مقالات وآراء
عيش بين الخوف والقلق؟// خديجة جعفر
- تم إنشاءه بتاريخ السبت, 11 كانون2/يناير 2025 20:30
- كتب بواسطة: خديجة جعفر
- الزيارات: 735
خديجة جعفر
عيش بين الخوف والقلق؟ ...
خديجة جعفر
إن يكن الموت قد شكل الجانب الأساسي من حياة وشخصية وفكر كيركجارد بعد فقدانه افراد اسرته تباعا وجعلته ضحية مخاوفه وكآبته ومأسَسَةً لفلسفته الوجودية مؤكدا على خطورة الخوف وطغيانه على قلق المعاش معتقدا ان القلق ظاهرة أولية أهدأ وأقل جزعاً، وأن من الأهون على الإنسان أن يتحمل القلق من أن يتحمل الأسى والخوف ، فشكل بذلك بداية الفصل بين حالتي:" القلق والخوف"، ليذهب سارتر اعمق معتقدا بان الخوف والقلق ظاهرتان تستبعد أحداهما الوجه الآخر، ينشأ أحدهما من تحطم الآخر، معتبرا أن الخوف فزع غير واعٍ من موجودات العالم، بينما القلق هو قلق على الأنا، وفزع واع من الذات ، وليس السقوط الا محاولة للهروب من القلق، ومحاولة التصرف وكأن الانسان قادر على إعدامه باعتماد مسلسل الأكاذيب على الذات. وإن يكن الكذب وسيلة دفاعية تجاه ما نعرف وما يشكل مخاوفنا، فإنا لا يمكننا تكذيب ما نجهل، يبقى القلق شيء انساني يمليه علينا الوجود لذات تعي مجهولية مصيرها، فيتغلب القلق على الخوف بحسب سارتر ...
ما يجدر ملاحظته لبنانيا، ومنذ عقود، انه لم يعد للخوف معنى ولا حتى ترجمة سلوكية له، فالناظر يدرك ذلك عبر متابعة بسيطة لتجمعات الاشخاص التي تنتظر بمحاذاة المباني، فتقوم بتصوير مشهد الهدم المقصود لبيوتها بعد تحذيرات العدو خلال الحرب، في يوميات التصوير لكم المجاذر والجثث والاشلاء، حتى بات الفقد معلوما، يمكن ملاحظته، وتوثيقه وقياسه، بالتالي لم يعد فسحة لتشكل حالات خوف، بقدر ما يترك من قلق لمرحلة ما بعد ..
الناظر الينا يراقب عمليات اعدام الخوف في عيش الانتظار، في التبديل الوظيفي للامكنة وللادوات... اللبناني يبني مشروعات للمرحلة اللاحقة مرفقة ب:
" ان كتبت لنا حياة"، فيعيش في فسحة المؤجل، يدخر لمرحلة ما بعد خيانتة للموت المرتقب، لا يستهلك لحياة، يكتفي بالقليل الضروري لحاجاته البيولوحية، بالتالي، لم يعد للاكاذيب على الذات توصيفات سوء النية السارترية، بحيث يعي بوضوح كافة الموجودات التي تسبب مخاوفه.. لقد قتل الخوف بعيش المؤجل ووقع ضحية القلق من جهل المصير، ما يجعله منتميا الى الموت أكثر من الحياة فيستحسن قتامة الالوان من خيوط الكون المتشابكة بين ذاكرة وأمل مجهول الهوية ....
فان يكن القلق احد مقومات الوجود التي لا بد منها باعتباره واقع ملازم كما الفكر والمشاعر والانفعالات لتأكيد حضور في سطوة الموت الذي تنشره الحروب ،فكيف يعاش هذا القلق المفرغ من الخوف من غير مصالحة المعاني من الاشياء؟
ولاننا لسنا في محطة انتظار، نحتاج من يقنعنا بان هذا هو وجه الحقيقة للمعاش. نحتاج يدا تعلمنا مزج الالوان للصباحات، حتى ولو يكن اللون احمر، أحمر ورد، دونه معاني الدم وقد كانت تلك الصبية كلما ارتدت فستانها الاحمر، يغمرها شعور الذبيحة، او ربما قاتلة تعمدت بدم ضحية. نحتاج يدا تضرب الراس مطولا، ربما، لضرورات ان يبدا مصالحتة مع شغب التناقضات، مسامحة الموت، اتقان الاذى، متعة الاستغلال، محبة الفقر ... والبدء باعتبارها مرتكزات وأصول عيش وليست عرضيات طارئة لوجوب انتظار... لسنا ملائكة، إنا نحب ارتكاب الاخطاء لبلوغ نشوة الهدأة، لكننا نريدها اخطاءنا، وليس الملقاة منها عنوة على عتباتنا ..
تسطو ضرورة في ان نسقط المرادفات ،كما لو انها لم تكن، ان نخفيها في ضجيج التناقض، وان تصبح الاحلام عدما والكف عن عار التمني لنكتفِ من ألم السعي للمضي قدما نحو الضفة الاخرى من عيش، نستطيع عندها ان نسأل أبنائنا في غربتهم سؤالا يطمئننا عن أحوالهم وان نرتب معهم لبعض ثرثرات مضحكة، تُنَحي سؤالهم الدائم عن أحوالنا ...
نحتاج ان نتعلم كيف تصبح الغربة ضفة للمصالحة مع محو آن وذاكرة وان نسقط الجواب الملتبس، فما معنى أن نكون بخير وسط المآسي؟ فنصرح باننا لسنا بخير، بعيدا عن ثبات مقاييس الجودة الصحية نسبيا رغم انف الغياب من انظمة الحماية والرعاية وفقدان الدواء ...
يلتبس فينا الغناء في حضرة الجنائز،نؤمن بمقبرة لراحة ارواح الموتى، وليس لفرح الاستغناء عن مُعاش ....
كل اشكال القوة الممارسة في عالمنا، عاجزة عن اسقاط الوجه الاخر من حياة لن تكون، قوة عاجزة حتى عن قتل مفردات الهدوء من لغتنا، وقمعها من اقتحام فضاءات التمني. قوة تصالحنا مع هذا الحذر وذئبية الوهم من الترقب..
ان الحياة صادقة في كونها كرة مهالك، لا تملك وجها اخر لتخفيه، نحتاج استعادة المعلوم ومخاوفه حتى نتسامح مع هذا القلق ...
خديجة جعفر
12 /1 /2025