مقالات وآراء
رحلة دون تدخل في كتاب سأخون بلدي لمحمد الماغوط: 22 (نعم لم اسمع)// عبد الرضا حمد جاسم
- تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 10 كانون2/يناير 2025 20:00
- كتب بواسطة: عبد الرضا حمد جاسم
- الزيارات: 796
عبد الرضا حمد جاسم
رحلة دون تدخل في كتاب سأخون بلدي لمحمد الماغوط
22 (نعم لم اسمع)
عبد الرضا حمد جاسم
نهض المواطن عرب ابن عروبة ابن عربان مبكرا من فراشه فغسل وجهه بسرعة بالماء المثلج وحلق ذقنه كيفما اتفق بشفرة مثلمة وضرب شعره ضربتين بمشط مكسور ثم القى نظرة عابره الى وجهه وقيافته ثم الى امه واخته قبل ان يتأبط مصنف "قضيته" وينطلق الى دوائر الدولة للمراجعة في شانها لقد استغفلهم صاحب البيت وتنكر لعشرين سنه من صباح الخير يا جار ومساء الخير يا جار وتقدم بدعوة قضائية لإخلاء الماجور وطرهم منه الى الشارع.
ولكنه كان واثقا ان الدولة لن تنساه في محنته هذه وان حربة الظلم لا يمكن ان تنفذ من كل دوائر الدولة من موظفين واختام ومصنفات لتستقر في قلبه واستقل الباص وقصد مكتب القاضي المختص بقضايا المواطنين في وزارة العدل
الحاجب: نعم؟
المواطن: هل سيادة القاضي موجود؟ الحاجب لا انه مسافر
المواطن: الى اين؟
الحاجب: الى جنيف لحضور مؤتمر الحقوقيين الدوليين
المواطن: ومتى يعود؟
الحاجب: لا اعرف وغرق في احدى روايات ارسين لوبين واستقل المواطن باص اخر لمراجعة مسؤول اخر
حاجب آخر: هل الأستاذ فلان موجود؟
الحاجب: لا انه مسافر الى سيؤول لحضور مؤتمر التضامن مع الشعب الفلسطيني
المواطن: ومتى يعود؟
الحاجب: لا اعرف وانصرف الى براد الشاي ليعده ويخمره
واستقل المواطن باص اخر لمقابلة مسؤول اخر
السكرتيرة: نعم؟
المواطن: هل الدكتور فلان موجود؟
السكرتيرة: لا مسافر الى لاغوس لحضور مؤتمر التضامن مع الشعب الارتيري
المواطن: ومتى يعود؟
السكرتيرة، لا اعرف وانصرفت الى مجلة "الشبكة"
واستقل المواطن باص اخر لمقابلة مسؤول اخر
سكرتيرة أخرى: نعم؟
المواطن: هل الأستاذ الدكتور موجود؟
السكرتيرة: لا، انه مسافر الى مالطا لحضور مؤتمر التضامن مع الشعب الكوري.
المواطن: ومتى يعود؟
السكرتيرة: لا اعرف، وغرقت في مجلة "بوردا"
وعندما انتهى الدوام الرسمي وخلت الدوائر والمكاتب من الموظفين والمراجعين ولم يبقى فيها الا الأوراق والمعاملات والمصنفات وبعد ان تورمت قدماه من صعود الادراج وهبوطها لم يبقى امامه ما يفعله سوى الانتظار مرة أخرى مع المنتظرين عند مواقف الباصات للعودة الى بيته واهله وعندما ابتسم له الحظ واقبل الباص شُتِمَ اثناء الصعود ونُشِلَ اثناء النزول.
وعندما وصل الى مدخل الحارة فؤجئ بأغراض بيته مكومة في الشارع وامه واخته تجلسان عليها وكل منهما وضعت يدها على خدها وراحت تحدق في هذا العالم ولما كان بطبعه هادئاً مسالما فقد سئل بهدوء: متى حدث ذلك؟
فأجابته الام دون ان تنظر اليه، بعد ذهابك بقليل.
فربت على كتفها مواسياً وجلس القرفصاء على كومة الأغراض والمعاملة لا تزال تحت ابطه ونظر بحنان الى اخته ال الصامتة الشقية وسأل ما بها؟
فقالت الام فوق همنا هذا ونحن نخرج الأغراض والامتعة وفيما هي منحنية لحزمها جاء احد المارة وقرصها في مؤخرتها
فقال متنهداً: بسيطة
فقالت الام: بسيطة، بسيطة وماذا ستفعل الان والليل قد اقبل؟ هل ننام في الشارع؟
فقال لها: لا تبتئسي يا امي ان الدولة لا يمكن ان تنساني انا واثق من ذلك.
وهنا اقبل نحوه شرطي يجرجر قدميه من التعب وسأله وهو يخرج بعض الأوراق من حقيبته الجلدية: هل انت المواطن فلان الفلاني؟
المواطن: نعم
الشرطي: مطلوب لخدمة العلم
..........................
رحلة دون تدخل في كتاب سأخون بلدي لمحمد الماغوط/ 23 (وجبة اليوم و كل يوم)
عبد الرضا حمد جاسم