اخر الاخبار:
طقس من نوع مختلف يشطر العراق إلى قسمين - الأربعاء, 05 شباط/فبراير 2025 19:56
  • Font size:
  • Decrease
  • Reset
  • Increase

مقالات وآراء

أوراق من السيرة الشخصية: فلسطين حاضرة دوماً لإنقاذنا!// يوسف أبو الفوز

تقييم المستخدم:  / 0
سيئجيد 

يوسف أبو الفوز

 

عرض صفحة الكاتب 

أوراق من السيرة الشخصية:

فلسطين حاضرة دوماً لإنقاذنا!

يوسف أبو الفوز

 

 

الكاتب في الكويت. فلسطين حاضرة في الصورة أيضا!

 

مع إحكام الجناح الذي يقوده المجرم صدام حسين التكريتي، لقبضته على مقاليد السلطة في العراق، في منتصف سبعينات القرن الماضي، افترق حزب البعث العفلقي الحاكم تماما عن حلفائه وشركائه السياسيين من القوى الوطنية، الذين عقد معهم العهود والمواثيق، وضربها عرض الحائط، فبدأ بمهاجمة الأحزاب الكردستانية، ثم الأحزاب ذات الفكر الديني الاسلامي، وأنتقل لتصفية الشيوعيين والديمقراطيين بحملة دموية شرسة، وسرعان ما أستدار نحو أعضاء حزبه متوجاً ذلك بمجزرة قاعة الخلد في بغداد، بعد ستة أيام من إنقلابه على (أحمد حسن البكر، الاب القائد)، واستلامه السلطة في 16 تموز 1979، ليبدأ عصر المحرقة التي دخلها العراق والمنطقة، (بأقتدار صميمي) حسب تعابير (فارس الامة العربية)، وجمهرة من الوصوليين والمطبلين من سقط المتاع من مدعيّن وخونة الثقافة والفن يجملّون صورته وحروبه وسياساته الدموية بالأغاني والاشعار والافتراءات حد رسموا شجرة عائلة للديكتاتور المجرم تربطه بالامام علي (ع).

 أيامها كنت ولحوالي عام ونصف أعيش متخفيا ومطاردا من قبل ضباع البعث واجهزته الامنية، فقط لكوني مثل كثيرين، ورغم كل المضايقات والضغوطات، رفضت أكون بعثيا. ومع تولي صدام حسين مقاليد الحكم، بات واضحا للكثيرين، أن العراق مقبل على مصير مجهول، فلم يكن أمام الالاف من أبناء العراق الأوفياء لمبادئهم وكرامتهم، ممن رفضوا سياسة التبعيث الشوفينية، سوى المغادرة، والى المجهول! هكذا منتصف صيف تموز عام 1979، كنت مجبرا لترك وطني مشيا على الاقدام، عبر صحراء العراق الغربية ـ الجنوبية، مع البدو الرحل، الى مدينة حفر الباطن الحدودية في العربية السعودية، والمواصلة الى الكويت، التي سبقني اليها بنفس الطرق، العديد من مثقفي العراق، عرفت منهم لاحقا: الشاعر إسماعيل محمد إسماعيل، الشاعر عبد الكريم گاصد، الفنان طالب غالي، الشاعر الراحل مهدي محمد علي، وآخرين.

في الكويت، التي عشت فيها حوالي عاما كاملا، بهويات منتحلة، قدمت الحركة الديمقراطية الكويتية، ومنابرها الثقافية، خصوصا الصحافة، الدعم المعنوي والفني للكثير من المثقفين العراقيين، الذين يعيش غالبيتهم بشكل غير قانوني، إذ راح الكثير منهم يكتب وينشر بأسماء مستعارة، موضوعات ومساهمات سياسية وثقافية اغاضت السلطات العراقية كثيرا.

وكنت واحدا، من الذين تبنت الصحافة الديمقراطية في الكويت، نشر مساهماتهم القصصية وخواطرهم ومقالاتهم السياسية، هكذا ظهرت نصوصي بأسماء مستعارة عديدة، في مجلة العامل الشهرية، اسبوعية الطليعة، والصفحات الثقافية لصحف يومية مثل القبس، الوطن، الرأي العام والسياسة، حيث عمل هناك محررون من جنسيات عربية مختلفة، وكان الغالب بينهم أسماء فلسطينية ولبنانية عرفوا بميولهم الديمقراطية وحتى اليسارية. ولم يكن اللجوء لأسماء مستعارة، خيارا سهلا لأي كاتب، فمعرفة السلطات الصدامية في بغداد، بالهوية الحقيقية لأي كاتب ستكون لها انعكاسات كارثية على عائلته واحبائه، هكذا نشطت السفارة الصدامية بزيارة اغلب الصحف، مدعية تفهمها لما يُكتب ورغبتها باللقاء مع الكتاب للتفاهم معهم وشرح وجهات نظر الحكومة البعثية الصدامية.

في مجلة الطليعة، كان لي عمود اسبوعي ساخر بعنوان (دردشة)، أجتهدت فيه على مناقشة موضوع الديمقراطية في البلدان العربية، واجتهدت في الاستفادة من أسلوب الكاتب الراحل شمران الياسري ـ أبو گاطع في توظيف الحكاية الشعبية، وأسلوب الكاتب الأمريكي آرت بوخوالد في اللعب باللغة ومرادفاتها وتحوير الكلمات بشكل ساخر. هكذا ظهر مندوب عن السفارة الصدامية في الكويت، في غرفة رئيس التحرير الراحل الدكتور سامي المنيس، يحمل قائمة بالأسماء التي يرغبون باللقاء بها وكان اسمي (المستعار) من ضمنها.

في فترة الاختفاء في بغداد ومدن عراقية، ولحماية نفسي من ضباع السلطات الصدامية ووسط اجواء الملاحقة الشرسة من قبل اجهزة أمن النظام الديكتاتوري المقبور، كان عليّ، وللتضليل، خلق شخصية مختلفة جدا لنفسي، في علاقاتها وأسلوب حياتها وأيضا شكلها وأختيار اسما مستعارا للتعامل اليومي، فحرصت ان يكون قريبا من كنية (أبو فواز) التي عرفت بها خلال نشاطي لسنوات عديدة في (اتحاد الشبيبة الديمقراطي العراقي ــ تأسس عام 1951) وهو منظمة شبابية سرية، منع نظام البعث نشاطها، فأخترت اسم (فوزي عَطية)، و(عَطية) هو أسم امي الحبيبة. واستخرجت بمساعدة أصدقاء هويات باسم (فوزي عطية) بدت مقبولة، نفعتني في مجالات عديدة. في الكويت واصلت استخدام اسم (فوزي عطية). ووسط الحضور الكبير للأخوة الفلسطينيين واللبنانيين في الكويت، في الحياة العامة والحياة الثقافية، فأن (فوزي) كانوا ينادونه : (أبو الفوز)، هكذا وقعت أغلب كتاباتي في مجلة الطليعة باسم ( فوزي أبو الفوز) ليبدو كأسم كاتب فلسطيني، وحين جاء مندوب السفارة الصدامية لمقابلة هيئة تحرير الطليعة، ويبدو مارسوا ضغوطا شديدة عليهم، طلب الأستاذ سامي المنيس، التوقف لفترة عن كتابة العمود، وحين اعاود الكتابة عليّ تذييل المقال بكلمة (بيروت) لتدعي المجلة انها تستلم المواد عبر  البريد ولا معرفة مباشرة لها بالكتاب المعنيين. وللطرافة اعدت كتابة العمود بصيغة مختلفة واخترت له عنوان (بصوت عال) فعلق الأستاذ المنيس: (كانت دردشة صارت صياح، لو باقين على الأول أحسن!)، ومن الجدير بالذكر أن عدد آيار لعام 1980 من مجلة العامل، صودر من الأسواق في الكويت ومنع من دخول العراق بضغط من النظام العراقي بسبب قصة قصيرة لي بعنوان (ما حدث ليلة 7 /12) تحكي موقف حقيقي تعرضت له مناضلة عراقية في دوائر الامن البعثية في البصرة.

هكذا ظن العديد ان (فوزي أبو الفوز) هو كاتب فلسطيني، مهتما بالشأن العربي ومنه العراقي، وأكد لي ذلك لقائي بشخصية أكاديمية كويتية، وهو شقيق لمسرحي كويتي معروف، وكنت بمعية صديق فلسطيني، أتحرك باسم (صباح كريم عباس) وإذ عرف كوني من العراق، ولاحظ عدم اهتمامي بما يجري في العراق وعموم الشؤون السياسية، وكان بيده آخر عدد من مجلة الطليعة، سلمني إياها ناصحا اياي بقراءة ما يكتبه فلان وفلان و(فوزي أبو الفوز) مشيرا الى انهم يطرحون أفكارا من المهم الاطلاع عليها، وبالكاد مسك صديقي نفسه ولم يفضحني، فهذا الـ ( صباح كريم عباس) المتقمص شخصية اللامبالي بما يجري حوله، ما هو إلا احد كتاب مجلة الطليعة وهو نفسه (فوزي أبو الفوز)! وتدريجيا ابقيت أسم (أبو الفوز) وحده، وواصلت الكتابة بهذا الاسم المفرد المستعار طويلا، إذ صدرت لي اول مجموعة قصصية (عراقيون) عام 1985، في ربوع كردستان العراق، ونشرت لي مجموعة من القصص القصيرة في مجلة (الثقافة الجديدة) ودوريات أخرى تحت هذا الاسم. هكذا صار اسم (أبو الفوز) كنية أدبية واسم في التعامل اليومي بين الاهل والاصدقاء.

اسمي الصريح هو (يوسف عليّ هداد)، وانا فخور جدا باسم والدي، عامل السكك، الكادح الفقير، الذي لم يترك لأبنائه بعد وفاته سوى ادوات عمله وتأريخه المشرف، والذي تمتع بصفات نادرة من الايثار من اجل تربية ابناءه، والذي زرع فينا روح الاستقلال والابتعاد عن الاتكاء على أسم قبيلة أو مدينة والخ. وبالمناسبة فأن (هداد) اسم قديم وله معنى جميل، فهو آله العواصف في الاساطير الشرقية، واحسد اشقائي الكاتب الدكتور (جاسم هداد)، والشاعر والكاتب (عبد الكريم هداد)، لأنهم يستخدمونه في نشاطاتهم الثقافية والسياسية.

في عام 1990 وكنت في دمشق، أساهم مع الصديق الشاعر المبدع (كامل الركابي) في اعداد أول ملف عن احداث (الانفال) لتنشره مجلة (الثقافة الجديدة)، طلب مني استاذي وصديقي الدكتور غانم حمدون، وكان وقتها رئيس تحرير مجلة (الثقافة الجديدة)، التخلص من اسم (أبو الفوز) المفرد وأجد اسما مركبا لأوقع به مساهمتي في الملف وعموم كتاباتي لاحقا. حينها لم اشأ استخدام اسما ربما يلغي نشاطاتي وكتاباتي السابقة ويجعل من الاسمين وكأنهما شخصين مختلفين، وسمع الحديث الصديق الراحل الشاعر (مخلص خليل)، وفي نفس اليوم ونحن نتناول طعامنا في مطعم دمشقي سألني العزيز مخلص خليل: (أبو الفوز ما هو اسمك الاول الصريح؟) فقلت: (يوسف)، فصاح: المسألة محلولة (يوسف أبو الفوز). وهكذا ولد اسم صار جزءا من حياتي وشخصيتي.

الطريف ان كثيرين لا يزالون يخلطون بين أسم (يوسف أبو الفوز) وبين أسماء فلسطينية مشابهة، لكتاب وفنانين، ومنهم محرك البحث غوغول، فحين بحثنا مع شريكة حياتي شادمان، عن جواب في تطبيقات فيسبوك عن سؤال: (ما هي الجنسية المناسبة لشكلك؟)، وضع صورتي داخل ألوان العلم الفلسطيني، بل ان صديقا عزيزا أخبرني انه وضع أسمي في محرك البحث للذكاء الاصطناعي فأعطاه معلومات عني بكوني من فلسطين! مرحى فلسطين وجدت لإنقاذنا ولإضفاء البهاء على اسمائنا!

 عن ملحق الصباح الثقافي عدد يوم 2025.1.15

  

للاتصال بالموقع

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.

عنوان البريد الإلكتروني هذا محمي من روبوتات السبام. يجب عليك تفعيل الجافاسكربت لرؤيته.