مقالات وآراء
يا موطني ليش انت من دون الدول صاحت عليك الصايحة؟// محمد حمد
- تم إنشاءه بتاريخ الجمعة, 16 أيار 2025 19:44
- كتب بواسطة: محمد حمد
- الزيارات: 599
محمد حمد
يا موطني ليش انت من دون الدول صاحت عليك الصايحة؟
محمد حمد
عنوان هذا المقال مأخوذ من قصيدة "البارحة شفت الوطن بالطيف" للشاعر الشعبي العراقي عباس چيچان...
العراق بلد فريد من نوعه. وفي السياسة لا يضاهيه بلد آخر في العالم. ومن يتابع شؤون العراق وأحواله يجد كل ما يشفي غليله، في السياسة في المقام الاول، فثمة من العجائب والغرائب لا يجدها المرء في أية دولة أخرى. فالعملية السياسية في بغداد لا تستند، كما هو حال بقية دول العالم، إلى الدستور والقوانين والقواعد المعروفة في إدارة شؤون البلاد والعباد.
في العراق كل شيء يوحي لك بأنه يسير وفق خليط غير منسجم من أمور مختلفة، كالمزاج الشخصي والأهواء والمصالح الحزبية والارتجال في قضايا مهمة وردود افعال غير مدروسة. إضافة إلى المشاعر المتناقضة لهذا أو ذاك من "ربّان" السفينة العراقية. كما ان مبدأ وضع الرجل غير المناسب في المكان الذي يناسب غيره اصبح تقليدا بحكم الواقع المعاش. ولدي من الأمثلة ما يكفي لتأليف مجلّد ضخم تحت عنوان "ديمقراطية حدّث ولا حرج". وبأكثر من لغة.
ولانني اعيش في بلد أوروبي منذ نصف قرن تقريبا وأتابع عن كثب كل ما يجري فيه وفي غيره. أود أن ابدأ من "اهون" الأمور، ولا اقول اهون الشرّين. ففي عراق اليوم اختلط حابل السياسة بنابل الديانة وتغلغت بينهما "الاعراف" العشائرية كرقم يصعب التقليل من شأنه. وانقلبت المفاهيم، التي تربينا عليها لعقود من الزمن، رأسا على عقب ولعدّة مرّات. فصار الخائن بطلا "وطنيا" من الطراز الاول والفاسد تقيّا ورعا من فئة "سيماهم في وجوههم". والسارق مرجعا سياسيا يشار له بالبنان وحلّال مشاكل!
وهنا ثمة أمثلة، وهي لا تمثل الا النزر اليسير من الواقع العراقي:
لم اجد تفسيرا مقنعا لظاهرة (وهي فعلا ظاهرة) وجود العلم العراقي في مقرّات رؤساء الأحزاب والتنظيمات والحركات السياسية المتواجدة في العراق؟ رغم كونهم لا يشغلون مناصب أو وظائف لا في الدولة ولا في الحكومة. ولا ادري ما هدف (الثلاثي غير المرح) المالكي والعامري والحكيم، وهم يضعون علم الدولة الاتحادي خلف الكراسي الوثيرة التي تحتضن، بشكل ودّي للغاية، مؤخراتهم المترهلة؟
هل هي محاولة بائسة لخداع الناس بأنهم "عراقيون قح؟". ام خداع للنفس بوجود منصب "سيادي" مهم ولو على سبيل النخيل والتمنّي؟ وهنا اسمحوا لي أن احيطكم علما بان علم الدولة في أوروبا لا يوضع الاّ في مكاتب الوزراء والمسؤولين الكبار ومن يشغل منصبا رفيعا في الحكومة. اما الأحزاب والمنظمات، بما فيها المنظمات الخيرية، فتضع علم الدولة فقظ فوق البناية الخارجية التي تشغلها. الى جانب العلم او الرمز الذي يمثل ذلك الحزب او ذلك التنظيم. وعادة ما يوضع علم الدولة في العطل الرسمية والمناسبات المهمّة الأخرى. ناهيك عن أنني لم ار أو اسمع ابدا ان رؤساء أحزاب ومنظمات سياسية، إلا في العراق طبعا، يستقبلون وزراء ومسؤولين حكوميين وسفراء اجانب في مكاتبهم. ان أمرا كهذا من المستحيل ان يحصل في دولة اوروبية أو حتى دولة غير أوروبية. ثم ما هي علاقة الحكيم عمار بالسفير الهندي والمالكي نوري بالسفيرة الامريكية والعامري هادي بممثل الأمم المتحدة والبرزاني مسعود بالقنصل البريطاني؟ خصوصا وأن لقاءات هؤلاء تجري بعيدا عن اعين وزارة الخارجية أو من يمثلها.
في الدولة التي اعيش فيها لم أر اطلاقا سفيرا أجنبيا يخرج من محل إقامته أو سفارته الا بالتنسيق والاتفاق مع الدولة التي تستضيفه، وفي مناسبات معدودة جدا. وخلاف ذلك يعتبر تصرفه خرقا صارخا للأعراف الدبلوماسية والسلوك السوي للضيوف الأجانب. وإساءة مقصودة لهيبة وسمعة الدولة. فهل للعراق، مع احترامي للجميع، سمعة وهيبة كبقية الدول؟
ثم ان رئيس وزراء العراق، ويكاد يكون الوحيد في العالم، لديه مستشار لشؤون الرياضة والشباب مع وجود وزير الرياضة والشباب يلتقي برئيس الحكومة كل اسبوع في اجتماعات مجلس الوزراء. سؤال بريء:
ماهي حاجة رئيس الوزراء إلى مستشار لشؤون الرياضة؟ اليس بإمكانه أن يستشير الوزير بدل من إهدار أموال الدولة في منصب "مستشار" لا يحل ولا يربط؟ واذا تضاربت أفكار وآراء الوزير والمستشار فلمن تكون الغلبة ياترى؟
للمستشار طبعا!
رئيس وزراء العراق مع كل ما في منصبه من هيبة ونفوذ وسلطة، قام قبل أيام بجولة "تفقدية" في فندق راقي يسمونه "قلب الدنيا" مخصص لاستضافة الوفود التي ستشارك في قمة بغداد. والهدف من جولة رئيس الوزراء هو الاطلاع بنفسه على ظروف وتحضيرات وجاهزية الفندق لاستقبال اصحاب الفخامة والسيادة والمعالي وما شكل ذلك من الألقاب. فهل يعقل أنه لا يوجد في الحكومة العراقية شخص آخر يقوم بهذه المهمة التافهة إذا جاز الوصف؟
كما أن رئيس وزراء العراق التقى قبل أيام بنقيب أطباء الأسنان. والأمر يبدو بالنسبة للبعض عادي جدا. لا يا اخوان، لا عادي ولا بطيخ! وكان الأولى والانسب بتقيب اطباء الأسنان أن يلتقي بوزير الصحة أو وكيل الوزير او مدير عام الوزارة، خصوصا وأن الوزارات العراقية، والحمد لله وللديمقراطية الفريدة من نوعها، مليئة بشخصيات "بارزة وكفوءة جدا" ومناسبة لكل الادوار المطلوبة!
لكن المشكلة هي ان الجميع، من صغيرهم في المنصب إلى كبيرهم في الوظيفة، يلهثون بحثا عن موطيء قدم، ولو لبضع دقائق، في وسائل الإعلام ونشرات الاخبار التي تكبّر (أو تصغّر) من تشاء بلا حساب أو وجع گلب.
وفي العراق ايضا يقوم رئيس الدولة، وكذلك رئيس الحكومة، بزيارات مكوكية على قادة الاحزاب والكتل السياسية وفي مكاتبهم الخاصة في بغداد وكانه "يستجدي" دعمهم وتضامنهم للبقاء في منصبه الرفيع لأطول فترة ممكنة.. بينما في دول العالم الاخرى يحصل العكس تماما. فرئيس الدولة يُزار ولا يزور! ولكن ما العمل؟
اذا كان ربُّ البيتِ بالدفّ ناقرا - فشيمةُ اهل البيت كلّهم الرقصُ !