مقالات وآراء
بمناسبة عيد الصليب.. هل يعبدوا الميسحيون الصليب؟// يعكوب ابونا
- تم إنشاءه بتاريخ السبت, 16 أيلول/سبتمبر 2023 20:50
- كتب بواسطة: يعكوب ابونا
- الزيارات: 1070
يعكوب ابونا
بمناسبة عيد الصليب..
هل يعبدوا الميسحيون الصليب؟
يعكوب ابونا
يعاب على المسيحيون بانه يعبدون الصليب؟ ويتخذونه علامة وشعاراً لحياتهم؟ في الوقت الذي هو أداة التعذيب التي عُذِب ومات عليها السيد المسيح؟ فكيف يُخلِد ويعبد إنسان الأداة التي قُتِل عليها شخص عزيز عليه؟ واكثر غرابة أن الرسول بولس يدعو الصليب قوة الله؟ فكيف يكون قوة الله؟ والمعروف انذاك بان المصلوب يعتبر شخصا ملعوناً، من الله والبشر؟؟.
جوابا لهؤلاء نقول ان الصليب مادة "خشب" لا ينفع ولا يضر "فكيف نعبده" وثانيا نحن نعبد بكل محبة المصلوب على ذلك الصليب. فنحن لا نعبد الجماد شجرا كان او حجرا؟؟. بل نعبد الحي الذي قام من بين الاموات بعد ان مات على الصليب ودفن وقام في اليوم الثالث، أَمَّا أَنَا فَحَاشَا لِي أَنْ أَفْتَخِرَ إِلّا بِصَلِيبِ رَبِّنَا يَسُوعَ الْمَسِيحِ، غلاطية 6 : 14 ".
والمعنى الروحي لكلمة الصليب هو عمل الفداء الذي أكمله الرب يسوع بموته الكفاري، يقول الرسول بولس في 1كو 2 : 2 لاني لم أعزم أن عرف شيئاً بينكم إلا "يسوع المسيح وإياه مصلوباً" ...
فمن الطبيعي ان يبادر الى الذهن عند سماع كلمة صليب " الموت " لانها كانت أداة التعذيب والعقاب والإعدام وهي مصنوعة من عمود خشبي يعلق عليه الشخص حتى يموت من الجوع والإجهاد. ولكن في عصر الرومان جعلوه مكونا من خشبتين واحده طولية مثبت في طرفها الأعلى خشبه مستعرضة لتشد عليها يدي المصلوب وتسمر بها، أو تربط بالحبال. والسيد يسوع المسيح صلب على هذا الصليب..؟؟
الله من آلة التعذيب يعلن لنا محبته، فالخشبة الطولية دلالة على رمزية ربط الارض بالسماء، لأعادة العلاقة والمصالحة بين الله والانسان تلك العلاقة المقطوعة بسبب الخطيئة، واما تسمر اليدين المفتوحتين على الصليب هو اعلان ودعوة للجميع للرجوع الى الله، لان خلاصه ليس لفرد بعينه أو على شعب بمفرده بل هو خلاص للجميع كما يقول : "وأنا إن ارتفعت عن الأرض أجذب إليَّ الجميع" (يو 12 : 32).
عرف اليهود قديماً عقوبة إعدام المجرم بتعليقه على خشبه، وهناك ايات بالعهد القديم منها: "وَإِذَا كَانَ عَلى إِنْسَانٍ خَطِيَّةٌ حَقُّهَا المَوْتُ فَقُتِل وَعَلقْتَهُ عَلى خَشَبَةٍ فَلا تَبِتْ جُثَّتُهُ عَلى الخَشَبَةِ بَل تَدْفِنُهُ فِي ذَلِكَ اليَوْمِ لأَنَّ المُعَلقَ مَلعُونٌ مِنَ اللهِ" (تثنية 21: 22-23).
كان هذا النوع من الموت يمارس عند الرومان كوسيلة تعذيب وإعدام، وكانت هذه الطريقة تنفيذ فقط بحق المذنبين العبيد بالموت صلباً، لأن القانون الروماني لا يسمح بان يُصلب مواطن روماني، فهو أرقى وأشرف من أن يُصلب حتى لو كان مجرماً،.
كان مفهوم الصليب عند اليهود واليونانيين، كما يقول الرسول بولس في رسالته الاولى الى اهل كورنثوس 1 : 18 : "فَإِنَّ كَلِمَةَ الصَّلِيبِ عِنْدَ الْهَالِكِينَ جَهَالَةٌ وَأَمَّا عِنْدَنَا نَحْنُ الْمُخَلَّصِينَ فَهِيَ قُوَّةُ اللهِ"؛.!
اكيد أن الرسول بولس لم يكن يقصد خشبة الصليب ـ بل كان يقصد شخص المصلوب عليه وهو يسوع المسيح، الذي آمن به التلاميذ وصار له اتباعه، ولانه كرس نفسه لخلاص البشرية عندما فتح للخاطئ طريق العودة لله، من الطبيعي ان تكون هذه الرسالة صعبة الفهم عند اليهود، فشكلت عندهم عثرة، ولليونانيين جهالة..
الرسول بولس يقول فهي قوة الله، والتي تعني في اليونانية " ديناموس " ديناميت، التي تولد الطاقة وتحفز وتنمو فهكذا قصدها الرسول بولس بان الصليب هو قوة الله التي اظهرها شخص المصلوب يسوع المسيح بسفك دمه على الصليب من اجل خلاصنا من الخطية ، ومنحنا البر من جميع خطايانا " كو2 : 13و14 .. وبصليبه منحنا ووهبنا الحياة الابدية كما في رومية 5 : 18 . وحررنا من ذنوبنا وخطايا لانه دفع ثمنها ، كو 2 : 14 ويوحنا 8 : 32و36 ، وصالحنا مع الاب بدمه على الصليب 2كو5 : 19 و كو1 : 20 ".. وجرد السلاطين وظفر بهم من على الصليب (كولوسي 2: 15 ) المسيح لم يبد الموت فقط، بل باد مَن له سلطان الموت، أي إبليس "فَإِذْ قَدْ تَشَارَكَ الأَوْلاَدُ فِي اللَّحْمِ وَالدَّمِ اشْتَرَكَ هُوَ أَيْضاً كَذَلِكَ فِيهِمَا، لِكَيْ يُبِيدَ بِالْمَوْتِ ذَاكَ الَّذِي لَهُ سُلْطَانُ الْمَوْتِ، أَيْ إِبْلِيسَ" (عبرانيين 2: 14-15) ..
بصليبه أعطاناً أن نغلب العالم (1يوحنا 5: 4)، وأن نهزم الجسد وشهواته، لأن من يتخذ المصلوب نصيباً، فقد صلب الجسد مع أهوائه (غلاطية 5: 24)، فحق لنا أن نمشي في موكب نصرته كل حين، ونظهر رائحة معرفته في كل مكان (2كورنثوس 2: 14) فنحن نعبد هذا الذي بذل نفسه من اجلنا خلاصنا جميعا ، ولا نعبد خشبة الصليب ؟؟. ..
مات يسوع المسيح على الصليب دفن وقام في اليوم الثالث وظهر لتلاميذه اربعين يوما يكلمهم عن الامور المختصة بملكوت الله، "اعمال 1 : 3 و8" وبعدها ارتفع الى السماء بعد ان وعدهم بانهم سينالون قوة متى حل الروح القدس عليكم لتكونوا لي شهودا في اورشليم وفي كل اليهودية والسامرة والى اقصى الارض ..
عندما اعلنت الامبراطورية الرومانية مسيحيتها في القرن الرابع الميلادي، كانت هيلانه أم ألامبراطور قسطنطين أمرأة مؤمنة وتقية، فذهبت إلى اورشليم لتتبارك بألاماكن التي عاش فيها يسوع المسيح أثناء حياته، وكانت امنيتها ورغبتها في الحصول على خشبة الصليب الذي صلب يسوع عليها، والآلات التي استخدمت في صلبه وتعذيبه. وبعد البحث والتفتيش في الاماكن المفترضه، وجدوا ثلاثة صلبان على حدا، ومسامير على حدا، ورقعة "العنوان" الكتابة التي كان قد كتبها بيلاطس وجَعَلَها على الصَّليب، وكانَ مكتوباً فيها: «يسوع النّاصري ملك اليهود» وكانَ العنوان مكتوبا بِالعِبرِيَّةِ واللاَّتينَّيةِ واليُونانِيَّة. فقالَ رؤساء كَهَنَةِ اليَهودِ لِبيلاطُس: "لا تَكتُبْ: مَلِكُ اليَهود ". أَجابَ بيلاطس: «ما كُتِبَ قد كُتِب!». (يوحنا 23:19-19)
اما لماذا كتب بيلاطس «يسوع النّاصري ملك اليهود» وعلّقها على الصليب، لان العادة المتبعه عند الرومان كانت عند الحكم على احد المجرمين بالموت يتم وضع لوحة فوق راسه يكتب بها اسم المصلوب ونوع الجريمة التي ارتكبها وبسببها صلب ..؟؟ الا ان المسيح لم يستطيع احد ان يتهمه باي تهمة، ولا ان يثبت عليه اية خطية، فيذكر البشير مرقس في انجيله 15 : 26 " بأن التهمة الموجّة ضد المسيح. ثبت بالرقعة المكتوبه فوق راسه التي « كان عُنوانِ عِلَّته مكتوبا «مَلِكُ اليَهود» ، هذه كانت تهمة المسيح؟؟ لان بيلاطس لم يجد علّة أو خطيئة تستوجب الموت سوى كون يسوع المسيح ملك اليهود ،.. .
تقول القصة بعد ان وجدوا الصلبان الثلاثة احتارت الملكة في ايهما يكون صليب الفداء، فجاءوا بالصلبان الثلاثة ووضعوا الواحد تلو الآخر على امرأة مريضة، فلما لمس صليب الفداء جسم المريضة برئت في الحال من مرضها ونالت الشفاء، بذلك تأكد لهم أن الصليب الذي صلب عليه يسوع المسيح. ويقال ان ذلك كان يوم 14 ايلولـ لذلك اتخذ هذا اليوم من كل سنه عيد الصليب، وهناك من يقول بان هذه العيد اتخذ بسبب ان ملكة هيلانه دشنت الكنيسة وبنتها في مكان قبر يسوع المخلص التي وضع فيها قسم من خشب الصليب الحي كان في يوم 14 ايلول، واطلق عليها اسم كنيسة القيامة، وكان ذلك بحدود سنة 325 -327م وقد أرسلت القديسة هيلانة قسماً من خشب الصليب والمسامير إلى قسطنطين، لتضم هذه الذخائر وأرسلت القسم الثالث من خشب الصليب إلى قداسة البابا في روما ...
ويقال انه عند اكتشاف صليب يسوع المسيح أرادوا من اورشليم ايصال هذا الخبر المفرح إلى القسطنطينية، فوجدوا ان أفضل وسيلة لايصال الخير هي إشعال النار على رؤوس قمم الجبال. فكان الامر بان كل منطقة ترى النار مشتعلة تقوم بإشعال النار في منطقتها إلى أن وصل الخبر بهذه الوسيلة الى قسطنطينية إلى الملكة هيلانة. فمن هنا جاء هذا التقليد الذي مازال قائما حتى يومنا هذا في كافة المناطق المؤهلة بالمسيحين .. باشعال النار يوم عيد الصليب ..
وكان القرار تكريما وتمجيدا وتقديسا للمصلوب على الصليب فقد أصدر الامبراطور مرسوماً ملكياً يحرم فيه أستعمال الصليب ألة للتعذيب أو تنفيذ حكم الموت، فأصبح الصليب المقدس علامة ورمز للمسحيين جميعا. ولازال كذلك وسيبقى الى الابد .. ..
ولكن في عام 616 هجم كسرى ملك فارس على فلسطين ومدنها واورشليم ودمر ونهب الكثير وانقض على الكنائس وغنم الغنائم التي فيها بما فيها خشبة الصليب المقدس الموجود في كنيسة القيامة التي أبقتها القديسة هيلانة ...
وفي عام 629م هاجم الملك هرقل جيوش الفرس فهزمها، ففر الملك كسرى طالباً النجاة، الا ان أبنه شيروه قتله واعلن نفسه ملكا لفارس، فأسرع في مفاوضة هرقل، وكان أول شرط هرقل في عقد الصلح أسترجاع خشبة الصليب المقدس، فاعيد وسلم للملك هرقل، بعد ان بقى بحوزتهم اكثر من ستة عشر عام، فجاء هرقل به الى قسطنطينية وبعد سنة جاء به إلى اورشليم ووضع في مكانها في كنيسة القيامة.......
ويحك ان الملك هرقل دخل المدينة حاملاً خشبة الصليب المقدس على منكبه لابساً التاج والأرجوان ولكنه لما دنا من الجلجلة وحاول التقدم شعر بمانع غير منظور يمنعه من السير، فتعجب فسألوا البطريرك زكريا فقال: أنظر أيها الملك هل يليق بأن تحمل صليب الفداء وأنت تتفاخر بالألبسة الملكية الفاخرة، والفادي يسوع المسيح حمله بالتواضع والهوان تحت سياط وسيطرة الجنود في طريق الآلام، فما كان من هرقل الا ان خلع التاج والأرجوان وحتى الحذاء وأرتدى لباساً حقيراً وواصل المسير بالصليب المقدس إلى الجلجلة ووضعه هناك من حيث سلبه الفرس ..
ونحن نحتفل بعيد الصليب علينا ان نعرف المصلوب يسوع المسيح قوة الله المعلنة في الصليب، فلا نرى في صليب المصلوب، هزيمة او ضعف، وفق المنطق البشري للقوة، المصلوب على الصليب قوة الله، القوة المخلِّصة، القوة المانحة للحياة، الدافعة بنا للقداسة لتُرضي الله، الرافعة لنا فوق الأزمات والضيقات،.. ونرتل بالايمان ..
"مَعَ الْمَسِيحِ صُلِبْتُ، فَأَحْيَا لاَ أَنَا، بَلِ الْمَسِيحُ يَحْيَا فِيَّ. فَمَا أَحْيَاهُ الآنَ فِي الْجَسَدِ، فَإِنَّمَا أَحْيَاهُ فِي الإِيمَانِ، إِيمَانِ ابْنِ اللهِ، الَّذِي أَحَبَّنِي وَأَسْلَمَ نَفْسَهُ لأَجْلِي " غلاطية 2 : 20 "
وكل عام وانتم بالف خير
يعكوب ابونا ............ 16 /9 /2023