مقالات وآراء
الضفة الغربية ساحة حرب أساسية أم ثانوية؟// أسامة خليفة
- تم إنشاءه بتاريخ الإثنين, 09 أيلول/سبتمبر 2024 19:59
- كتب بواسطة: أسامة خليفة
- الزيارات: 550
أسامة خليفة
الضفة الغربية ساحة حرب أساسية أم ثانوية؟
أسامة خليفة
كاتب فلسطيني
فجر يوم الأربعاء 28 أغسطس/آب 2024، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي عملية عسكرية أسمتها «المخيمات الصيفية» وصفت بأنها الأوسع منذ عملية «السور الواقي» عام 2002، أحكمت قوات الاحتلال الإسرائيلي الحصار على مدن ومخيمات وبلدات شمال الضفة، وحشدت لاقتحامها لواء المشاة كفير، وأربعة كتائب تابعة لحرس الحدود، ووحدات من المستعربين، وقوات النخبة، ووحدات من الهندسة العسكرية، بتنسيق مع جهاز الأمن العام (الشاباك)، ودعم من سلاح الجو الإسرائيلي، الذي دفع بمروحيات ومقاتلات حربية ومسيرات لتوفير غطاء للقوات البرية.
شملت عملية «مخيمات صيفية» هجوماً على مدن جنين وطولكرم وطوباس وبلدات ومخيمات شمالي الضفة الغربية المحتلة واستهدفت المقاومين بالاغتيال أو الاعتقال، بعد تقديرات أن الوضع في الضفة الغربية أصبح يشكل خطراً سياسياً وأمنياً، أعلنت المؤسسة الأمنية للاحتلال الإسرائيلي يوم الاثنين 2/9/2024، أن الضفة الغربية لم تعد «ساحة ثانوية» بل «ساحة قتال أساسية» تأتي مباشرة بعد قطاع غزة، وأنّها بهذا القرار لا تعتبر عملية «المخيمات الصيفية» بمثابة تغيير في السياسة، أو عملية استثنائية تؤدي إلى القضاء على «الإرهاب»، بل ستكون قاعدة استراتيجية في الصراع.
وكانت صحيفة «يسرائيل هيوم»، قد ذكرت إن إسرائيل تدرس إعلان الضفة الغربية ساحة قتال أساسية، وإن الضفة الغربية كانت منذ السابع من أكتوبر تصنف «ساحة ثانوية» إلا أنها باتت الجبهة الثانية الأكثر أهمية مباشرة بعد جبهة غزة، رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، كان قد صرح أن إسرائيل في حالة حرب مع سبع جبهات، إحداها الضفة الغربية، والباقي: (قطاع غزة، حزب الله اللبناني، أنصار الله في اليمن، المقاومة الإسلامية في العراق، سوريا، وإيران)، بهذا يقصد بنيامين نتنياهو الترتيب أكثر مما يعني التصنيف، الأولى جبهة غزة، حتى تحقيق الأهداف المعلنة للحرب، ولاسيما موضوع الاهتمام الأساسي للإسرائيليين بملف الأسرى المحتجزين في غزة، أما الجبهة الثانية والثالثة، فقد تأخرت الضفة عن لبنان ثم تقدمت عليها في الترتيب، وخضع الأمر للحسابات العسكرية والاستراتيجية. وللمقارنة بين الضفة وبين الجبهة اللبنانية، بين الجبهة الأساسية (الاشتباك المباشر على الأرض، بقوات برية)، والجبهة الثانوية ( تتصف بتبادل القصف بالمدفعية أو الصواريخ أو قصف الطيران)، الحرب على الجبهة اللبنانية تخضع لضوابط، وقواعد اشتباك تهدف إلى عدم توسيع دائرة الحرب، وإبقائها دون الحرب البرية، تصنف ضمن حرب الاستنزاف، كجبهة إسناد لغزة، تهدف إلى تخفيف العبء الواقع على المقاومة في فلسطين، وتربط دورها بوقف إطلاق النار على جبهة غزة، ومن هنا يضع الاحتلال الضفة الغربية كساحة قتال ثانية، وتقديمها على جبهة الشمال مع حزب الله، لكن في مرحلة من التصعيد في الجنوب اللبناني، كادت هذه الجبهة أن تتحول إلى ساحة قتال أولى، تتقدم على غزة، وهي ما زالت مرشحة لذلك، والاحتمالات واردة، في أن تتحول في التصنيف من حرب استنزاف إلى حرب مفتوحة، قام الجيش الإسرائيلي باستعدادات لشن حرب برية واسعة على لبنان، حرب بلا ضوابط ولا قواعد، يريدها المستوطنون المهجرون من مستوطنات الشمال على الحدود مع لبنان، استعجالاً لعودتهم إلى سكناهم قبل موسم الشتاء، وقبل بدء العام الدراسي. لكن في الداخل الإسرائيلي بقيت مسألة عودة الأسرى إلى أسرهم تتفوق على موضوع عودة المهجرين إلى مستوطناتهم، بالإضافة أن جبهة غزة، تتضمن كلا الجانبين، المهجرين من غلاف غزة، وأسرى عملية طوفان الأقصى. من هذه الزاوية وباعتبار مستوطني الضفة في حالة شعور بالقوة في ظل تسليحهم وتشكيل مليشيات شبه عسكرية، قام الجيش بتجنيد آلاف المستوطنين المسلحين في «كتائب الدفاع الإقليمي» لحماية المستوطنات، وقد تضاعف عدد المجندين في هذه الكتائب خمس مرات ليصل حالياً إلى نحو 7 آلاف مستوطن، كما قام الجيش بتوزيع حوالي 7 آلاف قطعة سلاح على هذه الكتائب، ترتيب الضفة في المرتبة الثانية أو الثالثة تحدده التطورات القادمة التي قد تحمل الكثير، وربما يتوسع الصدام إلى حرب شوارع مع هؤلاء المستوطنين الذين يهاجمون التجمعات السكنية الفلسطينية.
من جهة المحللين السياسيين والعسكريين العرب توقعوا أن تظل الضفة الغربية «الجبهة الثالثة»، من حيث طبيعة النشاط العملياتي الهجومي للجيش بعد لبنان، بينما قطاع غزة هو الجبهة الأولى في المرحلة الحالية، أما بالنظر إلى عدد القوات المنتشرة على امتداد الضفة الغربية، فإنها تُعد الجبهة الأولى.
قال محلل عسكري اسرائيلي إنه يوجد 23 كتيبة من جيش الاحتلال في الضفة الغربية حالياً، وحسب تقديرات عدد القوات الإسرائيلية المنتشرة حالياً في الضفة الغربية هو ضعف عدد القوات الموجودة في قطاع غزة، والتوقعات تشير إلى أن الجيش سيحتاج لاستدعاء مزيد من القوات، في حال استمرار التصعيد على نحو أكبر مما هو عليه، واشتعال انتفاضة ثالثة محتملة تفقد الاحتلال السيطرة في الضفة الغربية، ولما لهذه الجبهة من مخاطر مباشرة على المشروع الاستيطاني، سيضطر الجيش إلى تعزيز قواته في الضفة الغربية، وهذا سيخفف من الضغط الهجومي الإسرائيلي على الجبهات الأخرى.
في حرب الخامس من حزيران العام 1967 شنت إسرائيل حرباً على ثلاث جبهات رئيسية ( حرب مفتوحة برية جوية بحرية)، وجبهة واحدة ثانوية (العراق قصف جوي)، يعتقد البعض أن الجبهة المصرية كانت هي الجبهة المركزية بالنسبة لإسرائيل، لفارق القوة العسكرية بينها وبين الجبهتين الآخرين، إنما الجبهات الثلاث كانت في تصنيف هجوم عسكري واحد، إنما اختلف الترتيب، والأولوية في الحشد والعمليات العسكرية، للجبهة المصرية الأولى، ثم الأردنية الثانية، فالجبهة السورية ثالثة.
بعد نحو 11 شهراً من العدوان على غزة، وبدء حرب الإبادة الإسرائيلية، وفشل الاحتلال في تحقيق أهدافه في قطاع غزة، يقول البعض إن بنيامين نتنياهو أصبح بحاجة إلى صورة نصر يقدمها لجمهوره، لإنقاذ سمعته وشعبيته المنهارة، محاولاً البحث عنها في الضفة. بينما يقول آخرون إن الحديث عن تغيير تصنيف الضفة الغربية جاء بعد سلسلة عمليات مؤلمة للاحتلال، قامت بها رجال المقاومة في الضفة، منها تفجير سيارة في تل أبيب، وتفجير أخرى في «غوش عتصيون»، وثالثة في «كرمي تسور»، وإطلاق نار على حاجز ترقوميا، وقد تبع ذلك تحريض في وسائل إعلام إسرائيلية لتنفيذ عمليات عسكرية كبيرة في الضفة الغربية.
هل صحيح القول أن العملية العسكرية «مخيمات صيفية» هي تحول جبهة الضفة من جبهة ثانوية إلى جبهة رئيسية؟. هل هو تغير في التصنيف أم تغير في الترتيب؟. الضفة الغربية ساحة صراع مستمرة، ومعارك مباشرة وجههاً لوجه، ولا يتوقف دورها على إسناد للقطاع مؤقت، مشروط بوقف إطلاق النار في غزة، كما هي حال الجبهة اللبنانية.
يشار هنا أن اقتحامات القوات الإسرائيلية وميليشيا المستوطنين للمدن والقرى والمخيمات في الضفة الفلسطينية استمرت عبر سنوات طويلة اغتيالاً وإعداماً ميدانياً واعتقالاً وتدميراً للمنازل، تصاعدت هذه الاقتحامات منذ ظهور الكتائب المسلحة ككتيبة جنين وعرين الأسود وطولكرم وغيرها قبل 7 أكتوبر، وتحديداً منذ أيّار/مايو من العام 2021، بدعوى كبح أي فرصة لتحولها إلى جبهة تشابه المقاومة في جبهة غزة، وبعد طوفان الأقصى جرى تصعيد آخر جديد بتكثيف الاقتحامات التي صارت شبه يومية لا سيما في شمال الضفة، و زاد اعتماد القوات المقتحمة على الطائرات المسيّرة في مختلف مناطق الضفة الغربية سواء للتجسس والحصول على معلومات أو الهجوم والاغتيال، منها الهجوم في شهر أيار/ مايو 2024 الذي نفذته الطائرات المسيّرة على مسلحين في أزقة مخيم نور شمس للاجئين في منطقة طولكرم، وهو تطور لم يقم به جيش الاحتلال في الضفة قبل السابع من أكتوبر، ومنذ الانتفاضة الثانية، حيث استخدمت الطائرات الحربية في قصف مخيم جنين، مما يدل على أن قوات الاحتلال تواجه صعوبات ومخاطر في ملاحقة ومطاردة المقاومين الفلسطينيين في الضفة، إذ أصبح اعتقالهم أو اغتيالهم عبر التسلل والاقتحام والكمائن على الأرض مكلفاً يدفع الاحتلال ثمنه من أصابات في جنوده، وتدمير في آلياته، بعد تطوير العبوات الناسفة شديدة الانفجار المصنعة محلياً.
التصعيد الإسرائيلي الحالي في الضفة الغربية يتمثل في تطبيق نموذج الحرب على غزة في الضفة، باتباع سياسة الأرض المحروقة والتدمير والتجريف الواسع في كل اجتياح باستخدام الجرافات العملاقة لتدمير البنى التحتية وهدم البيوت وتدمير شامل للبنية التحتية، في أحياء مدينة جنين ومخيمها فقط دمّر الجيش الإسرائيلي نحو 25 كيلومتراً من شوارعها في العملية العسكرية التي استمرت 10 أيام نهاية شهر آب وبداية شهر أيلول في استراتيجية تدميرية لتهجير السكان.
أوضح بيان بلدية جنين أن جيش الاحتلال الإسرائيلي جرف أكثر من 70% من شوارع مدينة جنين و20 كم من شبكات المياه والصرف الصحي وكوابل الاتصالات والكهرباء ما أدى إلى انقطاع المياه عن كامل مخيم جنين و80% من المدينة، إلى جانب ذلك حرق سوق الخضروات الشعبي في المدينة. ذلك في حرب التجويع والتعطيش، واستهدف المشافي، حيث أفاد مدير مستشفى جنين أن قوات الاحتلال تفرض حصاراً حول المستشفى وتعرقل عمل سيارات الإسعاف والطواقم الطبية وتمنع المواطنين من الوصول إلى المشفى، وانقطاع الكهرباء والمياه عنها مما ينذر بتوقف عمل المشفى بالكامل في حال توقفت المولدات.
وحتى يوم الخميس 5/9 بلغ عدد الشهداء في الضفة الغربية المحتلة 39 شهيداً ونحو 150 مصاباً، ما يرفع حصيلة الشهداء إلى 691 فلسطينياً بالإضافة إلى 5700 مصاب، منذ اندلاع حرب غزة في أكتوبر/تشرين الأول، حسب ما أعلنته وزارة الصحة الفلسطينية، كما اعتقل عدد من الشبان خلال العملية العسكرية.
نفذت القوات الإسرائيلية اقتحامات متتالية، في حملات امتدت من شمال الضفة (مخيم ومدينة جنين وأحياء نابلس ومخيم بلاطة ومخيم نور شمس ومدينة طولكرم..) إلى جنوب الضفة واقتحام (أحياء مدينة الخليل والبلدات المجاورة مروراً بمخيم الفارعة ومدينة طوباس)، إلى الشرق ( منطقة أريحا، مخيّم عقبة جبر ومخيم العوجا ..) إلى الغرب (أحياء مدينة قلقيلية وطولكرم). منعاً لتطبيق النموذج الفلسطيني الغزاوي، بما سماه البعض غزغزة الضفة، أو الضفة غزة الثانية، وأطلق الجيش الإسرائيلي عملية «المخيمات الصيفية» وقال عنها أنها مستمرة تحسباً لادعاءاته بتلقيه إنذارات بوجود نية لتنفيذ هجوم على المستوطنات مشابه لهجوم الـ«7» من أكتوبر في مستوطنات الضفة.