الشركة بمائة الف دولار، وصديقه قال أيضا انه لعب القمار.

ود     : ماذا اعمل ، اختلطت الأمور عليّ .. سأجن .

بطرس: قفي، قفي وفكري بالمسكين الذي سيصل.

ود     : لا تتركني لوحدي .

بطرس: لا تخافِ سأكون معك .

 

المشهد الثاني :

         ابراهيم في أمريكا .. جالس يقرأ كتابا .. تدخل ود ، وتقف :

 

ود     : هلو ابراهيم . قد نهضت باكرا ، لماذا ؟

ابراهيم: منذ كنت بالقرية دائما انهض باكرا في الصباح.

ود     : في أيام العمل انهض .. وإلا يوم استراحة ونوم وجولة مع ...

ابراهيم: أنا ومع مَن ؟ كلكم تأخرتم .. ولورا أيضا .

ود     : لورا .. اعذرها، بحق الله تحبك، لا زلتم جدد في علاقتكم. اصبر ولا

          تنزعج، أنت تجعلها تمشي كما تريد .

ابراهيم: كيف ؟ حتى كلامي باللغة الانكليزية يضحكها .

ود     : تكلم معها باللغة السريانية . تعرف كل شيء .

ابراهيم: فرحت !.. تعرف اللغة السريانية ! ولماذا لا تتكلم ؟

ود     : ببي الله يرحمه ما كان يقبل .

ابراهيم: أين لورا . ألا تتناول الفطور معنا ؟ في القرية كنا نجلس ونأكل معا ً.

ود     : لا تذكر تلك الأيام، كم كانت طيبة .

ابراهيم: متى عادت لورا أمس ؟

ود     : حال نومك، هي دخلت وسألت عنك .

ابراهيم: أريد ... يعني أريد ..

ود     : قل ابراهيم .. أنت أصبحت ابني وهذا بيتك . وأنت ستكون شريكا في كل

          أعمالنا .

ابراهيم: لو لورا وبن هما معي في العمل !

ود     : لا تخف على الاموال . اريدكم فرحانين . أطل صبرك ابراهيم واصبر

          فلورا تحبك . أطلب منك ان تسيرها كما تريد .

          ( هنا تنزل لورا مرتدية زي رياضي . تتقدم . : هلو باري .

ابراهيم: وصباحك مبروك لورا . تقترب منه وتقبله بطريقة الانف.

ود     : ( توجه كلامها الى لورا  ..

          كم يحبك ِ، اجلسي انه ينتظرك ِ.

لورا   : sorry  B  I'm in harry

ود     : ( بعصبية ) الى اين ؟؟

لورا   :to the club  ( ودون ان تنتظر جوابا تتوجه الى الباب . ولكن امها

          تسرع وتمسك بها )

ود     : الى اين ؟ وإبراهيم .!

         ( تسمع صوت سيارة .. تسرع لورا .)

لورا   : so long my friend 

ود     : هيــ .. من هو ؟

لورا   : Tom , Lisa and Robi

ود     : هيـّا أنا وأنت ( ابراهيم ) نتناول الفطور. لديها من الصبح رياضة في

          النادي ، سترجع.

ابراهيم: خالتي ، أنا استحي من نفسي. يعني ماذا اعمل يا خالتي ؟

ود     : ماذا .. قل  قل !!

ابراهيم: أنا لا أريد أن أكون ثقيلا على لورا، إذا لا نتزوج لنبقى كالإخوة .

ود     : لا ،( تجلس أمامه وتمسك بيده ) لا تقل هكذا. أنا سبب مجيئك لكي تكون

          رجلا لها، وتكون كابني، مثل عيوني ويدي . لا تقلق، فقط اصبر قليلا،

          يجب على لورا أن تتبعك ( هنا يدخل بطرس )

بطرس: السلام عليكم .

ود     : أهلا بالأب العزيز ( تدعوه للجلوس، بينما يتقدم ابراهيم ليصافحه )

ابراهيم: أهلا بالعم بطرس .

بطرس: كيف هو ابننا العزيز ؟

ابراهيم: شكرا لك .

بطرس: كيف رأيت أمريكا ؟

ابراهيم: ( ينظر ابراهيم إلى خالته منكس الرأس وحزين ) : لا أعرف ماذا أقول،

          لم أرَ شيئا منا .

ود     : سأعمل قهوة طيبة ( وتخرج )

بطرس: ها ، ابراهيم أين لورا ؟

ابراهيم: ذهبت مع صديقها .

بطرس: أعلم بأنك لا يستسيغ عقلك بخروجها مع أصدقاء آخرين .

ابراهيم: وهل هذا صحيح ؟

بطرس: اذا تريد اغمض عينيك واسكت .. واذا تريد تكلم وافتح عينيك واسحبني

          لطريقك .

ابراهيم: لا اعرف ما اقول .

بطرس: ابني اريدك تصير رجل ... وإلا انهزم .

ابراهيم: عم بطرس، انها جهنم .

بطرس: ليست كل امريكا هكذا.

ابراهيم: أيوجد بيوت مثل بيتكم ؟

بطرس: كثيرة وأكثر ملتزمة بآداب البيوت الاخرى ...

         هيا انهض وتناول الفطور لتمشي معي حالا .

ابراهيم: الى اين ؟

بطرس: جئت مسرعا لكي لا تنزعج وتحزن .

ابراهيم: ماذا يوجد ؟

بطرس: خبر محزن .. خبر من أولادنا في اليونان .

ابراهيم: قل عم بطرس ماذا حدث ؟

بطرس: تلفون من يونان .. بغرق مركب بين تركيا واليونان .. وكان فيه قسم من

          أولادنا .. ( هنا تدخل ود )

ابراهيم: من القرية ؟؟ ومن ؟

بطرس: مسكين جميل ابن عمك .

ابراهيم: ( يصرخ ) لا .. لا عم بطرس ، لا لا .

ود     : الذي خرجتم سوية ؟ لا يا مسكين .. رأسك طيب ابراهيم، الله يرحمه،

          البقية بحياتك .

ابراهيم: لماذا يا الله !!؟ مسكين هو الذي دفعني الى الخروج، كان يقول : سأصل

          قبلك ... ماذا ستعمل امه وأخوته .. أصبحوا في ارض جرداء.

ود     : لا تحزن عزيزي، حظه هكذا كان ( تخرج )

بطرس: قف وامسح دموعك وحتى نعود،( ترجع ود ومعها ورقتان ( 200 $ )

ود     : خذ هاتين الورقتين وأرسلها لوالدتك وأخوتك واكتب لهم بأنك لن تنساهم.

بطرس: الشكر لك يا ود . هيا ابراهيم نذهب ونخبر اصحاب الرسائل والفلوس .

          يقف ابراهيم ويمسح دموعه .

ود     : كيف يا عم بطرس، زواج لورا وإبراهيم ؟

بطرس: الله عليك، دعي الزواج حاليا .

ابراهيم: متى غرق المسكين ؟

بطرس: هذا الولد قد غرق قبل 25 يوما . يعني من زمن كان ابراهيم في الاردن.

ابراهيم: كنت قد سمعت بغرق المركب .

بطرس: الى قبل عشرة ايام علمت . والذين غرقوا بسبب المهرب انهزم ولم يخبر

          احدا بذلك ، وسننتظر بعد هذا القدر عدة ايام ، وليتعرف ابراهيم ولورا

          لبعضهما اكثر.

ود     : ماذا تفصل نحن نلبس .. ألم أقل بأنك أبا لنا !

 

المشهد الثالث :

            بعد الزواج

            يظهر ابراهيم يقرأ ولورا واقفة امام المرآة .. وهو يراقبها :

 

ابراهيم: الى اين لورا ؟

لورا   : تذهب تشوف فريند .

ابراهيم: قلي ذاهبة أرى .. أي فريند ؟ صديق أو صديقة .

لورا   : اهو

ابراهيم: هل انا زوجك ؟

لورا   : يلا قوم وذ مي .. آيت كورا كارد .. يلا ( بعصبية )

ابراهيم: كارد يعني حارس أو ناطور ؟ لا لورا .. لأكون معك من قلبك من حبك.

لورا   : ( تفتعل الضحك ) sorry ، لا تزعلنا .. انت معك من حبك .

ابراهيم: كم مخزن عندكم لورا ؟

لورا   : (تفرد اصبعين ) 2 تتي

ابراهيم: جيد يعني اثنين ( لورا صدق بس اثنين ) ولكم شركة كومبني ؟.

لورا   : يــس (yes  ) .

ابراهيم: لماذا لا تشتغلي انت في المخزن . وأنا مع اولاد العم بطرس بمخزن اخر

لورا   : نــو .. لا.. انا لا اعرف عمل ( مترجية ) او باري ....

I  don't  want  any  work            

ابراهيم: انا لست مرتاحا لخروجك مع اصدقائك

لورا   : يعني (what) (تهز رأسها) ثم ترمي حقيبتها على مقعد بعصبية وتجلس 

         امامه تنظر اليه بقسوة ، تدخل ود ...

ود    : والآن ماذا يوجد .. ( تتقدم من لارا ترفعها وهي تنفر منها ) وتقول :

         ها ماذا يوجد ؟

لورا   :  no  mammy no  ( بشدة )

ود     : ابنتي لازلتما عريسين ....ماذا ابراهيم ؟

ابراهيم: لا زالت لورا لا تعرف انها متزوجة .

ود     : لا لورا .. بـرهـــو يحب انتِ .

لورا   :   no برهو يريد خولا ابنة عمتي ايزا ( فتؤشر برقبتها ويداها )

ود     : ( بعصبية ) يريد ان تكوني معه ولا مع غيره .

لورا   : ( تنظر لورا الى ساعتها ثم الى ابراهيم والى امها ) وتقول :

          You late I'm late 

          ( وتاخد حقيبتها ) I'll  go out 

ابراهيم: ( يرمي الكتاب ... ويقلب ما يجد امامه ) ..

          ها خالتي الى اين ذهبت ... وعند مَن ؟

ود     : لا ابراهيم ... لا تشك بها .. لورا تحبك .

ابراهيم: لم يعد بمقدوري تحملها .

ود     : اصبر .

ابراهيم: لا اتحمل.

ود     : لورا بدلت لأجلك، ولا تتكلم السرياني ( اصبر ) ( وهي ترجوه ) .

ابراهيم: ليس جوعاً و لا ظمأ .. ولا جرح ولا مرض كي اصبر .. لورا لورا

          تدوس على شيء في قلبي وعقلي .. صخب الجهنم تنشر بمخي .

ود     : لا ابراهيم لا تقل هكذا .

ابراهيم: ليتك تسمع ... قف ابراهيم وشوف زوجتك بحضن من هي .

ود     : لا ابراهيم لا... اذا خانتك اقتل نفسي .. اجلس اجلس ( يشعل سيكارة ) .

ابراهيم: لأجلها وبسببها تعلمت شرب الخمر والسيكارة .

ود     : سأجلب لك كوب شربت لترتاح قليلا ( وتخرج )..

          ( ثم طرق على الباب .. يدخل بطرس ) .

بطرس: السلام عليكم .

ابراهيم: اهلا بالعم بطرس ( تعود ود ومعها قدح ليمون ) .

ود     : اهلا اهلا جئت بالوقت المطلوب ... اجلس سأسقيك كأسا أيضا

          تخرج ود .. بينما يراقب الرجل ابراهيم ويقول :

بطرس: ها ابراهيم ؟

ابراهيم: عم بطرس..انا اريد ان اشتغل خارج عملكم .

بطرس: لماذا ؟

ابراهيم: لأتحسس بنفسي وبجهدي وبثمري .( يكون ود قد دخلت ).

ود     : أي فكرة للمجانين .. اليست هذه الاشغال لك !؟.

ابراهيم: لا .

ود     : ابراهيم لا تقتلني يكفيني حزني من بن ولورا .

بطرس: يا ولدي  ماذا يوجد  ؟

ود     : أنا سأخرج .. ليأخذ راحته  في كلامه  ...وأنت ابونا .

          اترجاك اغسل دماغه ( وتخرج )

          ويبقى ابراهيم ينظر الى الارض .. بقعة صغيرة قذرة يعالجها برجله ...

          والرجل يلح عليها .

بطرس: ها ابراهيم .. ماذا جرى ؟ ما تلك القذارة ؟

          ( ويصرخ ابراهيم وكأنه مجنون يحادث اباه )

ابراهيم: اريد ابي .. تعال ابي وشوف في قصور امريكا الجميلة توجد قذارة .

          انظر القذارة تمشي وتفترش، ستصل اليّ وتلبسني .

بطرس : ولدي ابراهيم .

ابراهيم: لا عمي بطرس ستخنقني القذارة .. طين القرية كنا نغسله بالماء وهذه

          القذارة كحريق في قلبي .

بطرس: ليكن .. افتح قلبك وتكلم وأخرجه .

ابراهيم: تعبت عم بطرس تعبت .. أكاد أحترق .

بطرس: إقبل وكأنك قربان وتقف مع خالتك .

ابراهيم: خالتي أخذت الخطوة الاولى، وبنية صافية للقرية، قالت. اسحب الجبل

          ورائي

بطرس: الذي يقبل القربان يعرف يخسر اشياء كثيرة .

ابراهيم: وأنا أعرف كي لا أخسر في النهاية .

بطرس: سألتك قبل الزواج .. وقلت لورا تحبني !

ابراهيم: بعد الزواج عرفت تحبني كي تزين نفسها وتفرح وخالتي كالمطرقة فوق

          رأسي ( ماذا بك .. بيت ومال وشابة حلوة كالوردة.. ويا عم بطرس ..

          الوردة بدون رائحة كأنها من ورق )

بطرس: انا في انتظارك انت كي ..

ابراهيم: ( يقاطعه ) . لورا تجرني خلفها .. كنت أقول لها .. لنتهيأ للزواج .

بطرس: افتح قلبك ابراهيم ولا تستحي مني .

ابراهيم: لا تفهم لورا عندما اتكلمها عن القرية والنية الصافية لأهلها عندما اتذكر

          مقابلة واحدة مع ابنة قريتي التي كانت تحبني وأحبها. عند الصباحات 

          في طريق الكنيسة زقاق فارغ ونحن وجها لوجه. كانت تحمر وجوهنا،

          وترتجف شفاهنا، ويعقد لساننا .

بطرس: ( يقبله ) ابني، مهما كنت قلقا، علم اولادك العمل الجيد، كما يقول المثل :

ابراهيم: اذا كان لي اولاد ( يرن الهاتف وحالا ابراهيم يذهب يتحدث ويعود 

          ضاحكا بسخرية يهز يديه ) مستر برايلي كب. مدام ستيفن.. الله يرحمه

          عمي اسطبانوس .. نزل الى بغداد وصار سيد اسطيفان ثم وصل الى    

          امريكا صار مستر ستيفن .

بطرس: اضحك قليلا . هيا لنذهب الى العمل في الطريق يا ولدي سأتكلم معك .

          ويبقى الامر متروك لك لتحل عما حولك .

ابراهيم: كيف ؟

بطرس: لا تترك زوجتك ترف عينيها لوحدها . ولا تجعلها تشعر بانك تحيطها

          وتربطها بالحبل .. رافق حياتها وامشي معها، وستتمكن من صياغتها من

          جديد .. امضي معها واجعلها تحبك ( يمسك بيده وينهضه ) 

 

المشهد الرابع : 

          في الطريق، لورا وكأنها تسحب ابراهيم .. ابراهيم يحمل بعض الهدايا.

 

ابراهيم: ها .. لورا الى اين ؟

لورا   : فور استوديو .

ابراهيم: ( متذمرا ) هم صديق !

لورا   : لأعرفك به .

ابراهيم: لماذا وهل عندك شراء بدله أم بانتنطار آخر. أو كلب جميل.

لورا   : اهو ابراهيم .. انا اريد .. أريد .

ابراهيم: ماذا تريدين ؟

لورا   : أريد أن أقول شوف زوجي better   يعني بشطؤ than you  .

ابراهيم: الست محتاجة لورا ؟ لنعود الى السيارة، تعبت من حمل هذه الاشياء

          ( وهنا تلمح احدا، وتصرخ )

لورا   : هلو ، Tom  _ Tom

ابراهيم: من هو ؟

لورا   : توم صديقي ! ( وهنا يتقدم أحدهم بملابس مضحكة مع اكسسوارات )

توم    : هلو ، لورا . ( يحاول أن يحتضنها، لكن ابراهيم يقف بينهما، وهذا يبعد

          ابراهيم. وابراهيم يقول بعصبية )

ابراهيم: الى اين .. انت الى اين ؟؟ !!

توم    : what's the mater ?

لورا   : my husband Bary

توم    : husband هلو  husband

لورا   : Bary  ... Barham

توم    : ويؤشر بقبلة . وابراهيم يغضب ويسحب لورا، ولورا تمانع أيضا غاضبة

         وتوم يقرص خدها وهي مسرورة، وابراهيم يدفع توم .

 

         بعد أن يغادر توم يمشيان ثم يصادفها آخر ينظر الى لورا ، وابراهيم

         يسحبها وينظر الى هنا وهناك ، ولورا غاضبة منه وممتعضة ..

 

  لتكملة القراءة انتقل الى الصفحة التالية (6)

 

 


 

المشهد الخامس :

          وَد ِ جالسة وأمامها الهاتف تحاول استخدامه، ثم تنظر الى قائمة الارقام

          وتحاول ثانية وهي بحالة تذمر .. ( يطرق على الباب ) ثم يدخل بطرس

          وابراهيم ..

 

بطرس: ها ود ماذا تعملين ؟

ود     : ماذا أعمل، ليس لي إلا هذا الهاتف .

بطرس: ماذا يوجد ؟ وأين وصلتي ؟

ود     : كيف عم بطرس انسى اولادي .. لا بن ولا لورا ؟ منذ أمس لم يأتي

          لم أعد أرغب بسماع اسمها .

بطرس: أين هي ؟ ولِمَ لـَم تأت للعمل ؟

ود     : ماذا يوجد عليها .. تأكل وتشرب وتنام, وستضع الرماد فوق رأسي،

          وابراهيم كل يوم يأتي سكران ومحشش .

بطرس: وعمله ؟

ود     : أي عمل ! لم يعد يقدر على الكلام .. كيف يفكر بالعمل ؟

بطرس: السكر سيقتله .

ود     : بس السكر ؟!! بدأ بالمخدرات .. رماد برأسه .

بطرس: والآن ماذا تعملين ؟

ود     : سأرسله الى وطنه ويعود الى والده. وأنا حال ان تصفى الامور، سأذهب

          وابحث عن أولادي لأحفظهم .

بطرس: أعتقد ابراهيم سبب هزيمتهم !

ود     : لم يعمل بما اردته . ( صوت الهاتف .. يذهب بطرس يتكلم ثم يعود )

ود     : ها ماذا في الامر، يا أخ بطرس ؟

بطرس: كانت مخابرة من الشرطة .. ابراهيم كان سكرانا وسيأتون به .

ود     : لماذا يأتون به الى هنا ؟ هذا ليس بيته . ولا تبليني به يا أخ بطرس .

بطرس: ليأتي .. وثم أدخله المستشفى .. ولن أخرجه حتى يطيب ويرجع جيدا .

ود     : حتى اذا تصنعه ذهبا صافيا لم أعد أحبه .. أريد الحق بأولادي .

بطرس: لا تزعلين ود .. هذا بيت لورا .. وهو له حصة به .

ود     : ماذا تقول ؟

بطرس: لا تنزعجي وتقلقي نفسك .

ود     : تتكلم مع نفسها ..

         ( هذا جيد، أولادي يتيهون في الغربة، والغرباء يقعدون على قلبي

         ويرثوني ) .. ها عم بطرس ؟

         يذهب بطرس ويعود يقود ابراهيم سكرانا وهو لا يقوى على الوقوف .

ابراهيم: هلو خالتي ! لا لا هلو حماتي ..( يشم يده ) قليلا من القمح ؟؟

        Please powder

بطرس: ادخل ونام يا ابراهيم .

ابراهيم: أولا قليل من القمح .. رشفة صغيرة . خالتي من فضلك شمة واحدة.

بطرس: من القمح سأموت .. ونفسي سينقطع ( يشم يده ويفرك وجهه )

          ( يدفعه ود بعيدا، يكاد يسقط )

ود     : توت بالجهنم .. انظر الى نفسك .. استرخصتنا .

ابراهيم: استرخصتكم ؟! هلو استرخاص .. هلو رور .. لولا .. لا لا لورا ..

          حماتي أين زوجتي ؟ أية زوجة، تزوجت لا والله تزوجت ..

          يقولون اضربها على حلقها .. لورا كانت تعطيني قمحا ..

بطرس: أنا أقول ادخل ونام ؟

ابراهيم: لماذا لا .. أنام بس شمة واحدة قمخا .. قمخا كبي أغرق في النوم .

بطرس: أتذكر والدتي عندما كانت تعجن الطحين الابيض .

ابراهيم: عم بطرس، قل لي هل كانت تذهب الى بندوايا ؟

بطرس: مسكين اين انت من بندوايا .

ابراهيم: هناك طريق الرحى . الكثير من القمح الابيض . شمة واحدة الله يحفظك

          ولا تسمعوا ( جق ، جق ) ( بلحن الصوت )  

بطرس: هيـّا، هيـّا، ادخل ونام ؟

ابراهيم: ( يبتعد عنه ) لا . لا أقدر إلا رشفة واحدة أو شمة واحدة .

          وماكينة الطحين لعم الياس الصفار (جق وجق) (مثل ضوضاء المكينة) 

          والطحين يخرج بكثرة ( يركض الى خالته ) خالتي من فضلك قليلا من

          الطحين ( يشم يده ) .

ود     : تكفيني حالي. ماذا اعمل بهذه البلية ؟ اين كانت لي قل لي ؟ أين وجدته ؟

بطرس: في كازينو .. تشاجر مع ثلاثة أمثاله وضربوه وكسروا المحل

          وانهزموا ، وصاحب المحل لم يتركه إلا بعد ان دفعت صك بمبلغ خمسة 

          آلاف دولار.

ود     : أغتنيت يا عم بطرس .. ليوقفوه وأتخلص منه ( وفي هذه الاثناء يكون

          ابراهيم يبحث هنا وهناك .. تنتبه له ود )

ود     : عن ماذا تبحث ( يبدو وكأنه فقد توازنه وبدأ يهذي )

ابراهيم: شمة واحدة من الطحين .. أين رورا ، لا لا  رولا .. ذهبت الى القرية ؟

          لا خالتي لا تدعيها تذهب الى القرية يقتلونها .. هناك فراشة !!

          عم بطرس قام وذهب الى القرية ورأى فراشة (كأنه يبكي) فراشتي، كم

          لواوا حلوة . شوفو فلورا كنا نطير فوق الجبل والبساتين . فراشتي جلبت

          لي بيض أحمر وكليجا وجرز ..

          خالتي من فضلك شمة واحدة ..( تدفعه ) .. عم بطرس .. أتعلم يوسف ..

          يوسف عمل بستانا طرنا بها انا وفراشتي وجميل ، جميل .. ذهب الى

          هوليود . تزوج ممثلة تملك روزرايز . ويخت وبار . وأيضا شرب وشم

          الطحين وغرق ( يبكي )

بطرس: كفى تبكي .. هيـّا للنوم .

ابراهيم: لا أتمكن، يا عم بطرس لقد نويت للقرية. ها هي الفراشة تنتظرني، كانت 

          تقول خطية تمسك بيدي.. هيا يا انت ِ وشوفي هنا المسك باليد أو بالرجل 

          وبكل المكان. كنت أقول فقط الاسابع. قسما ً عم بطرس. وكأن الكهرباء

          تسري بجسدنا وكانت تحمر الوجوه .

          اوف قليلا من القمح، سأختنق وتغيب الشمس.

ود     : هيا يا عم بطرس لم أعد أتحمل .

بطرس: ماذا أعمل ؟

ابراهيم: نويت للقرية .

ود     : أقول اخرجه وإلا سأخرج انا من هنا .

ابراهيم: إذا خرجت .. اذهبي الى القرية .. أكيد يوسف عمل بستانا .. رماد برأس

          جميل .. أخذ ابي اراضيه ولم يعمل بستانا .

بطرس: قلت لك لا تقدرين اخراجه من البيت .. اليوم سأرسله الى المستشفى .

ابراهيم: حماتي. انتبهي الى ما يقوله عمنا بطرس. اذهبي الى القرية وخذي معك

          رورا .. يوسف يملك بستانا من كل الفواكه وفيها تفاح .. ورورا تحب

          التفاح .. أليست حواء ؟! هي تحب التفاح وأنا أشم طحين .. قليلا من

          الطحين ( بشمه ) .

بطرس: يا ابني، هيا ادخل الى الداخل ، وأعطيك ما تريد .

ابراهيم: حقا .. هيا . هيا ..( يدخل وخلفه يدخل بطرس ثم يخرج بعد قليل )

ود     : ماذا أعمل الآن ؟

بطرس: سأذهب به الى المستشفى قبل أن أتوجه الى الوطن .

ود     : الى أين ؟ أتتركني ؟

بطرس: ليس جديدا عليك. كل سنتين أذهب الى الوطن. حتى انني قطعت بطاقة

          الطائرة. ولكن لن أذهب حتى أدخله المستشفى وأنا سأعطيه كل ما

          يحتاجه. وفي القرية سألتقي بوالده لنرى ماذا سنعمل له .

ود     : اليوم لا اريده ان ينام هنا .

بطرس: انتِ التي جلبتيه وهو نسيبك ويمكن معالجته. وبلا ضوضاء والآن نام .

          ويمكن شفاؤه . وويل للذين هـربوا ولا نعلم اين ذهبوا .

 

المشهد الاخير :

          يوسف يقوم بفحص احد الاشجار، ينظر الى ساقها . يسجل . يفحص

          أوراقها أيضا يسجل .. يفحص التربة .

          يصل بطرس وعلى رأسه قبعة ومرتدي قمصلة. وقد حلق لحيته وشاربه

           .. ينظر حوله .

 

بطرس : السلام عليكم .

يوسف  : أهلا وسهلا .

بطرس : أنا أقول أنت يوسف، من رأسك الى أخمس قدميك .

يوسف  : وأنا أقول أنك عم بطرس ؟

بطرس : عرفتك من حكايات ابراهيم عليك . كل يوم كان ينتظرك امامي .

يوسف  : يمكن انا ايضا من خلال الرسالة التي كان يرسلها، كان يتحدث عنك بها

بطرس : الله ، تعيش، تعيش، هذه فردوس ..كل عمر آبائنا قضوه بزراعة الحنطة

           والشعير والعدس والباقلاء، أشجار مثمرة من كل نوع، عاشت ايدك ..

           مسكين ابراهيم، كان يحلم ...

يوسف  : قل لي، كيف حاله ؟  ظل فكري مشغولا عليه .

بطرس : ( يضرب بطرس رأسه والألم يغطي وجهه )

           ماذا أقول لك، تركته يتعذب .

يوسف  : ولماذا ؟

بطرس : يتعاطى من ذلك السم القاتل .

يوسف  : لا لا عم بطرس ... أليس له أولاد ؟

بطرس : له زوجة .. تركته وانهزمت .

           ( هنا يصل جبرائيل ويشماغه حول عنقه وهو ينهج، يبدو عليه التعب )

جبرائيل: يا بطرس، بطرس .. ( يلتفت بطرس اليه )

بطرس : أليس جبرائيل خالك ؟

يوسف  : انه هو ..

جبرائيل: انا لك قادم .. كيف أمريكا ( يصل جبرائيل ويحتضن بطرس )

           يمازحه .. كيف انت ؟  

بطرس : أحسن منك .. ولا زلت تقرض بالفائدة ؟

جبرائيل: أي فائدة ! لم يترك دولاركم أي حال لنا .

بطرس : ماذا عملت ( باستهزاء ) لقد كرهناك .. ماذا عملت ؟

جبرائيل: قل لي كيف حال ابراهيم .. فكري من طرفه .

بطرس : قتلت ابراهيم الحلو .. ألا تخاف الله ؟ !

جبرائيل: قل لي ماذا يوجد ؟

بطرس : ترسلون أولادكم الى الديار الغربية عريانين .

جبرائيل: ماذا تقول ؟ حقيبتان مملوءتان بالملابس أخذهما معه .

بطرس : ( يهز رأسه ) كنت فارغا ً وستبقى فارغا .( يتوجه الى يوسف )

           أعذرني انا وخالك كنا أصدقاء لهذا تجاوزت عليه .

جبرائيل: قل لي ( مازحا ) كيف هو ؟ منذ ستة أشهر لا رسالة ولا كلمة أو خبر .

بطرس : انت محضوض، كنت انا هناك وإلا لكان قد ضاع. ابنك كان قديسا ولكن

           ربيته بالخوف. ابنك ابتلعته امريكا. وأمريكا قاسية إذا لا يعرفها الانسان

           انها جهنم .. اذا لا يملك الفرد خمس عيون ويكون أصيلا .

يوسف : أنت يا عم بطرس، رسائلك ومقامك وكلامك وصحتك ؟

بطرس : يا يوسف .. يا يوسف . كان ابراهيم يذكرك ليل نهار .

جبرائيل: قل لي ماذا يعمل ؟ أليس له أي شيء من الدراهم ؟

بطرس : وأيضا تسأل عن الدراهم ؟

جبرائيل: لا .. لا ..أليس لي أبن وبنت ؟

بطرس : قلت الى يوسف .. هل عنده زوجة ليكون شيء ؟

جبرائيل: ماذا تقول ؟

بطرس : ( باستهزاء ) الخطيئة ستلحقك وخطيئة ذلك الولد الذي غرق .

           وابراهيم بكى دما بلا دموع .. وكل يوم تلزمه الحمى ويهذي في كلامه.

جبرائيل: وما ذنبي أنا ؟

بطرس : ولكن من الذي خفَّ رجليه ودفعه ؟ّ! إذا سكتتُ ويوسف يسكت، لا أعلم

           كيف تسكت النار التي في قلبك وعقلك ؟

جبرائيل: تكفيني ناري، وتأتي انت تلهب نارا أكبر .. ماذا أعمل ؟

بطرس : من الآن وصاعدا سيتشارك مع ابنك ثانية بعد ان أنقذته من السم .

جبرائيل: لم أكن لوحدي. نار أصابت العالم كل واحد يريد ان يخرج. ماذا أعمل ؟

بطرس : ليس عيبا الخروج ولا مهانة .. اذا أمكننا ان نبقى فهي رجولة ..

يوسف : عم بطرس .. مضايقات كثيرة تحملها الناس الذين رموهم الى الخارج .

بطرس : حقا تقول يا ابني .. اذا نعيش في الغربة ورأس مرفوع شيء جيد ونحن

           اولا هذه التربة .. ومتى رجعنا اليه نتمكن ان نتكلم مع ترابنا وقرانا

           وأهلنا بصوت عال ٍ .

ــــ  انتهت  ــــ

 

الـخاتـمة :

قبل أكثر من ربع قرن كنت قد بدأت بكتابة بعض النصوص للقصة القصيرة وباللغة العربية. وكانت باكورة القلم بهذا الاتجاه مجموعة صغيرة ضمن كتيب يحتوي على عشر قصص وبعنوان ( الكوة وعرس الجرذان ) وأجيزت من قبل دائرة الأعلام – الرقابة – المسودات – التابعة لوزارة الأعلام – بغداد / تحت رقم ٦٠٥ وبتاريخ ٨/٦/٢٠٠٢ وبرقم الإيداع في دار الكتب والوثائق ببغداد تحت رقم ( ٥٥٥ ) لسنة ٢٠٠٢. وصدرت عام ٢٠٠٣ بخمسمائة نسخة. وضمن فترة الثمانينات من القرن الماضي كنت قد كتبت أيضا ً قصتين طويلتين ( كمخطوطة ) بمائة ورقة ضمن سجل بالحجم الكبير، وكانت القصة الأولى باسم ( خالتي رفقة ) والقصة الثانية باسم ( رحلة سلمى ومنصور ). إلا انه ومع مزيد الأسف فقدت المخطوطة المذكورة أثناء عودتي إلى بلدتي القوش في عام ٢٠٠٣ ولم اعثر عليها لحد الآن.

   وبعد تلك الفترة وفي بغداد خطر ببالي أن أحول بعضاً من نصوص هذه القصص القصيرة إلى نصوص مسرحية، وفعلا بدأت، ومنها قصة الحقيبة – والكنز (الضحية) ومثلت الأخيرة عام ١٩٩٧ على مسرح نادي بابل الكلداني في بغداد وتلتها مسرحية ثانية (الاغتراب) وثالثة (حجارة الربوة) وغيرها.

وبعد ذلك وحسب تحسسي بان النصوص المسرحية والمسرح بالذات له دور فعال وايجابي لدى المشاهد والناقد. وفعلا واصلت الكتابة حتى بلغ عدد النصوص بحدود (السبعة).

إلا إنني ومنذ أواسط الثمانينات والى هذا اليوم كنت وما زلت أواصل كتابة الشعر النثري والعمودي والشعر الحر وفي اللغتين العربية والسريانية وقد صدر منها خمس مجموعات وأخرها بعنوان (سكون الرمال يتكلم) وهناك البعض من القصائد كمخطوطة لمجموعة سادسة والتي تتجاوز الستين قصيدة وباللغتين أيضا وبعنوان ( هذا أنا )  ......

 

 

أضف تعليق


للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.