اخر الاخبار:
توضيح من مالية كوردستان حول مشروع (حسابي) - الأربعاء, 27 آذار/مارس 2024 19:18
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

حادثة ساحة الوثبة جريمة بعثية داعشية بإمتياز// د. عبدالخالق حسين

د. عبدالخالق حسين

 

عرض صفحة الكاتب 

حادثة ساحة الوثبة جريمة بعثية داعشية بإمتياز

د. عبدالخالق حسين

 

أثار مقتل الفتى هيثم علي إسماعيل في ساحة الوثبة وسط العاصمة بغداد موجة من الاستنكار والاحتجاج الشديدين في جميع أنحاء العالم، وخاصة على الطريقة البشعة التي وقعت فيها الجريمة. وأدعى القتلة ومن يدافع عنهم من كتاب الجوكر، أن المغدور كان قناصاً قتل7 من المتظاهرين!! ولكن مع الوقت ظهرت الحقائق في أغلب تقارير وكالات الأنباء تبرئ المغدور. وعلى سبيل المثال، وتوخياً للإيجاز، ننقل فقرة مما نشر عن هذه الجريمة البشعة في صحيفة الرأي اليوم، جاء فيه ما يلي:

((الفتى هيثم علي إسماعيل، يبلغ من العمر 16 عاما ويسكن على ما يبدو قريبا من مكان تجمعات المتظاهرين [قرب ساحة الوثبة]، وقد دخل معهم في شجار عدة مرات على خلفية طلبه من متظاهرين الابتعاد عن باب منزله، ومع رفضهم لطلبه تطور الشجار إلى عراك، قام على أثره متظاهرون بإلقاء زجاجات مولوتوف على منزل الفتى بهدف إحراق المنزل، فقام الفتى بأخذ مسدس حربي وإطلاق النار منه على المهاجمين [في الهواء]، فما كان منهم إلا أن اقتحموا المنزل وقبضوا عليه وضربوه حتى الموت، ثم سحلوا جثته في الشارع قبل أن يعلقوه عاريا على أحد أعمدة المرور في ساحة الوثبة)).(1)

 

كما شاهدنا في عدة فيديوهات جمهوراً غفيراً في مكان الحدث، المفترض بهم أنهم من المحتجين على الحكومة، كانوا يتفرجون على جريمة سحل شاب بلباس داخلي فقط، يُسحل من قبل الغوغاء، وصور أخرى لجثة الشاب معلقة بعمود. والجمهور يصورون المشهد بهواتفهم النقالة، بل وفتاة تأخذ صورة سلفي مع الجثة المسحولة. لا شك أن هذه الجريمة بشعة إلى أبعد الحدود لا يرتكبها إلا المصابون بمرض السادية والسايكوباثية، و التي يمارسها البعثيون الدواعش بضحاياهم. إذ هكذا بدؤوا في سوريا عام 2011 بجريمة مشابهة والتي انتهت بالدمار الشامل للبلاد. وهذا ما يخططونه للعراق.

 

كما ظهرت مقالات كثيرة ، وعلى سبيل المثال لا الحصر مقال بعنوان: (حادثة الوثبة مدبرة وترتيب اخراجها عار جديد على الأسلامويين)، ومقال آخر بعنوان: (في الوثبة مسرحية إيرانية). ولا أدري من أين حصلوا على معلوماتهم وبهذه السرعة في تبرئة الجناة الحقيقيين، وتوزيع الاتهامات يميناً وشمالاً، مرة على الأحزاب الإسلامية، وأخرى على إيران، وثالثة على الحشد الشعبي. وحبذا لو أشاروا ولو إلى مصدر واحد يوثقون به أحكامهم. وغني عن القول أن أغلب مقالاتهم هي تحريضية يخاطبون بها الغرائز البهيمية لإثارة الأحقاد والكراهية والعنف. فمنذ بداية التظاهرات في الأول من تشرين الأول الماضي، صار كل شيء سيء يحدث في العراق هو من إيران، وتدبير من الأحزاب الإسلامية الحاكمة. (طبعاً اختلافي هذا مع هذه الأحكام التعسفية المسبقة يضعني في خانة عملاء إيران والأحزاب الإسلامية، والعياذ بالله !!)

 

وحتى الناطق الرسمي للقائد العام والقوات المسلحة اللواء عبدالكريم خلف لم يسلم من الاتهامات وتشبيهه بمحمد سعيد الصحاف من أجل إسقاط مصداقيته لأنه نفى أن يكون القتيل قناصاً، أو قتل متظاهرين. وأخيراً، أكدت لجنة حقوق الانسان في مجلس النواب، يوم الجمعة [13/12/2019]، أنه لا يوجد أي قتلى بين المتظاهرين في حادثة الوثبة، فيما شددت على وقوفها مع سيادة القانون وحفظ البلاد من "الفوضى العارمة". ودعت اللجنة "القضاء والقوات الامنية الى ملاحقة الجناة وإنزال القصاص العادل بمرتكبي هذه الجريمة البشعة"، مؤكدة "وقوفها مع سيادة القانون وحفظ البلاد من الفوضى العارمة والتي ستحرق الاخضر واليابس".(2). كما أعلنت وزارة الداخلية، يوم الأحد، 15/12 الجاري، إلقاء القبض على خمسة متهمين بحادثة ساحة الوثبة(3).

 

نؤكد مرة أخرى أننا مع التظاهرات السلمية، ومطالبها المشروعة ضد الحكومات الغارقة بالفساد، وحتى أيدتها المرجعية الدينية في النجف الأشرف وطالبت المحتجين السلميين بعزل وفرز المخربين المندسين. ولا شك أن لهذه التظاهرات مبررات وإيجابيات وفوائد كثيرة سنخصص لها مقالاً مستقلاً لاحقاً. ولكن بالتأكيد تم اختطافها من قبل جماعات تمارس العنف، ترتبط مباشرة بحكومات اجنبية كبرى تنفذ أجنداتها لزعزعة الوضع في العراق. ودليلنا على ذلك هو عقد مؤتمرات في واشنطن، والرياض، هدفها إسقاط النظام العراقي وإقامة نظام دكتاتوري بغيض موالي لأمريكا وحلفائها في المنطقة، و ذراعها العسكري الضارب هو حزب البعث بنسخته الداعشية المتوحشة. فقد جاء في البيان الختامي لما يسمى بـ(مؤتمر متحدون لإنقاذ العراق في وشنطن) ما يلي:

(( اجتمع عدد كبير من النخب وأصحاب الكفاءات والشخصيات العراقية الأميركية المقيمة في الولايات المتحدة في مؤتمر"متحدون لانقاذ العراق" في واشنطن في اليوم الثالث عشر من آذار/ مارس 2019 بدعوة من جمعية الصداقة العراقية الاميركية وجمعية حرية وتقدم العراق، وذلك لبحث الوضع المروع في العراق في ظل النظام الدكتاتوري المتطرف الذي يقوده رجال الدين والميليشيات المتطرفون والسياسيون الإسلامويون الفاسدون الموالون لإيران. وقد حظي المؤتمر بحضور ضيوف متميزين هم الزعيم الجمهوري البارز السيد تيم شنايدر رئيس الحزب الجمهوري في ولاية الينويز، والسفير السابق ديفيد ماك مدير معهد الشرق الأوسط بوزارة الخارجية، والعقيد المتقاعد جون اورف من وزارة الدفاع. كما انضم العديد من الضيوف البارزين إلى المؤتمر من أوروبا والشرق الأوسط منهم السيد علي جعفر زادة ممثل مجلس المقاومة الإيرانية، وممثلون من حركات التحرر الأحوازية في إيران، وعضو الجبهة الوطنية العراقية.)) البيان طويل وممل نضع رابطه في الهامش(4).

 

لذلك نؤكد أن ما يجري في العراق الآن هو حرب بالنيابة بين المحور الأمريكي-السعودي-الإسرائيلي من جهة، و المحور الإيراني-السوري والقوى السياسية المتحالفة مع إيران في العراق والمنطقة من جهة أخرى. والسبب هو أن أمريكا لا يهمها أن تكون الحكومة العراقية فاسدة أو نزيهة، تراعي أو لا تراعي مصالح الشعب العراقي، بل تريد حكومة معادية لإيران على غرار حكم البعث الصدامي. والوسيلة الوحيدة لتحقيق هذا الغرض الخطير هو إغراق البلاد في فوضى عارمة، لتبرير انقلاب عسكري، تباركه أمريكا وحلفائها في المنطقة والعالم، بحجة إنقاذ الشعب العراقي من الفوضى والحكومة الفاسد الموالية لإيران.

 

وما جريمة قتل وسحل الشاب هيثم علي إسماعيل إلا خطوة أخرى، ونقلة نوعية جديدة في تصعيد العنف و الفوضى لتحقيق الأغراض التدميرية المنشودة. فقد أساءت هذه الجريمة البشعة ليس فقط لسمعة الانتفاضة المفترض بها أن تكون سلمية، بل ولسمعة الشعب العراقي أيضاً، خاصة وأن تاريخ هذا الشعب حافل بأعمال العنف مثل السحل وغيره في مختلف مراحل تاريخه.

كما علق الصديق الدكتور محمد حسين علي، طبيب استشاري في الأمراض النفسية، ومنسق إحدى مجموعات النقاش قائلاً: ((ان حادثة ساحة الوثبة لها دلالات بعيدة الأثر، حيث ان البعض من المتظاهرين ومؤيديهم كانوا ينادون بضرورة قتل وسحل وتعليق الأشخاص الذين يريدون الخلاص منهم لأي سبب كان. لذلك فحادثة الوثبة هي تطور نوعي في العنف الذي مارسه بعض المتظاهرين وكأنهم ينتظرون ضحية من نوع ما. انها الغريزة الوحشية التي تكمن في الجماهير اذا استولى على النفوس قانون الغاب، أو قانون الشارع أو ما يسمى (Mob Law or Lynch Law). وقد حدث فعلًا وربما تنحدر هذه الانتفاضة الى حمام دموي يشبه ما حدث صبيحة 14 تموز من عام 1958 م.)).

 

لذلك نناشد الأخوة من المثقفين العراقيين العلمانيين الوطنيين، الذين عقدوا آمالهم على هذه التظاهرات بأنها هبة شعبية سلمية و نظيفة، ستؤدي إلى التخلص من النفوذ الإيراني، والأحزاب الإسلامية، ونظام المحاصصة الطائفية..الخ، نناشدهم أن يعيدوا النظر في موقفهم من هذه الأحداث الدامية على ضوء ما ظهر من أدلة واضحة أنها تريد الشر بالعراق. فالغرض هو ليس المجيء بحكومة علمانية ديمقراطية نزيهة، تستجيب لاحتياجات الشعب، كما يتصور البعض من ذوي النوايا الحسنة، بل الغرض الرئيسي هو إعادة حكومة دكتاتورية معادية لإيران، وتضطهد الشعب، وتصادر الحريات، ومتحالفة مع السعودية وحلفائها في المنطقة.

 

ولكن المشكلة أنه لو نجحت أمريكا والسعودية في تغيير النظام العراقي الحالي، والمجيء بنظام معادي لإيران وموالي لأمريكا وحلفائها في المنطقة، فهذا لا يعني نهاية المشكلة، بل خلق مشكلة جديدة أخطر وأكثر دماراً، ذلك لأن في العراق أحزاب إسلامية شيعية قوية تتمتع بشعبية واسعة، لها مليشيات مسلحة مؤيدة لإيران ترى عمقها الإستراتيجي فيها، وهي تعمل لضم العراق إلى محور المقاومة. فهذه القوى لا يمكن أن تبقى ساكتة لتبيدها الحكومة الدكتاتورية الجديدة. وهذا يعني تكرار السيناريو السوري واليمني في العراق، وهو ما حذرنا منه الحكومات العراقية المتعاقبة بأن لا تخسر علاقتها مع أمريكا، ولا تنجر إلى أي محور، ودون معاداة إيران. ولكن بلا جدوى.

 

على أي حال، و رغم كل هذه الكوارث والسيناريوهات الرهيبة، هناك أمل وفق مقولة (رب ضارة نافعة)، فرغم سرقة الانتفاضة من قبل الأشرار، إلا إنه من الممكن أن يتحقق ما لم يكن في حسبان تلك القوى الشريرة، أي (نتائج غير مقصودة). فهذه الانتفاضة قد تؤدي إلى تغيير جذري وإيجابي في العراق. وهذا موضوع مقالنا القادم.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

ـــــــــــــــــــــــــ

روابط ذات صلة

1- ما هي قصة الفتى العراقي الذي سحله متظاهرون في ساحة الوثبة في بغداد ومثلوا بجثته وعلقوه على عامود شارة المرور وسط التصفيق والهتاف؟

https://www.raialyoum.com/index.php/%D9%85%D8%A7-%D9%87%D9%8A-%D9%82%D8%B5%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%81%D8%AA%D9%89

 

2- لجنة حقوق الانسان النيابية: لايوجد اي قتلى بين المتظاهرين في حادثة الوثبة

https://www.akhbaar.org/home/2019/12/265736.html

 

3- الداخلية: القبض على خمسة متهمين بجريمة حادثة الوثبة

https://www.akhbaar.org/home/2019/12/265793.html

 

4- البيان الختامي لمؤتمر متحدون لإنقاذ العراق في واشنطن ...

https://www.wijhatnadhar.org/article.php?id=14001

 

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.